الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردّاً على نُقادي فيما يخص مقالة -حول الدين كظاهرةٍ اجتماعية (أفكار عالِم إثنوغرافيا)-

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2024 / 3 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مؤلف المقال: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف*

ترجمة: مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

لقد أثارَت مقالتي المذكورة في العنوان(1) نقاشاً حيوياً. وكان هذا بالضبط هو المقصودُ منها. ومع ذلك، أنا في حيرةٍ الى حدٍّ ما من أمرٍ آخر، وهو أنه على الرغم من أن المقالة كتبها عالِم إثنوغرافي ومُوجهة في المقام الأول الى عُلماء الاثنوغرافيا، الا أنه لم يلقَ أي استجابةٍ منهم. لقد كانت الاستجابةُ قادمة في المقام الأول من الفلاسفة. هذا بحد ذاته هو أمرٌ جيدٌ وسيء في ذات الوقت. من الجيد أن مقالاً مكتوباً من وجهة نظر الاثنوغرافيا يُثير اهتماماً حيوياً من مباحثِ قريبة، ولكن للأسف أن النقاش لم ينشأ تقريباً، في بيئتنا الاثنوغرافية.
على الرغم من اختلاف نقاط الانطلاق، فقَد ثَبُتَ، بشكلٍ عام، أنه يُمكن للاثنوغرافيين والفلاسفة أن يجدوا لغةً مُشتركة. اذا نحيّنا مؤقتاً-بعض حالات سوء الفهم والتي قد تكون عَرَضية ويُمكن ازالتها بسهولة-فيبدو لي أن الحل الايجابي للمسائل المطروحة في مقالتي أمرٌ مُمكنٌ تماماً.
ورُغم أن المؤلفين التسعة(أ) الذين كتبوا حول مقالتي اختلفوا اختلافاً كبيراً في تقييمهم العام لها-فبعضهم كان يميل الى التقييم الايجابي، والآخرين كانوا يسيرون بالاتجاه المُعاكس، الا أن كُل مقال من المقالات كانت تحتوي على بعض عناصر النقد المُتطابقة مع بعضها بهذه الدرجة أو تلك، والاختلافات بينها تخص التفاصيل فقط.
ان الموضوع الرئيسي للاختلافات، كما كان مُتوقعاً، هو السؤال الذي طَرَحتُهُ: "ما هو العامِل الأساسي والمُحدِّد في الدين؟ وعلى النقيض من وجهة النظر التقليدية، شكلاً مُحدداً للعلاقة بين البشر هو الأساسي والمُحدد للدين، وليس مُحتوى المُعتقدات (لا الأساطير ولا اللاهوت أو العقيدة). وبشكلٍ أكثر ملموسيةً، وإن كان بشكلٍ أقل دقّة، فإن الدين، بالنسبة لي، كعالِم اثنوغرافيا، هو خاصية إثنية. ان الدين، من بدايته وحتى نهايته، شكل من أشكال التواصل الاجتماعي والاندماج بين أعضاء نفس الدين. وبهذا المعنى، فهو يؤدي نفس الدور (أو ان كنا نتوخى الدقة، دوراً مُشابهاً) لأي خاصية إثنية أُخرى، مثل اللغة وأشكال الثقافة المادية والفنون الشعبية، وما الى ذلك.
ومن وجهة النظر هذه، فإن مُحتوى المُعتقدات بحد ذاتها، أي التصورات حول الآلهة وعلاقاتها وخصائصها وما الى ذلك، ليست العُنصر المُحدد لكل دين (أو للدين بشكلٍ عام)، ولكنها عناصر مُشتقّة ووسيطة.
هذه الفكرة أثارت اعتراضات أولئك الذين اختلفوا معي. ومنهُم من وَجَدَ فيها دعوةً للتخلي عن دراسة مضمون المُعتقدات الدينية. وفي الوقت نفسهِ، اعتبروا ذلك "مُواجهةً" غير مسموح بها قُمتُ بها بين المُعتقدات الدينية و"الجذور الاجتماعية" للدين ووظائفه (ديميتري موديستوفيتش اوغرينوفيتش، يوسف ارونوفيتش كريفيليف Iosif Aronovich Kryvelev، يوري ايفانوفيتش سيمينوف، ويوسف روميولدوفيتش غريغيوليفيتش Iosif Romualdovich Grigulevich). ان هذه الانتقادات هي مُجرّد سوء فهم. والتفريق بين الأُمور لا يعني مواجهتها ببعضها. ان اعتبار شيئاً ما ليس أولياً وأساسياً، ولكن مُشتق وثانوي، لا يعني اعتباره غير مُستحقٍّ للدراسة و"ذو أهمية قليلة"، كما يقول اوغرينوفيتش. وَصَفَ كارل ماركس أشكال الوعي الاجتماعي بأنها مُشتقة من الوجود الاجتماعي، ولكن لا يترتب على ذلك إطلاقاً أنه اعتَبَرَ أنه من غير الضروري دراستها أو التقليل من شأنها. بالاضافة الى ذلك، فهو لم "يُواجه" أبداً العلاقات المادية بين الناس بعلاقاتهم الايديولوجية.
في حالتنا، يدور النقاش فقط حول ما هو أساسي وما هو مُشتق في الدين. يُمكن للمرء أن يقول أن كليهما (المُعتقدات والعلاقات الانسانية) مُتشابكان الى درجة تُذكرنا بمُعضلة الدجاجة والبيضة. ولكن الأمر ليس كذلك. تتميّز الماركسية (كنظرية للمعرفة)، عن أحدث تنويعات البنيوية مثلاً، في أنها ترى في منظومة تفاعل الوظائف الاجتماعية، ليس ترابطاتها وحسب، بل تطرح سؤالاً أيضاً حول ما هو أساسي في المُجتمع. يُذكرنا اوغرينوفيتش على نحوٍ مُناسبٍ بحل انجلز الصحيح لمسألة أصل المسيحية، ويُذكرنا بحق، بالفهم الصحيح للمؤرخ البارز نيكولاي ميخايلوفيتش نيكولسكي حول جذور الديانة الفينيقية القديمة. لكن نيكولسكي لم يَعتَبِر عبادة الآلة أساساً للاقتصاد الزراعي عند الفينيقيين، بل على العكس تماماً. ولم يعتَبِر فريدريك انجلز الرؤيا، أساساً للأزمة الاقتصادية والسياسية للنظام العبودي في امبراطورية روما، بل على العكس تماماً. ان الأمثلة الأُخرى التي أوردها اوغرينوفيتش (الكاثوليكية والبروتستانتية) تتحدث أيضاً ضده. لم يكن بسبب الاختلافات في العقيدة انفصلت الجماعات البروتستانتية عن روما، بل على العكس تماماً: اتخذ الاحتجاج العفوي ضد سياسة النهب والاستبداد التي اتبعتها روما البابوية في بُلدان وسط وشمال أوروبا، شكل نزاعاتٍ نزاعاتٍ لاهوتية حول "التبرير بالايمان Sola fide" و"التبرير بالأعمال"، الخ، وهي بالاضافة الى ذلك، نزاعاتٌ لاهوتية صرف، وظلّت خارج نطاق ادراك الجماهير العادية. وكما نَعلَم، فقد حُلَّت هذه النزاعات (في مرحلتها الأُولى، خلال القرن السادس عَشر)، من خلال صيغةٍ توافقيةٍ لم تتضمن عقيدةً من أي نوع، بل كان لها طابعٌ سياسيٌّ صَرف: "دين البلاد تتبعُ دين الحاكم" " cuius regio, eius religio"، وبِلُغةٍ أُخرى، أطيعوا الحُكّام ودينهم ولا تُجادلوا".
لكن هذه المسألة يجب أن تكون أعمق وأكثر دقة. دعونا نضع القضية على النحو التالي: ما الذي يجعل الدين موضوعاً للدراسة الاثنوغرافية؟ (وأُكرر أن مقالتي كانت مُوجهةً الى عُلماء الاثنوغرافيا). هل يجب على عالِم الاثنوغرافيا على سبيل المثال، أن يَدرُس العقيدة الكاثوليكية باعتبارها مُختلفةٍ عن الارثذوكسية أو اللوثرية؟ هل عليه أن يُغرِق نفسه في كتابات كهنة الكنيسة، وفي رسائل الفلسفة اللاهوتية، وفي تحليل مصادر العهدين القديم والجديد؟ من الواضح أن الاجابة هي بالنفي. ولكن لنأخذ القضية الى نهايتها: هل يكفيه أن يعرف الانتماء المذهبي لشعبٍ مُعيّن، ومن ثُم يتخلّى فوراً عن تلك الصفة "الإثنية"؟ هل يكفي أن يعرف الاثنوغرافي أن الصرب أرثذوكس، وأن الكروات كاثوليك، وأن الايرلنديين كاثوليك، وأن هُناك تتراً مُسلمين ويهود، وأن هُناك بوذيين وشينتويين في اليابان؟ هذا بالطبع لا يكفي بالنسبة للاثنوغرافي. أين اذاَ، هي حدود مجال موضوع الدين في الاثنوغرافيا؟
دعونا نبتعد قليلاً، ونرى كيف تُحَل المسائل الأُخرى في البحث الاثنوغرافي، في مجال الثقافة المادية والفكرية.
ان اللغة، وهي "خاصية إثنية" أُخرى لا تقل أهميةً عن الدين، هي في وضعٍ مُماثل. جَمَعَ علم اللغويات، خلال قرنٍ ونصفٍ من وجود المبحث، كميةً هائلةً من المواد حول لُغات العالَم الأكثر تنوعاً-إن لم يكن جميعها. لقد جُمِعَت كمية هائلة من المواد القاموسية، وحُلّت العديد من أكثر المسائل تفصيلاً حول البناء النحوي للغات الفردية، وصُنِّفَت صوتياً. وفُسِّرَت المسائل النظرية في علم اللغة ومشاكل البُنية اللغوية، وما الى ذلك. هل يجب على عالِم الاثنوغرافيا، أو هل يستطيع، استيعاب كل هذه التفاصيل اللغوية؟ بالطبع لا. وإن لم يكن الأمر كذلك، فأين حدود ما يجب أن يعرفه؟ يبدو لي، أن على الاثنوغرافي أن يعرِفَ أُصول اللغات والعائلات اللغوية وأقسامها الفرعية، ومجموعاتها ومجموعاتها الفرعية وفروعها ولهجاتها، على الأقل في المنطقة التي يتخصص في البحث حولها. عليه أن يكون مُلماً بحقائق الوجود الاجتماعي ووظائف اللغات، والعلاقة بين اللهجات واللغات الأدبية، والصلة بين اللغات، وظاهرة ثُنائية اللغة، والمسائل العامة المُتعلقة بالتواصل بواسطة اللغة.
يُمكننا أن ننظر الى مثالٍ آخر من مجال الثقافة المادية. يهتم العديد من الاثنوغرافيين بالنظام الغذائي لمُختلف الشعوب: هناكَ أدبياتٌ كاملة حول هذا الموضوع. لكن ليس من شأنهم كتابة وصفات عمل هذا النوع من الطعام أو ذاك، أو حساب القيمة الحرارية للمواد الغذائية، أو تحديد مستوى التذوق لديهم. إن مُهمة الاثنوغرافي هي دراسة وظيفة العملية البيولوجية في تناول الغذاء كشكلٍ من أشكال الاتصال بين البشر: الوجبات المُقدمة في الأيام العادية والأعياد، الأطعمة الطُقسية وطُرُق اعدادها، وطقوس تناول الطعام معاً، واطعام الضيوف وطُرق تقسيم الطعام والمُحرّم منه، والصيام وعادات الأكل وطقوسه والمُعتقدات فيما يتعلق بالأكل واعداد الطعام، باختصار، الأكل كوسيلةٍ للتواصل الاجتماعي: من يجب عليه أن يأكل ومع مَن، ومن لا يجب عليه ومن لا يجوز أن يأكل، الخ.
دعونا نُحاول تطبيق هذه الأمثلة على الدراسة الاثنوغرافية للدين.
ان المُعتقدات الدينية لمُختلف الشعوب مُتنوعة بشكلٍ لافت، فهي، الى حدٍّ كبير، أكثر تنوعاً من اللغات أو الطعام أو غيرها من ظواهر الثقافة المادية أو الفكرية. هذا لإن المُعتقدات الدينية هي ثمرة الخيال الديني والاسطوري، وليس هُناك كما نَعلم، حدوداً للخيال الانساني. هل من الضروري أن يدرس الاثنوغرافي ويعرف هذه المُعتقدات بجميع تنوعاتها؟ نعم، بالطبع عليه ذلك. ولكن من الخطأ، عند القيام بذلك، النظر الى المُعتقدات بحد ذاتها، كأنها موجودةٌ بشكلٍ مُستقلٍّ ومُنفصلٍ عن البشر. ولا بُدَّ من طرحِ مسألة جذورها ووظائفها الاجتماعية والايديولوجية. إضافةً الى ذلك-وهذا أمرٌ ذو أهميةٍ خاصة-يجب أن يتم ذلك ليس بطريقة الصِيَغ العامة، التي تتحدد مرةً واحدةً والى الأبد، ولكن باعتبارها أشدّ الوقائع Reality التاريخية ملموسيةً يُمكن تصورها.
كُل الماركسيين يتفقون مع هذا الطرح. تبدأ الخلافات بينهم عندما نخطو الخطوات اللاحقة. ما هو الأمر الأكثر أهميةً لفهم جوهر الدين كظاهرة اجتماعية؟ مُحتوى الخيال الديني، أم الوظائف الاجتماعية للدين؟ الدين كشكلٍ من أشكال النشاط العقلي الانساني، ام كشكلٍ من أشكال الاتصال والانفصال بين البشر؟ أنا أختار الاجابة: الشق الثاني. في حبن أن نُقّادي-على الأقل اوغرينوفيتش وكريفيليف وسيمينوف وغريغيوليفيتش- يتمسكون بالشق الأول، ولكن هناك اختلافاتٌ بينهم تستحق النظر فيها.
يرى أوغرينوفيتش أيضاً أن أهم شيء في الدين هو وظائفه الاجتماعية. لكنه يرى أن أهم دور اجتماعي وآيديولوجي هو وظيفته "التعويضية الوهمية"، في حين يعتبر أن وظيفة الدمج والفصل ثانوية، لأن تلك الوظيفة لا تُميّز الدين وحده. هذا اعتراضٌ جدّي. لكن المُهم هو أن الوظيفة "التعويضية الوهمية"، على الرغم من أهميتها، لا تعمَل على الانسان الفرد (الذي يتعامل معه الفلاسفة في الغالِب)، ولكن دائماً تعمل، ودون أي استثناء، على الجماعات أو مجموعات مُعينة من الناس. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، العقيدة المسيحية الخاصة بيوم القيامة والنعيم أو القصاص بعد القَبر. وهذه عقيدة "تعويضية وهمية" بكل معنى الكلمة. ولكن كيفَ ومتى صارت هذه العقيدة قوةً حقيقية؟ عندما ظَهَرَ "المسيحيون اليهود" والأخوة" و"المدعوين"، اولئك الذين يشقون ويَعملون، ويسعون بشغَف للتحرر من شرور هذا العالَم. ومن هذه المجموعات، تشكلَت النواة الأساسية المُبكرة للمسيحية. هذا هو الحال في جميع الحالات الأُخرى أيضاً. إن الوظيفة "التعويضية الوهمية" لأي دين تجمَعُ حولها الأتباع المؤمنون وذوي التفكير المُماثل، وتفصِلهم عن جميع الأشخاص الآخرين، الذين لديهم، كقاعدة عامة، أديانهم الخاصة التي تُوفّر لهم أوهامهم التعويضية الخاصة بها. إن لم تُوجد هذه "النواة" أو مجاميع الناس، فلن يكون دينُهم موجوداً بكل وظائفه.
بالاضافة الى ذلك، هناك شيء آخر لا يجب أن نُغفِله. فإن الوظيفة التعويضية الوهمية للدين، على الرغم من أهميتها، ليست فاعِلَةً طوال الوقت. في الظروف اليومية المُسالمة، وفي فترات الرخاء النسبي، لا يشعُرُ البشَرُ عادةً بأي حاجةٍ الى التعويض والعزاء، سواءً كان وهمياً أم لا. حتى الناس الذين ينتمون الى الطبقات المُستَغَلَّة-الفلاحون والحِرَفيون والعُمال- عادةً ما يعتادون على وضعهم وروتينهم، أي على الراحة المؤقتة. نادراً ما يُفكّر الناس بالإلهِ في مثل هذه الفترات. وينطبقُ هذا بشكلٍ خاص على أعضاء الطبقات الاستغلالية. إنهم، من خلال استمتاعهم بملذات الحياة، لا يحتاجون، كقاعدةٍ عامة، الى أي "أوهام" أو "تعويضات". يبدأ الناس، في حالات سوء الحظ أو المرض الشديد أو الحرائق أو فشل المحصول، بالشعور بأنهم في حاجةٍ الى عزاء، أو المُساعدة والحماية والخلاص. يظهَرُ الدين على الساحة بوظيفته الاجتماعية التعويضية الوهمية في فترات الأزمات الاجتماعية والكوارث والمجاعات والأوبئة وغزوات العدو. كان هذا هو الحال في زمن ولادة المسيحية، وقد حَدَثَ هذا فعلاً أكثر من مرة في العصور الوسطى عندما ظَهَرَت طوائف كثيرةٌ جداً تَعِدُ أعضاءها بالخلاصِ من الكوارث. ولهذا السبب، على الرغم من أنني لا أُنكِرُ الدور الهائل للدين كقوةٍ "تعويضيةٍ وهمية"، الا أنني لا أعتَرِفُ بها باعتبارها الوظيفة الرئيسية للدين.
يُركّز كريفيليف، في اعتراضاته، بشكلٍ أكبر على جانبٍ آخر من القضية. يقول أنه يجب أن لا نُقلل من أهمية دراسة المفاهيم الدينية، وقبل كُل شيء مسألة وجود أو عدم وجود كائناتٍ خارقةٍ للطبيعة: والا فسينمحي الحد الذي يفصل بين اللاهوتيين والمُلحدين، ويُصبح من المُستحيل تماماً ايجادَ مُقاربةٍ لظاهرة الدين. برأيه، "اذا لم نهتم بمسألة النظرة الى العالَم، سيستحيل أيضاً حل مسألة الصراع ضد الشر، ما اذا كان ينبغي مُكافحته بقوى الانسان الخاصة، أم بالتوجه الى الاله في الصلاة... من المُفتَرَض هُنا، أنه لا يُهمنا ما اذا كان الاله موجوداً أم لا طالما أننا لا نُناشده. ماذا لو كان موجوداً؟ فكيف للمرء أن لا يُناشده؟!". من المؤكد أن لا نُناشده: في افريقيا على سبيل المثال، يوجد لدى عددٍ كبيرٍ من الشعوب فكرةً عن إلهٍ خالق (نياما Nyama، زامبي Zambe، كالونغا Kalunga، ليزا Leza، مولونغو Mulungu، كيومبي Kiumbe، الخ). لكنهم يعتقدون أن هذا الإله خلَقَ العالَم، وتوقف منذ زمنٍ طويلٍ عن الاهتمام به وامتَنَعَ عن التدخل في شؤون البشر. ولذلك، يعتقد الناس أنه من غير المُجدي مُناشدته بالصلاة وتقديم القرابين له وما الى ذلك (الأسلاف هم مواضيع الصلاة الذين تُقدَّمُ لهم القرابين ويُعبَدون). هذا هو "الإله الخامِل". وهُناك أمثلة مُماثلة معروفة في المستويات الأعلى من التطور الاجتماعي. علّمَ مؤسس البوذية غوتاما بوذا، أتباعهُ، أنه من غير المُجدي مُخاطبة الآلهة. الآلهة موجودة، لكنها ليست فقط غير قادرة على مُساعدة الناس على تحرير أنفسهم من عذابات الوجود (والحياة ليست سوى مُعاناة)، بل وهي نفسها أيضاً خاضعة لدائرة الوجود الخاطئة Sinful. يُمكن للانسان بجهوده الخاصة فقط أن يصل الى الهدف المنشود، وهي النيرفانا.
إن الرفض الأكثر إكتمالاً جاء من يوري سيمينوف، لكنه كان الأقل إقناعاً. هناك انطباعٌ بأن سيمينوف لم يفهم مقالتي. لسببٍ ما، تبدّى له أن ما كان محورياً في مقالتي هو مُحاولتي لدحض تعريف الدين "السائد في أدبنا، والذي بموجبه يكون المعيار الرئيسي والأساسي للدين، هو الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة". من الصعب القول على أي أساسٍ استنَدَ سيمينوف في طرحهِ لهذا الاستنتاج. لقد امتنعت في مقالتي تحديداً، عن النظر في صحة هذا التعريف "دون انتقاد غموضه وعدم دقته الى حدٍّ ما"، وقَبِلتُ تعريف الدين بأنه الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة، وقُلت "دعونا الآن نَقبَل هذا التعريف". فكيف يُمكن اعتبار مُحاولة دحض هذا التعريف، والذي امتنعت عن مُناقشته، مُحتوىً رئيسياً لمقالتي؟
ولكن، ومن أجل جعل المسألة أكثر وضوحاً، وإزالة كل سوء فهمٍ للمعنى الحقيقي لمقالتي، فأنا على استعداد لإدراج عبارة "الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة" في صياغتي لتعريف الدين، في المقال إياه. ولكن هذا لا يُغيّر من معنى الصيغة شيئاً، لقد كانت الصيغة "علاقة بين البشر ببعضهم فيما يتعلق بمفاهيمهم وتصوراتهم عن الاله (أو الآلهة)"، وصارت الآن "علاقة بين البشر ببعضهم فيما يتعلق بالايمان بما هو خارقٌ للطبيعة". أرجو الآن أنه اتضح للجميع أن الفكرة المركزية للمقال لا تعتمد اطلاقاً على استخدام أو عدم استخدام عبارة "الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة".
يذهب سيمينوف إلى أبعد من ذلك في اعتراضاته الموجهة اليّ. انه يعترض أيضاً على فكرتي القائلة بأن "الغالبية العُظمى من المؤمنين العاديين لا يعرِفون شيئاً على الاطلاق عن هذه التفاصيل اللاهوتية. فقط اللاهوتيون المتخصصون يعرفون ذلك". برأي سيمينوف، هذا مُستحيل: "لا يُمكن للمرء أن يكون لديه مُعتقداتٌ ولا يعرف ما هي". كان يُمكن أن يكون سيمينوف مُحقاً الى حدٍّ ما لو كان الدين في الواقع يقتصر على الايمان بقوةٍ خارقةٍ للطبيعة. في هذه الحالة، بالطيع، إن كُنت أؤمن بقوةٍ خارقةٍ للطبيعة، فأنا أعلمُ أنني اؤمن بها، وهذا كافٍ. ولكن في الواقع، قد يؤمن المرء بما هو خارقٌ للطبيعة وليس لديه أي فكرةٍ عما هو عليه: قد يكون قوة خطيرة غير مُشخّصة، فنٌّ غامضٌ لساحرٍ أو مشعوذ، أو روحٌ شريرة، أو ثورٌ مُقدسٌ أو ثعبان، أو إلهٌ أوحد، أو حشدٌ كبيرٌ من الآلهة.
اذا أخذنا بعين الاعتبار أن أديان العالم بأسرهِ لا تقتصِرُ على "الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة"، ولكنها تتضمن مجموعة لا حصر لها من التصورات حول الآلهة والأرواح، وفي الأديان المُعقدة عقيدةٌ صارمةٌ ومذاهب مُختلفة ولاهوت، وما الى ذلك، فمن الغريب حتى الاعتقاد أن المؤمن العادي مطلوبٌ منه أن يعرف كُل هذا. يُمكننا أن نقتَنِعَ أنه يُمكن تماماً "للمرء أن يكون لديه مُعتقداتٌ ولا يعرف ما هي" عند إجراء تجربةٍ بسيطة: أن نَطرَحَ على أحد أفراد الرعية في أي كنيسةٍ سؤالين أو ثلاثة حول التعاليم المسيحية الأرثذوكسية. سينتهي النقاش في تلك اللحظة كُلياً.
وفي مُضيّ سيمينوف الى أبعد من ذلك في جدالهِ معي، فإنه يطرحُ تأكيداتٍ غريبة، على أقل تقدير. برأيه، الوظيفة الاجتماعية للدين ليست فقط غير مُهمة، بل وليست بالضرورة جُزءاً منه. يقول: "على أية حال، لا يُمكن لأي مُقاربةٍ للدين من حيث دراسة وظائفهِ أن تُقربنا من فِهمِ جوهره". ويقول في مكانٍ آخر: "لم يظهَر الدين ليقوم بأي وظيفةٍ اجتماعيةٍ ضرورية. لقد نشأ الدين ببساطة، لأنه كان عليه أن ينشأ". وفي مكانٍ آخر"ولكن بعدَ أن ظَهَرَ الدين، بدأ يؤدي وظائفَ مُحددة".
إن فكرة أن جوهر الظاهرة الاجتماعية (في حالتنا هذه الدين) هو شيء، وتأديتها لوظائف اجتماعية مُحددة شيء آخر، هي فكرة تُذكرها بتمييز كانط بين "الأشياء في ذاتها" والأشياء كما نُدركها، وعُبِّرَ عنها أكثر من مرة في أدبيات السوسيولجيا. دوركهايم قام بهذا بوضوحٍ شديد. ولكن، يبدو لي، أن هذه المُواجهة بين "جوهر" الدين و"وظائفه" التي يؤديها (والفكرة المُفترضة القائلة بأنه ليس لديه بالضرورة أي وظيفة" أياً كانت) هي فكرة خاطئة. لا يُمكن لظاهرة اجتماعية لا تؤدي أي وظيفة اجتماعية أن تُوجد. ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاً، دعوني أضرب بعض الأمثلة الواضحة. ما هو أصل الفن؟ هناك عدد من النظريات المُختلفة المُتعلقة بهذا الموضوع. ولكي نلتزم بمنطق سيمينوف "لقد نشأ الفن ببساطة، لأنه كان عليه أن ينشأ"، "ولكن بعدَ أن ظَهَرَ الفن، بدأ يؤدي وظائفَ مُحددة"، وظيفة تواصلية وسحرية وجمالية ورمزية، الخ. مثال آخر: ما هو أصل الزراعة؟ بنفس المنطق، "لقد نشأت الزراعة ببساطة، لأنه كان عليها أن تنشأ"، "ولكن بعدَ أن ظَهَرَت الزراعة، بدأت تؤدي وظائفَ مُحددة"، مُزودةً الناس بالحبوب وغيرها من الأطعمة والكتان والقطن للملابس وما الى ذلك. ويبدو لي أن هذا النوع من الاستدلال لا يُسهّل علينا فهم جوهر الشيء ولا أصله.
يبدو أن بعض خصومي يشعرون بالاستياء من حقيقة أنني أعتبر الجدال البدائي حول الدين على غرار "أن هذه القوة موجودة" أو "غير موجودة"، هو مضيعة للوقت. ويعتبر غريغيوليفيتش أنني "أضع المؤمنين والملحدين على مستوىً واحد"، وثانياً، أُلقي الشكوك على المُلحدين الذين يُفترض أنهم لا يعرفون سوى ترداد هذه العبارة المُختصرة. ولتوضيح الأُمور أكثر، يستشهد غريغيوليفيتش بالمثال الفكاهي لأوستاب بيندر(ب) وجداله الديني مع الكهنة الكاثوليكيين. إنه، لسوء الحظ، على حق: نحن لدينا مثل هؤلاء "المُلحدين" الذين يصل مُستوى تطورهم العام الى مستوى الصف الخامس، وأخشى أن يكون متوسط مُستوى ذكائهم أقل من ذلك-على الأقل بيندر يعرف بضع كلماتٍ من اللغة اللاتينية-وأن عددهم يفوق بعدة أضعاف عُلماء تاريخ الدين المُلحدين لدينا. ولكن في النهاية، ليس "إلحاد" بندر هو ما أتحدث عنه: أنا شخصياً أُفضّل اجراء نقاشٍ على مُستوى أعلى، على سبيل المثال، على مستوى سبينوزا، الذي لم تمنعهُ نظرته المادية من العالم من اعتبار "المادة الأولية" بأنها الإله، لإنه كما نعلم، "انطلَقَ سبينوزا في انطولوجيته من التطابق بين الاله والطبيعة، والتي فهِمها على أنها الجوهر الواحد والأوحد الأبدي واللامتناهي، وبالتالي استبعدَ وجود أي مبدأ آخر، وبالتالي نظَرَ اليها على أنها سبب ذاتها"(2).
ومن المؤسف أن الاطروحة الرئيسية لمقالتي قد غابت عن انتباه نُقّادي. أوأنا أُشير هُنا الى فكرة أن كُل دين له وظيفة اجتماعية دمجية وانفصالية. لقد مرّ عنها الجميع بصمتٍ تام. بعدما افتتحَ يوري اليكسيفيتش مورافيوف Yuri Alekseevich Muravyov مقالته ببعض الاطراء لمقالي ("أفكار مُثيرة للاهتمام"، "طرح غير نمطي للمسائل"، "سعة اطلاع غنية") لم يُشر لاحقاً الى أُطروحتي الأكثر أهمية. أشارَ فلاديمير نيكولايفيتش شيرداكوف Vladimir Nikolaevich Sherdakov لها بشكلٍ عابِر، مثلما هو الحال مع غينادي غيراسيموفيتش غروموف Gennady Gerasimovich Gromov. أما سيمينوف، فقد رَفَضَ حالاً وجهة نظري رفضاً قاطعاً. إنه يقول "ان وجود مُجتمعاتٍ على أساسٍ اثنيٍّ وديني، أمرٌ لا جدالَ فيه، كما هو الحال بالنسبة لحقيقة أنه يُمكن للدين أن يُعزز الوحدة أو الانقسام بين الجماعات البشرية. ولكن، مما لا شكَّ فيه أيضاً أنه لا يُمكن للمرء أن ينظُرَ الى ذلك على أنه سِمةٌ تُميّز الدين". "بالتالي، لا شيءَ مما يقوله توكاريف حول الدور الاندماجي والانفصالي للدين، يقتَرِب ولو من بعيد من فِهمِ تفاصيل هذه الظاهرة أو جوهرها. وهذا ليس من قبيل الصُدفة. النقطة ليس فقط أن المؤلّف اتخذَ كوظيفةٍ للدين، ما لا يُشكّلُ في الواقعِ تلك الوظيفة، وهو عامِلٌ ثانويٌّ فيها". وإن اتفقنا معه، فهذا يعني أن نغض الطرف عن التاريخ الطويل للحروب الدينية الدموية، وعن صولات وجولات محاكم التفتيش، التي عذبت وقَتَلَت الملايين من الأشخاص من "هراطقةٍ" و"سَحَرة" الذين لم يكونوا مُذنبين بفعل أي شيءٍ على الاطلاق، وغض الطرف عن الحروب الصليبية الدموية، ومذبحة عيد القدّيس برثولماوس St. Bartholomew s Day massacre (جـ) وعدد من المجازر التي تُشبهها، والفظائع التي ارتكبها المتطرفون المسلمون ضد المسيحيين، والمجازر التي ارتكبها المسلمون والهندوس ضد بعضهم البعض، والحروب الطويلة بين الكاثوليك والبروتستانت في اولستر Ulster وما الى ذلك. هل هذه كُلها "عامل ثانوي"؟ اذاً أين هو العامِل الرئيسي؟ ربما يكمُنُ في "الايمان بقوةٍ خارقةٍ للطبيعة"، أو ربما في انقسام النشاط البشري الى "حُر وغير حُر" كما يتطلبه منهج سيمينوف الفلسفي؟
يعترض كريفيليف أيضاً على أطروحتي، ولكن بشكلٍ أكثر مُراوغة. انه يعتبر أن مسألة "الدمج والفصل" "لا تخلو مما هو مثيرٌ للاهتمام"، ولكن الحل الذي أطرحه لها "غير مُقنع" (لماذا؟). لكنه، من خلال اسلوبه الأدبي، يُحوّل اعتراضه هذا الى مُجرّد دُعابة. يقول بسُخرية: "أي نوعٍ من الدمج والتكامل يُمكن أن يكون حقاً في مُجتمعٍ يعيش فيه الشمامسةُ والأساقفة حياتهم المُنفصلة، ناهيك عن الأرشمندريتات والقديسين الأعلى مرتبةً؟ انه انفصالٌ تام!". ومع ذلك، فهو الذي يُعاتبني لأنني قُمت بإغراق "المقال بالأمثلة حول الانفصال الذي تؤديه الكنيسة". أيٌّ منا قام بما هو أقل خطراً على المسائل؟ يبدو لي أن المرور عن مسألةٍ خطيرةٍ بالقاء الفكاهاتِ لن يحلها أبداً.
الاعتراض العمَلي الوحيد على أُطروحتي قدّمهُ اوغرينوفيتش. انه اعتراضٍ بسيطٌ جداً. الدين هو ليس العامل الوحيد في عملية الفصل. برأيه، تلعبُ الظواهر الاجتماعية الأُخرى نفس الدور، مثل التقاليد الاثنية ووجهات النظر السياسية والقانونية التي تتبناها الطبقة الحاكة، تلعبُ الطبقة والطائفة والمصالح الأُخرى دوراً في ذلك. هذا صحيح تماماً: لكن ما سعيتُ الى قولهِ في مقالتي، هو وضع الدين في نفس قائمة القوى الاجتماعية الأُخرى التي تؤدي نفس الوظيفة الأساسية. كَتَبت (وأُكرر هذا للقراء الذين لم ينتبهوا لذلك): "وبهذا المعنى، ليس الدين استثناءاً بين الظواهر الاجتماعية. على العكس من ذلك، فهو مثل أي ظاهرةٍ ثقافيةٍ أُخرى، سواءً كانت ماديةً أو فكرية، تُؤدي وظيفةً اجتماعيةً مُهمةً للغاية: انها تُوحّد وتُرسّخ مجموعة من البشر، وتضعها في مُواجهة المجموعات الأُخرى. ان هذا الدور المُزدوج للدين، كعامل اندماجٍ وفصلٍ في نفس الوقت، هو سمة تُميّز جميع عناصر الثقافة دون أي استثناء. الدين هو أحد تلك العناصر، ولعله يؤدي هذا الدور، وهو يؤديه بشكلٍ أكثر وضوحاً أكثر من أي دورٍ آخر". وهذا يعني، أن اعتراض اوغرينوفيتش يُخطئ الهدف أيضاً.
كما أنني أشعرُ يالضيق الشديد بسبب القَدَر الضئيل من الاهتمام الذي أولاهُ نُقّادي لذلك الجُزء من مقالتي الذي يتحدث عن "مسألة الشر" باعتبارها المُحتوى الرئيسي لجميع الأديان. لاحَظَ سيمينوف عن حق أن هذا الجزء من المقالة لم يكن جُزءاً منها بشكلٍ كافٍ، وربما أنهُ لم يكن جُزءاً منها أصلاً. إنه مُحق. كان من المُمكن لهذه المسألة أن تُشكّل جوهر مقالٍ مُنفصل. ومن ناحيةٍ أُخرى، لا يُمكن في إطار هذا المقال، تجاهُل مسألة ما هو أهم مُحتوى للمعتقدات الدينية في كُل البُلدان والعصور.
فهل صحيح أن مُشكلة الشر على وجه التحديد هي التي تُشكّل أهم جوانب الفكر الديني وسيكولوجيته؟ هذه الفكرة ليست جديدةً على أية حال. لقد كَتَبَ فلاسفة التنوير في القرن لثامن عشر عن حق: أينما تُوجد المُعاناة يوجد الدين. أصبَحَت الديانات "العالمية" المُعقدة، منذ زمنٍ طويل، تُسمى "أديان الخلاص". الخلاص من ماذا؟ من الشر الدنيوي بجميع أشكاله. كانت عبادة الآلهة المُخلّصة موجودةً أيضاً في العالَم القديم.
ما الذي يَعتَرِضُ عليه خصومي هُنا؟ يعتَقدون، في المقام الأول، أن فكرة "الشر" بحد ذاتها لا تنطبِقُ الا على المُجتمع الطبقي. يقول اوغرينوفيتش إن "تصوّر الشر، في الأفكار الدينية الجنينية للعصر البدائي، لم يكن مُختلفاً ومُتمايزاً بعد عن مفهوم "السيء" و"الضار" و"القبيح"". في المقام الثاني، كانت أفكار الشر والتخلص منه، في العقل الديني، مُرتبطةً دائماً بفكرة القُوى الخارقة للطبيعة. يقول اوغرينوفيتش: "ان مسألة أصل الشر ليست هي المسألة الرئيسية في الدين، لأن الاجابة عليها تتحدد دائماً من خلال الايمان بوجود كائناتٍ أو علاقاتٍ خارقةٍ للطبيعة". ويبدو أن الخِلاف هُنا، يرجِعُ بالدرجة الأُولى الى أن كلمة "الشر" تُستَخدَمُ بمعانٍ مُختلفة، فقد استخدمتُها، على سبيل الايجاز، بالمعنى الواسع، بما في ذلك كُل المُعاناة والألم والضرر والفشل والجوع والمَرَض، أي كُل ما يسعى المرء لتجنُّبهِ، بصرف النظر عما اذا كان مفهوم "الشر" بالمعنى الضيّق قد تمايَزَ عن مفاهيم "السيء والضار والقبيح، وما الى ذلك، أم لا. لكن فكرة "الشر" بالمعنى الأخلاقي والاجتماعي الضيق هي سمة من سمات مُستوىً أرقى من التطور الاجتماعي: لا أحد يُجادِلُ ضد هذا. ومع ذلك، يؤسفني أن خُصومي لم يُوجهوا الانتباه الى حقيقة أنني حاوَلتُ في مقالتي أن أُقدِّمَ تسلسلاً تاريخياً لمستوى تطور فكرة "الشر" حسب مسار التاريخ العام، أي مِنَ الألم الجسدي البسيط وصولاً الى المفهوم المُجرّد والعالَمي حول الشر. وأن فكرة "الشر" بالمعنى الواسع، هي في كُل مرحلةٍ من مراحل التطور التاريخي، مُتضمّنةً في العقل الديني في صورة شخصياتٍ خارقةٍ للطبيعة مسؤولة عن الشر أو صور مُخلّصٍ خارقٍ للطبيعة من آلام الشر ونتائجه. هذا معروفٌ جيداً. لكن العلاقة هُنا بالضبط هي عكس ما يعتقدُهُ بعضُ خصومي. ليس الأمر أن الانسان يحتمِلُ الألم والمُعاناة والشر ويأملُ في خلاصٍ خارقٍ منه لأنهُ واثِقٌ بوجود مثل تلك القوى الخارقة للطبيعة، بل على العكس، إنهُ يؤمِنُ بها ويأمَلُ أن تُساعِدَهُ لأنه يُعاني من الألم والجوعِ ويأمَلُ في التخلّصِ منها. فهَل يُمكن أن يُقال أن مسألة الشر لم يُعالجها سوى الدين؟ لا. لقد ناضَلَ الطب ضد الأمراض، كما نضالَت فِرَقُ مكافحة الحرائق ضدها، ومؤسسات إنفاذ القانون من خلال النضال ضد الجريمة. لقَد ناضَلَ الدين أيضاً، ويُناضِلُ الآن ضد مظاهِرَ مُعينة لكل ما هو غير مرغوب(د)، ويُناضِلُ ضد مفهوم الشر العالمَي المُجرّد، كما هو الحال في الأديان "الخلاصيّة" المُتقدمة. ولكن ما يعيب الدين هو أن وسائِلَهُ لِشَنِّ هذا الصراع ليست جيّدة، بل هي وسائل وهمية. وهذا السبب، في رأيي، لا ينبغي أن يدخُلَ الصراع ضد الشر في التعريف الرسمي للدين.
الموقف الذي اتخذه غريغيوليفيتش بشأن هذه المسألة ليس واضحاً. فمِن ناحية، يكتب، أن فكرة الدين باعتباره "الصراع ضد الشر" "ليست جديدة" طارحاً اقتباساً من مؤرخ دين أجنبي"، وهو مُحق في هذا. ومن ناحيةٍ أُخرى، يُشير الى "عشرات الطوائف" التي لا تطرح هذه المسألة على الاطلاق. سيكون مُثيراً للاهتمام معرفة أي الطوائف هي تلك. ربما يوجد بعضٌ منها كذلك، لكن غريغيوليفيتش يستشهد كأمثلة-على نحوٍ غير صحيح- بالديانات (التولستوية Tolstoyanism والعبادات "الشيطانية").، والتي، على العكس، تُثبِتُ أُطروحتي بشكلٍ حاد. ومن الغريب أيضاً تأكيدهُ على أنه "حتى عندما يُعلِن الدين أن مُحاربة الشر هي وظيفته الرئيسية، فإنه فعلياً لا يُكافِحُ ضدها بقدر ما يُجذرها بعُمق". بالفعل، السبب وراء رفضنا لوجهة النظر الدينية للعالَم هو أنها تُشير الى طريقٍ خاطئٍ في الصراع ضد الشر: ولهذا أطلَقَ ماركس على الدين مُسمى "أفيون الشعوب"، ويتحدث أوغرينوفيتش، متتبعاً خُطى ماركس، عن "الوظيفة التعويضية الوهمية للدين".
فيما يتعلق بمسألة الدين باعتبارهِ أفيوناً للشعوب: يوظّف غريغيوليفيتش هذا التعبير من ماركس أكثرَ من مرة، مُعتقداً بذلك أنه يُحاججني به. هذه مضيعة للوقت!. ان صيغة ماركس صحيحة تماماً وتؤكد أُطروحتي الرئيسية ببساطة. لكن غريغيوليفيتش مُخطئ تماماً في اعتبار هذه الصيغة بمثابة "تعريف" للدين. انها ليست تعريفاً على الاطلاق، وهو لا تفي بمعايير الفهم المنطقي للتعريف، ولكنها منزوعةٌ من سياقٍ يَصِفُ فيه ماركس، الوظائف الاجتماعية والايديولوجية للدين. دعوني أن أضعَ هذه الصيغة في سياقها، وهي صيغةٌ كثيراً ما يُساء استخدامها:
"إن أساس النقد اللاديني: أن الانسان هو الذي يصنع الدين، وليس الدين هو الذي يصنع الانسان. إن الدين، في الواقع، هو وعي الذات وتقدير الذات لدى الانسان الذي لم يعثُر بعد على ذاته، أو أوضاعها من جديد. لكن الانسان، ليس كائناً مُجرداً جاثماً في مكانٍ ما خارج العالَم. الانسان هو عالَم الانسان، الدولة، المُجتمع. وهذه الدولة وهذا المُجتمع يُنتِجان الدين، الوعي المقلوب للعالَم، لأنهما بالذات عالمٌ مقلوب. الدين هو النظرية العامة لهذا العلَم، خُلاصته الموسوعية، منطقهُ في صيغته الشعبية، مناطُ شرفه الروحي، حماسته، جزاؤه الأخلاقي، تكملته المهيبة، أساس عزائه وتبريره الشامل. إنه التحقيق الخيالي لكينونة الانسان لأن ليس لكينونة الانسان وقاعاً حقيقياً. اذاً، فالنضال ضد الدين هو بصورةٍ غير مُباشرة، نضالٌ ضد ذاك العالَم الذي يُشكّل الدين عبيره الروحي.
إن الشقاء الديني، هو تعبيرٌ عن الشقاء الواقعي، وهو من جِهةٍ أُخرى، إحتجاجٌ عليه. الدين هو زفرة المخلوق المقموع، قلبُ عالَمٍ بلا قلب، كما أنه روح شروطٍ اجتماعيةٍ لا روح فيها، إنه أفيون الشعوب.
إن تجاوز الدين، بصفته سعادةً وهميةً للشعوب، يعني المُطابلة بسعادتها الفعلية، ومُطالبة الشعوب بالتخلي عن الأوهام حول وضعها، يعني مُطالبتها بالتخلي عن وضعٍ في حاجةٍ الى أوهام. فنقد الدين هو، اذاً، نقد مصدر وادي الدموع الذي يؤلف الدين هالةً لهُ.
لقد نُزُعَ النقد عن الأصفاد الزهور الوهميةَ التي كانت تُغطيها، لا لكي يحمل الانسان أصفاداً غير مُزخرفة، بل ليتخلى عن الأصفاد ويقطِفَ الزهرةَ الحية. إن نقد الدين يُحطّم أوهام الانسان، حتى يُفكّر، يَنشط، يصنع واقعهُ بصفتهِ إنساناً تخلّصَ من الأوهام وبلَغَ سن الرشد، لكي يدور حول نفسه، أي حول شمسه الحقيقية، فالدين ليس سوى الشمس الوهمية التي تدور حول الانسان ما دام الانسان لا يدور حول نفسه"(3).
يؤسِفني بشكلٍ خاص، أن نُقادي تجاهلوا المسألة الهامة للغاية حول مكانة الايمان المسيحي في تاريخ التصور الديني للشر. ان كل من يألف الديانات الكُبرى في آسيا ولو بشكلٍ سطحي، لن يتردد في فرز التعاليم الأخلاقية الدينية البوذية والزرادشتية من بينها. وكلا المذهبين عبارة عن تعميماتٍ فلسفيةٍ شاملة، على الرغم من أن المذهبين يتوصلان الى استنتاجاتٍ مُتعارضة. تطرح البوذية (في مراحلها الأُولى) مسألة شمولية المُعاناة باعتبارها خاصيةً جوهريةً للحياة نفسها، في حين، تطرح الزرادشتية الصراع الأبدي بين الخير والشر في التاريخ والطبيعة، مع إمكانية أن ينتصر الخير على الشر في نهاية الأمر. وأياً كان رأي المرء في الجوانب الأخلاقية والايديولوجية للتصورين، فلا يُمكن انكار اتساقهما المنطقي ووضوحهما. لا أستطيع أن أفهَم كيف يُمكن أن نضعَ معهما، في نفس التصنيف، بل وحتى أرقى منهما قليلاً (سيمينوف)، عقيدة المسيحية المشوشة المُتمثلة في "الخطيئة الأصلية"، التي ارتكبها آدم وحواء-بسبب قلة معرفتهما-واللذينِ تذوقا ثمرة شجرةٍ مُحرمة، وعاقَبَ الاله الرحيم لاحقاً وبسببهما، جميع البشر الذين ليس لهم أي ذنب. وهُنا يكمُنُ أصل وسبب كل الشرور في العالَم حسب التعاليم المسيحية!
لقد تجاهَلَ خصومي أيضاً في صمت، المسألة المُتعلقة بمكانة وصورة الشيطان في العقيدة المسيحية. تقليدياً، يُنظَرُ الى الشيطان على أنه مسؤولٌ عن كل الشرور في العالَم. ولكن لا يوجَدُ أساسٌ لهاذ الرأي في الكتاب المٌدس. إن دور الشيطان، في العهد القديم، يكاد لا يُذكَر. إنه لا يظهر في قصة النزول من الجنة، وبالتالي لا يُمكن اعتبارهُ مسؤولاً عنها لأن "الحية أغوَت آدم وحواء". أما العهد الجديد، فيحتوي على إشاراتٍ غامضةٍ عن "المُجرّب" (إنجيل متّى 4:1-11)، ولكن ليس على الاطلاق باعتبارهِ السبب الرئيسي للشر والخطيئة. وفي كتاب (اعتراف الايمان 281-325 بعد الميلاد) لم يُذكَر الشيطان. وبشكلٍ عام، فإن دور الشيطان باعتباره الطرف المُذنب بالشر في العالَم يظل غير مدعومٍ لاهوتياً، ولكن هذه المسألة هامة جداً بالنسبة لدارسي اللاهوت. وهُنا أُلاحظ، انتقادات كريفيليف لي قائلاً أن لدي معرفةً ضئيلةً بالكتاب المُقدس، وهذا على أية حال ليس موضوعنا الرئيسي. برأيه، "لماذا لم يُشِر لوكاريف الى أن هذه الأُسطورة كانت موجودةً في العهد القديم، وبأنها ذات أساس يهودي وليس مسيحي". لكن الحقيقة هي أن كريفيليف هو الذي فَشِلَ في رؤية أن المقال يتحدث عن "الأُسطورة العبرية القديمة غير المُتماسكة"، التي يرتَكِزُ عليها "آباء الكنيسة المسيحية".
هناك نقاط أُخرى تتعرض لسوء فِهم. يوبخني كريفيليف بسبب وجود قائمة حقيقية من الأخطاء فيما يتعلق بالتاريخ أو دراسة الدين، وهو على حق جُزئياً في بعض الأُمور. إنه على حق في مُلاحظة عدم دقتي عندما أشرت الى أن دين اسرائيل هو دينٌ "توحيدي"، دون ذِكر بأنه صارَ كذلك فقط في فترة ما بعد السبي (والذي أفعَلهُ في مكانٍ آخر). لكنه مُخطئٍ فيما يتعلق بتفسيري لفلسفة فلاديمير سولوفييف الدينية. لقد قُلتُ أن الفيلسوف الروسي فلاديمير سولوفييف قامَ "بمُحاولةٍ غريبة للجمع بين التعاليم الزرادشتية حول الروح الشريرة العظيمة، خصم الرب، والعقيدة المسيحية"، واعتَبَرَ كريفيليف هُنا أنني قصدت أن سولوفييف هو الذي أدخَلَ شخصية الشيطان الى المسيحية. على أية حال، تستحق فلسفة سولوفييف الدينية تحليلاً أكثر عُمقاً، ولكن لماذا يُمكن أن يُشوّه المرء أفكار سولوفييت وأفكارَ من يكتب عنه؟ وينطبقُ الشيء ذاته على صورة خصم المسيح (المسيح الدجال)بإعتبارهِ خصماً مُستقبلياً للمسيح، والتي يبدو لي أن سولوفييت هو الذي أدخلها الى المسيحية، أو على الأقل حاولَ القيام بذلك. إن حقيقة أن العديد من الشخصيات التاريخية، من فريدريك الثاني الى بُطرس الأكبر، كانوا يُعتَبَرون من قِبَل المؤمنين خصوماً للمسيح، معروفةٌ لي وللجميع. إن حقيقة أنني لم أُشِر الى خصوم المسيحيين التاريخيين هؤلاء، لا تعني في حد ذاتها أنني "غضضت الطرف" عن تاريخ المسيحية بأكمله، بل بالأحرى أن خصمي قرأ مقالتي دون انتباه.
من الواضح أن بعض الانتقادات التاريخية التي وجهها كريفيليف لي يُمكن تفسيرها بنفس حقيقة أنه لم يقرأ مقالتي بانتباه. وإن أشَرتُ الى نقد العالِم السويدي فون سيداو لنظرية مانهارت حول "الشياطين الزراعية"، كمِثالٍ على الاختلافات في فِهم الأفكار المُعتقدية المُبكرة، فإن هذا لا يعني أنني أُوافِقُ على هذا النقد، كما يقول كريفيليف. على العكس من ذلك، كُنت ولا أزال أعتَبِرُ نظرية مانهارت مُتماسكة. إن اشارتي المُوجزة الى بول رادين وفكرته حول "دور المفكرين الدينيين" في أشكال الدين الباكرة تُثير حفيظته. لقد كَتَب كريفيليف عن بول رادين يقول: "وليس من المُستبعد، بل من المؤكّد أن توكاريف قد توصّل الى "نظرية الاحتيال"". في الحقيقة ليس من الصحيح الخلط بين نقد ميلييه وماريشال الساذجة لرجال الدين وبين استنتاجات كاتب مُحنّك مثل رادين، الذي لا تتناسَب دراساته بأي حال مع إطار "نظرية الاحتيال" البدائية.
ومع ذلك، فإن بعض نُقادي، الذين لم يتطرقوا الى الجوانب الهامة في مقالتي، الا بشكلٍ عابِر، يعطون أهميةً كبيرةً لبعض التفاصيل الفلسفية الدقيقية. على سبيل المثال، يَطرَح سيمينوف المسألة التالية: "يعتبر توكاريف العجز، كما هو واضحٌ من السياق، بأنه الشعور بالعجز". يعتبر سيمينوف الأول إجابة ماركسية، أما الثاني فهو "مثاليٌّ صرف". يوافقه مورافيوف على هذا. أما ميخائيل يوسيفوفيتش شاخنوفيتش Mikhail Iosifovich Shakhnovich، يختلف مع سمينوف صراحةً. وهُنا مرةً أُخرى، يتعلق الأمر بسوء فهمٍ واضح. ان "الشعور" بالعجز لدى الانسان البدائي في مُواجهة قوى الطبيعة المُحيطة به، كان مُجرد انعكاسٍ لحقيقة العجز ("الموضوعي"-كما عبّرَ عن ذلك سيمينوف)، هي حقيقةٌ لا يُمكن لأحدٍ أن يُشكك بها. ومع ذلك، قبل ظهور الوعي الاجتماعي و"الشعور"، لم يكن بإمكان هذا العجز "الحقيقي الموضوعي" أن يؤدي الى ظهور أي دين، لنفس السبب البسيط المُتمثل في أن نفس هذا العجز لا يُنتج الدين عند الحيوانات الأدنى، التي هي أيضاً عاجزة "موضوعياً" في مُواجهة قُوى الطبيعة، ولكنها لا تُدرِك هذا العجز ولا تشعر به. يُمكن للعجز أن يُولّد صوراً دينية وكل ما نُسميه ديناً، فقط عندما يمرّ بالوعي الانساني (الاجتماعي). لا يُمكن للمرء أن يفشل في فهم هذا، الا إذا اتخذ موقف المادية الميكانيكية المُبتذلة.
بعد ذكري أعلاه لقائمة خلافاتي مع سيمينوف، سيكون من الجيد أن أذكر أُموراً أتفق معه بشأنها.
كَتَبَ سيمينوف: "ان الدين بالنسبة للمؤمن العادي دائماً مسألةً عمليةً قبلَ كُل شيء، وهو دائماً مُهتَمٌّ بما يجب القيام (أو عدم القيام به) لضمان الاستجابة الالهية بخصوص نتيجة نشاطهِ ودرء ما هو غير مرغوب فيه. ان طبيعة القُوى الخارقة هي أقل اثارةً للاهتمام بالنسبة له. وهو يرى أن وجود قُوىً خارقة للطبيعة هو أمرٌ بديهيٌ ولا يحتاج الى أدلةٍ أو تفسيرات، ولهذا السبب لا يُحاولُ تفسيرَ مُعتقداتهِ أو الكشف عن الروابطِ بينها. لم يكن الدين البدائي نظاماً صارماً من نوعٍ ما. لقد كانَ كومةً من المُعتقداتِ والأفكارِ والطقوس الأكثر تنوعاً، والتي غالباً لم تكن مُتناقضةً وحسب، بل وتنفي احدها الأُخرى كذلك".
هذا صحيح تماماً. ولن أتحدث هُنا عن حقيقة أن أفكار سيمينوف هذه تتناقض الى حدٍّ ما مع ما يكتبهُ في مكانٍ آخر. لكن هذه الأفكار صحيحةٌ تماماً، وهي تنتقد جوهر البنيويين الذين يبحثون عن "الأنظمة" و"الرموز" و"النماذج" في كُل شيء. ينظر زعيم البنيوية المُعاصرة كلود ليفي شتراوس Claude Levi-Strauss الى الميثولوجيا على أنها نوعٌ من الكيان القائم بذاته، مُستقلٌّ عن الوعي الانساني ويخضعٌ لمنطقه المُلازم له وحسب.
لم يُعالج خُصومي (وخاصةً غريغيوليفيتش) الا بشكلٍ عابرٍ مسألةٍ مُهمة، والتي لم
أتناولها أنا في مقالتي أيضاً سوى بشكلٍ عابر، وهي العلاقة بين المُجتمعات الدينية والبُنية الطبقية. وفي هذا الصدد، لا داعي للدفاعِ عن أي مواقف خاصة: لا تُوجد خلافاتٌ هنا، بالرغم من أن المسألة بحاجة الى دراسة مُعمقة. لم يكن غريغيوليفيتش على حق عندما أنَّبني بزعمه أنني استثنيت المُقاربة الطبقية في دراسة الدين، وأحللت محله ظاهرة الاندماج والانفصال. أنا لم أفعل ذلك. لكن في مقالتي، لم أتمكن، بسبب ضيق المساحة، من العناية الكافية بهذه المسألة المُعقدة. الأمر أكثر تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأُولى. لأنه من الضروري أن ندرس أولاً تلك الحالات التاريخية العديدة التي التزمت فيها الطبقة المُهيمة في مُجتمعٍ طبقيٍّ بعقيدةٍ ايمانيةٍ مُعينة، والتزمت فيها الطبقات المُضطهدة بمُعتقداتٍ أُخرى. وهكذا، في البوسنة في عهد العُثمانيين، كان مُلّاك الأراضي الأثرياء مُسلمين في غالبيتهم، في حين أن الغالبية العُظمى من الفلاحين الفقراء كانوا من المسيحيين الكاثوليك أو الأرثذوكس. كان هُناك وضع مُماثل بين بعض شعوب القوقاز، وخاصةً الأوسيتيين Osetins. هُناك، كان دين غالبية فلاحي الكوميونات هو المسيحية (ممزوجةً بعبادات ما قبل مسيحية)، بينما كان الأُمراء والنبلاء مُسلمين. في أوكرانيا غرب نهر الدنيبر، وفي غرب بيلاروسيا، التزم النبلاء بالكاثوليكية، بينما كان الفلاحون أرثذوكساً. وفي ايرلندا الشمالية حتى يومنا هذا، كانت الطبقة الحاكمة من الطائفة المسيحية المشيخية، والفلاحون كانوا من الكاثوليك. هناك العديد من الأمثلة، وكُل حالة تتطلب دراسةً تاريخيةً ملموسةً حتى يتم فهم دور ووظائف كُل دين. هُنا تنعكس المصالح الطبقية والصراع الطبقي في الاختلافات الدينية.
مما لا شك فيه، أنه في الحالات الأكثر شيوعياً، تنتمي الطبقات الحاكمة والمُضطهَدة بشكلٍ شكليٍّ الى نفس المُعتقدات، حيث يلعب الدين دور "أساس الأخوّة المُشتركة" و"المصالح المُشتركة" ويخدم كَوَهمٍ يتستر على الاضطهاد الطبقي. ان المصالح الطبقية التي يخدمها الدين في مثل هذه المواقف واضحة، ولكن هُنا لا يزال الكثير مما يتعيّن علينا دراسته.
أود أن أتناول بشكلٍ مُنفصل مقالة غروموف، التي تحتل مكانةً خاصةً بين المُشاركين في المُناقشة. انها مُميزة، لأنها في المقام الأول، كُتِبَت من وجهة نظر اثنوغرافية، وثانياً، لأنها تحوي على الكثير من الأفكار الجديدة والبناءة التي تستحق الاهتمام الجاد.
يجب علينا أولاً،، أن ندعم جهود غروموف في تحويل مركز الثِقَل في دراسة الوعي الاجتماعي (بين الشعوب المُتخلفة) من مجال التصورات الدينية السحرية والطقوسية الى المعرفة الايجابية والنشاط العملي العقلاني للانسان. في الواقع، فإن كثيراً مما نُصنفه عادةً على أنه خُرافاتٍ وطقوسٍ سحرية، غالباً ما يُثبِتُ عند دراسته، أنه مظهر من مظاهر المعارف الشعبية الايجابية، وإن لم تكن دائماً مُنظمنة. حتى النشاط الاحترافي للسحرة والكهنة ورجال الدين، الذين انفصلوا عن الناس وأبقوا طقوس حرفتهم سرية، يرتكز في التحليل النهائي على المعارف الشعبية، وتُشكّل نوعاً من "الزهرة العقيمة" التي تنمو منها. يرى غروموف بحق، علاقة مُماثلة بين معايير الأخلاق، التي تمتلك معنىً عقلانياً ومُفيداً من جهة، وقشرتها الدينية من جهةٍ أُخرى.
لكن ليس من الصحيح أن يضع غروموف خطاً فاصلاً ونهائياً بين المفاهيم الدينية الشعبية والمؤسسات الدينية بأيديولوجيتها اللاهوتية. الحد الفاصل بينهما ليس أصمّاً الى هذا الحد. لا يُمكن للمرء أن يعتبر مُحاولته لاختزال فهمي للدين كقوة للفصل مُبررة، أي تضييق هذه الوظيفة، ونسبها ليس الى الدين ككل، بل الى الكنيسة فقط، لأن هذه الوظيفة، بالنسبة الى الدين ككل، من وجهة نظره، "خيالية". ولكن من المؤسف أن الأمر ليس كذلك. فتاريخ الحروب الدينية الذي يمتد لقرونٍ طويلة، يُظهِرُ أنها لم تُشَن بواسطة اللاهوتيين ورجال الدين وحدهم، بل شاركت فيها الشعوب للأسف. يتم الفصل بين الناس الذين يحملون مُعتقداتٍ مُختلفة حتى في الحياة اليومية ("اولئك الذين يعتنقون احد المُعتقدات لا يشربون ولا يأكلون ولا يتزوجون مع ومن اولئك الذين يعتنقون مُعتقداً آخر"، كما كَتَبَ الرحالة الروسي آفاناسي نيكيتين عن شعب الهند في وقتٍ مُبكرٍ من القرن الخامس عشر)، وهذا لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا في فئاتٍ مُتخلفةٍ من السكان. وهذا بكل الأحوال، ليس انفصالاً "خيالياً"!. اذاً ما هو الاستنتاج الشامل؟ ما هي المُقاربة التي يجب من خلالها مُعالجة الدين من أجل فهم جوهره وفهم الوظيفة التي يقوم بها وما زال يقوم بها في حياة البشر؟ للتوصل الى إجابة، دعونا نأخذ حالةً مُحددة.
ما هو دور الاسلام في الوضع الدولي الراهن، وفي الأحداث التي تشهدها مُختلف بُلدان آسيا وافريقيا؟ هل يُمكن للمرء أن يفهم هذا الدور انطلاقاً من فهم أن الإسلام "إيمانٌ بقوةٍ خارقة للطبيعة" (كما تقتضي وجهة نظر سيمينوف)؟ لا أعتقد ذلك. وماذا يُمكننا أن نفهم من هذا الدور انطلاقاً من أن لكل دين "وظيفة تعويضية وهمية" (اوغرينوفيتش)؟ لن يكون هذا مُجدياً. من أجل فهم الدور الذي يلعبه الاسلام في الآن في ايران وباكستان وبنغلاديش ولبنان ومصر والجزائر، لن يكون مُجدياً أن يُغرِقَ المرء نفسه في دراسة الدوغما الاسلامية، أو دراسة جميع أسماء وصفات الله، أو الانشغال في الخلافات حول الأصل الإلهي أم البشري للقرآن، وما الى ذلك. كل ما ذُكِر مُثير للاهتمام، لكنه لن يُساعدنا في حل الأسئلة المطروحة أعلاه. من الواضح أن هُناك حاجة الى دراسة خاصة لفهم من أين أتت كُل تلك القوة الهائلة التي تُمارِس تأثيراً كبيراً على التطور الاجتماعي والسياسي للعديد من البُلدان والشعوب التي تعيش في ظروفٍ مُختلفة تماماً عن بعضها البعض. لا يُمكن للمرء أن يحل مثل تلك الأسئلة بتكرار الصيغ حول "الايمان بما هو خارقٌ للطبيعة" و"العمل الانساني الحُر وغير الحُر".
مثال آخر، هو الدين الكاثوليكي، الذي أظهَرَ في الوضع الدولي الحالي، مُرونةً وتكيفاً هائلان، وهو يلعب دوراً مُعقداً للغاية، يختلف من بلدٍ الى آخر. إنه في بعض الأماكن يُدافع عن الشعب ضد الدكتاتوريات العسكرية الفاشية (أمريكا اللاتينية)، وفي أماكن أُخرى يدعم الفلاحين في نضالهم من أجل الأرض (الأولستر Ulster)، وفي أماكن أُخرى يعمل كحاجزٍ بين الجماهير الديمقراطية والتيارات الفاشية الجديدة (ايطاليا). من الصعب أن تُخبِرنا الدراسة المُقارنة للمُعتقدات المسيحية والبروتستانتية كثيراً عن الصراعات الاقتصادية والثقافية الاثنية في أولتسر.
ومع ذلك، لا بُد لي من الاعتراف بخطأٍ هُنا. فبعد أن انجرَفتُ في مهمتي المُتمثلة في إعطاء مكان الصدارة في دراسة الدين لجانبه الاجتماعي على وجه التحديد، أي الدين كشكلٍ من أشكال الاندماج والانفصال بين البشر، تركت الجانب الآخر من الصورة في الظل، وهي مسألة دراسة المُعتقدات بحد ذاتها. بالرغم من أنني تحدثت عن هذا الأمر، الا أنه لم يكن كافياً على ما يبدو، وقد جلبت على نفسي الكثير من اللوم لأنني اعتبرت أن دراسة مُحتوى المُعتقدات قضيةً مُلحة. أنا أُكرر مرةً أُخرى: إن الدراسة الملموسة للمُعتقدات الدينية لجميع الشعوب كانت دائماً، ولا تزال، أمراً مُهماً للعلم. لكن ليس من الضروري، في المقام الأول، الخلط-كما لاحَظَ غروموف بشكلٍ صحيح-بين المُعتقدات الشعبية الحقيقية والتعاليم المسيحية اللاهوتية، والتي لا يعرفها المؤمنون أنفسهم كقاعدةٍ عامة. وثانياً، لا ينبغي للمرء، عند دراسته مُحتوى المُعتقدات، أن ينسى، ولو لدقيقةٍ واحدة، أن هذه المُعتقدات تُوجد بحد ذاتها، ولكنها، موجودةٌ في رؤوس البشر في علاقاتهم الاجتماعية، والذين يندمجون وينفصلون من حيث هذه المُعتقدات.
دعوني أعود الى ما بدأت به المقالة. هُناك مُناقشةٌ جارية، لكن المُشاركين فيها غير متوازنين، فإثنين اثنوغرافيين وثمانية فلاسفة، على الرغم من أن بعض هؤلاء الأخيرين التزموا بالمعايير الاثنوغرافية. اضافةً الى ذلك، تُوفر لي هذه المُناقشة فرصة الاطلاع على طرُق مُتنوعة في مُقاربة الدين. ومن المناسب أنني عندما أقول أن خصومي "فلاسفة"، لا أُشير الى اختصاصاتهم، بل الى طريقة تناولهم للموضوع.
كُل دين له ذاتٌ وموضوع. الذات: من هو الذي يؤمن؟ والموضوع: بماذا يؤمن؟ لقد قيل الكثير حقاً عن موضوع الدين: الإله؟ الآلهة؟ الخارق للطبيعة؟ عالم ما بعد القبر؟ يُمكن للمرء أن يأخذ منها ما يشاء. ولكن أين هو ذات المُعتقد الديني؟
بالنسبة للفلاسفة، انه الشخص "المؤمن" الذي يظهر في هذا الصدد باعتباره ذات إدراك العالم المُحيط، وهي مسألة أُخرى ما اذا كان ذلك إدراكٌ كافٍ أم لا. وبطبيعة الحال، فالفيلسوف الماركسي، بخلاف نُظرائه البرجوازيين، ينظر الى الانسان ككائنٍ اجتماعي وليس كفردٍ بيولوجي. ومع ذلك، فإن ذلك "الشخص" باحتياجاته وقُدراته وعاداته، هو بالضبط، بالنسبة للفيلسوف، ذات الادراك الديني.
بالنسبة للاثنوغرافي، فإن ذات (حامل) الدين، هو الشعب، أو الاثنية أو مجموعة الاثنيات، أو جزء من الاثنية. وهكذا، يُدرَسُ الدين في الاثنوغرافيا، بكونها كذلك، تُدمَج عُضوياً في موضوع الاثنوغرافيا كمبحث.
بالنسبة الى الاثنوغرافي، الاسبان والايطاليين والايرلنديين والمالطيين هم كاثوليك، والسويديون والدنماركيون والفنلنديون هم من البروتستانت. اليونانيون والصرب والرومانيون أرثذوكس. والايرانيون مُسلمون شيعة، والسعوديون سُنَّة. فالمسألة هُنا، ليست القناعات الشخصية لـ"المؤمنين" بل الحقيقة الموضوعية المُتمثلة في أن ديناً ما يسود بلداً مُعيناً.من بين كاثوليك ايطاليا ولوثريي السويد، قد يكون هناك، ولا يزال أُناس ذوي نظرات مُختلفة، واولئك غير المُكترثين بالدين، وحتى المُلحدين. الاحصائيات الدينية لا تأخذ هذا في عين الاعتبار. فقط في عددٍ قليلٍ من البُلدان يُحصى عدد المُلحدين بشكلٍ مُنفصل. ومن ثم، فإن المنهج الاثنوغرافي في دراسة الدين، على الأقل فيما يخص هذا الموضوع، هو منهج موضوعي صرف.
وبطبيعة الحال، هذا لا يعني التخلي عن دراسة النظرات الدينية للمُفكرين الأفراد (سويدينبورغ، سكوفورودا، ليو تولستوي، سيوتايف، وآخرون). ان نظراتهم مُثيرة للاهتمام حقاً، ولكنها بالنسبة الى الاثنوغرافي انعكاسات فردية لمُجتمعاتٍ مُعينة، وتياراتٍ دينيةٍ جماعية (على الأقل في الماضي).
تعليقٌ أخير: لقد تعمدت عدم التطرق هُنا الى تلك البيانات التي أدلى بها المُشاركون في المُناقشة والتي كانت تهدُفُ بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر الى دعم الأفكار التي أؤيدها. وأشير هُنا الى مُلاحظات مورافيوف (فيما يتعلق بنظرية المعرفة) وشيرداكوف (الدين والأخلاق) وخاصةً مينكافيسيوس (على المُستوى السوسيولوجي) وغروموف (على المُستوى الاثنوغرافي)، وهُنا أُعبّر لهم عن خالص امتناني لردودهم الايجابي.

* سيرجي الكساندروفيتش توكاريف 1899-1985 باحث ماركسي في الاثنوغرافيا والتاريخ والمعتقدات الدينية، ودكتور في العلوم التاريخية.
دخل جامعة موسكو بعد ثورة اكتوبر مباشرةً، ودرّس اللغة الروسية واللاتينية في المدارس المحلية في مقاطعته تولا التي وُلدَ فيها، لمدة 4 سنوات، وعاد ليدرس في جامعة موسكو عام 1922. حصل على منحة دراسية من الدولة واستكمل عمله بالتدريس. بعدما تخرج من الجامعة عام 1925، استكمل دراسته في معهد الدراسات العليا في الجامعة وقدم اطروحته حول (المُجتمع الطوطمي)، ودرس في قسم الاثنوغرافيا في المعهد. قدم تقاريراً عن الطوطمية الاسترالية والديانات الميلانزية وعن العادات الاقتصادية الانجليزية في القرون الثالث عشر وحتى الخامس عشر، وتخرّج رسمياً من الجامعة عام 1930. عمل في المتحف المركزي للاثنولوجيا عام 1927. درّس في جامعة موسكو وقدّم دورةً حول تاريخ البُنى الاجتماعية في جامعة صن يات صن للعمال الشيوعيين في الصين. درس توكاريف تاريخ شعوب ياقوتيا وسيبيريا وقام برحلة ميدانية بحثية الى تركمانستان عام 1928، وقام برحلات متعددة الى التس وياقوتيا عام 1934. عمل توكاريف في قسم (الاقطاعية) في أكاديمية الدولة لتاريخ الثقافة المادية، وانتسب الى المتحف باعتباره عالماً اثنوغرافياً عام 1938. كان باحثاً مُساعداً في المتحف المركزي المُعادي للدين حتى عام 1941. تم تعيين توكاريف عام 1939 استاذاً في قسم الاثنوغرافيا في معهد التاريخ في جامعة موسكو الحكومية وظل كذلك حتى عام 1973. دافع توكاريف عن اطروحة الدكتوراة بعنوان (النظام الاجتماعي للياقوت في القرنين السابع عشر والثامن عشر). وفي عام 1943 عمل كرئيس قسم لمعهد الاثنوغرافيا التايع لأكاديمية العلوم السوفييتية.
كان توكاريف في أعوام 1951-1952 أول عالم اثنوغرافي سوفييتي يقوم بالتدريس في جامعتي برلين ولايبزغ في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
ترأس توكاريف قسم الاثنيات الأوروبية غير السوفييتية عام 1961 في أكاديمية العلوم. وكان منذ عام 1956-1973 مسؤولاً عن قسم الاثنوغرافيا في معهد التاريخ في جامعة موسكو. حصل على ميدالية العمل مرتين وجائزة الصداقة بين الشعوب، وميدالية العمل المدني في الحرب الوطنية العظمى وميدالية الدولة السوفييتية. وله عشرات من الكتب والمقالات العلمية في مجاله.

1- مقالة سيرجي توكاريف المنشورة على الحوار المُتمدن:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=820904
أ- لقد استطعت أن أحصل على جميع مقالات المؤلفين الذين ردّوا على مقالة توكاريف، وأرتأيت أن أُترجَم 3 مقالاتٍ منها، وهي أكثر تلك المقالات التي استرعت انتباه توكاريف في هذه المقالة الحالية.
مقالة سيمينوف:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=821695
مقالة أوغرينوفيتش:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=822173
مقالة كريفيليف:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=823773

ب- اوستاب بيندر، هو شخصية خيالية ظهَرَت في روايتي (الكراسي الاثني عشر 1928) و(العجل الذهبي الصغير1931) للروائيين السوفييتيين ايليا اليف ويفغيني بيتروف. الرواية الأُولى مترجمة الى العربية، أما الثانية فلم أجد لها ترجمة.
يكون اوستاب بيندر شخصيةً مُحتالة وواسع الحيلة، حيث يجد كميةً كبيرةً من الذهب في فترة السياسة الاقتصادية الجديدة، ولا يجد أي مخرجٍ في انفاق الأموال في الاتحاد السوفييتي، فتضيع أمواله وهو يُحاول أن يهرب الى الخارج. أما عن مُجادلاته مع الكهنة الكاثوليكيين، فللأسف، لم أستطع أن أعرف ما مُحتواها، وما اذا كان بيندر من المُلحدين السُذّج أم كان غير ذلك.
2- see Filosofskaia entsiklopediia, vol. 5, Moscow, 1970, p. 112
جـ- هي سلسلة من الاغتيالات التي قام بها الكاثوليكيين ضد الهوغونوت (البروتسنتانت الكالفينيين الفرنسيين) والتي وَقَعَت أحداثها عام 1572. يُعتَقَد أن الملكة كاثرين دي ميديتشي والدة الملك شارل التاسع هي التي حرّضَت عليها. وقَعَت المذبحة بعد أيامٍ قليلة من زواج شقيقة الملك، مارغريت، من ملك نافار هنري الثالث الذي يتبّع المذهب البروتستانتي.. بدأت المذبحة عشية عيد القديس برثولماوس، وسُرعان ما انتشرَت المذبحة في جميع أنحاء باريس، استمرّت لعدة أسابيع، وتتراوح تقديرات عدد القتلى في جميع أنحاء فرنسا من 5000 الى 30 ألف قتيل.
د- ولكن الأمر لا يقتَصِرُ على أن وسائل الدين في مُحاربة الشر، هي وسائلُ وهمية. ان فِهم الدين لما هو "شرير"، هو فِهمٌ غير علمي. فقد يعتَبر الدين ظاهِرَةً من الظواهر الاجتماعية التي تُساعِدُ على تقدّم المُجتمع، على أنها تمظهُرٌ للشر. مثلاً يعتَبر الاسلام انتشار الالحاد ظاهرةٍ من ظواهر الشر، ويَعتَبِرُ أن تخلّص المرأة من تبعية الرجل شرّاً كذلك. الفاتيكان اعتَبَرَ كما رونالد ريغان، أن الاتحاد السوفييتي هو "إمبراطوريةً للشر".
3- إسهام في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، كارل ماركس، ترجمة هيثم منّاع، دار الجمَل، ص3

ترجمة لمقالة:
S. A. Tokarev (1982) More About Religion as a Social Phenomenon: (A Reply to My Critics), Soviet Anthropology and Archeology, 20:4, 41-66








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي


.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط




.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص


.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل




.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري