الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة جديدة لفهم طبيعة الصراع على قطاع غزة. الجزء الاوّل.

نزار فجر بعريني

2024 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


" محاولة إضافيّة لفهم طبيع الحرب على قطاع غزة "
رغم استمرار حملات الإدانة عبر العالم على جميع المستويات الشخصية والشعبية والرسمية لتواصل الحرب الإسرائيلية الإنتقامية المدمّرة على الفلسطينيين ، والمطالبات بإنهاء المجزرة المتواصلة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر ، ورغم ما تبذله دعاية إدارة بايدن لإقناع الرأي العام أنّها تعمل " ...على الجوانب الإيجابية للوصول إلى سلام مستدام،...تشمل أصوات وتطلعات الشعب الفلسطيني في صميم الحوكمة ما بعد الأزمة في غزة... حكماً يعبّر عن مصالح الفلسطينيين، وتوحيد غزة مع الضفة الغربية تحت سلطة السلطة الفلسطينية ."(بلينكن) "( يبدو أصبحت "القدس الشرقية " خارج حسابات واشنطن!!).... مسار نحو السلام الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين "( بايدن )، ورغم كلّ ما يواجهه استمرار الحرب من معارضات إسرائيلية على مستوى النخب السياسية والعسكرية ،وصلت إلى درجة المطالبة "بإسقاط حكومة الحرب عبر إجراء انتخابات مبكّرة " ، تستمر حكومة اليمين االمتطرّف الإسرائيلية في تنفيذ اجنداتها، دون أدنى مبالاة بعواقب ما تقترفه من جرائم ، أو تثيره من ردود أفعال، ساعية إلى تدمير الشروط الموضوعية والذاتية الفلسطينية، اللازمة لقيام تسوية سياسية، تحافظ في سياقها على الحد الأدنى من شروط حياة الفلسطنيين الإنسانية ، وكيان دولتهم الفلسطينية الموعودة.
كيف نفسّر قدرة حكومة اليمين على الاستمرار في مواجهة كلّ هذه التحدّيات؟ وكيف نفهم حقيقة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في ظل ما تدّعيه واشنطن من معارضتها لاستمرار الحرب ، وسعيها لفرض هدنة مؤقّتة جديدة ؟
يعتقد الدكتور مصطفى البرغوثي- السياسي والكاتب الفلسطيني البارز ،وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني- أنّ كلّ ما تقدّمه الولايات المتّحدة من مبادرات، خاصة ما يتعلّق بإمكانية إدخال" قوات ردع عربية" إلى غزة ، في إطار تأهيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، هي " ألاعيب من أجل فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني" وأنّ " إسرائيل لا تريد أحدّ...تريد أن تضمّ قطاع غزة، وما زال مخططها أن تهجّر كلّ سكان غزة إن استطاعت إلى مصر ، ودول أخرى"، وقد
صُدمت "بحقيقة أن الموقف المصري صلب ، ويرفض هذا الترحيل"(١).
وفقا لقراءة الدكتور البرغوثي- طالما أنّه "لا توجد سوى قوّة واحدة تستطيع وقف هذا العدوان فورا، وهي الولايات المتّحدة الأمريكية" وطاما أنّها "لن تفعل ذلك ، إلّا إذا قال العرب للولايات المتّحدة مصالحكم مربوطة بأن تضغطوا على إسرائيل لوقف هذه الجريمة ...إذا لم يفعلوا ذلك ، إسرائيل ستعمل مخططها وستعيد احتلال غزة ،وهذا ما قاله نتنياهو، ب"بقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل على القطاع إلى الأبد"-فإنّ معادلة وقف الحرب إذا ترتبط بالعلاقات بين " الدول العربية " والولايات المتّحدة، بما يضع منطقيا قرار " الحرب والسلام " خارج نطاق إرادة مسؤوليات الحكومة الإسرائيلية و يعني انّ "العرب" مقصّرين في القيام بواجبهم، تجاه ما يخدم مصالح بلدانهم وقضية الشعب الفلسطيني( يتحدّث " إعلام المقاومة "بإسهاب عن هذا " التآمر" العربي !)؛ وهو ما يتيح لقيادة حكومة الحرب المماطلة ، والتسويف، وشراء الوقت عبر مفاوضات " الهدن " ؟
إذ يستثني هذا التحليل فرضية أنّ "إسرائيل دولة مستقلّة"، لا تأخذ حكومتها بعين الاعتبار الجدّي في نهاية التحليل سوى مصالحها الأمنية ، بغض النظر عن تعارضها أو تقاطعها مع مصالح وسياسات الولايات المتّحدة وشركائها الإقليميين والدوليين، (بخلاف " الدول العربية" التي تعجز عن ممارسة هذا الفعل )، يضعنا الدكتور مصطفى البرغوثي أمام رؤية إحادية الإتجاه :
ما تمارسه حكومة الحرب الصهيونية من سياسات يتقاطع عمليا وموضوعيا مع مصالح وسياسات إدارة بايدن الديمقراطية بشكل خاص، والولايات المتّحدة، عموما ، وهذا ما يجعل هذا القرار الإسرائيلي يبدو مستقلّا".(٢)
أين تكمن حقيقة العلاقات بين الحليفين التاريخيين، الولايات المتّحدة و دولة " إسرائيل " أين تتقاطع المصالح والسياسات، وأين تفترق؟ مَن يشتغل لصالح مَن ؟
أوّلا ،
دعونا نحاول فهم طبيعة " الصراع " في حيثيات وعوامل سياق العلاقات التاريخية ولصراعات المستمرّة على السيطرة الإقليمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية:
بداية، تقتضي موضوعية التحليل الإعتراف بدور العامل السياسي الأمريكي الرئيسي في صناعة الأحداث، وتحديد مآلاتها السياسية، وهذا لايقلل من أهميّة وخطورة التحدّيات والعقبات التي واجهت علاقات السيطرة الإقليمية التشاركية للولايات المتّحدة ، سواء على صعيد " إدارة " العلاقات المتناقضة بين شركاء سيطرتها الإقليمية، أو عند مواجهة الجميع لتحدّيات التغيير الديمقراطي !
تكشف حيثيات و صيرورة بناء علاقات السيطرة الإقليمية الأمريكية التشاركية تناقضات بينيّة كبيرة، عجزت سياسات الدولة العظمى عن التعامل معها ب"حيادية " ، وبما يتوافق مع مصلحة الجميع ، وقد شكّلت عقدة التناقضات بين أهداف وأدوات وسياسات مشروعي السيطرة الإيراني – الإسرائيلي أبرزها؛ دون أن نتجاهل بالطبع أهميّة الإنجازات التي حققتها سياسات واشنطن على صعيد مسارات التطبيع بين جميع الأنظمة العربية وإسرائيل، بدرجات متفاوتة، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي . علاوة على ذلك ، واجهت سياسات السيطرة الإقليمية التشاركية الأمريكية تحدّيات استحقاقات تحرر وطني فلسطيني وقومي عربي ، ونهوض ثوري ديمقراطي ، كادت في محطّات تاريخية أن تقوّض سلطات أنظمة مرتكزات السيطرة الإقليمية الأمريكية، شكّل أكثرها تهديدا الحكومة الديمقراطية في إيران ١٩٥١ ١٩٥٣، و الثورة الديمقراطية الإيرانية نهاية ١٩٧٨، و الصراع على السلطة اللبنانية في النصف الثاني من السبعينات، وتمرّدات الربيع العربي الإيراني، ٢٠٠٩ ٢٠١١.
في بعض التفاصيل السريعة :
١تعود بدايات خطط وسياسات السيطرة الأمريكية على الإقليم إلى ثلاثينات القرن الماضي، حين بدأت تتكشّف كمية الثروات النفطية ومخزونها الاستراتيجي، خاصة في المملكة السعودية ،وهي التي تفسّر طبيعة العلاقات التحالفية الاستراتيجية التي قامت بين السلطة السعودية والنظام الامريكي :
صفقة الحماية مقابل التحكّم بالنفط- استخراجا وتسعيرا و أسواقا ، كما تفسّر إصرار الولايات المتّحدة على إخراج بريطانيا من دائرة التنافس على السعودية – ولاحقا ، بين ١٩٥٣ ١٩٧٥،من كامل منطقة الخليج ، على الضفتين الإيرانية والعربية . ذاك التحالف الاستراتيجي شكّل ومايزال أهمّ مرتكزات السيطرة الإقليمية الأمريكية، وقد ترسّخت قيمه قبل " ولادة دولة إسرائيل "، لكنّ العلاقات البرغماتية (الزبونية السياسية، political clientelism )بين" الحليفين" لم تكن دائما في اتجاه واحد !
٢ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من تغيّرات في موازين قوى السيطرة العالمية وصعود الولايات المتّحدة إلى موقع القوّة الأعظم ، وسعيها للاستحواذ على مواقع نفوذ ومناطق سيطرة شركائها الفرنسيين والبريطانيين العالمية والإقليمية، وفي قلب منطقة الشرق الأوسط، (حيث مثلث الطاقة الإستراتيجي وممرات الخليج والبحر الأحمر العالمية)،عملت الولايات المتّحدة على تقويض مرتكزات "الاستعمار القديم" في حكومات الوجهات الديمقراطية" الاستقلاليّة "، وبناء سلطات شبكة جديدة من المرتكزات الخاصّة شكّلتها بالإضافة إلى النموذج الإستبدادي السعودي، سلطات أنظمة الانقلابات العسكري، ونموذجها الناصري التي اضطرّت في سياق تثبيت وشرعنة سلطات انظمتها في مواجهة التقصير في الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي وتحدّيات داخلية ومنافسة إقليمية على ركوب قطارات المدّ التحرري والقومي وبناء علاقات تحالف منفعية مع " الإتحاد السوفياتي "، مما وضعها في مواجهات مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ومع النظام السعودي- أهمّ مرتكزات السيطرة الإقليمية الأمريكية - تماما كما وضعتها أزمتها البنيوية الناتجة عن بنيتها العسكرية الديكتاتورية وفقدان شرعيتها الدستورية في مواجهة استحقاقات فشل مشروع بناء مقوّمات الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ؛ وهو ما خلق المزيد من التحدّيات أمام جهود السيطرة الأمريكية!
في النصف الاوّل من الخمسينات، وبينما كانت السياسات الأمريكية منهمكة في ترتيب البيت الداخلي لسلطات أنظمتها الجديدة ، في مواجهات تحدّيات داخلية كبيرة ، ومنافسة خارجية محتدمة، بقي وضع "إسرائيل الديمقراطية" مأزوما في علاقاتها مع الجميع ، وقد كشف تطوّر أحداث الصراع المتتالية، خاصة بعد غزو العراق ،٢٠٠٣ طبيعة المأزق في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، الناتجة بشكل خاص عن طبيعة الدور الايراني .
في خضم معارك الحرب الهجومية الإقليمية الأمريكي ، أفشلت واشنطن ، بالتنسيق مع موسكو ، المحاولة الأخيرة اليائسة من قبل فرنسا وبريطانيا المتحالفين مع " إسرائيل " لاستعادة نفوذهما في مصر، وانتقاما مما فعلته مجموعة ناصر الأمريكية بالوكيل البريطاني عام ١٩٥٢،( العدوان الثلاثي، ١٩٥٦)،وقد أدركت القيادة الاسرائيلية طبيعة رهاناتها الخاسرة ، وما حصل من تغيّر في موازين القوى الإقليمية ، مما حفّز قيادتها التاريخية وفي مقدمتها " بن غوريون "( رئيس الوزراء ووزير الدفاع بين ١٩٥٥ ١٩٦٣، رائد مشروع بناء قوّة ردع ذاتية استراتيجية إسرائيلة ، تقوم على ركيزتين، النووي والعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة)، على تغيير بوصلة التحالفات والعمل على التشبيك مع واشنطن. ضمن هذا الإطار، بدأت تتطوّر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، في تقاطع للمصالح بين القوتين الطامحتين لبناء أكبر مشروع سيطرة إقليميّة.
في أبرز سمات تطوّر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أنّها أتت في إطار التناقض مع مصالح وسياسات شركاء الولايات المتحدّة الآخرين ،أنظمة النموذج الناصري و المملكة السعودية أوّلا، وفي سياق تناقض مصالح الجميع مع أهداف الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي لشعوب المنطقة ، ثانيا ؛ وهي الحقيقة الموضوعية التي تكشف طبيعة التناقض الرئيسي في الصراع الناتج عن علاقات السيطرة التشاركية الإقليمية الأمريكية، والتي تفسّر ما وصلت اليه مقوّمات الدولة الوطنية من تفشيل !
٣ أبرز التحدّيات التي كان على الولايات المتّحدة التعامل معها في سياق سعيها لتعزيز أدوات سيطرتها التشاركية الإقليمية لم تقتصر على مواجهة استحقاقات التغيير الديمقراطي ، بل وأيضا تمثّلت بكيفيّة إدارة الصراع بين أهداف وسياسات المشاريع المتنافسة الخاصّة بشركائها:
السعودي/المصري -الناصري، والإسرائيلي/ و"المصري - السوري" القومي ، والإيراني- الشاه/ العراقي ، والإيراني – الخميني / العراقي – السعودي – الإسرائيلي- الإماراتي .
٤في هذه المحطّة من التحليل ، ثمّة تساؤلات جوهرية تطرح نفسها :
أ- في مواجهة استحقاقات التغيير الديمقراطي التي باتت بفعل عوامل تشابك أدوات النهب والسيطرة المحلية والإقليمية والدولية طيلة عقود ما بعد " الإستقلال " ضرورة قصوى لحماية السلم الأهلي ومقوّمات الدولة المركزية ، هل استطاعت سياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية التوفيق بين مصلحتها في الحفاظ على مرتكزات شركائها الإستبدادية في سلطات الأنظمة وبين ما تُعلنه حول دعم صيرورات التغيير الديمقراطية ؟
ب- في مواجهة تحدّيات التناقضات بين مصالح وسياسات شركائها الإقليميين ، هل كانت سياسات " العرّاب" الأمريكي" عادلة" في التوفيق بين الشركاء ، أم كشفت عن إنحياز متفاوت الدرجات لصالح هذه القوّة الإقليمية أو تلك، خاصّة لصالح " إسرائيل " أو " إيران "؟
---------------- -------------------------
(١)-
"...كما أثبتت الشعب الفلسطيني انّه مصمّم على البقاء في وطنه. لذلك يلجأ نتنياهو إلى خطة بديلة ومؤقّتة. تهجير كلّ سكان شمال غزة ومدينة غزة إلى الجنوب ،على أمل أن يحدث انفجارا تجاه مصر "..وإنّ .".وما تقوم به إسرائيل اليوم يمثل ثلاث جرائم حرب كبرى : التطهير العرقي ،الإبادة الجماعية، والعقوبات الجماعية" .
"الولايات المتحدة تقول، وهي لا تلتزم بكلامها. بلينكن وبايدن بيشتغل عند إسرائيل بهذا الموضوع. وبيعملوا هاي التصريحات لامتصاص النقمة ، وامتصاص ردود الأفعال، ولكن هل لو أرادت الولايات المتّحدة مش قادرة توقف إطلاق النار فورا ؟ لماذا لا توقف إطلاق النار؟ الولايات المتّحدة تلعب دور مساعد لإسرائيل في تنفيذ خطّتها في إعادة احتلال القطاع "...
(٢)-في آخر تصريحات لرئيس حكومة الحرب ، اليميني الصهيوني المجرم ، نتن ياهو ، نقلت " معاريف " قوله :
"- لدينا اتفاقات مع الولايات المتحدة بشأن الأهداف الأساسية وهناك أيضا خلافات حول كيفية تحقيقها
- سنقوم بكل ما يلزم للقضاء على "حمـ___ـاس" وسنعمل على تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وتقديم المساعدات
- يتعين علينا تدمير "حمـ___اس" وإلا فلن يكون هناك مستقبل في الشرق الأوسط
- عدم القضاء على كتائب "حمـ__اس" المتبقية برفح سيجعلها تعيد تشكيل نفسها وتسيطر على قطاع غزة
- اتفقت مع الرئيس بايدن بأن علينا تدمير "حمـ__اس" ولا يمكننا ترك ربع جيشها في مكانه وهو حاليا في رفح
- تكرار هجوم 7 أكتوبر خط أحمر بالنسبة لنا ولا يمكننا أن نسمح ببقاء "حمـ__اس"
- أغلبية الإسرائيليين يؤيدون سياستنا بتدمير "حمـ__ـاس" وعدم إقامة دولة فلسطينية "
------------------- يُتبع ---------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قرر بوتين استبدال وزير الدفاع شويغو الآن؟


.. أية تبعات لتوقيف صحافيين في تونس؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نتنياهو: عازمون على النصر وتحقيق أهدافه وعودة الرهائن إلى ال


.. أين سيلعب النجم الفرنسي مبابي الموسم المقبل ومن سيخلفه في هج




.. الأضواء القطبية : ظاهرة كونية تُبهر سكان الأرض.. فما سر ألوا