الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


19 مارس عيد النصر في الجزائر

علي فضيل العربي

2024 / 3 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته في رثاء دمشق :
و للحريّة الحمراء باب بكلّ يد مضرّجة يدقّ
اليوم 19 مارس 2024 م ، ذكرى عيد النصر في الجزائر ، قبل 62 سنة ، أُعلن التاسع عشر مارس تاريخا لوقف إطلاق النار ، بين جيش التحرير الوطني و قوات الاحتلال الفرنسيّة ، بعد 132 سنة من الاحتلال الاستيطاني الغاشم . أجل ، قرن و ثلثه ، و فرنسا الاستعماريّة الصليبية تجثم على صدر الجزائر ، العربيّة ، المسلمة ، زاعمة ، زورا و بهتانا ، أنّ الجزائر قطعة من فرنسا . فعاثت فيها فسادا و دمارا و قتلا و إبادة و نفيا و اعتقالا ، و لم تدع وسيلة من الوسائل الجهنّميّة إلاّ و سلّطتها على الأمّة الجزائرية المسلمة . تماما مثلما يحدث اليوم في غزّة ، و ما يقوم به الكيان الصهيوني ، قامت به فرنسا الاستعماريّة في الجزائر ، بل أكثر من ذلك . لكن الشعب الجزائري لم تنكسر إرادته و لم تهن عزيمته يوما .
يحكى أنّ بعض المثبّطين و الحركى كانوا يسخرون من جنود جيش التحرير الوطني و يقولون لهم : كيف ستُخرجون فرنسا من الجزائر ، و أنتم لا تملكون سوى بنادق الصيد ؟ بينا فرنسا تمتلك جيشا مدرّبا و مدجّجا بالأسلحة في البّر و البحر و الجوّ، و من ورائها الحلف الأطلسي . و كانت جواب جيش التحرير الوطني : هم يملكون السلاح الفتّاك و معهم الحلف الأطلسي ، أمّا نحن فنملك الإيمان و الإرادة و العزيمة و حبّ الشهادة في سبيل الله ، ومعنا الله ، سندحر فرنسا ولو بالعصيّ و الحجارة . و فعلا ، سطّرت ثورة نوفمبر المجيدة أروع الملاحم البطوليّة ، و مرّغت أنف فرنسا في أوحال الذلّ و الهوان و الهزيمة . و أرغمها على التفاوض مع جبهة التحرير الوطني ، ( مفاوضات إيفيان ) و أفضت تلك المفاوضات إلى إتفاقيات إيفيان ، التي حدّدت التاسع عشر مارس 1962 م موعدا لوقف إطلاق النار . فكان عيدا للنصر ، يحتفل به الشعب الجزائري سنة بعد سنة .
إنّ الجرائم الفظيعة ، التي ارتكبتها فرنسا الاستعماريّة ، لا يكفيها البحر المتوسط مدادا لتسجيلها على القراطيس . حتّى قال المجاهدون ، أنّ عدد شهداء الجزائر لا يمكن إحصاؤهم ، ففي كلّ شبر من أرض الجزائر اعتلى شهيد إلى ربّه راضيا مرضيّا . و قد ارتكبت فرنسا الاستعمارية جرائم الإبادة الجماعيّة ، ففي شهر نوفمبر سنة 1844 م قّدر الماريشال بيجو، الوالي العام للجزائر آنذاك ، عدد السكان الجزائريين بخمسة ملايين و " ربّما ستّة " ، و في شهر يناير 1855 م أعطى أمام مجلس النواب رقما آخر ، هو أربعة ملايين . و سبب انخفاض هذا الرقم يعود إلى الإبادة الجماعيّة و حصار التجويع و نزوح السكان ونفيهم فضلا عن انتشار الأوبئة بينهم . فالسكان الذين لا يموتون بالحديد و النار ، يموتون بالجوع و المرض . ما أشبه اليوم بالبارحة . ما يجري في غزّة نسخة ممّا جرى في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي الغاشم . حقّا ، إنّ عقيدة الاحتلال واحدة ، و جرائم المحتلّين واحدة ، لا فرق بين أساليب الاحتلال الفرنسي للجزائر و الاحتلال الصهيوني لفلسطين إلاّ في المنظور الزمكاني .
لقد شهد على تلك المجازر المروّعة شهود من أهلهم ، و رغم ذلك لم ينقلوا الحقائق كاملة ، و مازالت فرنسا ، إلى يومنا هذا تعتقل جماجم المقاومين في متحفها الإنسانيّ المزعوم ، بل الأحرى في مسلخها اللاإنساني البشع ، و تخطف الأرشيف الجزائري ، لطمس جرائمها في الجزائر ، و تسعى لمحو الذاكرة الجزائريّة بشتّى الأساليب الشيطانيّة . و ها هو الجنرال شانغارنيي يصف جنوده قائلا : " لقد وجدوا خير تسلية لهم في الغارات المتكررة التي كنت أشنّها في الشتاء ضد القبائل المناهضة لنا فيما بين الحرّاش و بوركيكة " ( 1 ) . ثم أضاف : " إنّ الكتاب المقدّس قد علّمنا بأنّ يشوع و غيره من القادة الذين بارك الله في عملهم كانوا يقومون بغارات رهيبة " ( 2 ) . أما الكومندان ويستي ، فقد كتب في عام 1841 م متحدّثا عن حملة في جنوب مقاطعة الجزائر : " إن عدد الدواوير ( 3 ) التي أُحرقت ، و المحاصيل الزراعيّة التي أُتلفت ، لا يكاد يُصدّق ، فلم يكن أحدنا يرى على الجانبين من الطابور سوى النيران " ( 4 ) .
و كي لا تنسى الأجيال تاريخ الآباء و الأجداد و ما قدّموه من تضحيات جسام في سبيل الحريّة و الكرامة و الهويّة القوميّة ، وجب التذكير ، و الذكرى تنفع النشء الصاعد ، و التاريخ عبر لمن يعتبر . و لتعلم أجيال الاستقلال و مواليد الجزائر الحرّة ، أنّ الحرّيّة لم تُوهَب ، و إنّما أُخذت بقوّة الحديد و النار ، و سُقيَت بأنهار من الدماء و الدموع و الأرواح الطاهرة .
لقد قدّم الشعب الجزائري ملايين الشهداء من أجل الحريّة ، و منذ أن وطأت أقدام المحتلّين أرض الجزائر الطيّبة ، لم تتوقف المقاومة الشعبيّة الباسلة ، و خاض الأمير عبد القادر بن محي الدين ملاحم بطوليّة قبل منفاه . و كانت ثورات الشيخ بوعمامة والشيخ المقراني و الحدّاد و لالة فاطمة نسومر ثم ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 م خير دليل على تضحيات الشعب الجزائري الأبيّ .
أجل ، تعود ذكرى عيد النصر ، في جوّ رمضانيّ ممزوج بنفحات ربّانيّة ، و إخواننا الفلسطينيين في غزّة يسطّرون بدمائهم و دموعهم و صبرهم و إيمانهم و شجاعتهم ملاحم بطوليّة عجيبة و عظيمة ، أدهشت الأعداء و الأصدقاء .
و ليكن إخواننا في غزّة على يقين ، أن النصر قادم لا محالة ، ما دام إيمانهم به راسخا رسوخ الرواسي الشامخات . فمهما طال ظلام الاحتلال الصهيوني ، فهو إلى زوال كما زال الاحتلال الفرنسي من الجزائر و صدق الشاعر أبو القاسم الشابي ، شاعر تونس الخضراء القائل :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد لليل أن ينجلي و لا بد للقيد أن ينكسر .
هذا عيد انتصار الجزائر اليوم ، و غدا سيكون عيد انتصار فلسطين . إنّ غدا لناظره لقريب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
1 ـ الجزائر : الأمة و المجتمع ـ مصطفى الأشرف . ترجمة من الفرنسيّة : د . حنفي بن عيسى . المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية – رحدة الرغاية 1983 – الجزائر .
2 ـ المصدر نفسه
3 ـ الدواوير : جمع دوار . مجتمع سكاني ريفي باللهجة الشعبيّة ، أصغر من القرية .
4 ـ الجزائر : الأمة و المجتمع ـ مصطفى الأشرف . ترجمة من الفرنسيّة : د . حنفي بن عيسى المؤسسة - الوطنية للفنون المطبعية – رحدة الرغاية – الجزائر 1983 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة