الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا هناك من يُركِّزون على ما يُفرِّق في التاريخ الإسلامي وليس على ما يجمع؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


حقيقةً يحتارُ الإنسان عن ماذا سيتحدث في هذا الزمن.. فالعالمُ كلهُ يبدو في حالةٍ من الجنون.. والكرةُ الأرضية تعيشُ حالةً من الصُداع المُزمِن، ليس بسببِ تغيُّر المناخ، ولا ثِقبُ الأوزون، ولا بسببِ ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، وإنما بسببِ شريعة الغاب التي باتت تسودُ أرجاء هذا العالم.. والدّعسُ على كافة القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، وصكوك حقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، التي وضعتها وطوّرتها البشرية على مدى تاريخٍ طويل من عمرها..
أفظع صُوَر هذا الجنون تتجلّى اليوم في جرائم إسرائيل وداعمها الأمريكي في غزّة، حيثُ تعرّى النفاق الغربي، لاسيما الأمريكي، حتى من ورقة التُوت، بعد سفكِ دماء أكثر من ثلاثين ألف فلسطيني غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء، وتشريد مليون ونصف من بيوتهم، ثم جاءت المهزلة الأمريكية لترمي كراتين الطعام بالمظلات للأحياء.. رقّ قلب الولايات المتحدة على الجوعى، ولكنهُ لم يرُقّ على الموتى.. أمريكا لا ترضى الجوع، ولكنها تبارك القتل.. يالها من مهزلة..
لم تعرف المنطقة في تاريخها هذه الحشود والأساطيل العسكرية، التي فاقت تلك الحشود زمن تحرير الكويت..
**
كل ذلك أراهُ عابرا في تاريخ المنطقة.. فقد تعرضت لغزوات واحتلالات كثيرة عبر التاريخ، وكلها مضَت، وبقيت شعوبُ المنطقة، أبناءُ هذه الأرض..
أما الخطير هو أن لا تكون الصراعات الدينية والطائفية عابرة.. وإنما متجدِّدة دوما، وكلما خبَت لبعض الزمن، يتمُّ تسعيرها مُجدّدا.. هنا الخطورة، وهنا التهديد الأكبر لشعوب المنطقة، في العودة إلى زمن الحروب والخلافات الدينية والمذهبية بعد مرور أكثر من 1400 عام..
بل ترى الأتباع اليوم هم أشدُّ خلافا وصراعا من الأسياد قبل 1400 عام..
لستُ داعية إسلامي، وليس ضروريا أن أكون داعية إسلامي حتى أتحدّث بشؤون المسلمين.. ولكن كوننا في شهر رمضان الكريم، فسوف أتوجّهُ إلى كل مسلمٍ على وجه الأرض بهذه الرسالة.. وأبدأ بهذا السؤال: ما علاقتنا نحن أبناء هذا الزمن بخلافات وحروب وصراعات مضى عليها 1400 عام؟.
الأمويون والهاشميون كانوا أبناء عمومة، وأهلاً وأقارباً وأصهاراً.. يجتمعون في الرّحمِ والنسبِ، ويتنافسون في السيادة واللّقب.. وهُم من بنوا عزّ الإسلام والعرب والحضارة الإسلامية العربية.. ولكن التنافس على السيادة، أو الزعامة، دفع بكل طرف لِكسبِ وحشدِ أكبر عددٍ ممكن من المسلمين إلى جانبهِ.. ومن هُنا بدأ تسييس الدين، ثم انعكس ذلك على الدين نفسه، وعلى التفسيرات الدينية وعلى العقيدة والفقه، ونشأت بعد ذلك الفُرَق والنِحل والمِلل والمذاهب، والانقسامات، التي ما زلنا ندفع أثمانها جيلا بعد الآخر.. مع أن القرآن واحدٌ والرسول واحدٌ والشهادةُ واحدة.. فإلى متى؟. هل إلى مدى الحياة؟.
لو كانوا اليوم على قيد الحياة لقالوا لنا، ما شأنكم بنا؟. نحن أقرب لبعضٍ منكم.. اهتمُّوا بشؤونكم الدنيوية، واتركونا مرتاحين في قبورنا..
الخليفة عثمان بن عفان تزوّج اثنتان من بنات الرسول: رُقيّة، وحينما توفيت تزوج أختها أم كلثوم..
والرسول تزوج عائشة بنت أبي بكر.. وتزوج من أم حبيبة بنت أبي سفيان..
ورَملَة بنت علي بن أبي طالب تزوّجت من معاوية بن مروان بن الحكم بن العاص ..
ونفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان، بعد وفاة زوجها الأول..
ورملة بنت محمد بن جعفر الطيار بن أبي طالب، تزوجت سليمان بن هشام بن عبد الملك، ثم تزوجت أبا القاسم بن وليد بن عتبة بن أبي سفيان..
وسكينة بنت الحسين بن علي تزوجت من زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان..
وفاطمة بنت الحسين بن علي تزوجت من محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان..
وعشرات المصاهرات.. عودوا إلى كتُب التاريخ، ومصاهرات بني هاشم وبني أمية.. نعم كانوا أهلا وأقاربا وأنسباء.. فما شأننا اليوم ننقسمُ بينهم، ونعتبرُ أنفُسنا ملوكا أكثر من الملك..
أُدرِك أن هناك من سيرفضون هذا الكلام، من مختلف الأطراف، لأنهم يريدون أن يُبقوا على ما لصقَ في عقولهم من جفاء وبغضاء وعداوة.. ويبدو هذا ما يُرضيهم فقط.. فهذه بالنسبة لهم أصبحت طريقةُ حياة.. أشبهُ بالإدمان..
لن أكون كارها لأحد على أساس دينهِ ومذهبهِ وقوميتهِ.. الغالبية العظمى من أصدقائي زمن الجامعة في السبعينيات كانوا من أبناء المنطقة الجنوبية من سورية، درعا والسويداء، ثم من المنطقة الساحلية وغيرها من المحافظات.. إن كانت الكراهية فعلى أساس ما يُلحِق من ضرر وإساءة شخصية وعامّة..
**
لماذا لا نبحثُ في التاريخ عن الجوانب التي كانت موضع تقارُب وتحابُب وتعاون ونُركِّزُ عليها، بدل التركيز على العكس..
لماذا لا نتذكر أن الإمام علي بعد ستة أشهر، وحينما أدرك أن الإسلام في خطر بسبب أهل الردّة، سارع وبايع الخليفة أبي بكر الصدّيق كي لا يضعف الإسلام ويتلاشى..
لماذا لا نتذكر أنّ الخليفة الفاروق(عمر بن الخطاب) كان يستشير الإمام علي، وأخذ برأيه حينما أراد رجم امرأة ولّدَت لستة أشهر، فقال له الإمام علي إن الله تعالى قال(وفصاله في عامين) فالحملُ ستة أشهر والفصل في عامين، فتخلّى عمر عن رجمها وقال: لولا عليّ هلك عمر..
وللأسف هناك من لا يعترف بذلك مع أن هذا مذكور في كتب: الرياض وتفسير النيسابوري، ومناقب الخوارزمي، وشرح الجامع الصغير، وغيرها..
لماذا لا نتذكّر أن الإمام أبي حنيفة، كان مُناصرا جِدّا للعلويين في مذهبه السياسي، ووقف مع ثورة الإمام زيد بن علي ضد الأمويين، ومع ثورة الإمام محمد النفس الزكية ضد العباسيين، وانطلاقا من ذلك، رفض طلبات أبي جعفر المنصور وعروضهِ عليه باستلام القضاء، فحبسَه حتى توفي.. وهو الإمام الأعظم..
إقرأوا التاريخ لتتبينوا كيف أن أبي حنيفة، وحينما اشتدّ ظلم العباسيين للعلويين(حلفاء الأمس) اتَّخذ موقفا معاديا للعباسيين تأييدا للعلويين..
ألَمْ يتدارس أبي حنيفة مع أئمة الشيعة ويزورهم في ديارهم ويأخذ عنهم؟. ألم يعترف بفضل الإمام زيد بن علي زين العابدين، والإمام جعفر الصادق الذي كان من عُمُرِهِ؟. الإثنان وُلِدا في العام ثمانين للهجرة..
**
وأما الإمام مالك، فقد أفتى بأحقية الإمام محمد النفس الزكية شرعا في الخلافة على العباسيين، وهذا ما كلّفه الاعتقال من الوالي العبّاسي على المدينة وضُرِب حتى خُلِعَت كتفه..
وإن ألقينا نظرة على كتابه ( الموطأ)فسوف نجد كيف أنه اعتبر الاختلافات بين المسلمين اختلافات بالفروع ووصفها أنها رحمة للأمة، وبيَّن أن أصحاب رسول الله(ص) اختلفوا في الفروع، وتفرّقوا في البُلدان وكلّ عَدّ نفسه مُصيبا، وأوضح أن اختلافاتهم رحمة للأمة، وكلِّ يتّبع ما يصحُّ عنده، وكلِّ على هدى، وكلِّ يريد الله..
لم يشأ الإمام مالك أن يجمع الناس كلهم على (الموطأ) ولو أراد لتمكن من ذلك وحَمَلَ الناس كلهم على مذهبه.. وهذه كانت رغبة هارون الرشيد.. فماذا يعني ذلك ؟ أليس درسا عظيما من الإمام مالك لنا جميعا على أن لا نتعصبّ لمذهب دون مذهب وأن يحترم الجميع مذاهب بعض وأن هذه الاختلافات رحمة، وإغناء للإسلام، فلماذا تحوّلت إلى نقمة؟.
**
بينما الإمام الشافعي، فقد (اتّهموه) بالتشيُّع وحاكوا له المؤامرات في قصر هارون الرشيد، الذي اتّهمهُ بالتشيّع، ومناصرة العلويين، حتى بعث بطلبهِ وساقوه مع تسعة من العلويين متّهمين بالثورة ضدّه.. إنه ذات التاريخ اليوم حينما ينشر أحد الدواعش على اليوتيوب قبل سنوات أن (أهل غزّة شيعة لا يجوز نصرتهم ضد الصهيونية).. طبعا هذا لأنهم يتبعون فقه الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الذي كان متأثرا بفقهِ الإمام جعفر الصادق..
وهارون الرشيد وغيره من الخلفاء العباسيين (وبعضهم كانوا من المعتزلة الذين يعتبرون القرآن مخلوقا وليس مُنزَلا) هؤلاء كانوا يحاربون الأئمة ليس من أجل الدين وخوفا عليه وإنما خوفا منهم على سلطتهم السياسية التي كانت فوق كل شيء..
**
في كتُب التاريخ، أن الإمام أحمد بن حنبل، كان يردُّ على من يخالف خلافة الإمام علي بعد عثمان.. وقد روَى فضائل الإمام علي في الصِّحاح، وقال ( وما لأحدٍ بالأسانيدِ الصِّحاح مثل مَا لِعليّ ) ..ونهى عن الخروج بالسيف..
أنا لا أخترعُ من بناتِ أفكاري.. عودوا لِكتُب التاريخ.. أنا أقتبسُ منها..
أليسَ هؤلاء الأئمة، وقبلهم الخلفاء، هم من أهل السلف الصالح؟. إذا لماذا لا نقتدي بمحبتهم لبعض واحترامهم لبعض وتعاونهم مع بعض، ونسيرُ على خطاهم تلك؟.
**
لماذا لا نقتدي بأهل الورع والتقوى والزهد والمحبة في تاريخنا الإسلامي: أبو حامد الغزالي ، محيي الدين بن عربي، جلال الدين الرومي ..الخ..هل أجمل من قول محيي الدين بن عربي :
لقد صار قلبي قابلا كُلَّ صورةِ فمرعَى لغُزلانِ ، وديرٌ لرُهبان
وبيتٌ لأوثان، وكعبةُ طائفِ وألواحُ توراةِ ومُصحف قرآن
أدينُ بدين الحبِّ أنَّى توجّهتْ ركائبه، فالحبُّ ديني وإيماني ..
**
العبرةُ في الإنسان هي حقيقته الروحية وقيمه وأخلاقه وسلوكه ومعاملته وإنسانيته وإحقاق الحق، والخوف من العقاب ومن حساب الله..وعدم التفرقة بين عِرقٍ وآخر، أو دينٍ ومذهبٍ وطائفةٍ، فمنبع الأديان السماوية واحد، والطُرق إلى الله لا تُحصى، وكل الأديان والمذاهب، سماوية وغيرها، بالنتيجة هي طرُقٌ توصِل بالنهاية لذات الغاية، وهي( الله)... فبأي حق يعتبر التكفيريون أنفسهم أوصياء الله على الأرض ويقطعون رؤوس العباد لأنها تخالفهم الرأي والعقيدة؟.
ثقافة التكفير هي ثقافة (الخوارج) الذين خرجوا على الإمام علي لأنه قَبِل بالتحكيم في موقعةِ صفّين.. فلو انتصروا في النهروان على الإمام علي، ماذا كان تبقّى من الإسلام؟.
**
كفى.. كفى بُغضا وكراهية وتباعُدا.. في التاريخ روائحُ دماء، هذا صحيح.. وهذا ليس حال المسلمين لوحدهم.. ولكن في التاريخ أيضا روائحٌ زكية.. فلماذا نستنشق الأولى ولا نستنشقُ الثانية؟.
نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين ولسنا في القرن السابع والثامن الميلادي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في