الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابات آخر موضة!

نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)

2024 / 3 / 16
الادب والفن


فور انتهائى من مشاهدة فيلم (أنف وثلاث عيون) فى نسخته الحديثة _بطولة ظافر العابدين وصبا مبارك_ أحسست برغبة قوية فى أن أبحث عن الرواية الأصلية لأقرأها، وأعرف ماذا تتضمن تحديدا من تفاصيل وأسرار؛ خاصة وأن نسخة الفيلم لعام ١٩٧٢_ والتى قام بدور البطولة فيها ماجدة الصباحى ومحمود ياسين_، تختلف تماما فى معالجتها للقصة عن نسخته الحديثة لهذا العام(٢٠٢٤).
ظل هذا السؤال عالقا بذهنى بعد مشاهدتهما: أى نسخة إذن أقرب للرواية؟!
كما لم يفك أى من الفيلمين شفرة الاسم كاملا، بل نصفه الثانى فقط، أى؛ العيون الثلاث وهن البطلات الثلاث(أمينة ..نجوى..رحاب) وظل لغز (الأنف) قائما بعد الانتهاء من المشاهدة!!
فلماذا اذن استعاض عن البطل بلفظة(أنف)؟!
بحثت عن الرواية وصدمت حينما وجدتها تقع فى جزأين،
يزيد عدد صفحاتها على" ألف صفحة"!!
سألت عنها فى كبرى المكتبات ومع الاسف، لم اجدها إلا على موقع الكترونى فاضطررت لطباعتها..وكان هذا لحسن حظى..لأنى فور الانتهاء من قراءتها أحسست أننى حتى تلك اللحظة، لم أكن قد اكتشفت سحر (احسان عبد القدوس) رغم كل الروايات التى قرأتها له، بل أكاد أجزم بأن من لم يقرا هذه الرواية " تحديدا" لم يقرأ لإحسان قط!
فهو يروى تفاصيل "التفاصيل" عن مكنونات النفس البشرية ومواطن ضعفها وزلاتها، بل وحوارها الخاص بينها وبين نفسها فى غرفة مظلمة!!
إن هذه الرواية تصلح لأيامنا هذه، أكثر مما تصلح لعام (١٩٦٤)، العام الذى صدرت فيه!!
بل إن أفكار أبطالها وبطلاتها متقدمة جدا عن أفكار شباب اليوم!!
لم أكن متحمسة فى بداية الأمر حينما علمت أن الرواية سيعاد تحويلها لفيلم مرة أخرى، ولكنى بعدما قرأتها، أطلقت ضحكات هازئة من نفسى، لأنها لا تصلح فقط لأن يتم تحويلها لفيلمين، بل أربع أو خمسة أفلام على أقل تقدير، ولن يوفيها المبدعون حقها يوما حتى يتم تحويلها لمسلسل من جزأين؛
فهى رواية مليئة بالرؤى والأفكار المتضاربة والمختلفة والجريئة والمبتكرة فى عرض ملامح ومكامن وزوايا بطلاتها الفكرية والنفسية الثرية.
جمل (إحسان) مكثفة، نابضة بالإحساس المرهف والحيوية،
تلهث فيها سعيا وراء كل هذا القدر من الشغف والألم والتعلق والحب الذى تحمله الأحداث..بلا قدرة على التوقف من شدة الإثارة التى خلقتها اجواء الرواية.
فاحسست وكأن بطلاته يكتبن انفسهن بأنفسهن.
يتألمن ويتأذين حقا ..دماءهن سائلة فى عيون من يقرأ.. جراحهن تحملها السطور بصدق وعمق ، يصل إلى شعورك ما يصل إليهن تماما؛ فتتعذب وتتباكى مثلما يتباكين ويتحسرن على أقدارهن وحياتهن..
تحكى كل واحدة منهن وتطلعنا على أسرارها بقلمها الخاص، لا بقلم الكاتب..وهنا يكمن سحره، سحر التجسيد الحى الذى أبدع فيه كاتبنا الإستثنائى.
تتسلل دماءهن فى دماءك حتى يصبح مجراها واحدا!!
تسعى معهن سعيهن وراء (هاشم الدونجوان ذو الأنف الكبير) والذى تحرص بطلاته على ذكره فى كل جملة تتحدث فيها عن هاشم، خاصة (أمينة)؛ حبيبته الأولى،
والذى تبين لى بعد القراءة أن اختيار الكاتب لهذا الاسم(انف وثلاث عيون) هو كناية فقط عن أنف البطل الكبير الذى ميز وجهه رغم وسامته!
فى الرواية الأصلية غاب هاشم عن الأحداث رغم أنه كان محورها..فكنا نكتشف شخصيته من بعض الحوارات التى تجرى بينه وبين بطلات الرواية! ..لم يكن يتحدث أبدا بلسانه وخلجاته ..بل من خلال أعين النساء الثلاثة(أمينة..نجوى..رحاب)
فمثلا يظهر لنا عشقه الاستثنائى لمهنته على لسان (نجوى (العين الثانية) حيث تصفه قائلة:
"ان الدكتور هاشم ليس سوى "مجموعة من المرضى" يعيش حياتهم ويتألم بآلامهم ويعطيهم الدواء كأنه يعطيه لنفسه ..يحس بمرارته ويحس بمفعوله..إن كل احساسه معهم"
طبيب منضبط جدا، لا يتأخر إطلاقا عن مواعيد العيادة وكأنها صلاته الوحيدة المعترف بها!!
متسامح..يختلق ألف عذر، وألف تفسير، وألف صفح.
حتى أنه ظل ينفق على المرأة التى أحبها بعد علمه بخيانتها له، فهو يعتقد انه تسبب فى ما آلت إليه حياتها، من ايذاء ودمار لنفسها وسمعتها وعائلتها بل وابنتها الوحيدة!
يتناول الكاتب الكبير (احسان عبد القدوس) القصة من منظور إنسانى ونسوى، لنرى من خلال عيون النساء الثلاثة؛ حكاياتهن مع الحب والجنس والمجتمع المصرى والعربى ككل. (إحسان) يحلل بطلاته، وكأنه أكثر الأطباء النفسيين تمرسا وحرفية واتقان؛ فتعالوا معا نستعرض بعض الأفكار والقضايا التى تم طرحها من خلال بطلات (إحسان) الثلاث:
العين الأول(أمينة)؛
"ضحية جسدها وشهوته!
تقول:
"أحاول أن أملأ فراغى بأن ألهو بجسدى"هوايتى الوحيدة".

وبالفعل مصيبتها تكمن فى إدمان "العلاقات العاطفية والجنسية" عوضا عن عدم الأمان وشعور "الفقد الدائم"الذى يسيطر عليها منذ الصغر.
إن الكاتب هنا لا يدين تصرفاتها ولا يحكم عليها..بل يفسرها ويفصلها ويبدع فى كشف تفاصيل خباياها وزواياها المستترة
وهنا استشهد بما يؤكد بعض ما ورد فى الرواية من (كتاب ممتلئ بالفراغ) (للتحليل النفسى)فيقول الكاتب:
"إن الأشخاص الذين عانوا من ارتباط ضعيف بالوالدين كانوا أكثر تعرضا للوقوع فى سلوكيات الإدمان بأشكاله؛ سواء" إدمان جنسى مفرط" أو إدمان للمواد الكيميائية أو اضطرابات الطعام"
ف(أمينة) أدمنت "العلاقة السادومازوخية" بينها وبين (هاشم).. أدمنت "اللذة" التى تستخلصها من إلتحام جسدها بجسده..متعة جنسية؛ تتغذى فيها شهوته على "ضربها" وتزداد متعتها كلما آلمها!
فتذكر فى أحد المواضع بالرواية:
"لم نعد نلتقى إلا هكذا "مجانين"، يكاد يمزق أحدنا الآخر"
"أريده عنيفا كما تعودته..يضربنى..يمزقنى..يلوى خصلات شعرى بين أصابعه..وفى عينيه هذه النظرة التى تخيفنى..كأنه سيخنقنى..سيشرب دمى..سيأكلنى"

وكما يفسر (د/ارفين.د.يالوم)فى كتابه( هبة العلاج النفسى) :
المصطلح الفرنسى للنشوة الجنسية (الموت الصغير)؛ أى فقدان الذات اثناء النشوة الجنسية مما يزيل ألم الانفصال؛ فتتلاشى" الأنا الوحيدة"فى (نحن) المتحدة .

فالبطلة تحاول الهرب دائما من شعورها "بالخواء "..تحاول تسكين آلام الفقد الذى تخشاه دائما عن طريق
لعبتها ومتعتها الوحيدة؛ "جسدها" والغرق تماما فى متعته ولذاته. حتى علاقتها مع هاشم..علاقة جنسية بحتة!!
لا وفاق فكرى أو ثقافى بينهما!!
ولذلك أدمنتها ولم تستطع أبدا نسيانها أو تجاوزها بعدة العلاقات التى خاضتها بعده، بل وحتى أثناء علاقتهما سويا.
الكاتب هنا لا يقيم عليها الحد بحكم الخيانة أو الزنا، ولكنه يسعى سعيا حثيثا وراء تصرفها..يخترق زوايا عقلها وبنية روحها..فيكشف لنا بحرفية ..خطوة خطوة
عن إجابات هذه الاسئلة:
لماذا تفعل ما تفعل؟! لماذا لا تتوقف أبدا عن الخيانة؟! فيستعرض حياتها صغيرة، وإحساسها الدائم بعدم الأمان، والغربة النفسية، وهى تحيا فى كنف زوج الأم..بعيدا عن أبيها المهمل..الذى لا يرجو من الدنيا إلا "متعتها" ويتخلى عن أعباءه ومسؤولياته بلا ندم أو ضمير يضنيه الحساب!
بل يدفعها رعبها أحيانا من الفقد_فقد الدونجوان_ إلى حد خيانته مع آخرين!!
فتقول:
" الخوف من أن أفقد هاشم يوما، كان يجعلنى أتلفت حولى لأنتقى الرجل الذى يعوضه عندما افقده"
تخيلوا أن تشعر امرأة بالأمان فقط "حينما تخون"؟!
امرأة تشعر بالقوة فقط عندما تصبح لرجلين؟! فهذا يصرف وتكمل به وجاهتها الإجتماعية، وهذا الآخر يشبع متعتها الجسدية !!
وكذا تدور الساقية بها إلى أن تصبح "بائعة هوى"!!
أمينة (البطلة الاولى) احتلت الجزء الأول بأكمله من الرواية؛ يعنى ما يقرب من أربعمائة صفحة..أربعمائة صفحة تستعرض حياتها وعقدها ومصائبها وسقطاتها، بلا أصابع اتهام موجهة إليها بقدر ما كان تحليلا عميقا لما يعتمل فى صدرها ويداعب مخيلتها!!
نرى جزءا من هذه التفاصيل فى نسخة الفيلم الأولى لعام (١٩٧٢) والتى جسدت دورها الفنانة( ماجدة الصباحى)..ولكنها غابت تماما فى نسخة الفيلم الحديثة (٢٠٢٤) إلا من لقطة واحدة فقط تستعرض فيها عدم اتزان الشخصية وخللها، والتى قامت (نورا شعيشع) بتجسيد دورها!
وسأتناول فى مقال منفصل مناقشة المعالجة الجديدة للرواية من خلال نسخة الفيلم الحديثة_لأنها تناولت الرواية من منظور آخر مختلف تماما، وفيه جزءا إبداعيا يخص البطل وحده(هاشم)ويقوم بالأساس على" التحليل النفسى" من أول الفيلم لآخره وهذا النمط من الأفلام نادرا ما تجده هذه الأيام فى السينما أو الدراما العرببة ولذلك يستحق مقالا منفردا ومطولا عنه..
ننتقل مرة أخرى للرواية ونعرض بعض جوانب شخصية الحبيبة الثانية؛ أو العين الثانية(نجوى)؛ وهى عكس الشخصية الأولى تماما؛ فالحب هو جوهر حياتها وأساسها
وكذا مفهومها عن الجنس؛ مختلف تماما عن مفهوم البطلة الأولى
فتقول:
"لا استطيع أن أحس بوجودى إلا إذا أحببت..أنا أحب فأنا موجودة"
" أنا شئ أكبر من حاجة الرجل العابرة..أنا الحب.. أنا الحياة كلها"
ولكن للأسف؛ ضعفت إرادتها فى لحظة قررت فيها أن تستسلم لرغبات أمها المريضة الشاذة والتى باعت جسد ابنتها بورقة (عرفى) لرجل فى عمر والدها ..ليلة او ليلتين فى الأسبوع وتحت عينيها ..فى غرفة بمنزلها!!
الغريب أن هذه الام كانت مريضة بحب ابنتها وحرصها الشديد على رعايتها وتدليلها، بل وتوفير كل سبل الراحة والأمان لها..لكنها فى حقيقة الأمر لم تكن سوى (خالتها) العاقر التى تبنتها من أختها الفقيرة ..كانت تحب الابنة "حبا شاذا"
فتقول البطلة عنها:
"إنها تعشقنى كما يعشقنى رجل، إنها تملكنى لا كما تملك أم ابنتها، ولكن شئ آخر..ملكية شاذة..وتحس بهاشم كأنه يعتدى على أملاكها.. إنها لا تريد أن أكون سعيدة إلا فى حدود السعادة التى تهبها لى ..السعادة التى تأتى إلى عن طريقها"
فأمها لن تستطيع أن تعطيها المتعة الجسدية التى تأتى إليها عن طريق رجل..وفى ذات الوقت لا تريد أن يأخذها رجل بعيدا عن عينيها وبيتها، فتستغنى عنها بحبه ورعايته..بل تريدها دائما وأبدا تحت سطوتها، وستقوم هى فى المقابل بصفقة؛ تتفق فيها مع الرجل الذى سيتزوجها عرفيا، بحيث يصبح لها اليد العليا على حياة ابنتها، وتحكم زمام سيطرتها عليها من خلاله.. إن مرضها يصل لحد التجسس على غرفتهما أثناء العلاقة الجنسية.
إن هذه الأم سبق وأن منعت ابنتها من الزواج من الشاب الذى تحبه..فهى لا تحتمل أن يملكها شخص آخر غيرها!! وهكذا دمرتها وحطمت كل آمالاها فى أن تحظى بحياة كريمة وطبيعية كأى فتاة فى مثل عمرها!!

ولكن (نجوى) تمردت على كل هذا القدر من "السمية" بالحب..الحب هو الذى قومها وزكى روحها، وأعاد إليها ثقتها بقوتها وإرادتها، فتحررت عبره ..حررها (هاشم) بحبه واهتمامه ..ورعايته "الاستثنائية" لها أثناء مرضها..
فوقفت لتعلن رفضها وثورتها على كل هذه القذارات، والعلاقات السامة سواء مع أمها، أو هذا الرجل الذى تزوجته "سرا" دون حب أو وفاق فكرى وجنسى بينهما .
تقرر العودة لدراستها من جديد وتوفر قوت يومها بعرقها وكدحها ومجهودها "الخاص"دون الاضطرار لمرافقة رجل فقط لينفق عليها!!
نجاها الحب، ونجاها الصفح، ونجتها الإرادة، التى أعدتها لحياة أفضل حتى وإن لم تتزوج (هاشم)فى النهاية، لكنها استطاعت مجددا أن تحترم ذاتها وتحفظ كرامتها كإنسانة، بعد تجربة الحب التى خاضتها معه فتقول :
"هو اللى فتح عينيا..هو اللى حسسنى بإنى كنت عايشة زى "الحيوانة"..حيوان جميل بيلبسوا فيه ويزوقوه إنما برضه حيوان..مقدرش دلوقتى أرجع "حيوانة تانى"
***
وأخيرا العين الثالثة( رحاب)
"أسيرة هواها"
فالإحساس هو ربها وإلهها..لا تتبع سواه ولا ترجو إلاه..كما يملى عليها ويأمرها، تسجد له إيمانا واحتسابا!!
متحررة من كل تقليد وعادة..تبدو متحررة للكل..حرية تامة إلا من شعورها اللحظى!
تحب من تحب..تكره من تكره..تتجنب ما يؤلمها أو يؤرقها ..لا تقاوم مكامن لذتها أو رغبتها..حتى فى علاقتها مع الله لا تنافق ولا تتدعى .
فتصف حالها قائلة:
"انى دائما هكذا فى "القمة"؛ قمة الاحساس والواقع..إن أحاسيسى هى التى تحكمنى..لا شئ يمكن أن يحكمنى أبدا
إلا إحساسى"
ثائرة هى على تقاليد المجتمع، خاصة "منظومة الزواج" فتفسر قائلة لحبيبها (هاشم) :
"إنى أرفض الزواج ..إنى أثق بحبك إلى حد أنى لست فى حاجة إلى عقد قانونى يربطنى بك..يكفينى حبك..
أتدرى لماذا يتزوج الناس؟ لأنهم لا يثقون بعواطفهم ..لأنهم يؤمنون مثلى أن الحياة لا يمكن أن تقوم على العاطفة، لأن العاطفة "لحظات"، ليست حياة، لذلك؛ فكل اثنين يربطان نفسيهما بعقد قانونى ليحتمى كل منهما من اللحظة التى تتغير فيها عواطف الآخر..يرتبطان بعقد لأن كل منهما لا يثق فى الآخر..كل منهما يؤمن بأن الحب
"لحظة"..لا تضمن اللحظة التى تليها".

أما مسألة فارق العمر بين الرجل والمرأة فتفسر وجهة نظرها فى علاقتها بهاشم _والذى يكبرها بستة وعشرين عاما _ قائلة:
"لماذا أربط بين الحب وعمرك..لماذا لا يحق للرجل فى الخامسة والأربعين أن يحب فتاة فى التاسعة عشرة..الحب ليس تفاعلا كيميائيا..نضع عمر الخامسة والأربعين على عمر الخامسة والثلاثين فيتم التفاعل فى أنبوبة الحياة وينتج الحب..كلام فاضى..الحب ليس تفاعلا بين أرقام العمر، ولكنه تفاعل بين عقلين وقلبين وشخصيتين مهما تباعدت ا
أو اقتربت الأعمار"
وهذه القضية تحديدا تكرر طرحها فى كتابات كثيرة (لإحسان )..ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ قصص وروايات مثل: العذراء والشعر الأبيض..لا أنام.. أين عمرى..إلخ.
تتضمن الرواية أيضا بعض المفاهيم الخاصة بظلم الدين واضطهاد المجتمع للمرأة من منظور بطلاته:
فتقول نجوى(العين الثانية):
"ما الذى دفعنا الى الخلط بين الحب والجنس؟!
ربما كانت التقاليد القديمة التى اعتبرت المرأة "متعة" تباع فى الاسواق وتسبى فى الحروب "كالغنائم"، ويقاس بها ثراء الرجل؛ فكلما تعددت أصناف الطعام على مائدته، تعددت أصناف النساء على فراشه، وتركت هذه التقاليد ا
أثرها فى انظمة الزواج..فلم يكن الزواج فى حاجة إلى التفاهم بين الرجل والمرأة ..كل ما يحتاج إليه الزواج هو "عقد"؛ عقد بيع وشراء..بل لم يكن من حق المرأة أن توقع هذا العقد، فهى "بضاعة" والبضاعة لا توقع ولكن يوقع عنها صاحبها..أبوهها".
وهذه حقيقة نحياها حتى الآن ..فهناك من تحبس وتقيد بل وتجبر على الحجاب وعلى الزواج وحتى على الإنجاب!!
هناك من تجبر على العمل وتستنزف أموالها من قبل أهلها وأحيانا أخيها أو أبيها أو زوجها!! هناك من تستغيث هنا أو هناك لكى تحيا "حياة كريمة" ..حياة تختار فيها دراستها ومهنتها وزواجها من عدمه!! وهناك من يظن أن المرأة أخذت حقوقها بتقلدها الوزارة ، ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا حتما باقى النساء .إن مفاهيم اغلب المجتمع الشرقى والزاوية التى ينظر من خلالها للمرأة، متجذرة ومتأصلة فى عقول أبناءه الباطنة، وهى القيد الحقيقى المفروض عليها من كل جانب!!
والحرية التى يمنحوها للمرأة، إنما لتخدم أحيانا مصالحهم الشخصية ققط!!

تفسر رحاب(العين الثالثة) فى موضع آخر من الرواية قائلة:

"سجن العقد المتراكمة فى صدورهن منذ أعطى الإسلام لكل أربعة منهن رجلا واحدا، ومنذ قدمت لهن المسيحية صورة عذراء بلا رجل"
ولقد استفضت فى شرح مسألة تعدد الزوجات فى مقال منفصل بعنوان(محجوب عبد الدايم وقانون لتعدد الأزواج) ونشر منذ عامين تقريبا!

الرواية تناقش ايضا مفهوم المساكنة والعلاقات الجنسية المفتوحة وتعدد العلاقات(للرجل والمرأة) وكذلك مفاهيم كثيرة تتوافق أحيانا وتتضارب أحيانا اخرى مع تقاليد المجتمع الشرقى وعاداته،
ولذلك أعدها من أجرأ روايات (إحسان) على الإطلاق، خاصة وأنها صدرت عام (١٩٦٤) يعنى ما يزيد على ستين عاما..جرأة فى الطرح، لا يتمتع بها أغلب كتاب اليوم و مخرجيهم وفنانيهم؛ فيحومون دائما حول الأفكار دون طرحها بجرأة سواء فى قصصهم أو أفلامهم!!
ومع تقدم السنين نصبح أكثر تحفظا ورهبة وتردد فى طرح أى فكرة تراود أذهاننا، أو أذهان شباب اليوم، وندفعهم للنفاق أكثر ونشجع بل ونحض على كتمان المشاعر وإظهار عكسها لتفادى لعنات المجتمع وسبه ووحشية تسلطه وتطرفه الدينى وهوسه المريض بالجنس..الذى دائما وأبدا يتلذذ به فى الخفاء والظلام، ويلعنه نهارا وعلى الملأ.
معلنا سيف الإدعاء الأخلاقى والدينى المزيف!!

فإلى متى النفاق؟! إلى متى التخفى والكذب والإدعاء؟! إلى متى دفن الأهواء وصد مناقشة الأفكار وطرح أجرأها؟! وإلى أى حد سنتخلف(إبداعيا) عن عام ١٩٦٤؟!
سؤال أخير:
هل يأتى اليوم الذى نعيش فيه فى ماضى أجدادنا ببعض تحضره وتحرره وجرأته، ونبيع هذا الحاضر المزرى الذى نحياه الآن بتخلفه ورجعيته وانكماشه على ذاته؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل