الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألويس موسيل

عصام حافظ الزند

2024 / 3 / 17
سيرة ذاتية


قالَ عَنْهُ المُجَمَّعُ العِلْمِيُّ العِراقِيُّ "تَمَيَّزْ بِدِقَّةِ المُلاحَظَةِ، وَسَعَةِ الأُفُقِ، وَغِنَى المَعْلُوماتِ، وَعُمْقِ التَفْكِيرِ، وَشُمُولِ المَعْرِفَةِ، وَالاِتِّزانِ فِي الحُكْمِ، وَأَجادِ وَمارِس الحَياةُ الأكاديمية دِراسَةً وَتَدْرِيساً، وَأَجادَ لُغاتِ أهل البِلادِ العَرَبِيَّةِ القَدِيمَةِ، وأتقن اللُغَةَ العَرَبِيَّةَ قِراءَةً وَحَدِيثاً، وَاِسْتَوْعَبَ ما كُتِبَ فِيها وَخاصَّةً عَنْ تارِيخِ وأحوال المَناطِقِ الواقِعَةِ فِي شَمالِيِّ نَجْدٍ، وَالأُرْدُنِّ وَبادِيَةِ الشامِ وَالفُراتِ الأَوْسَطِ، وَلَمْ يُقَصِّرْ حَياتَهُ عَلَى قاعاتِ وَمَكْتَباتِها المَحْصُورَةِ، وإنما عَمِلَ عَلَى مَزْجِ العِلْمِ بِالعَمَلِ، وَعَلَى فَحْصٍ شَخْصِيٍّ دَقِيقٍ لِلمَناطِقِ الَّتِي عني بِدِراسَتِها، مُحاوِلاً بِذٰلِكَ تَحْدِيدَ مَوْقِعِ المَعالِمِ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُها بِالمَصادِرِ وَتَحْدِيدُ أَهَمِّيَّتِها التارِيخِيَّةِ، وَاِقْتَضاهُ ذٰلِكَ القِيامُ بِعَدَدٍ مِنْ الرِحْلاتِ اِمْتَدَّتْ لِقُرابَةِ عِشْرِينَ عاماً مِن 1896-1915" (مِن مُقَدِّمَةِ مُؤَلِّفِ الفُراتِ الأَوْسَطِ المُتَرْجَمِ مِن قِبَلِ المَجْمَعِ العِلْمِيِّ العِراقِ)
وُلِدُ ألويس فِي 30/6/1868 فِي روتشورو وَهِيَ إحدى القُرَى الجَبَلِيَّةِ لِمَدِينَةِ فيشكوف فِي إِقْلِيمِ جَنُوبِ مُورافيا التْشِيكِيَّةِ بِاِعْتِبارِهِ البِكْرَ لِعائِلَةٍ مُكَوَّنَةٍ مِن خَمْسَةِ أَبْناءٍ، (وَاِعْتِزازاً بِهٰذا الأَصْلِ الفَلّاحِيِّ قامَ فِي مَدِينَةِ مَسْقَطِ رَأْسِهِ بِبِناءِ فيلا قَبْلَ الحَرْبِ العالَمِيَّةِ الأُولَى وأسماها (فيلا مُوسَى) اِعْتِزازاً بِذٰلِكَ الاِسْمِ الَّذِي تَسَمَّى بِهِ فِي الصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ عِلْماً بأنه وَعائِلَتُهُ اُضْطُرُّوا لِتَغْيِيرِ أَماكِنِ سَكَنِهِم مرات عديدة وَخاصَّةً بِتَأْثِيرِ الاِحْتِلالِ الأَلْمانِيِّ، حَتَّى إنه توفي فِي مَدِينَةٍ اِوْتَرَبَ نا ساسِفاً (اوترب عَلَى نَهْرٍ سافا) وَلٰكِنْ فِي عامِ 1968 نَقَلَ رُفاتَهُ إلى مَقْبَرَةِ العائِلَةِ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ (مِن كِتابٍ مِن عالَمِ الإِسْلامِ ألويس مُوسِيل تَأْلِيفَ بافِل جْدارِسْكِي بِاللُغَةِ التْشِيكِيَّةِ دارَ أكربوليس) أكمل دِراسَتَهُ الثانَوِيَّةَ فِي مَدِينَةِ كوميرشال عامَ 1887،ثَم قَرَّرَ أَنْ يُساعِدَ عائِلَتَهُ الَّتِي كانَت تَمُرُّ بِفَتْرَةٍ مالِيَّةٍ صَعْبَةٍ فِي عَمَلِها الزِراعِيِّ، دَرَسَ عِلْمُ الأَدْيانِ السَماوِيَّةِ فِي جامِعَةِ الموتس (مَدِينَةً مُورافِيَةً تَقَعُ عَلَى مُلْتَقَى نَهْرَيْ مورافا وَبيستشيتسه، وَقَدْ كانَت ولا تزال مَقَرّاً لِلكَنِيسَةِ) وَحَصَلَ عَلَى شَهادَةِ اِمْتِيازٍ تُؤَهِّلُهُ كَقْسٌ، وَتَعَلَّمَ فِيها بَعْضُ اللُغاتِ، وَعَقِبَ ذٰلِكَ مُباشَرَةً أرسل مِن قِبَلِ الكَنِيسَةِ لِيَكُونَ مُدَرِّساً لِلدِينِ وَمُساعِدِ قَسٍّ فِي مَدِينَةِ اوسترافا، وَفِي هٰذِهِ الفَتْرَةِ بَدَأَ بِدِراسَةٍ مُعَمَّقَةٍ لِلإِنْجِيلِ، وَرَكَّزَ عَلَى العِلْمِ؛ لِأَنَّهُ كانَ لا يَقْتَنِعُ بِالفَرْضِيّاتِ الَّتِي كانَت تَطْرَحُها النُصُوصُ الدِينَةُ، وَفِي تِلْكَ الجامِعَةِ حَصَلَ عَلَى شَهادَةِ الدكتوراه فِي عِلْمِ اللاهُوتِ أَيْضاً، وَفِي ذٰلِكَ الزَمانِ كانَت فِلَسْطِينُ وَالبُلْدانُ المُجاوِرَةُ لَها تَجْذِبُ اِهْتِمامَ السَواحِ سَواءٌ مِن رِجالِ الدِينِ أَوْ المُفَكِّرِينَ وَالآثارِيِّينَ لِكَوْنِها مَهْبَطَ وَشُيُوعَ تِلْكَ الأَدْيانِ الإبراهيمية الثَلاثَةِ اليَهُودِيَّةِ وَالمَسِيحِيَّةِ وَالإِسْلامِ، كانُوا يَسْعَوْنَ لِلحُصُولِ عَلَى مُخْتَلِفِ الإِشاراتِ وَالوَثائِقِ وَالدَلائِلِ مِن أَجْلِ تَفْسِيرِ وَشَرْحِ شَرائِعِ تِلْكَ الأَدْيانِ وَطَبْعاً إلى جانِبِ أهداف أُخْرَى رُبَّما أكثر أهمية اِقْتِصادِيَّةً وَسِياسِيَّةً، بَلْ وَعَسْكَرِيَّةً اِسْتِعْمارِيَّةً مُهِمَّةً أَيْضاً، وَكانَ أُولٰئِكَ الزُوّارُ يَتَسابَقُونَ أيضا فِي الوُصُولِ إلى كُلِّ الأَماكِنِ وَالحافّاتِ غَيْرِ المَطْرُوقَةِ مِنها، وَالَّتِي كانَت مَسْرَحاً لِتِلْكَ الأحداث مُنْذُ آلافِ السِنِينَ.
مُوسِيل أحد أُولٰئِكَ الَّذِينَ سافَرُوا إلى القُدْسِ حَيْثُ المَدْرَسَةُ الفَرَنْسِيَّةُ Ecole biblique وَدَعْمُهُ لِتَحْقِيقِ ذٰلِكَ رَئِيسِ الأَساقِفَةِ الدكتورُ تيودور كُوهْنا، فَوَصَلَ إلى القُدْسِ فِي نُوفَمْبِر 1895، وَهُناكَ بَدَأَ بِتَعَلُّمِ العَرَبِيَّةِ، بَلْ وَشارَكَ فِي الرِحْلاتِ، فَكانَت الرِحْلَةُ العِلْمِيَّةُ الأُولَى الَّتِي شارَكَ فِيها قَدْ نَظَّمَتها مَدْرَسَةُ الإنجيل إلى مِصْرَ وإلى جَبَلِ سِيناءَ بِالتَحْدِيدِ حَيْثُ الدَيْرُ الَّذِي بَناهُ القَيْصَرُ جِسْتِنْيان (527-565م) بِمَكْتَبَتِهِ الضَخْمَةِ الَّتِي تَضُمُّ العَدِيدَ مِن المَخْطُوطاتِ القَدِيمَةِ، وَلَعَلَّ أثمنها المَخْطُوطَةَ اليُونانِيَّةَ لِلإِنْجِيلِ وَالمَعْرُوفَةِ Codex Sinaitions، (تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ هٰذا الدَيْرِ بِأَنَّهُ أقدم ديراً مسيحياً وَهُوَ عِنْدَ جَبَلِ حُورِيب الَّذِي كَما تَقُولُ الرِوايَةُ: كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسَى فِيهِ، وَتَلَقَّى فِيها الوَصايا العَشَرَةُ عِلْماً أَنَّ بِدايَةَ بِناءِ ذٰلِكَ الدَيْرِ كانَت قَبْلَ القَيْصَرِ جِسْتِنْيان، وَتِلْكَ قِصَّةً أخرى) الرُهْبانُ فِي هٰذا الدَيْرِ يَعِيشُونَ فِي عُزْلَةٍ تامَّةٍ عَن أَنْحاءِ العالَمِ وَسَطَ قَبائِلَ شِبْهِ بَدَوِيَّةٍ، يُوَزِّعُونَ عَلَيْهِم مُخْتَلِفَ الهَدايا، عَدَدٌ كَبِيرٌ مِن أُولٰئِكَ البَدْوِ كانَ أصلهم يَعُودُ إلى سُلالاتٍ مِن الأسرى السُلافِ حَيْثُ وَطَنُهُم القَيْصَرُ جِسْتِنْيان فِي ضَواحِي الدَيْرِ، وَكانُوا فِي بِدايَةِ الأمر يَعْتَمِدُونَ عَلَى الدَيْرِ فِي أُمُورِ مَعِيشَتِهِم، إلا أنهم وَبِمُرُورِ الزَمَنِ وَتَكاثُرِهِم نَسُوا لُغَتَهُم الأصلية، بَلْ وأسلموا وأجبروا الرُهْبانَ عَلَى بِناءِ مَسْجِدٍ لَهُم فِي أَراضِي الدَيْرِ. (وَيُقالُ إن ذٰلِكَ الجامِعَ بَناهُ الفاطميون لَهُم)، وَنَتِيجَةً لِتارِيخَيْهِم هٰذا رَغَبَ مُوسِيل أن يُقِيمُ بَيْنَهُم لِفَتْرَةٍ أطول لِدِراسَةِ مُجْتَمَعِهِمْ وَعاداتِهِمْ، وَلٰكِنَّهُ كانَ مُجْبِراً الاِرْتِباطَ بِالقافِلَةِ، حَيْثُ كانَ التَنَقُّلُ فِي مِثْلِ تِلْكَ البِقاعِ مِنْ المَشاقِّ الكُبْرَى وَالمَخاطِرِ الَّتِي لا يَقْوَى عَلَيْها الفَرْدُ بِمَوارِدَ بَسِيطَةٍ، وَتَتَطَلَّبُ تَحْضِيرَ مُعَقَّدٍ وَكَبِيرٍ، إلا أنه تَعَلَّمَ أن مِثْلَ تِلْكَ القَوافِلِ الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى المَراكِزِ المُهِمَّةِ وَالكَبِيرَةِ لا تُلَبِّي طُمُوحَهُ فِي الاِكْتِشافاتِ الجَدِيدَةِ وَالمَشُوقَةِ، لِذا قَرَّرَ أَنْ يُسافِرَ لاحِقاً بِمُفْرَدِهِ، وَيَجُوبَ الأَماكِنَ الَّتِي يُرِيدُها، فَقامَ فِي عامِ 1896 وَبِدَعْمٍ كَبِيرٍ بِسَفَرٍ إلى شَرْقِ الأُرْدُنِّ، وأقام لِبَعْضِ الوَقْتِ فِي مادْبا وَهُناكَ تَعَرَّفَ عَلَى المُبَشِّرِ الطُمُوحِ أَنْطُوانُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَالَّذِي رافَقَهُ فِي رِحْلاتِهِ وَهُناكَ أَيْضاً عَقْدُ أُولَى صَداقاتِهِ مَعَ القَبائِلِ العَرَبِيَّةِ الرَئِيسَةِ مِنْ أَجْلِ كَسْبِ ثِقَتِها، فَقَدْ كانُوا يَرْتابُونَ في الأَجانِبِ، وَفِي هٰذا الوَقْتِ اِعْتَمَرَ المَلابِسُ البَدَوِيَّةُ، وأطلق اللِحْيَةَ وَحَمَلَ البُنْدُقِيَّةَ عَلَى كَتِفِهِ عملاً تَماماً كَما يَفْعَلُ البَدْوُ، وَفِي الوَقْتِ نفسه الَّذِي قَرَّرَ فِيهِ أن يَكْتَشِفُ المِنْطَقَةَ طبوغرافْياً Topography وَاثنوغرافْيا Etnografi وديموغرافيا Epigraf، وَذٰلِكَ الهَدَفَ الَّذِي لازَمَهُ طِيلَةَ حَياتِهِ فِي المِنْطَقَةِ أو خارِجَها.
حَتَّى ذٰلِكَ الوَقْتُ لَمْ تَكُنْ المِنْطَقَةُ الواقِعَةُ شَرْقَ مِصْرَ بَيْنَ البَحْرِ الأَحْمَرِ وَالمَيِّتِ قَدْ جَرَت دِراسَتُها، وَذٰلِكَ لِتَهَيُّبِ الرَحّالَةِ الأوربِيِّينَ الدُخُولَ اليَها، (عامَ 1882 قامَ المُسْتَشْرِقُ الإنكليزِيُّ إدورد هِنرِي بِالمُرِّ بِقِيادَةِ مَجْمُوعَةٍ مِن أَرْبَعَةِ أفراد مُتَوَجِّهاً فِي المِنْطَقَةِ لإقناع البَدْوِ أَوْ بِالأَحْرَى شِراءَ وَلاءِ البَدْوِ للإنكليز بِالمالِ، وَمِنهُم بَدْوُ الحُوَيْطاتِ، وَلٰكِنَّ مَجْمُوعَةً مِن البَدْوِ نَصَبُوا لَهُم كَمِيناً، وَاِقْتادُوهُم إلى وادِي سِدْر حَيْثُ قَتَلُوهُم وألقوا بِهِم فِي الوادِي وَتَفاصِيلَ ذٰلِكَ أَصْدَرَتهُ الحُكُومَةُ البَرِيطانِيَّةُ فِي كِتابِها الأَزْرَقِ عامَ 1883 وَمُنْذُ ذٰلِكَ التارِيخِ لَمْ يجرؤ أحد عَلَى دُخُولِ المِنْطَقَةِ تَراجُعَ قِصَّةٍ بِالمَرِّ فِي كِتابِ مَوْسُوعَةِ المُسْتَشْرِقِينَ عَبْدِ الرَحْمٰن بَدَوِي دارِ العِلْمِ لِلمَلايِينِ ص 68-71) رَغْمَ كَوْنِها مِن المَناطِقِ المُثِيرَةِ تارِيخِيّاً حَيْثُ تَفَسَّخَت هُناكَ حَضارَةُ الغَسانِيِّينَ (العَرَبِيَّةِ – اليُونانِيَّةُ) مِن آلِ جَفْنَةٍ، وأهميتها تَكْمُنُ فِي أنها كانَت إحدى حَلَقاتِ الوَصْلِ المُهِمَّةِ بَيْنَ الثَقافَةِ اليُونانِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ، (يُراجِعُ عَلَى سَبِيلِ التَوَسُّعِ كِتابَ أمراء غَسّانٍ لِلمُسْتَشْرِقِ تيودور نُوَلْدِكَهُ دارَ الوِراقِ لِلنَشْرِ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ مُوسِيل اِطَّلَعَ عليه بِشَكْلٍ جَيِّدٍ وَأَيْضاً لِعَلاقَةِ الصَداقَةِ الَّتِي كانَتْ تَرْبِطُ بَيْنَهُما) وَهٰكَذا كانَ اِهْتِمامُ مُوسِيل بِهٰذِهِ المِنْطَقَةِ، فِي سِبْتَمْبَر مِنْ العامِ نفسه عادَ مُوسِيل مِنْ مأدبا إلى القُدْسِ، وَفِي عامِ 1897 سافَرَ مجددا إلى جامِعَةِ القِدِّيسِ يُوسُف فِي بَيْرُوتَ، وَمِنْها حَصَلَ عَلَى الكَثِيرِ مِنْ المَعْلُوماتِ الَّتِي لَمْ يَحْصُلْ عَلَيْها فِي القُدْسِ، وَقَدْ كانَتْ هٰذِهِ الجامِعَةُ آنَذاكَ (جامِعَةً كاثُولِيكِيَّةً تَأَسَّسَتْ عامَ 1875 مِنْ قِبَلِ اليَسُوعِيِّينَ) وَخاصَّةً مِنْها كُلِّيَّةَ عُلُومِ الأَدْيانِ المُرَكَّزِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِيهِ رِجالُ الدِينِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلى مُخْتَلِفِ المُدُنِ وَالكَنائِسِ فِي الشَرْقِ، وَجَدَ مُوسِيل فِيها ما يُناهِزُ 100 الفَ مُجَلَّدٍ تُعْرَفُ مِنْ خِلالِ الكَثِيرِ مِنْها عَلَى البُلْدانِ وَالمَناطِقِ الَّتِي جابَها وَكَتَبَ عَنْها فِي مُؤَلَّفاتِهِ الكَثِيرَةِ، وَالَّتِي سَنَأْتِي عَلَى التَعَرُّفِ عَلَى بعضها فِي القِسْمِ الثانِي مِنْ هٰذِهِ الدِراسَةِ، فِي نِهايَةِ 1897 عادَ مجددا عَبْرَ فِلَسْطِينَ، وَاِسْتَقَرَّ فِي مادْبا حَيْثُ قامَ مِنْ هُناكَ بِرِحْلاتٍ مُنْفَرِدَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لَقَدْ كانَ مِنْ عادَتِهِ أَنْ يَتَعَرَّفَ، كَما أَشَرْنا، عَلَى تارِيخِ البَلَدِ الَّذِي سَيزورهِ؛ وَلِذٰلِكَ فَهِمَ الكَثِيرُ مِنْ الاِحْداثِ، وَتَعَرَّفَ عَلَى الكَثِيرِ مِنْ الأَماكِنِ؛ مِمّا سَهَّلَ عَمَلَهُ اللاحِقَ، كانَ عِنْدَما يَصِلُ إلى مِنْطَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ يسأل عَنْ البُحَيْراتِ والأنهر وَالوِدْيانِ وَالجِبالِ وَالطُرُقِ المُؤَدِّيَةِ اليَها، وَيرسمها فَوْراً وَتَوْضِيحُها عَلَى الخَرِيطَةِ، وَيَتَأَكَّدُ مِنْ صِحَّةِ الشَهاداتِ، كانَ يُؤَجَّرُ الإدلاء مِنْ القُوّادِ وَالشُيُوخِ وَالفُرْسانِ مِنْ تِلْكَ القَبائِلِ، وَعِنْدَما يُثِيرُ الدَلِيلُ أَدْنَى شُكُوكِهِ يستغني عَنْهُ، وَكَثِيراً ما كانَ يَتَظاهَرُ بِأَنَّهُ تاجِرُ جَمالٍ حَتَّى لا يُثِيرَ اِنْتِباهَ قُطّاعِ الطُرُقِ، مَعَ قَبِيلَةِ كَعْبٍ أَجَرَ شَيْخُها مُحَمَّدٌ، وأقام عَلاقاتِ صَداقَةٍ مَعَ قَبِيلَةِ صَخْرٍ، وَتَظاهَرَ أَنَّهُ طَبِيبٌ، وَسَمَّى نَفْسَهُ فِي فَتْرَةٍ ما (مُوسَى بِن نَمْساَ) إِلّا أن الاِسْمُ الأَشْهَرُ كانَ الشَيْخُ مُوسَى (وَفِي رِوايَةٍ أُخْرَى يَرْوِيها مُوسِيل نَفْسُهُ أَنَّهُ تَسَمَّى أَوْ سُمِّيَ الشَيْخُ مُوسَى عِنْدَما عاشَ مَعَ قَبِيلَةِ الرُولَة وَشَيْخِها نُورِي (فِي حَدِيثِ مُوسِيل فِي كِتابِهِ فِي الصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ فِي فِقْرَةِ السَرِقَةِ يَقُولُ حَدَّثَنِي الأَمِيرُ يَقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ "قُلْتُ لَهُ أَلّا تَعْلَمَ يا كَلْبُ أَنَّ الشَيْخَ مُوسَى قَدْ أصبح إحدانا، وَأَنَّهُ يَنْتَمِي إلى عائِلَتِي، وَأَنَّهُ أَخِي وَأَنَّنِي سَوْفَ أقمع أَيَّ شَخْصٍ يَجْرُؤُ عَلَى المِساسِ بِهِ" (ألويس مُوسِيل فِي الصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ دارُ الوِراقِ ص 143) وَبِذٰلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ الحُصُولِ عَلَى ثِقَتِهِمْ، وَالَّتِي مَكَّنَتْهُ مِنْ الوُصُولِ إلى مُخْتَلِفِ الأَماكِنِ الَّتِي كانَ مِنْ المُسْتَحِيلِ الوُصُولُ إليها بِمُفْرَدِهِ وَمِنْها البِتْرا.
مُنْذُ البِدايَةِ كانَ مُوسِيل يُسَجِّلُ المَعْلُوماتِ الأَساسِيَّةَ فِي كُلِّ مَكانٍ يَزُورُهُ، بَلْ وَيقيسها وَتَصْوِيرِها وَرَغْمَ أنه لَمْ يَكُنْ خَبِيراً بِعِلْمِ المِساحَةِ، لٰكِنَّهُ تَعَلَّمَ بَعْضَ المُعْطَياتِ مِنْ خِلالِ الكُتُبِ، كَما أنه لَمْ يَكُنْ يَمْتَلِكُ إِلّا القَلِيلَ مِنْ الأَجْهِزَةِ الضَرُورِيَّةِ الَّتِي يَسْهُلُ حَمْلُها وإخفاؤها، طاوِلَةً لِلقِياسِ وَبُوصَلَةٌ وَبارومتر وَآلَةُ تَصْوِيرٍ، وَكانَ كَثِيرَ السُؤالِ لِكُلِّ مَنْ يَلْتَقِيهِ عَنْ مُخْتَلِفِ الأُمُورِ وَالظاهِرِ وَالطُرُقِ والأسماء، وَكُلِّ ما يُفِيدُ البَحْثَ وَيُسَجِّلُهُ، وَهٰذا ما جَعَلَهُ يَمْتَلِكُ مَعْلُوماتٍ كَثِيرَةً وَفَرِيدَةً عَنْ المَناطِقِ مِنْ حُورانَ وَتُدَمُّرِ (بِالمِيرا) وَجِبالِ النُصَيْرِيَّةِ وَجِبالِ لُبْنانَ وُصُولاً إلى بَيْرُوتَ وَغالِبِيَّةِ مَناطِقِ شَمالِ الفُراتِ وَالجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ.
نَظَرَ مُوسِيل فِي تِلْكَ المَرْحَلَةِ وَنَتِيجَةَ سُفْراتِهِ إلى مِنْطَقَةِ البِتْرا، وَالَّتِي تَمْتَدُّ مِن البَحْرِ الأَحْمَرِ إلى فِلَسْطِينَ بِأَنَّ تِلْكَ المِنْطَقَةَ تَتَمَتَّعُ بِخُصُوصِيَّةٍ تاريخية، فَقَدْ سَجَّلَت فِي أَجْزاءِ مُوسَى الخَمْسَةِ التابِعَةَ للإنجيل، وَكَذٰلِكَ دارَت فِيها الأحداث الَّتِي جاءَ ذِكْرُها فِي أَجْزاءِ مَزامِيرِ النَبِيِّ إرميا وَالنَبِيِّ إشعيا (السَفَرَ رَقْمَ اثني عَشَرَ مِن التَناخِ وَالثالِثِ وَالعِشْرِينَ فِي العَهْدِ الجَدِيدِ عِنْدَ المَسِيحِيِّينَ البروتستانت وَالسادِسِ وَالعِشْرِينَ عِنْدَ الأُرْثُوذِكْسِ وَالكاثُولِيكِ، وَيَضُمُّ هٰذا السَفَرُ سِتَّةً وَسِتِّينَ إِصْحاحاً) كَما أَنَّ هٰذِهِ المِنْطَقَةَ كانَت فِي الماضِي نُقْطَةَ الاِلْتِقاءِ بَيْنَ الحَضاراتِ البابِلِيَّةِ وَالمِصْرِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ الجَنُوبِيَّةِ؛ لأنها كانَت مَرْكَزاً لِلتِجارَةِ مَعَ الهِنْدِ وَشَرْقِ أفريقيا وَمِصْرَ وَأوربا، لِذا تَمَّ بِناءُ مُدُنٍ غَنِيَّةٍ فِي الصَحارِيِّ مُحاطَةً بالأسوار، وَاِحْتَوَتْ عَلَى آثارٍ فَنِّيَّةٍ بارِزَةٍ، وَلَمّا أَخَذَتْ طُرُقَ التِجارَةِ تَسْلُكُ طُرُقاً أُخْرَى فَرَغَتْ هٰذِهِ المُدُنُ مِنْ سُكّانِها وَطَواها النِسْيانُ، وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ شُجاعٌ يُغامِرُ بِالعَوْدَةِ إليها وَالكَشْفِ عَنْ كُنُوزِها، إِنَّ ذٰلِكَ كانَ يَتَطَلَّبُ فِعْلاً شَجاعَةً كَبِيرَةً بِسَبَبِ القَبائِلِ الموجودة حَوْلَها، وَلِذٰلِكَ بَقِيَتْ هٰذِهِ المِنْطَقَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ بِالنِسْبَةِ لِلعالَمِ، وَلَمْ نَجِدْ لَها أَيَّ خَرائِطَ أَوْ مَعْلُوماتٍ حَوْلَ قَبائِلِها وَعاداتِهِمْ وَتَقالِيدِهِمْ وَآرائِهِمْ وَعُمُومِ مُجْتَمَعاتِهِمْ.
أخذ البَرَفْسُورَ مُوسِيل بِجَمْعِ تِلْكَ المَعْلُوماتِ، وَرَسْمِ الخَرائِطِ وأخذ الصُوَرَ مُنْذُ رِحْلَتِهِ الأُولَى لمواد القَدِيمَةِ ( مَمْلَكَةَ مؤاب مِن المَمالِكِ القَدِيمَةِ الَّتِي تَقَعُ اليَوْمَ فِي المَمْلَكَةِ الأُرْدُنِيَّةِ مِن البَحْرِ المَيِّتِ شَمالَ الكَرْكِ إلى مَدِينَةِ الشوبك، وَذَكَّرَت بَعْضَ حَوادِثِ المَدِينَةِ فِي الكُتّابِ المُقَدَّسِ فِي سَفَرِ المُلُوكِ، وَكانَت مَدِينَةُ ذِيبانَ عاصِمَةَ مَوْآبَ، وَكانَ إدورد بِالمَرِّ قَدْ حاوَلَ البَحْثَ فِي ذٰلِكَ التارِيخِ) ثُمَّ لِجُزْءٍ مِن أيدوم مِن وادِي مُوسَى الواقِعِ إلى الجَنُوبِ مِن البَحْرِ المَيِّتِ وَمِنْطَقَةِ مَعانِ، وَعِنْدَما تَعَرَّفَ عَلَى الجُزْءِ الشَمالِيِّ لِمِنْطَقَةِ البِتْرا قَرَّرَ التَعَرُّفَ عَلَى هٰذِهِ المِنْطَقَةِ بِكامِلِها وَدِراسَتِها وَالبَحْثِ عَن أطلال المُدُنِ وَالقُصُورِ المَوْجُودَةِ فِيها وَالتَعَرُّفِ عَلَى عاداتِ السُكّانِ وَلُغَتِهِم وتاريخهم، وَكانَ هَدَفُهُ البَحْثَ عَن المَوادِّ الجَدِيدَةِ لِشَرْحِ العَهْدِ القَدِيمِ. وَبِغَرَضِ التَحْضِيرِ لِبُحُوثِهِ سافَرَ إلى غَزَّةَ، وَعاشَ هُناكَ شَهْرَيْنِ فِي بَيْتِ المَساحِ جورج كات (G. Gatt) وَجَمَعَ المَعْلُوماتِ الَّتِي ضَمَنَها التَقْرِيرُ الَّذِي قَدَّمَهُ إلى أَكادِيمِيَّةِ العُلُومِ التْشِيكِيَّةِ؛ وبناء على ذلك النَشاطِ مَنَحَتْهُ أَكادِيمِيَّةُ العُلُومِ القَيْصَرِيَّةِ فِي فِينا تَمْوِيلاً إلى بُحُوثِهِ العِلْمِيَّةِ اللاحِقَةِ كَما مَنَحَتْهُ كُلِّيَّةُ العُلُومِ الدِينِيَّةِ فِي فِينا تَمْوِيلاً آخَرَ عامَ 1898 قامَ عَلَى أَثَرِها بِرِحْلَتِهِ الجَدِيدَةِ عَبَّرَ فِيها مِنْطَقَةَ البِتْرا مِن غَرْبِها إلى جَنُوبِها، وَفِي الوَقْتِ نفسه فَكَّرَ فِي البَحْثِ عَنْ قَصْرِ عمره أو كَما يُسَمَّى قَصِيرُ عُمْرَةٍ لِصِغَرِ حَجْمِهِ (قَصْرٌ صَغِيرٌ بُنِيٌّ فِي العَصْرِ الأموي يَعْتَقِدُ أن مِنْ بَناهُ هُوَ الخَلِيفَةُ الوَلِيدُ بِنُ عَبْدِ المَلِكِ أو الخَلِيفَةِ الحادِي عَشَرَ الوَلِيدُ بِن يَزِيدَ الصَحْراءَ، وَيَعْتَقِدُ أنه كانَ مُخَصَّصاً لِرِحْلاتِ الصَيْدِ فِي حُدُودِ النِصْفِ الأَوَّلِ مِن القَرْنِ الثامِنِ المِيلادِيِّ) كانَ مُوسِيل قَدْ سَمِعَ عَنْ هٰذا القَصْرِ مِن شَيْخِ قَبِيلَةِ الجَعابِنَةِ مُحَمَّد (لَمْ نَتَمَكَّنْ مِن التَحَقُّقِ بشكل كامل مِن اِسْمِ الشَيْخِ الكامِلِ وَالقَبِيلَةِ سَنَسْعَى إلى ذٰلِكَ لاحِقاً)، فِي رِحْلَتِهِ الأُولَى إلى مِنْطَقَةِ مَوْآبَ، كانَ الشَيْخُ مُحَمَّدٌ قَدْ أَكَّدَ لوسيل إنه زارَ هٰذا القَصِيرَ، وَشاهَدَ هُناكَ تَماثِيلَ وَصُوَرٌ، وأضاف أَنَّ هٰذا القَصِيرَ كانَ قَدْ بَناهُ الجِنَّ لِيُصْبِحَ مَقَرّاً لَهُ، وَلٰكِنَّ مُوسِيل طَبْعاً لَمْ يَكُنْ يُصَدِّقُ مِثْلَ تِلْكَ الخُرافاتِ لِذا عَزَمَ عَلَى زِيارَةِ هٰذا القَصِيرِ وَالتَأَكُّدِ مِنْ أَمْرِهِ وَتارِيخِهِ وَهٰكَذا فَعَلَ. وَكانَ اِكْتِشافُهُ المُهِمَّ وَحَتَّى اليَوْمِ، فإن اللَوْحَةَ المَوْجُودَةَ عِنْدَ هٰذا الأَثَرِ التارِيخِيِّ الأموي المُهِمِّ تُشِيرُ إلى ذٰلِكَ، وَلٰكِنَّ تِلْكَ الزِيارَةَ لِهٰذا الأَثَرِ لَمْ تَكُنْ الأَخِيرَةَ.
فِي نِهايَةِ عامِ 1901 رَحَلَ البَرَفْسُور مُوسِيل مجددا إلى فِلَسْطِينَ عن طريق البَحْرِ حَيْثُ وَصَلَ إلى مِيناءِ يافا، وَمِن هُناكَ سافَرَ إلى القُدْسِ، وَكانَ قَدْ شَحَنَ أَمْتِعَتَهُ إلى مادِبا وَمَعَ ميليس (Mailing)، وَالَّذِي كانَ قَدْ تَعَرَّفَ عَلَيْهِ فِي سُفْراتِهِ السابِقَةِ، اِعْتَمَرُوا المَلابِسَ العَرَبِيَّةَ البَدَوِيَّةَ (الثَوْبَ وَالعَباءَةَ العَرَبِيَّةَ السَوْداءَ المَصْنُوعَةَ مِن شِعْرِ الماعِزِ وَالعُقالِ وَحِذاءً أَحْمَرَ كَما يَقُولُ فِي أحد بُحُوثِهِ)، وَغادَرُوا القُدْسَ فِي 6 ماي حَيْثُ عَبَرَ الوادِي إلى مادِبا، وَقَدْ حَرَصَ فِي أول وُصُولِهِ أَنْ يَبْعَثَ خَبَراً إلى الأَمِيرِ طَلال يَعْلَمُهُ بِوُصُولِهِ (وَهُوَ الشَيْخُ طَلال بِنْ فَنْدِي بْنْ عَبّاس الفايِز شَيْخُ مَشايِخِ بَدْوِ بَنِي صَخْرٍ)، وَلٰكِنْ تَطَلَّبَ الأمر ثَلاثَةَ أَسابِيعَ مِنْ الاِنْتِظارِ، حَتَّى ظَهَرَ هايِل مَنْدُوبُ الأمير، كَما أَنَّ مُوسِيل كانَ مُتَخَوِّفاً مِنْ أَنَّ مُتَصَرِّفَ الكَرْكِ (مُحافِظٌ) قَدْ لا يَسْمَحُ لَهُ بِعُبُورِ الحُدُودِ؛ وَلِذٰلِكَ اِسْتَخْدَمَ الحِيلَةَ مِن أجل ذٰلِكَ بِعُبُورِ الحُدُودِ خُلْسَةً وَبِدُونِ عِلْمِ السُلُطاتِ التُرْكِيَّةِ، وَلٰكِنَّهُ فُوجِئَ لَدَى وُصُولِهِ أَراضِيَ العَرَبِ فِي الصَحْراءِ بِاِنْدِلاعِ الحُرُوبِ بَيْنَ تِلْكَ القَبائِلِ، وَرَغْمَ كُلِّ تِلْكَ التَعْقِيداتِ قَرَّرَ الاِسْتِمْرارَ فِي رِحْلَتِهِ مُعْتَمِداً عَلَى حِمايَةِ بَنِي صَخْرٍ حَيْثُ كانَ بِرِفْقَتِهِ سَبْعَةٌ مِن البَدْوِ، وَسَبْعَةُ جمالين تَحْمِلُ تَمْوِيناتِهِ المُتَكَوِّنَةَ مِن الدَقِيقِ وَالجُبْنِ وَالزُبْدَةِ وَالعَسَلِ، مُتَوَجِّهاً نَحْوَ قَصِيرِ عُمْرَةٍ، وَلٰكِنَّهُ ما إن وَصَلَ إلى مِنْطَقَةِ الحُرَّةِ الصَحْراوِيَّةِ، حَتَّى أَحَسَّ بِمَنْ يَتَعَقَّبُونَ أثره مِن خَلْفِ الصُخُورِ، وَلَمّا وَصَلُوا فِي مايو إلى مَكانٍ قُرْبَ القَصِيرِ خَيِّمُوا لِيَرْتاحُوا هُجَمَ عَلَيْهِم مَجْمُوعَةٌ مِن البَدْوِ، وَسَرَقُوا مِنهُم سِتَّةَ جمالين، بَلْ وَاِحْتَلُّوا البِئْرَ وَبِذٰلِكَ عَرَضُوا القافِلَةَ إلى خَطَرٍ كَبِيرٍ، وَعِنْدَها أَرادَ الإدلاء إِخْفاءَ التَمْوِيناتِ الباقِيَةِ تَحْتَ الأَرْضِ وَالعَوْدَةِ إلى دِيارِهُم، وَلٰكِنَّ مُوسِيل أقنعهم بِالبَقاءِ مَعَهُ حَيْثُ رافَقُوهُ إلى هَدَفِهِ القَصِيرِ الأموي حَيْثُ قَضَى هُناكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً، بِالرَغْمِ مِن رائِحَةِ الجُثَثِ الَّتِي دُفِنَت هُناكَ مُؤَخَّراً (أثناء قِتّالِ القَبائِلِ) حَيْثُ تعاون مُوسِيل مَعَ مِلِيخٍ بِدِراسَةِ المَوْقِعِ، وَنَقْلَ الصُوَرَ مِن الحِيطانِ عَلَى الوَرَقِ، بَلْ إنه صنع هيكلاً خشبياً متحركاً لِيَقِفَ عَلَيْهِ مَلِيخٌ عِنْدَ الرَسْمِ، حَيْثُ سَجَّلَ جَمِيعُ الرُسُوماتِ وَالنُقُوشِ الهامَّةِ المَوْجُودَةِ عَلَى جُدْرانِ وَسُقُوفِ القَصِيرِ.
بَعْدَ تِلْكَ الرِحْلَةِ قامَ البَرَفْسُورُ مُوسِيل بِرِحْلاتِ إلى مَناطِقَ أُخْرَى، وَعادَ فِي يولْيو إلى القُدْسِ، وَمِن هُناكَ إلى فِينا، وَلٰكِنَّهُ لَمْ يَنْجَحْ فِي اِسْتِكْمالِ مُهِمَّتِهِ فِي اِسْتِكْشافِ مِنْطَقَةِ البِتْرا، وَلِذا بَدَأَ فِي يُولْيو 1902 رِحْلاتِهِ الجَدِيدَةَ لِاِسْتِكْمالِ بُحُوثِهِ، وَاِسْتَمَرَّت رِحْلَتُهُ تِلْكَ حَتَّى شَهْرَ نوفمبر ذٰلِكَ العامَ حَيْثُ عادَ عَبْرَ مِيناءِ تريست إلى جَزِيرَةِ كرفو (وَهِيَ إحدى الجُزُرِ اليُونانِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَها الإدريسي بِاِسْمِ قُرْفُس) وَمِن هُناكَ إلى يافا حَيْثُ اِسْتَقَلُّوا القِطارَ إلى القُدْسِ، وَفِي القُدْسِ وَصَلَت إليه الأخبار عَن اِشْتِدادِ المَعارِكِ بَيْنَ البَدْوِ وَاِنْتِشارِ وَباءِ الكوليرا، بَلْ وَالطاعُونِ فِي المَناطِقِ الواقِعَةِ غَرْباً مِن البَحْرِ المَيِّتِ. لِذا غَيَّرَ طَرِيقَهُ لِيَذْهَبَ عن طريق البَحْرِ الأَحْمَرِ، وَلٰكِنَّهُ هُناكَ أَيْضاً واجه خَطَرَ البَدْوِ حَيْثُ هاجَمُوا قافِلَتَهُ لِذا تَوَجَّهَ إلى مِنْطَقَةِ الجِبالِ الَّتِي تُحاصِرُ وادِيَ عَرَبَةٍ، وَدَخَلَها كأول أوربي، وَمِن هُناكَ ذَهَبَ إلى البَتْرا سَعْياً وَراءَ إكمال مُعْطَياتِ خَرِيطَتِهِ حَوْلَ البِتْرا، وَالَّتِي بَدَأَ يَجْمَعُها مُنْذُ عامِ 1896. تَمَيَّزَت حِساباتُهُ وأعماله وَخَرائِطُهُ بِالدِقَّةِ، وَذٰلِكَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ زِياراتِهِ لِتِلْكَ المَناطِقِ وَالتَفَحُّصِ الدَقِيقِ الَّذِي كانَ يَقُومُ بِهِ عِلاوَةً عَلَى أنه كانَ يُصَوِّرُ تِلْكَ الأَماكِنَ مِنْ آثارٍ وَوِدْيانٍ وَجِبالٍ، وَيمسح الأَراضِي وَاِتِّجاهِ الوِدْيانِ وَاِرْتِفاعِ الجِبالِ، بَلْ وَسَجَّلَ أَسْماءَ الآلاف الأَماكِنَ قَدِيماً وَحَدِيثاً وَالكَثِيرَ مِنْها لَمْ تُسَجَّلْ سابِقاً، وَكانَ لِغَرَضِ ذٰلِكَ يَطْلُبُ مِنْ سُكّانِها أن يَنْطِقُوها لَهُ مرات عديدة، وَمِنْ أَشْخاصٍ مُتَعَدِّدِينَ حَتَّى يَصِلَ إلى النَتِيجَةِ النِهائِيَّةِ، صُوَرُ كُلِّ المَبانِي وَالأَماكِنِ الهامَّةِ والألواح وَالنُقُوشِ، وَرَسْمِ الكَثِيرِ مِنْ الخَرائِطِ، وَحَصَلَ عَلَى الكَمِّ الكَبِيرِ مِنْ المَعْلُوماتِ عَنْ حَياةِ القَبائِلِ العَرَبِيَّةِ البَدَوِيَّةِ وتاريخهم، وَكانَ كُلُّ ذٰلِكَ مادَّةً مُهِمَّةً وَخِصْبَةً وَقاعِدَةً لِمَلَفِّهِ فِي دائِرَةِ المَعارِفِ حَوْلَ البِتْرا وَخَرائِطِ المِنْطَقَةِ، بَلْ وَأَصْبَحَتْ دَلِيلاً لِشَرْحِ الإنجيل،.
فِي نِهايَةِ تِلْكَ الرِحْلَةِ تَوَجَّهَ مُوسِيل إلى مَعانٍ، وَمِن هُناكَ إلى القُدْسِ، وَفِينا وَعادَ إلى بلده لِيَبْدَأَ بِتَأْلِيفِ كُتُبِهِ الَّتِي غَدَت وَحَتَّى اليَوْمِ مَراجِعَ عِلْمِيَّةٌ أَساسِيَّةٌ قَيِّمَةٌ حَوْلَ هٰذِهِ المِنْطَقَةِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟