الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع كثرة الفتن والشهوات.. كيف نتمسّك بديننا؟

وجدان شتيوي

2024 / 3 / 17
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في هذا الزمان، ووسط كثرةِ المغريات، والفتن أصبح المتمسكُ بدينه كالقابض على الجمر كما أخبرنا رسولنا عليه الصلاة والسلام في حديثه "يأتي على أمتي زمان يكون القابضُ على دينه كالقابض على الجمر"، كما قال "إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليـه أجر خمسين منكم". فنحن في الزمان الذي قيل عنه: "يصبحُ الرجلُ مؤمناً ويمسي كافراً"، إذ أصبحنا نرى تقلباتٍ مخيفةً في الناس، طالت ما يمسُّ عقائدهم…

نماذج كثيرة تجعلُ الحليمَ حيرانٌ، وتصدمنا أمامَ هولها لأنها فاقت توقعاتنا وتصوُّراتِ عقولنا. إذ أصبحنا نسمعُ عمَّن ينتكسُ بعدَ الهداية وينقلبُ حالهُ ثلاثمئة وستين درجة، كمن يغيرُ دينه بينَ ليلةٍ وضُحاها، ومن يتركُ الصلاةَ بعدَ التزامه بها، وفتيات ملتزمات يخلعنَ الحجابَ فجأةً… وأناسٌ يرتكبون الموبقات والكبائر بعد طول التزام! أو يَصِلون للإلحادِ عافانا الله.

ولأن الموضوع باتَ مقلقاً يجب علينا البحث عن الأسبابِ والوقوف عليها؛ لمحاولةِ الحدِّ من هذا الموضوع الخطير. والأسباب متعددة ومن أهمها أن التزام الشخص لم يكن عن قناعة، فقد يكون تأثر برفاق صالحين ولكن ما جمعه بهم هو المصالح الدنيوية فقط كرفقة عمل، أو مناسبات اجتماعية أو قضاء أوقات ترفيهية، أو الإعجاب بشخص معين منهم وحب الناس له وقربه منهم. أو أن يكون تعرضَ لصدمةٍ إثرَ موت أو فقدان عزيز، أو تعرضه لحادثِ سيرٍ أو وعكةٍ صحيّةٍ أو رؤيةِ احتضارِ أحدٍ ما، فالتزم إثر ذلك لفترة مؤقتة انتهت بزوال تأثير الصَّدمة فعادَ لسابقِ عهده.

وسبب آخر مهم هو عدم اهتمام الإنسان بتربية نفسه إذ يكتفي بعباداتٍ قليلة فلا يهتم بقراءة القرآن أو النوافل فيكون التزامه ظاهرياً أجوفاً، فهو في الحقيقةِ منتكسَ الباطنِ منذُ زمن، مما يجعلُ انتكاسَ الظاهر سهلاً ووارداً في وقت ما، في ظلِّ تراكم الذنوب دون الاستغفار منها أو التوبة عنها. كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا".

الكمال الزائف أيضاً أحد الأسباب إذ يتلقى الإنسان في بداية التزامه مدحاً كثيراً فيغتر بنفسه، ويظن أنه وصلَ حدَّ الكمال، فيغفلُ عن الحفاظ على نفسه وإيمانه. وربما يكون في بعض الأحيان للتعمق في القراءة في كتب الفلسفة أو مقارنة الأديان لمن ليس متمكناً من فهم دينه ومعرفة جزئياته بما يكفي، أو لمن أسلمَ بالوراثةِ دون العقل تأثيراً على ثباته وتمسُّكه بدينه. وأيضاً عدم الصبر على البلاء سببٌ آخر وفي قول عمر بن الخطاب "قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم" إشارة لذلك.

الناس غالباً ما ينقسمونَ أمام هذه الحالات لفئتين: فئة يستغلُّونها للهجوم على الدين والمتديِّنين، ويجدونها مبرِّراً وحجَّةً لعدم التزامهم. وفئةٌ أخرى يقابلونها بالهجوم والانتقادِ الشّديد مما يزيدُ أمرهم سوءاً وعناداً. ولكن واجبنا الحقيقي تجاههم هو الأخذ بأيديهم، ومحاولة إنارةِ الدربِ لهم، وإزالة الغشاوة من على عيونهم؛ لينكشف الحجابُ عن صوتِ الحقِّ في داخلهم وينقشعَ ضبابُ أفكارهم، فيصلون إلى بر الأمان مجدَّداً بكلِّ قوة، فإن كنا سبباً في هدايتهم وإيابهم إلى الله كان لنا ولهم الأجر والثواب، وإن لم يهتدوا نكون أدينا حقهم علينا في الأخوة وأرحنا ضميرنا تجاههم.

ولتجنب الانتكاسةِ علينا أن نستغفرَ اللهَ دائماً وأبداً حتى لا نكون ممن رانَ على قلوبهم، ولا نركنَ إلى ضعف أنفسنا، ونستصغر الذنوب رُويداً رُويداً ونعتادَها، فنكونَ ناكِسي الرؤوس يوم الحساب. قال عز شأنه "ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم". كما علينا بعباداتِ السرِ والخلوات كقيام الليل وقراءة القرآن والصدقة والدعاء، فعبدٌ صادقٌ يناجي الله لن يخيب أو يضلَّ دربهُ أبداً. وعلينا أن نتفقَّهَ في ديننا ونستمر في طلب علمه من مصادره الصحيحة؛ لنفهمه بقوَّةٍ ويقين فلا تشوب فكرنا عنه شائبة، ولا يعكِّرَ نقاءهُ في صدورنا أي شك.
وفي زمانٍ أصبحت فيه الفتنُ كقطع الليل المظلم، لا يجبُ أن يغتر أحدٌ بدينه ويظن نفسه معصوماً، فهما بلغ ديننا وإيماننا علينا دائماً بدعاء "يا مثبت القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك"، فإن كان رسولنا عليه الصلاة والسلام المعصوم عن الخطأ يكثر من هذا الدعاء فما أحوجنا له نحن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز