الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار طائرة من وحى المعضلات التنموية المصرية

محمد عبد الشفيع عيسى

2024 / 3 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يقولون "نظرة طائر محلّق " Bird’s Eye glance حين ينتقل المرء بين فكرة وأخرى بشكل خاطف، وكأنه يطير طيراناً خفيفاً على وقْع حفيف الأشجار.
هذا ما راودني حين أخذت أقلبّ أفكاري التي قمت ببثّها عبر (الأوراق) وعبر (الشبكة-العنكبوتية) في مساهمات متواضعة حول القضايا المعضلة التي تواجه مصرنا الحبيبة، في جانب معين من حياتها المعاصرة، وهو الجانب الاقتصادي بالذات.
وأما البثّ فكانت مناسبته مشاركات متنوعة في مناقشات ثرية جداً، أدارها القائمون على أمر "معهد التخطيط القومي" بالقاهرة، في أنشطة ثقافية مختلفة يقال لها "فاعليات" مثل ما يسمى (سيمينار الثلاثاء) و (سيمينار شباب الباحثين) و (متابعات علمية للتقارير الدولية)، وهلمّ جرّا .
و قد جال في خاطري اليوم أن أُشرك معي القارئ الكريم فى بعض ما قمت بطرحه من "أفكار" في موضوعات جدّ مختلفة، أعرضها على نحو أرجو أن يكون متسّقاً. ويأتي الاتساق من كون المساهمات، كلها أو جلّها، تدور حول موضوع واحد، وربما وحيد، هو "التنمية الاقتصادية والاجتماعية" في مصر.
و لأبدأ بأحدث، أو آخر، مساهمة في "متابعة علمية" للتقرير الصادر عن (منظمة الصحة العالمية) عام 2023 حول عنوان طريف ولكنه بالغ الجدّة والجدية: (أخلاقيات و حوكمة الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة). وقد تحدث المتناقشون، ما شاء لهم الحديث، حول الأبعاد المختلفة للقضية المعروضة. ولكنّي أثرت أن أعرض مساهمتي من زاوية أخرى، مختلفة شيئاً ما .
هذه الزاوية هي ما يتصل بحوكمة و أخلاق الصحة، في أكثر دول العالم تقدماً، الدول أعضاء "الاتحاد الأوروبي"، وفى مناسبة جليلة القدر، عظيمة الشأن، وبالغة التأثير (المأساوي) على البشرية المعذبة، وتلك هي الأزمة المرتبطة باندلاع ثم انتشار (الجائحة) المسماة (بالحروف اللاتينية الأولى للكلمات) كوفيد 19، وتعني "المرض الفيروسي كورونا لعام 2019". فقد أشار -أو أفاض- المتحدث الرئيسي نقلاً عن تقرير "منظمة الصحة العالمية"، المذكور آنفاً، إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، من أكثر بلدان العالم اهتمامًا بالصحة على الإجمال. وهذا ما لا ننكره، ولكنى أضفت – مختلفاً – أن عناية دول أوروبا بصحة البشر قد واجهت امتحاناً عسيراً، لا بل بالغ العُسْر، أثناء (الجائحة).
فلقد كانت الجائحة حدثاً كاشفاً بصورة واضحة ودقيقة معا، للعيوب والثغرات المرتبطة بالمنظومة الاجتماعية والأخلاقية في الغرب الأوروبي، ودع عنك البلدان والمناطق الأخرى الواقعة في نطاق (الغرب) بالمدلول الثقافي والسياسي، ونقصد هنا على سبيل التخصيص : الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن تلك العيوب والثغرات الغربية-الأوروبية، ما تمثل مجسداً في كل من إيطاليا واسبانيا، وغيرهما، حين كانت تعطى الأولوية في الفحص والعلاج لمن هم في سن العمل، مع إهمال مزرٍ لفئة (كبار السن) ونزلاء المصحات و "دور المسنين". هذه نقطة أولى. ونقطة ثانية (كاشفة) تتعلق بالخلل الضارب في بنية الاقتصادات الغربية، وهيكل الإنفاق العام والحكومي، من حيث عدم تكريس المخصصات المالية الضرورية لقطاع الرعاية الصحية الأولية، السابقة واللاحقة .
ومقابل ضآلة الإنفاق النسبي على الصحة العامة والرعاية الأولية، يلاحظ ارتفاع النصيب النسبي، البالغ ذرى عاليةً، لنفقات التسلح والاستعداد للحروب، وشن الحرب الفعلية هنا وهنالك، عدا عن التدخل العسكري الغربي، خاصة الأمريكي، في مناطق العالم (غير الغربي) في القارات الثلاثة : إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، و تلك ما كانت تسمّى (في زمن القطبية الثنائية الأمريكية – السوفيتية 1945-1990) بالعالم الثالث، أو– تأدباً –بلدان الجنوب أو (الدول النامية..!).
أما النقطة الثالثة الكاشفة، استقاءً من أزمة (كوفيد 19) فتتعلق بتركيز الدول المسماة بالمتقدمة (المتقدمةً اقتصادياً..! وليس بالضرورة اجتماعياً أو روحياً) وخاصة دول الغرب، على تخليق الدوائيات المشتقة من المعالجة الكيماوية، عوضاً عن (التكنولوجيا الحيوية) القائمة على معالجة المواد المأخوذة من الطبيعة النباتية والحيوانية، لتصنيع الأدوية البشرية.. وهذا يتطلب قلباً للموازين السائدة في بنية البحوث والتطوير R&D بحيث يعطى الوزن النسبي الملائم للحيويات، قبل الكيماويات.

هذا، وفى حلقة أخرى مما يسمى (سيمينار الثلاثاء) عن موضوع (مستقبل التعليم العالي) تقدمت بمداخلة موجزة كانت أبرز أفكارها تتلخص فى أن مناط التطور العلمي والتعليمي، كرافعة تنموية حقيقية، تتمثل في ضرورة بناء ما يمكن أن نسمّيه (رأس المال الفكري) وهو الذى يشرع في التطور المتدرج والمنتظم حتى تخوم (الذكاء الاصطناعي).
هذا الذكاء الذى يقوم على جمع وتوظيف وتحليل (البيانات الضخمة) Big Data توصلاً إلى تقديم مخرجات معرفية مفيدة للعملية التنموية، بما يتجاوز كماً وكيفاً، الجهد البشرى، وإن كان تأسس على محاكاته في الأصل الأول.
ثم أنّى بعد ذلك، تفاعلاً مع المتحدث الرئيسي فى الجلسة د. معتز خورشيد ، تكلمت عن ضرورة بناء منظومة وطنية للابتكارات National System of innovation تجمع شتات الأفكار والتطبيقات الابتكارية، وتدعمها وتغذيها، وتدفع إلى تعميمها بحيث تكون الابتكارات بمثابة (سنّة حميدة) داخل النظام الاقتصادي-الاجتماعي. و يرتبط بذلك ارتباطاً وثيقاً إعطاء الأهمية الواجبة لتأسيس وحدات "البحث والتطوير" R&D فى المنشآت الإنتاجية، السلعية والخدمية، على امتداد البلاد، سواء منه البحث الأساسي Basic Research ، أم البحث التطبيقي Applicative ، وأعمال التطوير التجريبي، وبناء النماذج الأولية Prototypes ، و كذا حثّ أعمال التصميم الأساسي والتطبيقي، والاستفادة القصوى من الأنشطة المرتبطة بالمعرفة التكنولوجية (سرّ الصنّعة Know how ).
وختاما لهذه النقطة كان من الأهمية بمكان أن نولّي وجهنا شطر ما يمكن أن يسمّى (أنسنة العلم والتكنولوجيا) بحيث يكون الإنسان قبل الآلة، والمجتمع البشرى العارف قبل "الأوتوماتون"، وأن تكون الأولوية للارتقاء الروحى و الفيزيقى للإنسان، قبل إعداد العدّة للحرب وللعسكرة كما هو جار اليوم على أيدى نظم الهيمنة الحالية لبعض الدول الكبرى. إذْ ماذا يفيد القول المتكرر عن الثورة الصناعية الرابعة، أو الخامسة فيما يقال، أو ما بعدها، مادام العمل يجرى على قدم وساق عند قوى الهيمنة، من أجل إعداد العدة للحرب أو الحروب الكونية، ومن ثم إحراق البشر والحجر لا قدّر الله .
فى سيمينار آخر للثلاثاء، جرى تداول الرأي، و قدْح زناد الفكر، حول موضوع (الاستغلال الاقتصادي للموارد المعدنية). ولقد فكرت في الأمر ملياً من قبل، فكان من اجتهادنا، أنه لابد من تأسيس قاعدة للصناعة المعدنية والإلكترونية، وفق أحدث التطورات الرقمية، وأن ذلك يبدأ من بناء قاعدة (سيليكونية) تستخدم (الرمال البيضاء) لتصنيع شرائح السيليكون الدقيقة أو ""الرقيقة"، التي تطبع عليها "الدوائر المتكاملة" IC. وفي هذه الدوائر يتم بناء الإلكترونيات الصغرى التي تكمن خلف كل سَكَنة وحركة في الأجهزة والآلات والمعدات الحديثة و "أدوات الورش".
وانطلاقاً مما ذكره المتحدث الرئيسي بالجلسة، المهندس أسامة كمال، فإن لدينا إذن المادة الخام للصناعة السيليكونية وهى الرمال البيضاء، ولكن ليس لدينا (تكنولوجيا) تصنيع الشرائح. وإنما يتم احتكار تكنولوجيات الشرائح لدى ثلّة صغيرة من البلدان (تايوان، الصين ....) وإن استزراعها وتصنيعها في مصر أمر تحفّه المصاعب حقّا، وتقف من دونه عقبات معرفية وتطبيقية جمّة، ولا يمكن تخطّيها إلا في أجل طويل و بإمكانيات باذخة لا تتحملها المرحلة التنموية الحالية في مصر العربية.
وضمْن ما يسمى (الصالون الثقافي لمعهد التخطيط القومي) عقدت حلقة بعنوان (التشريعات الاستثمارية : تحقيق للعدالة أم تعميق للفجوة الاجتماعية؟)، وكان لي حظ التحدث فيها أيضا، عن طريق ما يسمّى (زومZOOM) دائما، بالتركيز على جغرافيا وطبوغرافيا الاستثمار على الرقعة المساحية المصرية.
و لما أعدتُ التذكير بـــــ (قانون المناطق الاقتصادية الخاصة) ردّ المتحدث الرئيسي للحلقة د. زياد بهاء الدين، متطرقاً إلى الجانب التشريعي للاستثمار. ولكنّى أكدت أهمية التوزيع المتكافئ للاستثمارات عبر مناطق وأقاليم البلاد التنموية، حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي المرتبط بالتغيير المبرمج للمنظومة الاقتصادية – الاجتماعية لصالح (الأغلبية الواسعة): 80% من السكان. وقد ذكّرتُ هنا بالأثر السلبى الذى تركه التركز السابق لأنشطة الاستثمار في تونس الشقيقة قبل ثورتها لعام 2010/2011، حيث كان احتكار مرافق التنمية لدى مدن الشمال الساحلي، حافزاً للانتفاض الثوري في مناطق الوسط والجنوب التونسي، بدءّ من حادثة الشاب / محمد بوعزيزي، الذي أحرق نفسه احتجاجا على المَظلَمة التي تعرض لها، حتى جرى ما جرى. ثم انتقلت " العدوى" الثورية إلى مصر العربية خلال ثورة يناير 2011 العظيمة.
كما عرجتُ أخيرا، ولكن ليس آخرا، على أهمية التوازن الاستثماري بين الريف والحضر، و بين المدن الكبرى والصغرى، مع إعطاء أولوية للأسر الصغيرة والفقيرة .
هذا، و ما يزال للحديث بقية، أو بقايا، و شجون، وليكن لها موضع آخر عن قريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل