الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالحوار نتمدن وبالتمدن نتطور

محمد مشير

2006 / 12 / 9
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن


بالحوار يَتمدن المرء وإذا تمدن يكتسب مكنات ذهنية أوسع تمكنه من تطوير أساليب و نوعية حواره ... حوار متمدن ، ثمة علاقة جدلية بين الاثنين، فالاثنان وجهان لعملية تطورية واحدة تنتجهما مجتمعات متمدنة، تحكمها أنظمة حكم ديمقراطية، شقّت طريقها متحدية صعوبات التغيير والتحول بإصرار ، آخذة بعين الاعتبار تطورات العصر ومتطلبات شعوبها من الحقوق والحريات... عملية قلَما نجد لها مثيل في المجتمعات العربية لخضوعها لأنظمة حكم دكتاتورية مستبدة و قامعة منذ القدم، أنظمة فرضت الانغلاق قسراً على شعوبها ، تُرهبها رؤية النور، و لا تهمها مجريات ما يحيط بها وبمجتمعاتها من تطورات و تحولات ، همها الأول والأخير التمسك بقوة بمقاليد الحكم في بلدانها. واقع مأساوي كما هو في صورته العامة لا تقبل إلا شواذ قلية، لا حرّاك فيه، تديره عقول متحجرة ذو منهجية أحادية البعد ، تضيق الخناق على شعوبها و تتجسم ككوابيس مرعبة على صدور أفرادها، تسرق فرحة الأطفال في النهار و تشوش خلو الليل عند الكبار.. هذا هو الواقع، تغييره صعب ولكنه ليس بمحال، بل يلزمه جهوداً جبارة لنشر ثقافة الحوار و الاختلاف على جميع الأصعدة .. واقع بحاجة إلى ثورة ثقافية تمتد عمقاً حتى الجذور، ترمي بالمتعفن إلي مزبلة التأريخ وتطور ما هو سالم من تقاليد وأسس أثبتت الحياة و التجارب بأنها صالحة للاستمرار معها .
هذا الواقع العربي نتاج عصور من التأريخ هيمن في معظم مراحله نمط تفكير منغلق سلطوي يفسر الكون و متغيراته على كونه مُنتج وفقاً لآلية (كن فيكن) أو (الدفع الكوني)،وبالتالي هناك أحكام مسبقة على ظواهره و مكوناته مما لا تسمح بتفسيرات أخرى أياً كانت بالظهور،وهذا ما يفسر بدوره عدمية تنوع وتعدد الآراء أو الاختلاف في وجهات النظر، هذا كعامل تأريخي هام إلى جانب عوامل أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في تعزيز و ترسيخ هذا النمط من التفكير، بل و هيأت له إلى يومنا هذا أرضية خصبة للاستمرار و التسلط وإعادة إنتاج نفسها بأشكال و ألوان تتناسب مع المرحلة المتعايشة ، لعل أهم هذه العوامل هي أولا: ديمومة نمط التفكير المذكور في أغلب مراحل تأريخ المنطقة برمتها، و قمع التوجهات الفكرية والفلسفية والثقافية المتغايرة أو المتعاكسة أو المتعارضة تارة بقوة، و أخرى باتهامها بالكفر والإلحاد لدى ظهورها هنا و هناك في المنطقة حتى عندما كانت في أوج تطورها الاقتصادي و رخائها التجاري ( المعتزلة،إخوان الصفا ،التيارات الأخرى الباطنية، حركة القرامطة،...) ؛ ثانياً: بقاء الواقع الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي بعيداً عن الاحتكاك بوقائع أخرى تختلف من حيث التكوين النوعي و الحضاري مما أدى إلى الانعزال و التقوقع فكرياً و ثقافياً و اجتماعياً ؛ ثالثاً:حرمان شعوب المنطقة، كحصيلة طبيعية للعاملين الأوليين،من النهوض بواقع مجتمعاتها و التفتح على ما يجري من حولها من تغيرات هامة على كافة الأصعدة و في جميع ميادين الحياة ؛ رابعاً :عراقة المنطقة بالصراعات الداخلية ،الحروب المؤامرات ، سحق و اقصاء الآخر و التطاحنات الطائفية في أغلب مراحلها التاريخية ؛ خامساً: حتى في المراحل الحديثة نسبياً (تكوين الدول القومية) لم تتكون الدول و الأنظمة السياسية في المناطق ذات الأغلبية العربية والمستعربة معتمدة على أسس و منهجيات متفتحة تأخذ بنظر الاعتبار متطلبات العصر ومراعاة تركيبة مجتمعاتها الإثنية والدينية والثقافية ، بل انطلقت من حيث بدأت و حاولت صهر مجمل نتاج فكر و ثقافة الآخر في بودقة القومية السائدة ، و أخضعت أروع نتاجات الفكر الغربي فيما تتعلق بأنظمة الحكم وتكوين الدول لمعايير محلية بحجة عدم ملاءمتها مع ما هو شائع و مهيمن من أفكار وثقافات محلياً؛ سادساً: تخلف المجموعة الكاملة المتشكلة للعالم العربي صناعياً وتكنولوجياً لأسباب معروفة و هذا ما عزز ورسخ النزعة الاستهلاكية و التي أرست بدورها أسس الاقتصاد الاستهلاكي بدلاً للاقتصاد الإنتاجي وبالحصيلة تحولت مجتمعات بكاملها إلى جيوش لا تعرف سوى ثقافة الاستهلاك المستندة اساساً على عنصر المنافسة في صورتها الاكثر تخلفاً، وبالتالي لا يمكن لمثل هذه المجتمعات أن تكون منتجة لثقافات بناءة سيّما ثقافة الحوار والاختلاف و احترام الآخر!

و هنا تتضح الصورة و يتبين مدى صعوبة نشر و ترسيخ ثقافة الحوار و الاختلاف في الإطار المسمى بالعالم العربي ؛ و حيث أن وسائل الإعلام - المقروءة والمسموعة والمرئية- (الحكومية و الشبه الأهلية منها بصورة عامة و حتى المستقلة منها أحيانا كثيرة) تمارس دوراً هداماً لا يمكنها ممارسة غيرها نتيجة الأسباب والعوامل التي مرت ذكرها آنفاً ، بحيث لا تبقي إلا حيزاً ضيقاً لوسائل إعلام أخرى تنتهج نهجاً تقدمياً بناءاً و منفتحاً ، القصد من وراءه توسيع الآفاق أمام الأغلبية من جماهير شعوب المنطقة المذكورة، وهذا ما يجعل دور هذه الوسائل الإعلامية المنفتحة أكثر صعوبة، حيث يتم البحث عنها خلسة وعبر الإنترنت التي بطبيعتها تستصعب التعقيب و الرقابة لأنها ليست في متناول السلطات القامعة للدولة بصورة مباشرة ، فالمواطن العربي يجد مساحة أوسع للتحرك صوب ما يربو إليه وهذا يشكل مؤشراً إيجابياً و متنفساً في هذا الواقع المتحجر من جانب؛ و من جانب آخر يثقل كاهل قنوات الإنترنت بجعلها تقدم احسن ما لديها من خدمات ومعلومات متنوعة فكرياً وثقافياً ، بحيث تجعل المواطن يتحرر شيءً فشياً من القيود التي ما زالت تكبله و تضيق عليه مساحة الحراك والتغيير،و تمارس بذلك دوراً إيجابياً في تقارب وجهات النظر و تفتح آفاقاً رحبة نحو مستقبل افضل للأجيال القادمة في هذا العالم العربي المنكوب.

وختاماً اشد على أياديكم ، وأقولها صراحة بأن الحوار المتمدن تمكن خلال فترة قياسية بتقديم ما لم تتمكن المؤسسات الأخرى سواء حزبية كانت أم مستقلة من تقديمها ،ولعب دوراً إيجابيا في تقريب وجهات النظر وتضيق المسافات بين المتخالفين ، ولا تترددوا في نشر ما يصلكم من آراء لأنها تعبر عن وجهات نظر أصحابها فان نشرتموها أثبتت كونكم متحاورين متمدنين وان حجبتموها تمثلون دور الرقيب الذي طالما كان سيفاً قاطعاً على أعناق المتفتحين، و المخافة ليست في النشر، بل في عدم النشر تكبت الآراء وتبحث عن صيغ أخرى للتعبير عن نفسها ، وهذا ما يجعل شعوب المنطقة تواجه كوامن مكبوتة لاتؤدي في الحصلية إلا الى تعقيد الاوضاع أكثر فأكثر، و بالتالي حرمان الانسانية من افكار واراء قد تفيد يوماً ما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا