الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سقطات الإعلام الغربي وسقوطه (2 من 2)

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 3 / 14
الصحافة والاعلام


نهاد أبو غوش
رافق انحياز وسائل الإعلام الغربية إلى إسرائيل الحرب على غزّة منذ يومها الأول من خلال تبنّي (من دون الحد الأدنى المهني من ضرورات التحقق) التلفيقات الإسرائيلية بشأن قطع الرؤوس وذبح الرضّع وإحراق الأطفال في الأفران واغتصاب النساء وقتل اليهود لمجرّد كونهم يهوداً. وعلى الرغم من أن هذه المزاعم لم تصمد يوماً واحداً، لم تتراجع وسائل الإعلام تلك عن رواياتها، ولم تعتذر إلى جمهورها عمّا اقترفته من خيانة لمبادئها المهنية وللحقيقة. وقد تواصلت مواقفها المحابية لإسرائيل والمناوئة للفلسطينيين من خلال نمط التغطية الذي يُفرد مساحاتٍ موسّعة لعرض الرواية الإسرائيلية، ويختزل تاريخ الصراع والقضية إلى ما جرى في 7 أكتوبر من دون صلةٍ بالاحتلال وتاريخ الصراع ومعاناة الفلسطينيين على امتداد العقود الثمانية الماضية. وكذلك في مجال استخدام المصطلحات التي تصف الصراع، ثمّة قاموس منتقى لمفردات هذا الصراع التي توحي بأن الفلسطينيين يموتون من تلقاء أنفسهم، في حين يُقتل الإسرائيليون على أيدي الفلسطينيين. وأن الضحايا الفلسطينيين مجرّد أعداد وأرقام وإحصائيات، في حين أن لكل فرد من الضحايا الإسرائيليين حياته الشخصية وبيئته العائلية الحميمة، وابتساماته وسط أصدقائه، وأحلامه التي قطعها الموت.
يمثل نموذج الصحفية عنات شفارتس نموذجاً شائعاً لتمرير الانحياز وكأنه شيء عادي، فهذه الصحفية في "نيويورك تايمز" نقلت أخبار "الفظائع والأهوال" عما جرى يوم 7 أكتوبر كما استقتها من مصادر رسمية إسرائيلية، من بينها رئاسة الوزراء والمتحدّث العسكري ومنظمة زاكا الدينية اليهودية المعنية بجمع الجثث، والتي ثبت تلاعبها بالوقائع لتبرّر حصولها على مزيد من الأموال. ولم تكلف الصحفية نفسها عناء التدقيق، حتى بعد أن نشرت الصحف الإسرائيلية عينها شهادات وتحقيقات تنسف رواية الفظائع هذه. لكن الصحيفة لم تتخّذ أي إجراءات بحق الصحفية التي واصلت المبالغة في انحيازها، إلى أن ضُبطت بالجرم المشهود عبر تأييدها العلني تحويل غزّة إلى مسلخ لتعذيب الفلسطينيين، وهو ما دعا متابعين للصحيفة إلى تقديم شكوى عليها ليتبين أنها خدمت في الجيش الإسرائيلي وتتابع دورها السياسي والأمني من موقعها الجديد صحفية.
يبرُز الانحياز في أسوأ صوره وأكثرها ابتعاداً عن الأصول المهنية في البرامج الحوارية التي يديرها إعلاميون منحازون وموالون لإسرائيل، كما فعلت جوليا هارتلي التي اشتهرت بأنها الصحفية الأكثر فظاظة وعدوانية وابتعاداً عن أخلاق المهنة وآداب الحوار. ويتكرّر الانحياز في واحد من أكثر البرامج الحوارية البريطانية شهرة الذي يقدمه بيرس مورغان، ومع أنه أقلّ صلافة من هارتلي، لكنه يصر في كل لقاء على "التحقيق" مع ضيفه بشأن الموقف من 7 أكتوبر، وكأن إدانة "حماس" شرطٌ لأي حوار موضوعي.
من المفهوم أن لكل إنسان أخطاءه الشخصية والمهنية، صحفياً كان أو طبيباً أو سائق شاحنة، وهذا ما يمكن أن نعده بمثابة "سقطات" فردية يمكن احتمالها أو تعويضها. وفي مهنة الصحافة، وبموجب أخلاق المهنة العامة وسياسات التحرير لكل مؤسّسة، من واجب الصحفيين والمؤسّسات الإعلامية التي يعملون فيها المسارعة إلى تصويب الأخطاء فور وقوعها، وأن تنصف من تطاولهم هذه الأخطاء، وأن تحاسب من يتعمّدون ارتكابها أو يكرّرون ذلك من دون حذر أو تبصّر، فمن حقّ الجمهور أن يحصل على معلوماتٍ صحيحة ونزيهة لقاء ما يدفعه لوسائل الإعلام. أما الانحياز المسبق والأعمى لوسائل الإعلام، كما هي حالة تغطية الحرب على غزّة والموقف من القضية الفلسطينية، فلا يمكن احتسابه مجرّد سقطات وهفوات شخصية، بل هو سقوط مهني وأخلاقي تغذّيه المصالح والحسابات السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال