الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيانة شرف المهنة الجامعية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2024 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تناولنا في هذا المنبر أكثر من مرة موضوع الجامعات وحرمتها وعدم جواز المساس بطقوسها وهيبتها العلمية والتربوية , كونها تمثل أهم مرتكزات بناء الأمم وديمومة رقيها وتقدمها , والحفاظ على قيمها وأرثها الحضاري والإنساني . ومن هذا المنطلق ينبغي أن تضم الجامعات صفوة عقول الأمة ومبدعيها وعلمائها ومفكريها , ممن تتجلى فيهم أعلى درجات الرصانة العلمية والأمانة والخلق الرفيع , إذ لا يكفي نيل الشهادات العلمية لتبؤ المناصب الجامعية , ما لم تكن مقرونة بأخلاقيات المهنة الجامعية التي تتسم بالصدق والأمانة والشرف الرفيع والتسامي فوق كل المغريات , والتحلي بالأخلاق السامية والقيم التربوية السليمة الهادفة إلى تنشئة أجيال متشبعة بالمعرفة ,ومتحلية بالأخلاق الحميدة وحب بناء الوطن وتقدمه .
الجامعة كما هو معروف حرم آمن، له طقوسه وأجواؤه الخاصة التي تتجلى فيها قدسية العلم ومهابة العلماء, ويتجسد فيه الانفتاح الفكري دون تعصب أو مغالاة ,حيث تتبادل الأراء وتتلاقح الأفكار, والسعي الدؤوب من خلال البحوث العلمية الرائدة والأصيلة ,لإثراء المعرفة وتنمينها ونشرها على أوسع نطاق, بهدف الإستفادة منها لترقية الحياة البشرية وتهذيبها من كل شائبة .
ولا ندعي هنا أن الجامعة هي مجتمع إفلاطوني للفلاسفة والعلماء بمفهوم المدينة الفاضلة , إنما هي كائن حي ينمو ويزدهر في المجتمعات السليمة , وتتأثر حتما بما تتعرض له مجتمعاتها من آفات وويلات ونكبات إجتماعية وتدهور منظوماتها الأخلاقية والقيمية, ذلك أنها صورة مصغرة من تشكيلات مجتمعاتها , فهي تضم طلية وموظفين وتدريسيين من جميع فئات المجتمع بمختلف إثنياتهم وأديانهم وطوائفهم ومعتقداتهم من مختلف أنحاء البلاد.
ونظرا لسمو مكانة الجامعة وعلوها لذا جعلتها الدول, حرما آمنا بعيدا عن عبث العابثين والفاسدين . يقصد بالحرم لغويا , الملاذ الآمن او المكان المقدس , فالمسجد الحرام في مكة المكرمة مثلا حرم آمن , وكذلك المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة , والحرم القدسي الشريف بمدينة القدس في فلسطين . ونظرا لمكانة العلم وقدسيته في التراث العربي الإسلامي , أعتبرت دور العلم بمثابة دور العبادة حرما آمنا , يمارس فيها العلماء والطلبة طقوسهم العلمية في أروقة الحرم الجامعي , بأمن وآمان دون خوف أو وجل . وأمنت للأساتذة والباحثين الحصانة الجامعية المطلوبة ,كتلك الحصانة التي يتمتع بها القضاة أو أعضاء المجالس البرلمانية, إذ لا يجوز مثلا مساءلتهم في كل ما يتعلق بمهامهم الجامعية, إلا بإذن من مجلس الجامعة بعد حصول الموافقة على رفع هذه الحصانة للأسباب التي يقتنع بها المجلس . وإذا ما توافرت أسباب تقضي بمساءلتهم عندها ينبغي ان يسائلهم كبار الأساتذة المشهود لهم بالكفاية والنزاهة تجسيدا لقول الله سبحانه وتعالى : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " وقوله تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " ,ذلك إن الأستاذ الجامعي إنما يمثل قيمة علمية كبرى ,وهو ذو حس مرهف وأخلاق عالية ,مما يتطلب التعامل الحسن واللائق معه في جميع الأوقات , ذلك أن العلماء أكثر عباد الله خشية , إذ يقول الله تعالى : "إنما يخشى الله من عباده العلماء".
ولكن للأسف تتناقل بعض منصات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة بين الحين والآخر ممارسات لا أخلاقية مشينة يمارسها بعض الأشخاص المحسوبين على مهنة التعليم الجامعي , وبعضهم يتولون مناصب جامعية رفيعة ومواقع قيادية جامعية عليا , ممن يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لطلبتهم ومنتسبيهم , في النزاهة والشرف والأخلاق , ورعايتهم وحمايتهم من أي خلل أو زلل , وغرس كل قيم الشرف والمروؤة والشهامة والأخلاق النبيلة في نفوسهم ,لا أن يكونوا أدوات هدم وتخريب كل القيم الأخلاقية ومعاني الشرف وصيانة الأمانة , مستغلين نفوذهم لتحقيق مآرب دنيئة . كان آخر هذه الممارسات التي يندى لها جبين كل إنسان شريف , ناهيك عن أستاذ جامعي يفترض أن تتجلى بسلوكه كل قيم الشرف , ما قام يه أحد عمداء جامعة البصرة من ممارسات لا أخلاقية مشينة بحق بعض الطالبات في مكتبه , وتصويرهن دون علمهن بهدف إبتزازهن لاحقا إن خرجن عن طوعه , حسب ما تداولته منصات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة .
وعلى الرغم من إننا على يقين أن الغالبية العظمى من التدريسيين بعيدين كل البعد عن هكذا ممارسات معيبة بحق الوسط الجامعي , إلاّ أننا نأمل أن ينتفضوا لحماية سمعة وشرف المهنة الجامعية وتطهير الوسط الجامعي من هكذا ذئاب بشرية آكلة لحوم البشر , لا ذمة ولا ضمير لها , ويترك لعدالة القانون أن تقتص من الجاني ,لا من منطلق الحق الشخصي للأفراد المعنيين فحسب , بل من منطلق حق المجتمع بالحفاظ على أخلاق المجتمع وحماية أفراده وصيانة سمعة مؤسساته الجامعية في المقام الأول .
وينبغي أن تتخذ قيادة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي , الإجراءات الكفيلة الرادعة بحق مرتكبي هكذا أفعال مشينة , لضمان عدم تكرار حصولها , والأهم من كل ذلك يجب فحص منظومة التعليم العالي والبحث العلمي برمتها , لتخليصها من كل هذه الأدران والشوائب , أيا كان مصدرها .فالتعليم الجامعي مهنة علمية وتربوية تتطلب درجة عالية من الإلمام بأساسيات العلوم وتفصيلاتها حسب تخصص صاحب المهنة، كما تتطلب درجة عالية أيضاً من الأخلاق السامية التي بدونها لا يمكن تحقيق أهداف مهنة التعليم الجامعي العلمية والتربوية. لذا لا يكفي لممارسي هذه المهنة معرفتهم التفصيلية في العلوم التي يدرسونها ما لم يصحب ذلك قدر عال من الأخلاق السامية , الأمر الذي يتطلب حسن إختيار القيادات الجامعية بعيدا عن كل أشكال المحسوبية والمنسوبية والولاءات التي لا تمت بصلة لقيم وأخلاقيات العلم والتربية , للإرتقاء بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي لتخريج أجيال مشبعة بالعلوم والمعرفة ومؤطرة بقيم أخلاقية رفيعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة