الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رواية -أحدب نوتردام- للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو الجمال الرائع والقبح الفضيع يتعانقان يتناثران رمادا

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2024 / 3 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


.
لقد شاءت الأقدار أن يولد بطلنا "كوازيمودو" الشخصية الأساسية في رواية "أحدب نوتردام" لقيط قبيح الهيئة أعرج أحدب أعور وأصم . وبهذه التوصيفات الذميمة، شاءت الأقدار أن يصادف رجلا كاهنا بكنيسة نوتردام يدعى كلود .توصل بعد جهد جهيد ومتواصل إلى تعليمه النطق . وبالعاهات ذاتها سيسقط لاحقا في شباك الدفء الإنساني، ويعشق شابة غجرية فاتنة الجمال تدعى الأسميرالدا . يقدم تضحيات من أجلها دون أن يظفر بها زوجة في حياته. لكن هيكله في نهاية المطاف وجد في القبر وهو ينام باطمئنان معانقا هيكل حبيبته في نهاية حياته.
ولأن الحقيقة يجب أن تقال . فإن عملاق الأدب الفرنسي فيكتور هوجو نجح بشراسة في إدخالنا إلى غياهب عوالم باريس الغامضة الملفوفة بالسحر وفتنة القرون الوسطى. لقد حبس أنفاسنا لساعات وشد اهتمامنا بمهابة من خلال البناء الدرامي لروايته وجمالية السرد السلس الملتاع لمتنها ، ففي روايته «أحدب نوتردام" الممتعة والمأساوية في آن، استلهم فيكتورهوجو وقائع وأحداث وجعلها تنبض بقيم التعايش الإنساني إبات تلك الحقبة .وتتأرجح بين الحب والأمل والفداء تارة، و النفاق والخيانة تارة أخرى . لقد جعلنا هذا الشامخ المنيف نتعرف بحنان وشفقة على الحياة المشؤومة لكل من البشع المظهر كوازيمودو قارع أجراس كاتدرائية نوتردام . ونتعاطف بمزاج فاتر ومتواتر مع الكاهن كلود فرولو الذي علم كوازيمودو النطق ، حتى وهو رئيس الكهنة المعذَب . و أسرنا بفتنة بسحر وجمال الأسميرالدا الراقصة الغجرية الجميلة وعشيقها الواهم فوبس ،القائد العسكري الوسيم الذي سيخدع الأسميرالدا الغجرية بإيهامها بحبه لها لأسباب كيدية . ولإضفاء منطق السياق التاريخي والحضاري سيخلص بنا في النهاية إلى الاقتناع بأن لا فضاء غير كنيسة ( Cathédrale Notre-Dame de Paris)‏ يمكن أن يكون مسرحا حيا تدور فيه أهم فصول روايته العجائبية . من هنا نستحضر كثافة ودلالة قولة الشاعر الفرنسي الكبير ألفونس دي لامارتين (1790-1869) الذي لم يكن مبالغا ولا مغاليا حين وصف فيكتور هوغو بعد ظهور رواية "أحدب نوتردام " بـ "شكسبير الرواية" في الأدب الفرنسي ."
ولرفع منسوب الشفقة لدى القارئ تجاه البطل كوازيمودو . يبتكر هوجو مصيرا آخر أكثر فضاعة كان ينتظرهذا الطفل اللقيط المسكين الذي أصبح بعد مرور الوقت قارع أجراس كنيسة نوتردام . لقد مزقت الأجراس طبلة أذنيه ، فأصبح مصابا بالصمم ، وبذلك يتم إحكام قفل الباب الوحيد الذي كانت الطبيعة قد تركته له مفتوحا على العالم . لقد انضافت عاهة جديدة إلى عاهاته القديمة البشعة . ومع مرور الوقت وبفضل جهود القس ،أصبح كوازيمودو يتكلم . وباتت الكنيسة قطعة منه، يحيا فيها وينام فيها، لا يخرج منها أبدا أو يكاد. لقد كانت مسكنه ملاذه الدائم حيا وميتا.
عندما فرغت من قراءة رواية "أحدب نوتردام "للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوجو كاد سروري يعانق السماء .كنت مثل طفل في الخامسة يفرح بحلوى لذيذة .ومن فرط متعتي ولذة القراءة والتماهي مع قيم الجمال والقبح كتيمة جوهرية .حدثت نفسي بصوت مسموع . لو كنت كاتب هذا العمل المذهل ترى ما هو العنوان الذي اقترحه ؟ وعلى الفور شرعت العناوين والاقتراحات تتدفق تتلاطم في مخيالي متداخلة متنافسة مثل أسماك صغيرة تنزلق إلى نفق مسدود. وفي النهاية بدا لي أن أفضل عنوان لهذ المنجز الأدبي الفرنسي الخالد هو: الأسميرالدا والمشنقة- قلب جميل في جسد قبيح- أنا جد قبيح فلا تنظري إلي اسمعيني فقط -الجمال الرائع للاسميرالدا، والقبح الفظيع لكوازيمودو- جمالها الرائع وقبحها الفضيع، فأيهما سأختار؟
وإذا كانت القصة كلها تدور حول كوازيمودو (بطل الرواية) ذلك الطفل الأحدب اللقيط قبيح المظهر ابن عائلة غجرية أتت إلى نوتردام بهدف السرقة .غير أنهم أفلتوا من قبضت قس الكاتدرائية واحتفظ بكوازيمودو معه ليربيه في كنيسة نوتردام. ويدربه ليكون قارع الأجراس في الكنيسة وتتطور الأحداث ليسقط كوازيمودو في حب فتاة غجرية فاتنة الجمال .ويقدم تضحيات من أجلها . فبوسعنا إعلان نجاح المؤلف بميزة مشرف جدا في تقديم شخصية خيالية "الأحدب" بمزيج من بشاعة المظهر وقباحة الشكل مقابل سماحة وحنان الوجدان الداخلي والصفات الحميدة في الأعماق النفسية للبشر .
لنلق نظرة أيها القراء الأعزاء على شخصيات الحبكة وحضورها في المتن الروائي لهوجو نتعرف على هواجسها تصرفاتها أهوائها ونجاري تمثلاتها ورؤاها أهدافها الظاهرة والخفية في فهم الحياة . ولنبدإ بالطفل اللقيط كوازيمودو الأحدب القبيح الهيأة البشع المنظر .ولم جاء حضوره في المتن الروائي مقززا؟ لقد أراد الكاتب أن يبرز لنا كيف أن الحكم على الكائن البشري من خلال الشكل الظاهري مجانب للصواب . وأن ما تراه العين ليس دائما هو المثال . فالمنظر القبيح قد يحمل داخله أحسن الصفات وأجمل الفضائل. وقد يكون شحنة خير لا يمتلكها البشر الجميل الشكل والمظهر
أما الإسميرالدا تلك الطفلة التي تم خطفها وهي صغيرة وكبرت خارج نطاق الأمومة ،وظلت 15 سنة تبحث عن والديها، وهي أيضا الشابة الغجرية الراقصة الساحرة والفاتنة،وهي الرامزة للحرية والقوة والصمود رغم المتاعب والمحن لا تقبل بالرخيص وتضحي من أجل السمو مهما كان مكلفا . مقابل شخصية الكاهن الساحر كلود فرولو . فهو عاشق مجنون للأسميرالدا لا يرى شيئا آخر بديلا عنها ومن أجل ذلك يعيش داخل شخصية متناقضة،تتأرجح بين الحب والشر، بين الإيمان واللايمان .حتى أنه سيدفن في أرض غير مقدسة عقابا له.
فوبوس الجندي الوسيم الذي أحبته الغجرية حتى العبادة . لكنه سيتزوج من خطيبته فلور، نموذج لشخصية الأحمق المخادع. أما بطرس جرانجوار الشاعر والفيلسوف رجل الكلمة الذي سجل فيما بعد نجاحا كبيرا في كتابة المأساة بعد سلسلة من الإخفاقات والتحديات . وفي المجمل تتأرجح أمزجة شخصيات الرواية بين زواج لم يبدأ ولا نهاية له . وعرابدة سكارى يسوقهم البحث عن الملذات فقط. وأم مسكينة تعيش القهر والاغتصاب وعجوز شمطاء مريبة. شخصيات تحمل الكثير من معاني الحزن والبؤس وأنواع الشرور كما ترمز لتناقض المشاعر واختلاف الأمزجة عند بني البشر في تدبير الشكل الاجتماعي للحياة . فذلك الكوازيمودو الذي رآه العالم كتلة من القبح، ظهر في نهاية المطاف كتلة من الحب والحنان. فبعد أن اختفى من كنيسة نوتردام يوم إعدام الغجرية حبيبته لم يعد له أثر . لكن بعد مرور سنتين على هذه الأحداث المأساوية. وبينما كان الجنود يحفرون لإخراج جثة دفنت قبل يومين بأمر ملكي. وجدوا بين بين كل هذه الجثث والهياكل البشعة. هيكلين متعانقين هيكل امرأة وهيكل رجل لوحظ في عموده الفقري انحناء ظاهرا، وأن جمجمته غارقة بين عظمتي الكتفين. إنه كوازيمودو الأحدب الأسميرالدا الغجرية في عناق أبدي وعندما حاول بعض الجنود فصل الهيكلين تناثرا رمادا.
وفي كرونولوجيا الأدب الفرنسي يؤكد النقاد والمتتبعون أن الكاتب فيكتور هوغو كان دائما ضد الظلم وغياب العدل . وظل منصتا لصوت الضعفاء والمحرومين كمبدإ، وهوما جسده بقوة في أحد أقوى شخصياته الروائية (شخصية كوازيمودو القبيح الأحدب) الذي أحب الأسميرالدا الشابة الغجرية الفاتنة الجمال - حب رجل لامرأة - وقد حاول التضحية بحياته من أجلها. والمعنى هنا أن الأحدب ببشاعته الخلقية وعاهاته المرفوضة اجتماعية باستطاعته أن يحب . وأن يسقط في شباك الدفء الإنساني ويعشق امرأة فاتنة الجمال . فالحرمان هنا يجد متنفسا أدبيا رفيعا يعكس رؤية الكاتب وذكاء فكرته. إنه البديل الرؤيوي للعدالة في الأرض ونضج بالغ الحساسية لتنزيلها على مستوى الرؤية والتصور. ومن المفارقات الدالة أن الشابة المعشوقة لم تسخر من عاهاته كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع. بل جارته في عواطفه دون خدشها. فالقبح فان، لكن الإحساس بالجمال في العمق الأنسي باق وإلى الأبد.
" لقد ظل كوازيمودو قابعا خلف جدران الكاتدرائية-رهبنة المجتمع - منعزلا عن العالم، عاجزا عن أي اتصال خارجي، تبعده عن العالم عاهاته وقبح منظره ، فالمجتمع هنا أو منظومة الحكم بالأحرى متهمة باحتقارها الضعيف وعزلها له ." لقد تحول الأحدب إلى كيان منعدم وعاجز عن الفعل حتى تأتي الشرارة التي أنارت ما بداخله المتمثلة في الجمال الإنساني (المرأة)، ويتفوق أحدب نوتردام على الجميع بأن يصبح أفضل منهم" يقول هوجو عن كوازيمودو « من الآثار التي سببت له البؤس هو أنه قد أصبح خبيثا بقدر اجتماعي ليس إلا . لقد كان في الواقع خبيثا لأنه كان متوحشاً، وكان متوحشاً لأنه كان بشعاً." لقد كان منذ خطواته الأولى بين الناس يشعر بأنه مرذول، مهان من الجميع. فكان النطق البشري في شأنه سخرية أو لعنة ليس إلا، حتى أنه لم يجد خلال نموه غير الحقد من حوله. فأخذ هذا الحقد واكتسب الخبث العام، لقد التقط السلاح الذي كانوا قد جرحوه به. لم يكن يلتفت إلى الناس إلا مُكرهاً. لقد كانت كاتدرائيته تكفيه فهي ممتلئة بصور الرخام، ملوك وقديسين وأساقفة ممن لم يكونوا يسخرون به، لأنه يشبهها إلى حد بعيد.
داخل المتن الروائي نتعرف على ما حدث أواخر العصور الوسطى في باريس . حيث يتم اختيار كوازيمودو ليكون زعيم المهرجين في احتفال سنوي يسمى «احتفال المهرجين» وهذا ما لم يرده سيده، حيث أراده أن يقضي بقية عمره في الكنيسة .وألا يظهر أمام الناس بسبب مظهره السيئ. ولكي لا يرعب الناس. كانت الفتاة الغجرية الأسميرالدا من الشخصيات الهامة في احتفال المهرجين واكتسبت إعجاب الناس برقصها مغرية ملاحقيها ومنهم فرولو الكاهن. يفشل دوم فرولو بجذبها إليه فيحاول أن يمتلكها بالعنف والاغتصاب. أُحيل كوازيمودو إلى المحكمة وحُكم عليه فيما بعد بالتعذيب في ميدان جريف لمدة ساعتين. ودار على حبل المشنقة واستهزأ به الحشد وتعرض جسده للإهانة. توسل للحصول على بعض قطرات من الماء، لكن لم ينتبه إليه أحد حتى تقدمت إسميرالدا وسقته بعض الماء. شاهدت الراهبة باجوت، التي كانت تعيش في عزلة في مكان قريب، هذا المشهد وصرخت قائلة إن إسميرالدا كانت لصًا غجريًا وألقت باللوم عليها في اختطاف ابنتها قبل 15 عامًا. وتتطور الأحداث في سياقات جاذبة حتى تقف الأسميرالدا أمام حبل المشنقة أمام أعدائها والشامتين" لقد كان مثير حقا أن تهبط هذه الحماية من كوازيمودو إنسان في مثل هذه البشاعة فوق إنسانة في مثل هذا البؤس محكومة بالموت. حدث هذا بساحة نوتردام بينما كانت جموع غفيرة من الناس تنتظر بشوق وصول الغجرية المحكوم عليها بالموت في ساحة غريف وكانت غريمتها الحبيسة أكثرهم شوقا لرؤية الغجرية تتأرجح تحت حبل المشنقة ". وهنا كانت النساء تبكي وتضحك ، والجماهير تضج بالحماسة ، اذ كان لكوازيمودو في هذه البرهة جماله الرائع حقا ، لقد كان هذا اليتيم يشعر بأبهته وقوته ، ينظر الى هذا المجتمع الذي نفاه وأبعده ، وقد تحداه بمثل هذه القوة الفائقة ،مجتمع ينظر إلى اللقيط المرذول إنها العدالة السماوية في مواجهة فوضى الأرض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا