الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلفيات التواطؤ الأميركي الإسرائيلي على الرصيف البحري

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



ليس ثمة شك بوجود دوافع إنسانية وأخوية صادقة لدى عديد الأطراف العربية والدولية، حكومات ومنظمات مجتمع مدني ونقابات واتحادات وأفراد وهيئات خيرية، لإيصال المساعدات إلى غزة باي طريقة متاحة مع استمرار إغلاق المعابر، لكن الطريقة التي يراد بها إدارة الرصيف البحري البحري الذي اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن لإيصال المساعدات الإنسانية من قبرص إلى قطاع غزة، تحرف الفكرة الإنسانية إلى مسار معاكس تماما وهو تكريس الاحتلال. قد يلبي الرصيف بعض المطالب الإنسانية الملحة لمئات آلاف الفلسطينيين الذين يتضورون جوعا، ويُحرمون من أبسط مواد الإغاثة والمستلزمات الطبية. لكن اختزال حاجات الفلسطينيين الملحة في دخول المساعدات الإنسانية بمعزل عن مطالب وقف الحرب، وانسحاب قوات الاحتلال، ثم التسليم بمسؤولية إسرائيل عن التحكم في المواد الغذائية وتوزيعها، ينطوي على مخاطر سياسية جمّة، ويصب في خدمة الأهداف السياسية الإسرائيلية لإعادة هندسة مستقبل قطاع غزة والتحكم به لسنوات طويلة قادمة.
خلافا للانطباع الذي رافق إعلان بايدن عن إنشاء رصيف بحري لنقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والذي أوحى بأن الفكرة أميركية خالصة، وجاءت بسبب التعنت الإسرائيلي لفتح المعابر البرية. تؤكد مصادر إسرائيلية عديدة على أن الفكرة قديمة، وقد طرحتها إسرائيل على قبرص، وعلى الإدارة الأميركية خلال الشهر الأول من الحرب على غزة (أوكتوبر)، ثم جددت طرحها عدة مرات خلال الفترة الممتدة من نوفمبر إلى يناير. وقد ناقش بنيامين نتنياهو الفكرة مع الرئيس بايدن مرتين على الأقل خلال تلك الفترة.
كانت وكالة الصحافة الفرنسية نقلت في 17 نوفمبر اقتراحا قدمته الحكومة القبرصية، لجمع المساعدات الإنسانية وتخزينها في الجزيرة، ثم تفتشيها من قبل إسرائيل، ونقلها عبر الممر البحري بمرافقة سفن عسكرية إلى سواحل غزة. يمكن الافتراض وفي ضوء العلاقات الإسرائيلية القبرصية المتينة حاليا، أن الفكرة هي مشروع إسرائيلي خالص، لكونها تتكامل مع عناصر الخطة التي تعدها إسرائيل لقطاع غزة، وهندسة مصيره بعد الحرب. كما أنها لا تبتعد عن الممر البحري غزة – قبرص الذي اقترحته إسرائيل في بداية الحرب لتهجير الفلسطينيين في ضوء الرفض المصري القاطع لتهجيرهم إلى سيناء، ولعل العائق الأهم لتنفيذ هذا المخطط هو عدوم وجود دولة تستقبل اللاجئين الفلسطينيين بعد أن عرضت إسرائيل الفكرة على أطراف عربية وغربية وتردد اسم دولة الكونغو في هذا السياق.
إذاً فكرة الرصيف البحري المؤقت منسقة بين اسرائيل والولايات المتحدة، ليس فقط بما كشفته الصحافة العبرية عن تداول الطرفين في الفكرة، بل لأنها وهذا هو الأهم، تصب مباشرة في خدمة الأهداف الإسرائيلية تجاه الحرب على قطاع غزة، ومستقبل القطاع بعد الحرب، وصولا إلى مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا يغير من هذه الحقيقة وجود عدة نقاط للخلافات بين واشنطن وتل أبيب، ولا الطريقة التي أخرجت بها إدارة بايدن الفكرة وعرضتها كحقيقة يجب التسليم بها. أما الأهداف الإسرائيلية التي يخدمها اقتراح الرصيف فهي عديدة ومن بينها:-
- أن اقتراح الرصيف البحري يختزل المأساة الإنسانية في غزة بموضوع المساعدات الإغاثية والغذائية، ويقفز عن القضايا الجوهرية التي سببت هذه المأساة وأهمها استمرار الحرب والقتل والإبادة، وإعادة احتلال القطاع، وتهجير معظم مواطنيه من أماكن سكناهم، وكثير من الناس دفعوا للهجرة أكثر من مرة، وتدمير معظم المساكن والمنشآت في قطاع غزة ما يستدعي من المجتمع الدولي الإقرار بمطلب إعادة الإعمار كواحد من الأهداف الرئيسية على طريق إنهاء المعاناة الهائلة للمدنيين من الحرب.
- الاقتراح يشجع إسرائيل على ما خططت للقيام به مسبقا وهو إغلاق معبر رفح، بما يقود إلى قطع الصلة بين عزة ومصر، وإطباق الحصار على قطاع غزة من الجهات الأربع، بالإضافة إلى إغلاق المعابر السبعة الأخرى( بيت حانون- ايريز، المنطار-كارني، صوفا، كرم أبو سالم، الشجاعية- ناحال عوز، القرارة- كيسوفيم، بوابة صلاح الدين قرب معبر رفح) التي تعني تخليا من اسرائيل عن مسؤولياتها التي يحتمها القانون الدولي، كدولة قائمة بالاحتلال تجاه قطاع غزة، وإلقاء هذه المسؤولية في وجه العالم.
- إغلاق المعابر البرية ينسف مبدأ الوحدة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويصب في خدمة المصير المنفصل لكل منهما.
- يساهم وصول المساعدات، على الرغم من الطابع الجزئي والمنقوص، في تخفيف الضغط عن إسرائيل، والحد من الاتهامات التي توجه لها بأنها تستخدم سلاح التجويع.
- يرتبط إيصال المساعدات بحرا برفض إسرائيل وجود أي جهة فلسطينية منظمة (شرطة، تنظيمات، متطوعون) ورفض أي دور للأونروا والمنظمات الدولية في توزيع المساعدات، وكأن الفوضى في هجوم الناس الغريزي على المساعدات هي هدف بحد ذاته، يحقق لإسرائيل جزءا من صورة النصر التي تريدها إلى جانب صور القتلى والمشردين.
- تمكين إسرائيل من التحكم في توزيع المساعدات الإنسانية يساعدها على هندسة مستقبل القطاع، على جميع المستويات السياسية والأمنية والإدارية، والتي ترى المصادر المقربة من نتنياهو (التي تفسر خطته لغزة ما بعد الحرب) أن إسرائيل بحاجة لعشرة أعوام لإنهاء مهمتها في غزة، اثنان للقضاء على حماس، وثمانية لضمان عدم تجدد التهديد والقضاء على الأونروا وتغيير مناهج التعليم وغيرها، ويمكن لإسرائيل اصطناع هيئات وأجسام بديلة عن الهيئات الوطنية القائمة في القطاع، واستخدام المساعدات كوسيلة لتعزيز دور الأجسام المصطنعة، كما فعل الاحتلال مع روابط القرى حين مكّنها من معالجة بعض قضايا الناس واستخراج التصاريح.
لا يمكن إقناع الجوعى والمحرومين بأن هذه الطريقة لإيصال المساعدات تنتهك حقوقهم، ولكن بموازاة ذلك، يجب خوض نضال سياسي ودبلوماسي وقانوني مكثف للضغط من أجل فتح المعابر البرية، وضمان دخول آمن ومستدام ومنظم للمساعدات ومواد الإغاثة. هذه المهام إلى جانب مضاعفة الجهود الدولية والعربية من أجل وقف الحرب وانسحاب الاحتلال لا يمكن أن تقتصر على فصائل المقاومة وخاصة حماس المنشغلة بمهماتها الميدانية، والمفاوضات، بل هي من صلب واجبات القيادة الرسمية الفلسطينية التي مهما قيل عن دورها خلال الحرب، فالتحديات القائمة لا تعفيها من مسؤولياتها تجاه شعبها ومستقبله السياسي، وبخاصة أنها ليست في منأى عن استهدافات المشروع التصفوي الإسرائيلي للقضاء على اي نموذج للكيانية الفلسطينية الموحدة، وإعادة احتلال قطاع غزة. من المهم استثمار موجات التعاطف مع الشعب الفلسطيني والتي ما زالت نشطة بالعمل على تحويلها إلى موجة موحدة لوقف الحرب وانسحاب الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه في كل الأراضي المحتلة بما يشمل قطاع غزة الضفة بما فيها القدس.
*باحث في مركز تقدم للسياسات

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -