الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكفاء الثعابين

يحيى نوح مجذاب

2024 / 3 / 16
الادب والفن


الأفكارُ مزدحمة متضاربة تتعثَّر عند الخروج فتنكفئ مرتدة إلى حيث تتوالد الثعابين.
أغاظَ صديقاً قديماً عبر صفحة التواصل الاجتماعي، تلك التي حلّت علينا مع أخواتها في زمنِ العولمة البائس حتى أمست العوالم الافتراضية بديلاً سهلاً عن الوقائع الدامغة.
كانت الكلمات الموزونة المعبّرة رغم ثقلها على أسماعِه ووقعها المؤثّر وصداها في نفسه الطيّبة الساذجة تحمل الكثير من الصدق والشفافية. كان يروم بحسنِ نيّة أن يوقف انزلاقه المستمر بتوافه الأمور في زمن بات كل شيء يضُجُّ بالسفاسِف.
لقد أمست الأحاديث اليومية والجسور الممتدة بين النقيض والمتطابق من بني البشر تتحقق بغياب الأجساد صوراً وأصواتاً، إذ لا حاجة بعد للحضور الحيّ فكلُّ شيء يومض برمشة عين، ويتجلّى ساطعاً كالأفلاك الهائمة.
هو لم يره حقيقة كمادة تشغل حيِّزاً في الفراغ كما تقول الفيزياء منذ زمن؛ أربعة عقود خَلَت جاء إلى الدنيا المرئية الملايين من الأحياء وغاب عنها الملايين وتلاشوا كالهَباء.
ما يربطهما سوية ليس سوى ذكرى قديمة موغلة في الماضي المنظور بقياس السنين.
مخلفات الطفولة والأماني المسحوقة تبقى متأصلة في دواخل الأنا لا يمكن الهروب منها بسهولة. إنها تظهر على السطح طافية حاضرة في كل هزّة حدث.
كان اليوم في عجلة من أمره. أراد أن ينجز شيئاً مميزاً ضمن المساحة الضئيلة التي تحرك بها والتي لم تتعدى عشرات الأقدام، فأحسَّ أنه مخنوق تجثم على صدره الجبال وهو الطائر البري المتعطش للحرية.
كم هو بحاجة إلى جسد جديد صافٍ رائقٍ خال من العلل والشوائب.
نفسٌ تحمل فكراً واسعاً كالبحر، وتمتلك حسّاً عميقاً، ورؤية صافية، وروحاً شفافة خفية.
إنه يريد أن يستطعم الجمال ويتذوق دفقات الحب، وينهل من خزين المعرفة بأشكالها المكنونة والمنبلجة كحزم الضوء الساقط على أسطح المنابر.
هذه الذات الشامخة الثرّة العميقة الصادحة في خضم الوجود، والروح الخافقة كجناحي نِسر محلِّق فوق القمم مازالت تبحث عن الممالك السبعة في موروث الأساطير القديمة.
الجسد كان فيضاً من كلمات إلهية عليا برسم وجودي متناغم مع دفقات الطبيعة بعنفوانها المترامي. وعندما مضى في شِعاب النفس يتلمس وجدان الحقيقة نهل منها الشيء اليسير لكن قواه لا تمتلك الأبد السرمدي، فالمتغيرات ولسعات الدبابير تنقض على الخواصر الرخوة كلما نامت الشمس وغفا القمر.
ها هو الآن يعتَدِلُ في جلستهِ ويشيح بوجهه نحو زجاج النافذة ليرقب سيل الماء المنسكب كاللجج الهادرة، فقد فتحت السماء أبوابها وألقت خزينها إلى الأرض، وكلما ارتطمت لجة كثيفة من الزبد الكثيف أعقبه شهاب صاعق ما يلبث أن يضرب صداه الأرض، فتعقبه زمجرة هائلة لرعدٍ مدوٍ يصمُّ الآذان ويغطّي آفاق في الكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال