الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطة أولمرت الجديدة

سلامة كيلة

2006 / 12 / 3
القضية الفلسطينية


مفاجئة إيهود أولمرت بعد الهزيمة التي مني بها في لبنان، وأيضاً بعد المأزق الأميركي في العراق والضغوط من أجل بلورة "خطة إنسحاب"، كانت في إعلانه عن إعادة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ووقف إطلاق النار. لكن الأهم هو دعوته للتفاوض من أجل إقامة "دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة مع تواصل جغرافي، وتتمتع بسيادة كاملة ضمن حدود محددة".
وهي مفاجئة لأنها مثلت "إنقلاباً" في السياسة الصهيونية. أو لأنها تبدو كإنقلاب في هذه السياسة. حيث يدعو إلى دولة فلسطينية ذات مواصفات عملت السياسة الصهيونية طيلة العقود الماضية على تكريس إستحالتها. وهو الأمر الذي سـ "يعطي الأمل" بإمكانية الوصول إلى سلام "عادل وشامل".
لكن هذا العنوان العام سيبدو مضللاً حين التدقيق فيما يطرحه. حيث أن هذا العنوان تضمن الشروط التي يتضمنها. فقد طالب الحكومة التي ستتشكل بإلتزام قرارات اللجنة الرباعية وخطة خريطة الطريق، والاعتراف بالدولة الصهيونية وبالاتفاقات الموقعة. وكذلك التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وبالتالي العودة إلى سياسات السلطة الفلسطينية حينما كانت حركة فتح هي التي تشكّل الحكومة. وهو ما يهدف إليه ضغط محمود عباس على حركة حماس، في سياق الموافقة على تأليف "حكومة وحدة وطنية".
وبالتالي فإيهود أولمرت يؤكد على المطلب الصهيوني الأساسي، المتمثل في "القضاء على الإرهاب" (أي تصفية المقاومة الفلسطينية)، وهي النقطة الأولى في خطة خارطة الطريق، والسابقة على أي خطوة صهيونية. فأولاً يجب قيام الحرب الأهلية الفلسطينية، وتحقيق التدمير الذاتي، قبل أن تجري "المفاوضات" مع الحكومة الصهيونية من أجل التوصل إلى إتفاق.
هذا الاتفاق يحدده أولمرت مسبقاً، حيث أنه يشير إلى حدود الدولة الصهيونية تتلاءم مع "وعد بوش" في رسالته لإيريل شارون في 14 نيسان سنة 2004، والتي تتضمن أخذ "التغييرات الديموغرافية" بالحسبان، وهو ما يعني ضم الكتل الاستيطانية، كما يعني تكريس الجدار العازل، لأن وعد بوش يقرّ بضم الكتل الاستيطانية الآساسية وخصوصاً في محيط القدس و فيما بين القدس ونهر الاردن. كما يقرّ بحدود الجدار العازل كحدود للدولة الصهيونية. وبالتالي فإن ما يقوله أولمرت هو أن الحل النهائي هو خطة الفصل ذاتها التي عملت الدولة الصهيونية على تطبيقها من طرف واحد حينما إنسحبت من قطاع غزة، وحيث وعد أولمرت بتطبيقها في الضفة الغربية. ووفق ما يعلق المحلل السياسي في «هآرتس»، ألوف بن، على خطاب أولمرت، معتبراً أنه يؤكد وجود أجندة لدى رئيس الوزراء تتمثل في «التنصّل من خطة الانطواء الأحادية الجانب ليحل مكانها الانطواء بالحوار مع السلطة الفلسطينية».
بمعنى أن الهدف في النهاية هو ذاته، أي ضم 60% من الضفة الغربية وتقسيمها إلى ثلاث كانتونات منفصلة، مع وجود سلطة إدارية تُعنى بالشؤون المدنية هي السلطة الفلسطينية. وهذا هو المطلوب من أية سلطة فلسطينية.
إذن هناك تغيّر في الشكل في خطاب أولمرت دون تغيّر في المضمون. والهدف هو ذاته دون تغيير. فهذا هو الحل النهائي. وهو لن يتحقق إلا إذا قبلت فئة من الفلسطينيين التحول إلى قوة عميلة، لتتشكل سلطة دمية تنفذ السياسات الصهيونية في لجم الفلسطينيين وقمع مقاومتهم.
وبالتالي لماذا هذا "الهجوم التفاوضي"؟
يشير ألوف بن إلى أن «ثمة قليلاً مما هو جديد في مضامين الخطاب، والجديد يكمن في أنه جمعها هذه المرة في اقتراح مُنظم». وفي تداعيات الخطاب، رأى بن أنه إضافة إلى وقف النار «سيهدئ الضغوط الداخلية التي مورست على أولمرت من وزرائه الكبار، من أجل الخروج بمبادرة سياسية. أما على الجبهة الدولية، فيساعده على صد المبادرة الأوروبية للتدخل في الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، كذلك الأمر بالنسبة إلى مواجهة الأصوات المتزايدة في واشنطن للاهتمام بالقناة السورية". بمعنى أن هذه الحركة هي حركة تكتيكية ليست لها أبعاد إستراتيجية، وتهدف إلى تخفيف الضغط الداخلي الذي يدعو إلى العودة إلى المفاوضات، لكنها تهدف إلى "تفليش" المبادرة الأوروبية الخاصة بالصراع الفلسطيني الصهيوني، وإستباق التوصية التي خرجت بها لجنة بيكر/هاملتون والداعية إلى حل الصراع العربي الصهيوني إنطلاقاً من أنه "المحرّض على العنف في الشرق الأوسط"، وإعطاء إدارة بوش المجال للمناورة.
إذن ليس من جديد في مفاجئة أولمرت، وهدفها هو صدّ الضغوط السياسية فقط، هذه هي خلاصة الموضوع. حيث لا حل إلا ذاك الذي أقرته الدولة الصهيونية، والقائم على السيطرة على كل الأرض الفلسطينية مع إعطاء "حق" إدارة ذاتية للفلسطينيين في إطار كانتونات منعزلة ومعزولة ومفككة الوصال. هذا ما يجب أن يكون واضحاً، وأن يفرض إعادة النظر في كل الإستراتيجية التي أقرتها المنظمات الفلسطينية ومنظمة التحرير منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي، فقد كانت إستراتيجية خاطئة ومدمرة، وها هي تفتح على الإقتتال الداخلي وسيطرة الأصولية. وأيضاً على نشوء فئة سوف تقبل بلعب دور العميل، خصوصاً أنها باتت تتشابك إقتصادياً مع الرأسمال الصهيوني. ولقد أسهمت في إعطاء الوقت اللازم للدولة الصهيونية لكي تسيطر على جزء أساسي من أرض الضفة الغربية وتقيم فيها المستوطنات، وتحصر الفلسطينيين في كانتونات.
فالصراع مع الدولة الصهيونية هو صراع ليس على التعايش بين دولتين،بل هو صراع على الوجود. وهذا ليس خياراً، بل هو أمر ناشئ عن أن الدولة الصهيونية تهدف السيطرة على كل فلسطين، والهيمنة على "الشرق الأوسط" كونها جزء عضوي في المنظومة الامبريالية. ولهذا ليس من حل للمسألة الفلسطينية على أساس إنهاء الدولة الصهيونية وإيجاد حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في إطار دولة ديمقراطية علمانية. وهذا يفترض تغيير موازين القوى عبر تغيير الوضع العربي بنهوض القوى الثورية.
لهذا لا "حل وسط" ممكن مع الدولة الصهيونية، وليس من حل ممكن للمسألة الفلسطينية إلا في إطار عربي. وبالتالي يجب هزيمة "العقل التسووي" وإقتلاع الفئة التي تروج له، والتي باتت تتشابك مع الرأسمال الصهيوني. وأيضاً تطوير النقد لكل القوى اليسارية التي لازالت تتبنى هدف "الدولة الفلسطينية المستقلة"، لأنها مستمرة في نشر الأوهام، كما هي عاجزة عن رؤية التفارق بين رؤيتها ورؤية قطاعات الشعب الفلسطيني.
كما يجب هزيمة "العقل القطري" الذي همّش وضع الفلسطينيين و أضعف قدرتهم في مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني.
الحل يجب أن يكون على أساس إنهاء الدولة الصهيونية وفي إطار ديمقراطي علماني، وكذلك في إطار عربي. وهذا ما يجب أن تبني الحركة السياسية رؤيتها على ضوئه، لأنه أساس تواصلها مع شعبها، وأساس مقدرتها على التحول إلى قوة فاعلة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي