الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الوالدية والتغيير الظالم
سمير محمد ايوب
2024 / 3 / 18الادب والفن
كتب سمير محمد ايوب
أمواج التغيير المدمر، تضرب بقسوة المؤسسة التقليدية للأسرة، اهم مؤسسات المجتمع وبناءاته. ففي تضاريس هذا العالم سريع التغيُّرِ، لم تعد الاسرة التقليدية هي مركز الجذب، بل النفعية الفردية المتكئة على مبررات من التحديث والعصرنة والاستقلال، هي التي صارت نقطة الجذب. ولم يعد التنافس على العمل الجمعي المتضامن المتساند، هوعنوان التفاعل بين مكونات الاسر المعاصرة، بل صار التنافس بالكيد والتواطئ والشد العكسي، هو سيد المواقف والافعال.
ثمة أسبابٌ كثيرة، تدعو للإعتقاد بأن العلاقات بين الاسرة التقليدية والمصالح الفردية، وما يغلفها من تموية قِيَميٍّ، تَعبُر ممرات حرجة، تهدد بنية الاسرة وثوابتها، وخاصة المتعلقة بمكانة ودور الوالدين فيها.
المقاصد الربانية تدعم بوضوح مؤسسة الاسرة وما تقتضي تراتباتها من واجبات ومعاملات. ولكن هل الناس وهم يتعاملون مع تلك المقاصد، متفقون فعلا على مضامينها وتطبيقاتها في معاملاتهم اليومية؟!
التزايد المتسارع لاعداد ضحايا مساقات التحلل القيمي، يؤكد على ان العديد من الضوابط الاخلاقية، قد صارت بالتحايل وجهة نظر، وان كثرة من المفسدين باتوا واقفين بلا حياء، جنباً إلى جنب مع التحلل من تبعات الاسرة وأركانها، وعلى الاخص ركن الوالدية فيها.
فمنذ ظهور أوّل حالة طاعة بين نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل، وظهور اول حالة عصيان بين نبي الله نوح وولده العاق كنعان، تتعالى مماحكات المستخفين بالاسرة، وهم ينادون بالاستغناء عنها وعن وظائفها، وحصر الاهتمام فقط بشكلياتها، بدعوى أنها مؤسسة متعبة مقلقة عفا عليها الزمن، وباتت كأعجاز النخل نخرة متهالكة. بعد ان شاخت وصارت بلا روح صارت عاجزة عن قراءة التحولات التي تعيش في لججها، وعاجزة عن تلبية احتياجات اعضائها، أو تامين توقعاتهم.
تمهيدا لاخراج الاسرة من فعاليات الحياة، يمعن القافزون من غيطانها الى حواف النفعية الفردية، وبدعوى التحرر من استبداد موهوم للوالدية فيها، في استنزاف تفاصيل كياناتها ووظائف منظوماتها، وفي تبهيت قيمها الضابطة لها، وتشويه الهوية والسلطة الجامعة لها.
تُتَرْجَم المحنةُ في ما يجري من تغير في حياة الناس، عبر ممارساتهم وتمثّلاتهم حول أنفسهم وعلاقاتهم بالآخرين، وعبر إحساسهم بغياب العدالة وشعورهم بالمعاناة. وسط احتدام هذه التبدلات وإرتداداتها، بإلحاح يبرز سؤال الآباء والأمهات المستثمرين في ابنائهم كمظلة حماية فعلية في مواجهة التهديدات المتوقعة: لماذا يتصرّف بعض البنين تجاههم بكل هذا الاستهتار المتحايل على الفطرة ومقتضيات الايمان وتبعات عناقيد القيم ومنظومات الاخلاق والاعراف والسائد من الضوابط؟!
والمفسدون ممعنون في استكمال تنويعات مباذل المشهد وفجائعه، أجد ان من الضروري الاسهام في الطَّرْقِ على كل جدار تنبيها لمخاطر ما يجري، وخوفا من مآلاته المستقبلية، التي باتت في اتساعها وعمقها تتجاوز الندرة الى الانتشار الواسع.
إذا ما أردتَ أن تصيب الحقيقة في فهم ما يجري في المشهد الاسري، إنصت جيدا الى ما يخفيه من مواربات، فهذه المواربات هي أحد مرادفات التحايل والتحلل الاخلاقي.
فالثقافة السائدة في مجتمعنا ، لم تعد تحترم كثيرا تراتبيات الاسرة كما تؤكدها الفطرة السليمة، اتساع هذا التغير وتعمقه، هو اتلاف مستجد قد تسلل بالتعمد الى بنية الاسرة والى كل وظائف اركانها. ربّما الظروف السيّئة التي تعيشها كثرة من الاسر المعاصرة ، قد ساعدت في هذا التسلل. وهي في ظل عدم الرضى وتردي التطبيع مع العجز او لجم التدهور، تنتقل من ضنك الى ضنك، حتى تحولت كثرة من الاسر الى تجمعات نوعية فاشلة، إعتاد في ظلها كثرة من الناس، رؤية فطرة لا تستطيع الموت، تعلن استسلامها أمام مصدات أرباب مصالح العصر الذين يضعون أنفسهم فوق ما توافق عليه الايمان والاخلاق والعرف من قيم وتبعات مفصلة في دساتير الحياة.
تتكاثر اعداد الوالدين وغير الوالدين، الذين وهم في صراع مع امراض مجتمعاتهم المادية والمعنوية ، في حيرة موجعة، والم محزن، وأسف ممض، من ممارسات بعض بناتهم وابنائهم ودلالاتها. فانكشفت لهم فداحة الخطرالذي تتعرض له منظومات قيمهم ومصفوفات اخلاقهم.
في لقاءٍ قَصَدْتُ الذهاب من خلاله تعمدا الى مستقبل حب الحياة قبل أيام، وَجَّهْتُ الدعوة الى جَمْعٍ معدود من المعنيين، خليطٌ من الآباء والأمهات، والعُزّاب والمُطلقين والأرامل والمَخاليع، وبعض غَجَرِ الرجال والرُّحَل من النساء. من مختلف المنابت الفكرية، تُوحِّدُنا الحيرة امام الكثير مما نُعايش، تَحلَّقْنا حول طاولة مستديرة، نستقرأ بعض قوانين الحياة السوية، الواجب احترامها، والفروقات القيمية الهائلة بين الناس الذين يتسلقون على بعضهم البعض.
وحين هَمَّ أحدهم بمقاربة القديم احتاج للتبرير، واحتاج كثيرٌ من الحضور إلى نفض الغبارعن ذكريات حميمة، استقرت في وجدان النسيان، وبدا الكلام وكأنه آتيا من أعماقِ زمنٍ آخر، يُخشى أنّ عَودته باتت صعبة أو مستحيلة.
فمع كل خطوة على بعض الطرق الموهومة للعصرنة، يشتد التنافس والتناحرأو التلاقي والتجمع. تتغير الأدوار وتتبدل الإتجاهات وتنقلب التحالفات بين الطامحين في ملعب النفعية الرحب، اللاعبون فيه وهم يبحثون عن أدوار، يبحثون عن حلفاء، والتائهون بين نصفهم الأسري ونصفهم الحداثي، تائهون بين مَجد سبق، وحسابات مصلحية معاصرة معقدة، تتفوق فيها المصالح المادية الآنية على الدم والمعتقد، والاصول والمنابت، والتوجهات والعداوات، والوطن والشرف. فكلما باعدت المصالح المادية بين الناس خطوة، تباعدت مرجعياتهم القيمية ومنظوماتها السائدة خطوتين، وربما اكثر من ذلك.
واجد ان من الضروري ايضا، التذكير بان لمة الاسرة التي لا تُحمى عناصر وحدتها بالجبر، لا تُحمى كذلك بالنفاق والتكاذب، ولا حتى بالصمت أو الانجراف في المشاعر الفياضة المرتبطة بالعقوق المبتز، أو التخلي عن الطَّرْقِ وقَرْعِ الأجراس. من أجل هذا كان مشروع هذا الكتاب: " آباء وأمهات ". للتخلي عن الظن بكل مضامينه، والسير في كل اتجاه مفيد. فتم انتقاء نصوص تتعامل مع العديد من تضاريس الحياة اليومية، بدافع الحب والأمل جنبا مع الحزن والغضب، والانكسار والفقد، والضعف والحاجة كذلك، نصوص أدبية بمحتوى مشبع بالمتعة والفائدة معا، لان الفائدة وحدها مملة، والمتعة وحدها تجريف للعقل.
فلم يعد عاديا ولا مقبولا، الصمت امام معاول الفتن التي باتت تهدد بتشظية ما تبقى من بنى اجتماعية جامعة، وحشوها بمتتاليات من الشكلانية، فتلك المعاول تتداعى صبح مساء، وعلى رؤوس الاشهاد، لحشد القوى لهدم مؤسسة الاسرة والوالدية اوتفتيتها على الاقل، واضعاف النسيج الاجتماعي المتماسك، بتحويله الى ائتلاف متنافر المصالح والمرجعيات والتحالفات.
الظاهر انه لنتابع احتفالنا بالحياة، في ظل احتدام المنافسة بين النفعية المتوحشة والفطرة السليمة، واتساع ساحات المنافسة وتحولها الى صراع موجع، بات على كل من يريد حماية عناقيد قيمه ومرجعياته الاخلاقية، ان يعيد بناءها او ترميمها أولا في وجدانه وفوق لسانه وفي ممارساته.
ولان الوالدية في عالم يروج للقبح ويسوق للبشاعة، تعجز عن أن لا تكون جميلة، وأن لا تكون مؤثرة حتى تحت اصعب الظروف، تحاول الحفاظ على منسوب هذا الجمال كلما ساء الامر، فيحاول بعض الآباء والأمهات المُتَسولين لاهتمام العاقين من البنين، التضرع لجميع من يجوز التضرع لهم أو بهم، والتماس بركة بعض القدوات كي تلهم أبناءهم الاتعاظ، ومع هذا تبقى أرواح بعض الابناء عصية على الوعظ، اعجزت تعاليم الدين والدنيا والفطرة عن جعل ذاك ممكنا.
ويبقي الجدل بين البنوة والوالدية، سمة اعتقادية وسلوكية فردية وجماعية ومجتمعية ، تعزز بنيان ووظائف الأسرة التقليدية، أو تستنزفها. وتشكل الفجوة بين وظائف الوالدية ومقتضيات البنوة، فجوة يسميها علم اجتماع الأسرة " أزمة قناعات ".
وأنا أصلي من أجل تفوق من يُسَخِّرون جوارحهم ومريديهم لتجسيد المقاصد الربانية في الاستخلاف والتكاثر، أتمنى أن تكون الفرصة المواتية ما زالت هناك.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وفاء سيلين حلاوي: -تستهويني السينما الهادفة التي توصل رسائل
.. مصر.. فتح تحقيق بعد خلط القرآن بالموسيقى
.. مهرجان الموسيقى العربية اليوم.. حفل عمرو سليم وفؤاد زبادى وم
.. هنا الزاهد تعتذر عن فيلم إن غاب القط وأسماء جلال بدلا منها
.. المغنية أوليفيا رودريغو تسقط بفتحة على المسرح خلال حفل موسيق