الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة تعليق صور القادة و الشخصيات في الاماكن العامة

رياض سعد

2024 / 3 / 14
الصحافة والاعلام


السياسي الناجح يعرف بإنجازاته , والزعيم الديني النزيه يتبعه الاخرون لصدقه والتزامه بمبادئه وخدمته لأبناء دينه ومذهبه , فكبير الهمة وصاحب العزيمة يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، فضلا عن نشر صوره بين الناس او الدعاية الاعلامية له ... ؛ وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته وعلمه وعزيمته ؛ اما السياسي الفاشل ورجل الدين الدجال ؛ فهما كالكائن الطفيلي الذي يعتاش على اجساد الاخرين ؛ دون أن يكون له أدنى جهد في دعم وبناء تلك الأجساد ... , اذ ان النجاح والانجازات والنزاهة والمبدئية ؛ تأتي نتيجة لتخطيط سليم وعمل صحيح وجهود حثيثة وارادة قوية ورؤية واضحة ... الخ ، وهذه السمات هي التي تميز القادة الكبار عن غيرهم .
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه الاخرون مستحيلا وينجز ما يظنه البعض صعبا ... ؛ وعالي الهمة و واثق الخطوة يعرف قدر نفسه قبل ان يعرفه الناس ، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، ويصونها عن الرذائل , وينزه شخصه عن الدنايا وسفاسف الامور , ويحفظها من أن تهان ويجنبها مواطن الذل والعار , ولا يحملها ما لا تطيق , ويبتعد قدر الامكان عن الشبهات ... ؛ لان ذاته لا تعطى الدنية، ولا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون .
اما الكذبة الدجالون واشباه القادة والفاشلون والفاسدون والعملاء المجرمون ؛ فهم يلجأون الى الخداع والتمويه واللف والدوران والضحك على الذقون , عن طريق رفع الشعارات وتعليق الصور والمنشورات ؛ لذا نسمع منهم جَعْجَعَة ولا نرى طحنا , فهم يعملون على جذب انتباه الاخرين , ومتابعة الناس لهم , من خلال رفع الشعارات وتعليق الصور والمنشورات بل ونشر غسيل الفضائح احيانا , لشد الانتباه اليهم وتسليط الاضواء عليهم ؛ والفرق بينهم وبين القادة الاصلاء ؛ كالفرق بين الارض والسماء ؛ فهم رجال الاقوال والتصريحات والصور والشعارات , بينما القادة الاصلاء والزعماء النبلاء ميدانهم الافعال لا الاقوال , والانجازات لا التصريحات , والحنكة السياسية لا الجعجعة الاعلامية .
وظن العراقيون ان ظاهرة انتشار الصور ولت من دون رجعة , مع هلاك صدام الذي ملئت صوره العراق من شماله الى جنوبه , فقد طبع صور اكثر من عدد نفوس العراقيين بمئات المرات ؛ ولا زلت اذكر ذلك المشهد المؤلم والذي بقى عالقا بذهني , اذ رأيت احد المساكين المرضى و(المكاريد) المتسولين يقف تحت صورة كبيرة للطاغية مكتوب عليها وبالخط العريض : (أن شعب يقوده صدام مكانه الذرى ) ...!!.
ومع كل هذه الاعلانات الشيطانية والدعايات الاعلامية ؛ ومع كل هذه الجهود والاموال لم يزداد الا انحطاطا وبغضا وكرها , فما من يوم يمر الا وتتسع دائرة اعداءه ومبغضيه والحاقدين عليه ؛ حتى تيقن اسياده بضرورة التخلص منه ... ؛ الا ان ظنون العراقيين ذهبت ادراج الرياح ؛ فقد هلك صدام الا ان الصدامية باقون , وذهب الظالم الا ان الظلم لا زال موجود , فالكثير من الظواهر السلبية الصدامية والبعثية والهجينة لا زالت باقية بل وتتمدد ؛ فقد شهد العراق بعد سقوط الصنم , ظاهرة انتشار صور الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية في الاماكن العامة فضلا عن وسائل الاعلام , فقد هيمنت هذه الظاهرة على الحياة العراقية العامة , وقد تسببت هذه الظاهرة بحدوث الكثير من النزاعات والقلاقل والفتن وراح ضحيتها العديد من العراقيين .
علما ان الصورة الذهنية وانطباع العراقيين عن الشخصيات يعتمد على المواقف والافعال والاحداث والانجازات وليس الاقوال والشعارات فحسب او الصور و(البوسترات ) والمنشورات و(السلفي ) وغيرها ... ؛ فالصور وعلى الرغم من انتشارها في كل مكان ؛ لا تصحح نظرة الناس للشخصيات السياسية والدينية وغيرها , ولا تغير احكامهم ومواقفهم تجاه القادة والشخصيات ؛ فالصورة لا تقدم سيرة مشرفة او تزكية شرعية لصاحبها , انما تشرفه المواقف وترفعه المكارم .
بل كانت النتائج عكسية لهذه الظاهرة , فالبعض تتواجد صوره بالقرب من المزابل واماكن القمامة او الشوارع الوسخة والاماكن البائسة والحفر والاتربة والمطبات ... الخ ؛ مما ولد حالة اقتران بين البؤس وصور هؤلاء ؛ حيث تشكلّت هذه الصّورة في أذهان النّاس ؛ فكأنهم والبؤس وجهان لعملة واحدة ؛ فالكثير من الناس يحملون مشاعر الضغينة لبعض المسؤولين , فلا تخلو محادثاتهم اليومية وحواراتهم الاعتيادية من سبّ بعض الشخصيات والمسؤولين , واتهامهم بأنهم سبب الكوارث والخراب الذي حلّ بهم ؛ وزادت وسائل الاعلام المنكوسة والمعادية والطائفية والعربية والدولية من ترسيخ هذه الصورة في نفوس العراقيين , واغفلوا دور الارهاب الطائفي وشراذم البعث والقوات الدولية والامريكان في كل ما حل بالعراق والعراقيين من مصائب وكوارث وازمات ... ؛ فوسائل الإعلام المنكوسة والمعادية حاولت إظهار التجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة والسادة والقادة والنظام الجديد أمام الرأي العام متهمّاً وسبب كل الاخفاقات والازمات والنكبات والاتفاقيات والمؤامرات ... ؛ وذلك من أجل ترسيخ فكرة في أذهان النّاس بأن هناك علاقة وطيدة بين حكم الاغلبية العراقية الاصيلة والفشل والخراب والفوضى ؛ وهذا لتبرئة الاحتلال الامريكي والتدخل البريطاني وغيرهما من أي تهمة , وتجميل صورتهم من جهة ولممارسة ضغوط ضد الاغلبية والامة العراقية من جهة أخرى. وقد نجحوا في مساعيهم , اذ شوهوا سمعة الاغلبية الاصيلة ولفقوا الكثير من التّهم حول قادة وساسة الاغلبية , بينما برؤا انفسهم من كل هذا الخراب الذي يأتي معهم اينما حلوا وارتحلوا .
إنّ المتابع للأعلام المنكوس والمعادي في شبكة الإنترنت ووسائل الاتّصال الاجتماعي يلحظ أنّ البرامج والفيديوهات والاخبار و(البوستات ) والأفلام والمسلسلات والرّسوم الكاريكاتوريّة، والرّسوم المتحرّكة؛ تهدف إلى صناعة الصّور التّشويهيّة والسّلبيّة عن الاغلبية والامة العراقية والتجربة الديمقراطية ... ؛ فقد قدّمت الشّخصيّات العراقية بصورة سلبيّة وبأنّهم أغبياء متخلفون وجهلة ، متطرفون وانتهازيون وجبناء وقتلة وسراق فاسدون ؛ وكلهم وبلا استثناء ، كما عدّتهم أيضًا سبب الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة , وقد أسهم هذا الاعلام ؛ في تشجيع العراقيين على ازدراء التجربة الديمقراطية والقائمين عليها وبغض رجال الاغلبية والامة العراقية بل وعدم احترام القانون والنظام العام والحكومة وغض الطرف عن كل الانجازات والمشاريع ... الخ .
وان تفاقم واتساع ظاهرة انتشار الصور في كل مكان ؛ و وسط هذه الهجمات الاعلامية الشرسة ؛ لا يزيد الطين الا بلة , ولا الناس والجماهير الا نفورا ؛ فالأمة والاغلبية العراقية لا ترتقي الا بعظمة رجالها وقادتها الذين يعلوا صوت افعالهم على اقوالهم , وتسبق انجازاتهم تصريحاتهم , وتعرفهم الناس بسيرتهم وسريرتهم لا بشعاراتهم الرنانة وخطبهم الطنانة ؛ اذ ان مواجهة هذه الحملات الصفراء الحاقدة والهجمات الاعلامية المنكوسة بظاهرة نشر صور القادة والشخصيات فقط وبهذه المبالغة ؛ تكشف بساطة مستوى المسؤولين والشخصيات , و السّطحيّة في العمل والخطيط , والسّذاجة في الطّرح ... ؛ تؤدي فيما بعد الى زيادة الأصوات السّاخطة النّاقمة المعاديّة للأغلبية والامة العراقية والتجربة الديمقراطية والعملية السياسية ... ؛ والحل يكمن في مصارحة الشعب بما يدور خلف الكوابيس وتسليط الاضواء على التحديات الداخلية والضغوط الخارجية , بالإضافةً إلى تفعيل عمليّة الوعي السياسي الجماهيري ... ؛ ورفع وتيرة الانجازات والمشاريع الحكومية , ومحاربة الفساد والفاسدين , وتطهير دوائر الحكومة من الفاسدين والمخربين والبعثيين والارهابيين والطائفيين والعملاء المنكوسين ... ؛ والعمل على صناعة حكومة الاحزاب والمنظمات ودولة المؤسسات والاستراتيجيات لا دولة الصور والشعارات والمجاميع والفئات والشراذم والعصابات والمافيات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية