الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة مرارة قهوة الكتابة.

صباح حزمي الزهيري

2024 / 3 / 15
الادب والفن


مقامة مرارة قهوة الكتابة:
الكتابة هي حصان طروادة الذي نحتاجه لأقتحام ذواتنا , لأنها كل ماتبقى من زمن لم يتبق لنا شيء فيه , لأننا نؤمن ان بالكتابة يمكننا التآمر على الوقت , ولأنها وسيلتنا الوحيدة لمعانقة الأرواح , لقد سجل التاريخ ان أقلاما كثيرة غيرت مسارات جيوش , ولكنه لم يسجل ان جيشا استطاع ان يغير مسار قلم حر واحد.
تبدأ ممارسة طقوس المرارة الصباحية داخل فنجان قهوة , حيث لابد من ادراك العلاقة بين مرارة القهوة والحياة , ولأننا نجهل تراتيل البن تتراكم الأسئلة في الأذهان , فتأتي امرأة أغلب الظن أنها لاتجيد قراءة الحروف لتقرأ ماتلملم على حافة الفنجان المر.
كنا قد قرأنا أن العرب ليسوا سوى ظاهرة صوتية , عكاظ , وذو المجاز , ومجنة , ودومة الجندل ,هي أسواق كان اجدادنا يبيعون فيها الكلام , وكان النابغة رئيس غرفة التجارة الذي يفاضل بين بضاعة حنجرة وأخرى, والمثير للضحك أنه حين أفنى الرجال عمرا في تدبيج قصائدهم قضى النابغة بأن أشعر العرب أمرأة.
قد يحتوي القلب أمواجاً عاتيةً و عواصف ثائرةً وبراكين متفجرةً, لكنها مقهورة وراء جدار النفس السميك تنفرد بصاحبها وتحاصره وتؤرق ليله دون أن يجد للخلاص منها سبيلاً وإذا مات دفنت معه في قبره, أما حين يكتب الإنسان فإنه يغادر مربع المحدودية والعجز ويتجاوز قيود النفس والزمان والمكان فيشارك عالمه الداخلي مع العالم الخارجي ويعرض على الناس بضاعته فلا تظل المعاني ملكاً خاصاً يستحوذ عليه في قلبه إنما تشيع وتلاقي شبيهاتها من الأفكار فتتفاعل وتنضج وتستوي على سوقها فيأخذ الناس منها ما ينفع حياتهم لتحقق الرسالة المنوطة بها بالتأثير والتحقق في عالم الواقع.
السابقون كتبوا أن المحكمة برأت الذين أغتالوا المتنبي وقد جاء في الحيثيات ان الذي قتله بيت شعر قاله لحظة غرور, وقد تبين ان الكتب قاتل محترف فقد ضبطوها بالجرم المشهود فوق جثة الجاحظ , وجاء في محضر التحقيق انها خنقته حتى الموت , ومن يومها اعتبروا ان الكتابة شروع في القتل , اما انا فحين بدأت الكتابة أشرت انه بعد أنتهاء حرب الأميركان عام 1991 , قال الشيخ الذي فقد يده اليمنى بقنبلة ذكية لحفيده الذي فقد ساقه بقنبلة أذكى : حمدا لله الذي أنجانا من صواريخ توماهوك الغبية, ثم أن جارلنا لم يبق له أحفاد ليسامرهم ,فقد كفت بلاد سومرعن ممارسة السمربعد الأحتلال , ولكن المذيعة على قناة الجزيرة قالت ذاك المساء وهي تسامر الجار : لقد جاؤوا بحثا عن اسلحة دمار شامل , وما حل بكم هو الدمار الشامل , بقي ان يعثروا على الأسلحة وينصرفوا, وقلت مساؤكم موشح بالدم أيها القتلة, وحين اكتب في مجال آخر مثلا لا أستطيع ان اتقمص دورا لبائعة الهوى , لاأستطيع ان اكتب كيف ان جسدها ينادي عليك وروحها تلعن شجرة عائلتك وصولا لسابع الأجداد , لايمكنني ان اتصنع ألما لا أعيشه ولو لأجل المال, و بالنسبة للإنسان الذي أحتل وطنه, تصبح الكتابة مكاناً يعيش فيه.
الكتابة ليست شأناً يسيراً, بل هي نفحة من روح القدس, الكلمة قد تقيم عدلاً وقد تمنع حرباً وقد تصحح مساراً وقد تغير تاريخاً, يقول الإنجيل: (( في البدء كانت الكلمة)) , وفي القرآن يقسم الله تعالى بالقلم وما يسطرون , الكتابة هي التي تنقذ الإرث الإنساني من الضياع وتراكمه وتنميه, لذلك لم تبدأ الحضارة إلا باكتشاف الكتابة, لأن الإنجازات التي لا يدونها الإنسان تتلاشى و لا تستفيد منها الأجيال القادمة و سيكون عليهم أن يعيدوا اختراع العجلة مرةً بعد مرة وفق مبدأ التجربة والخطأ المضيع للوقت والجهد.
صور مستفزة قاتلة, خناجرُ تهاجمُ العينَ والروح, كلُّ غضبٍ قليل , وكلُّ صراخٍ ضائع, ترى هل أوصلت لكم مرارة الكتابة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور