الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدرات الانتصار الحتمي لروسيا في الحرب الاقتصادية ــ الاجتماعية

جورج حداد

2024 / 3 / 13
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إعداد: جورج حداد*


تزعم البروباغندا الامبريالية الغربية، وابواقها العميلة والمأجورة في كل انحاء العالم، وحتى في لبنان ــ ضحية الحصار التجويعي الاميركي، ان الامبريالية الاميركية وكتلة الناتو والاتحاد الاوروبي والطغمة المالية العليا اليهودية العالمية، انما دخلت في الحرب الاوكرانية ضد روسيا، (قبل ان تبدأ!)، لاجل دعم ــ وهي تواصل دعم ــ النظام الاوكراني العميل، بالمال والسلاح والخبرة العسكرية والتكنولوجيا الحربية المتطورة، بألوف مليارات الدولارات، "دفاعا عن الشعب الاوكراني وحقه في الاستقلال وتقرير المصير والدمقراطية!"، ضد "العدوان!" الروسي، والعنصرية، والوحشية الروسية، والدكتاتورية البوتينية"!!!

ومن الجانب الاخر، فإن القيادة الوطنية الروسية تقول ان روسيا دخلت في ما اسمته في البدء "العملية العسكرية المحدودة" في اوكرانيا، دفاعا عن المواطنين الروس والناطقين بالروسية، الذين تعرضوا لحملة ابادة عنصرية في اعقاب الانقلاب الفاشي الاوكراني الذي جاء الى السلطة باليهودي الصهيوني الحقير (الهتلر الصغير اليهودي) فولودومير زيلينسكي.
وردا على هذه التخرصات والافتراءات المعادية لروسيا دولة وشعبا، تقول جميع القوى الوطنية الروسية، الموالية والمعارضة للسلطة، انه خلال وجود الاتحاد السوفياتي (بقيادة الدكتاتور الخائن الاكبر للشيوعية ستالين "الجيورجي!"، ثم خروشوف وبريجنيف "الاوكرانيين!")، فإن جميع الجمهوريات الاتحادية "السوفياتية!" كانت "تأخذ!" من الميزانية العامة المشتركة لـ"الاتحاد السوفياتي" اكثر بكثير او قليل مما "تقدم!" لتلك الميزانية، باستثناء الجمهورية الاتحادية السوفياتية الروسيةـ التي كانت تقدم للميزانية الاتحادية المشتركة اكثر بكثير مما تأخذ منها. اي ان كل الجمهوريات الاتحادية "السوفياتية" السابقة كانت تعيش، بقدر اقل او اكبر، "على ظهر" الشعب الروسي.
وكان مئات الالوف، بل الملايين من الشبان والشابات الروس من خريجي الجامعات: العلماء والخبراء والاختصاصيين والمهندسين والاطباء والمعلمين والبنائين والعمال والمزارعين المهرة، ــ وتحت شعارات الاممية الانسانية وتآخي الشعوب ــ يتطوعون للذهاب للعيش والعمل في المناطق النائية في مختلف الجمهويات السوفياتية السابقة الاكثر تخلفا من روسيا، والمساهمة في النهضة العمرانية لتلك المناطق، وبناء المجمعات السكنية والمطارات والمرافئ ومد السكك الحديدية وشق الطرقات الحديثة وبناء المصانع والمعامل ومحطات الآلات الزراعية والسدود المائية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والمعاهد والجامعات والمستشفيات، بحيث تم نقل الكثير من تلك المناطق، من القرون الوسطى ومرحلة البداوة ورعي الجمال والعيش في الخيام، الى القرن العشرين وعصر الفضاء.
وعند حل الاتحاد السوفياتي في 1991 كانت تترتب على دولة الاتحاد ديون خارجية بقيمة 100 مليار دولار. وكان يتوجب على جميع دول الاتحاد السابقة ان تسدد حصصها الى الفيديرالية الروسية، التي قامت بتسديد هذا الدين الخارجي. ولكن الفيديرالية الروسية لم تحصل على اي حصة من تلك الديون من اي دولة سوفياتية سابقة.
وبالاضافة الى ذلك، وفيما خص اوكرانيا بالذات، فمن 1991 الى 2013 قدمت روسيا الى "اوكرانيا المستقلة" مساعدات وقروضا وطاقة (وخصوصا الغاز) بما مجموعه 250 مليار دولار.
والسؤال المفصلي هو: لماذا اذن تسير قوى سياسية اوكرانية (فاشية قديمة ــ جديدة وصهيونية) ضد روسيا، في تعارض تام مع المصالح الحقيقية للشعب الاوكراني، الذي هو اقرب الشعوب الى الشعب الروسي، بل هما تاريخيا شعب واحد؟!
والجواب المنطقي الوحيد هو: انها الخيانة الوطنية التي تدفع بعض الزعماء والشخصيات والمجموعات السياسية والطبقية الى بيع انفسهم للشيطان الامبريالي، وخيانة وطنهم وطعن شعبهم، من اجل بضعة ملايين من الدولارات لكل منهم، وتأمين مصالحهم الشخصية والفئوية على حساب مصلحة شعبهم وبلدهم، ولو ادى ذلك الى خرابه. ولبنان اليوم هو مثال صارخ على ذلك. فإن اللصوص ومصاصي الدماء والمجرمين الطائفيين نهبوا الشعب اللبناني في وضح النهار، ورتبوا على البلاد والاجيال القادمة ديونا باكثر من مائة مليار دولار، واستولوا على ودائع المواطنين في البنوك، بدعم كامل من السفارة الاميركية واسرائيل وحكام ما يسمى "السعودية" وزعانفها، ومع ذلك فهم يصرخون "امسكوا الحرامي!"، ويتآمرون ويوجهون سهامهم ضد المقاومة التي قدمت عشرات الوف الشهداء والجرحى والمعاقين لاجل تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، وخطر الطاعون التكفيري الداعشي، ويتسترون بالطائفية واكاذيب "التغيير" و"السيادة" و"الاستقلالية" و"الحياد"، ويدّعون ان حزب المقاومة، اي "حزب الله"، والطائفة الوطنية الشيعية بانهما ادوات لـ"احتلال ايراني" مزعوم.
ولا يحتاج المرء الى ذكاء كبير لكي يدرك ان مئات مليارات الدولارات التي انهمرت على السلطة الاوكرانية العميلة كـ"مساعدات" مزعومة للشعب الاوكراني، انما يذهب معظمها الى حسابات وجيوب خونة هذا الشعب المظلوم، من سياسيين وجنرالات واعلاميين ورجال بنوك وتجار وحتى رجال دين. ويُدفع قسم ضئيل من هذه "المساعدات" الى عائلات الجنود والضباط الاوكرانيين المضللين الذين يبادون كالذباب على الجبهات وفي المواقع العسكرية الاوكرانية. والصحافة الغربية ذاتها تفيض بالمعلومات حول ذلك، تحت عنوان "تفشي الفساد في اوكرانيا"، والاصح ان ذلك يدخل تحت عنوان "الخيانة الوطنية" وبيع الاوطان كما باع يهوذا الاسخريوطي السيد المسيح بثلاثين من الفضة.
000
وبمعزل عن التوصيف الغربي التضليلي للحرب في اوكرانيأ، والتوصيف "الرسمي" الروسي لها، فإن اي تحليل علمي موضوعي، لاسباب ودوافع واهداف هذه الحرب، يبين انها حرب بين توجهين جيوسياسيين ــ جيوستراتيجيين هما:
الاول ــ هو توجه امبريالي اميركي ــ غربي ــ يهودي عالمي، يهدف الى كسر شوكة روسيا، العقبة التاريخية الرئيسية امام الامبريالية الغربية، وتحطيمها وتمزيقها واستعمارها وتقسيمها ونهب خيراتها.
والثاني ــ هو توجه روسيا، شعبا ودولة، للقضاء النهائي، مرة والى الابد، على نظام الهيمنة العالمية للامبريالية الاميركية والغربية والطغمة المالية العليا اليهودية، وبناء نظام عالمي جديد يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والاخاء والتعاون بين جميع الدول والشعوب والقوميات والاديان والاتنيات في العالم.
وعليه فإنه، الى جانب وبموازاة الاشكال العسكرية والسياسية والاعلامية والفكرية الخ، لهذه الحرب، فإن العامل الاقتصادي ــ الاجتماعي والسياسي، بمختلف الاشكال المالية والتجارية والاقتصادية والسياسية والايديولوجية، يكمن في صلب هذه الحرب، وهو المحرك الرئيسي لها. وهذا ما نحاول مقاربته في هذا البحث.
000
منذ الانقلاب الفاشي في كييف في شباط 2014، وقيام روسيا باسترداد شبه جزيرة القرم التي كانت قد اقتطعت منها في 1954، وانضمام الاسطول الحربي الاوكراني الى الاسطول الحربي الروسي في سيباستوبول، وبدون ان يطلق الجيش الروسي رصاصة واحدة دفاعا عن المواطنين الروس والناطقين بالروسية في اوكرانيا، وقبل 8 سنوات من بداية الحرب الاوكرانية الحالية، بالشكل العسكري، شرعت الكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية وصنائعها، بزعامة اميركا، بشن حرب اقتصادية قاسية ضد روسيا، بدءا بالبلطجة الدولية الموصوفة، المتمثلة في وضع اليد على جميع الحسابات الروسية في الخارج، البالغة مئات مليارات الدولارات، وفرض ما لا يحصى من العقوبات المالية والتجارية والاقتصادية ضد روسيا والمتعاملين معها. وكان الهدف واضحا وهو: خنق روسيا وتجويعها وزعزعتها وتقويضها من الداخل، تمهيدا للانقضاض العسكري عليها من الخارج، انطلاقا من الاراضي الاوكرانية.
والحرب الاقتصادية الامبريالية الاميركية ــ الغربية ــ اليهودية ضد روسيا تستمر وتتصاعد، الى جانب اشكال الحرب الاخرى، ولا سيما العسكرية.
ولا شك ان روسيا لا تقف مكتوفة الايدي، على الصعيد الاقتصادي كما على الصعيد العسكري وجميع الاصعدة الاخرى. وهي تشن حربا اقتصادية مضادة، ردعية تجاه الاعداء، ولكنها مترافقة مع حملة بناءة لتطوير وتوسيع العلاقات مع الحلفاء الاقربين ولا سيما الصين وايران، وجميع الدول والشعوب الطامحة، بهذا القدر او ذاك، الى التحرر من ربقة الامبريالية الغربية.
والسؤال هو: هل ستستطيع روسيا الصمود في هذه الحرب الاقتصادية الشرسة التي لا سابق لها في التاريخ؟!
في رأينا المتواضع ان روسيا ليس فقط تمتلك كل مقومات الصمود، بل وهي التي ستنتصر مع حلفائها وشركائها في نهاية المطاف، وتنتصر معها جميع شعوب العالم التواقة الى التحرر من الامبريالية الاميركية والغربية واليهودية العالمية، بمن فيها شعوب البلدان الامبريالية والتابعة لها، التي ستنتفض على حكامها وانظمتها الاستعمارية والاستغلالية عاجلا او آجلا.
ونشير في ما يلي الى اهم الرافعات والمحركات والمقدرات الرئيسية التي تمتلكها روسيا لتسيير الاقتصاد الوطني الروسي، والتأثير على واعادة توجيه الاقتصاد العالمي برمته.
000
تمتلك روسيا جملة من المقدرات الطبيعية، الاقتصادية ــ الاجتماعية، والعلمية، والبنى التحتية، التي تجعل من روسيا قلعة عصيّة تماما على الهزيمة امام اي تكتل امبريالي عالمي، حتى لو كان يتفوق عليها اقتصاديا وتسلحيا اضعافا مضاعفة. ونورد فيما يلي اهم تلك المقدرات المعروفة في وسائل الإعلام العالمية:
ــ1ــ تُعدّ روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة؛ إذ تبلغ مساحتها 17,075,400 كيلومتر مربع، وهي تقريبًا ضعف مساحة كندا، ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، بعد روسيا. وتستغرق رحلة بالقطار بين موسكو في الغرب وميناء فلاديفوستوك في الشرق سبعة أيام يمر خلالها عبر ثمانية من أقاليم التوقيت العالمية.
ــ2ــ وتشكل الجغرافيا الشاسعة لروسيا عاملاً محددًا مهمًا لنشاطها الاقتصادي، حيث تقدر بعض المصادر أن روسيا تحتوي على أكثر من 30 في المائة من موارد العالم الطبيعية.
ــ3ــ والاراضي الروسية هي على قدر من الضخامة والاتساع، انه يمكن تحويل قسم هائل منها الى اراض صالحة للزراعة ولتربية المواشي والدواجن والاسماك، بما يكفي حاجات اضعاف عدد سكان الكرة الارضية جميعا، من المنتوجات الزراعية واللحوم والمعلبات (الكونسروة) والخبز وجميع المواد الغذائية الضرورية.
ــ4ــ وتمتلك روسيا كل المواد الاولية الطبيعية الضرورية، والقاعدة العلمية والتصنيعية، لانتاج الاسمدة الزراعية، والاعلاف للمواشي، بما يزيد عن حاجات جميع بلدان العالم.
ــ5ــ كما تمتلك القواعد والبنى التحتية الضرورية، العلمية والمنجمية والتعدينية والتصنيعية، لانتاج جميع انواع الادوات والآلات الزراعية لحاجاتها الخاصة ولجميع دول العالم مجتمعة.
ــ6ــ كما تمتلك اضخم ثروة مائية تمتلكها اي دولة او مجموعة دول (كالاتحاد الاوروبي او منظمة الدول الافريقية او اميركا الشمالية او الجنوبية) سواء لمياه الشرب او مياه الري (نسبة حصة روسيا من المخزون العالمي المعروف لمياه الشرب هي 26%).
ــ7ــ وهي تمتلك أكثر من 20% من مساحة الغابات في العالم ، مما يجعلها أكبر دولة غابات في العالم.
ــ8ــ وتعتبر روسيا «قوة عظمى في مجال الطاقة»، حيث لديها أكبر احتياطي غاز طبيعي مؤكد في العالم، وتعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي. كما أنها ثاني أكبر مصدر للنفط.
وتعتبر صناعة البترول في روسيا من أكبر الصناعات في العالم. وتمتلك روسيا أكبر احتياطيات، ولديها ثاني أكبر احتياطي من الفحم، وثامن أكبر احتياطي نفطي، وهي أكبر مصدّر، أو ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بالأرقام المطلقة.
ــ9ــ وبالاضافة الى الفحم والنفط والغاز الطبيعي، تمتلك روسيا احتياطيات اليورانيوم لاجل الطاقة النووية للاغراض السلمية، والقدرة الاستثنائية والتنافسية على بناء المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وكذلك القدرة العلمية والمالية والصناعية، التنافسية، لصناعة ادوات انتاج الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة كالواح توليد الطاقة الشمسية، ومراوح الطاقة الهوائية وغيرها من الابتكارات الحالية او القادمة لتوليد الطاقة.
ــ10ــ وتمتلك روسيا شبكة واسعة جدا من السدود المائية، ومحطات توليد الكهرباء: المائية، والحرارية (الفحم والنفط والغاز)، والنووية، وغيرها.
ــ11ــ وتمتلك شبكة واسعة جدا من المطارات "الداخلية" و"الدولية"، ومن المرافئ والموانئ البحرية المزودة بكاسحات الجليد الكلاسيكية والنووية في البحار الشمالية التي تتجمد في اشهر الشتاء. كما تمتلك شبكة واسعة جدا من خطوط المواصلات النهرية للركاب وللشحن، وكذلك شبكة واسعة جدا من محطات وخطوط السكك الحديدية، ومحطات الباصات والسيارات وكميونات الشحن، والطرقات والجسور والانفاق، ومترو الانفاق في جميع المدن الكبيرة، واساطيل لا تحصى من الطائرات والسفن والباصات والسيارات والكميونات للركاب وللشحن، البرية والجوية والبحرية والانهارية.
ــ12ــ وتمتلك روسيا كل قطاعات الصناعة الثقيلة والخفيفة، بكل انواعها، من"المنشآت الميكانيكية" المخصصة لصناعة جميع آلات صناعة الآلات، وصناعة كل الادوات من الابرة الى الصاروخ الكوني بوزن اكثر من 200 طن.

ــ13ــ وتمتلك روسيا قاعدة علمية، وتعدينية، وتصنيعية، لانتاج جميع انواع الاسلحة من المسدس الفردي الصغير الى اضخم الصواريخ والرؤوس النووية؛ وبهذه القدرات المتطورة الهائلة شديدة التنوع وقليلة الكلفة بالنسبة لاي نوع، تمتلك روسيا القدرة التنافسية لتكون اكبر منتج، وثاني اكبر مصدّر للاسلحة على النطاق العالمي بعد الولايات المتحدة الاميركية.
ــ14ــ و تعد روسيا أيضًا منتجًا ومصدرًا رئيسيًا للمعادن الثمينة والذهب. كما تعد أكبر دولة منتجة للماس في العالم، حيث يقدر إنتاجها بأكثر من 33 مليون قيراط في عام 2013، أو 25% من الإنتاج العالمي، وتمثل شركة ALROSA المملوكة للدولة حوالي 95% من إجمالي الإنتاج الروسي.
ــ15ــ ويوجد في روسيا علماء واختصاصيون وخريجون أكاديميون وجامعيون أكثر من أي دولة أخرى في أوروبا. ويوجد فيها شبكة واسعة جدا من مراكز الابحاث والمختبرات التي يعمل فيها مئات الالوف من العلماء والاختصاصيين في جميع الصناعات والتكنولوجيات والاختراعات الجديدة بما في ذلك التكنولوجيا العليا الحديثة.
ــ16ــ في عام 2013، تم تصنيف روسيا من قبل البنك الدولي على أنها دولة ذات دخل مرتفع.
000
وعلى هذه الخلفية، يأتي في مقدمة مقدرات الدولة الروسية المعاصرة مشغّل او محرك تلك المقدرات وهو:
نظام رأسمالية الدولة والاقتصاد المركزي الموجه، الذي ظل قائما بالرغم من سقوط التجربة السوفياتية بفعل خيانة البيروقراطية الستالينية والنيوستالينية التي فُضحت وسقطت بفضل وعي الجماهير الشعبية الروسية المجربة. وتمتلك روسيا اليوم قيادة وطنية صادقة، منفتحة، حكيمة، صلبة، شجاعة ومقدامة، منتخبة دمقراطيا من قبل الشعب الروسي الباسل، المصهور تاريخيا في النضال المرير ضد العنصرية والاستعمار والامبريالية.
وتدير الدولة الوطنية الروسية حصرا نظام رأسمالية الدولة، الذي وضعت اسسه بانتصار الثورة الاشتراكية الروسية الكبرى في 1917. وهذا النظام يتيح لروسيا المزاحمة والمنافسة وتقديم ارخص السلع في جميع القطاعات على النطاق الداخلي والعالمي، كما يتيح لها تحقيق انتاجية اكبر وبتكاليف ارخص بمبالغ الاستثمار ذاتها.
فقانون القيمة (الذي تتحدد بموجبه اسعار السلع حسب قانون العرض والطلب) لا يعمل بصفة عمياء، من خلال السوق كما في الانظمة الرأسمالية ــ الامبريالية الكلاسيكية، بل يتم تسييره بشكل واع. فقانون القيمة في المجتمع الرأسمالي يتجلى من خلال “استقلالية النشاط الاقتصادي” لكل منتج ومقاول وتاجر ومقرض، أي في المحصلة من خلال هيمنة السوق التي تحكم الجميع. ولكن في نظام رأسمالية الدولة في روسيا يظهر بوضوح أن السوق ــ وهذه هي النقطة الأساسية ــ يتم التحكم فيها بوعي، ضمن حدود معينة مدروسة، وبالتالي فهي ليست رأسمالية كما يفهمها الاقتصاديون التقليديون.
إن قانون القيمة يعمل في روسيا ليس على غرار الرأسمالية الكلاسيكية، بل بوصفه ضابطا لـ"مجتمع قطاع عام" "انتقالي!" بين الرأسمالية والاشتراكية.
إن ما يسبب الصراع داخل الرأسمالية هو حقيقة أن القوانين تعبر عن نفسها بشكل أعمى. لكن بمجرد ان تم في روسيا التأميم الشامل للصناعة، امكن لأول مرة تأكيد الرقابة والتخطيط بوعي من قبل الدولة. والرقابة والتخطيط يتمان، ضمن حدود معينة، تبعا للضرورة. ويتم تحديد تلك الحدود بمستوى التقنية التي ينطلق منها نظام رأسمالية الدولة الروسية، والحاجات الاساسية الضرورية للمجتمع الروسي.
وبموجب هذا النظام تمتلك الدولة انظمة بنكية ومالية وتجارية وطنية مستقلة، منفصلة تماما عن الانظمة الممائلة الخارجية، الا بمقدار ما تقرره الدولة الروسية لاقتصادها الوطني الخاص وضمن الاتفاقات الخارجية التي تعقدها الدولة الروسية مع الدول الصديقة والمتعاملة الاخرى.
وجمبع المؤسسات المالية والتجارية الروسية، ذات الملكية الخاصة، هي ملزمة ــ تحت طائلة القانون ــ بالالتزام بالضوابط والمعايير وشروط التعاملات الداخلية والخارجية التي تضعها الدولة الروسية.
وعليه فإن الدولة الروسية هي التي تحدد السعر الاساسي لكل صنف انتاجي او استهلاكي، وتحدد اصناف وكميات الانتاج، واسعار سلع الاستهلاك الداخلي وسلع التصدير، بصرف النظر اساسا عن الاسواق والاسعار العالمية؛ وهي التي تحدد او تتحكم باسعار صرف العملات الاجنبية تجاه العملة الوطنية، تبعا لحاجات التصدير والاستيراد والسياحة وطبيعة العلاقات مع مختلف الدول، وبمعزل تماما عن بورصة العملات الدولية في الخارج.
وانطلاقا من كل ذلك تمثل الدولة الروسية حاجزا وطنيا بين الاقتصاد الوطني الداخلي، وبين الاقتصاد الخارجي للدولة وهي تحمي الاقتصاد الداخلي من تقلبات الاسواق الحرة الرأسمالية للخارج. ومن ثم فهي تحمي الداخل الروسي من جميع ما يسمى "العقوبات" الاقتصادية الغربية، بل وتسعى لتعكس هذه العقوبات كي تعمل لصالح تطوير الاقتصاد الوطني داخليا، وتقليص النظام المالي والتجاري والاقتصادي الخارجي للدول صاحبة "العقوبات". وقد تجلى كل ذلك في:
أ ــ الاستعاضة عن المنتوجات التي كانت تستورد من الدول الغربية، بمنتوجات وطنية روسية او من الدول الحليفة.
ب ــ عقد اتفاقات مالية وتجارية واقتصادية وتسليحية بمئات مليارت الدولارات، وبالعملات الوطنية، ولعشرات السنين الى الامام، مع الحليفين الكبيرين لروسيا: الصين وايران، ومع غيرهما من الدول الصديقة او المتعاونة.
ج ــ تعمل روسيا بشكل حثيث، بالتعاون مع الصين وايران بالاخص، لاجل انشاء نظام مدفوعات، مالي ــ بنكي عالمي جديد، موازٍ ومنافس ومعاكس لنظام "سويفت" المالي العالمي الاميركي.
د ــ وتتقدم الدول الحليفة الثلاث: روسيا والصين وايران، مع منظمة بريكس وغيرها، بخطى حثيثة نحو طرح عملة دولية جديدة، تواجه ثم تستغني تماما عن الدولار الاميركي.
000
وخلاصة القول في ما تقدم ان روسيا هي "عالم فائم بذاته" وهي تمتلك اقتصادها الخاص، المنفصل بشكل اساسي عن الاقتصاد العالمي الذي تهيمن عليه في العصر الحديث الامبريالية الاميركية ــ اليهودية ــ الغربية، العدو الشيطاني المتوحش لجميع شعوب العالم، بمن فيها شعوب البلدان الغربية ذاتها.
والى جانب كل ذلك يعيش في روسيا اكثر من 110 أمم وشعوب وقوميات واتنيات، من مختلف الاتجاهات الفكرية والايديولوجية والسياسية، وجميع الانتماءات الدينية والمذهبية المعروفة في العالم، وعلى رأسها الامة الروسية العريقة والكنيسة المسيجية الشرقية (الاورثوذوكسية)، وتليها المؤسسة الدينية الاسلامية بكل مذاهبها. وجميع ابناء مختلف الانتماءات القومية والاتنية والدينية، الروس، يمارسون (او لا يمارسون) لغاتهم وثقافاتهم الخاصة وطقوسهم وشعائرهم الدينية الخاصة، بكل حرية واحترام، على ارضية الانتماء للوطن الروسي الجامع، او "الدولة الروسية" الجامعة، او ما يسمى شعبيا "الأم ـ روسيا". وبهذا التدامج والتآخي: الانساني ــ الحضاري، الوطني ــ الاممي، يقدم الشعب الروسي الموحد، بمختلف اطيافه وانتماءاته، المثال الانساني النقيض للعولمة الشيطانية الاميركية ــ اليهودية، كما للصليبية (المسيحية المزيفة) والداعشية (الاسلامية المزيفة)، وهو يقدم النموذج الافضل والامثل لما يجب ان يكونه البيت الانساني الجامع على الكوكب الارضي، وسيكون!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي