الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكم الذاتي في الصحراء

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


" طيلة اشتغالي على هذه المادة ، كان البوليس السياسي DGST يطفأ صفحة Word "
هل الحكم الذاتي الذي تقدم به النظام في ابريل 2007 ، سينهي صراع الصحراء الغربية الذي وصل الى سبعة وأربعين سنة ، ولا يزال الصراع مطروحا وبحذة ، وكأننا لا نزال في 1975 ؟
وهل النظام حقا هدف من وراء طرحه للحكم الذاتي ، الى ايجاد مخرج يناسب اطراف النزاع في ظل لا غالب ولا مغلوب ، ام ان النظام استشعر بالخطر الذي تطرحه عليه حرب الصحراء ، فهدف من طرحه لحل الحكم الذاتي ، تجنب نظامه المخاطر التي ستسبب فيها الصحراء ، ان خسر معركتها ، والبداية كانت خاسرة ، لان النظام تعامل مع الصحراء كدرع واقي له من السقوط ، والطامة سيطرة المزاج المخزني في إيجاد أي حل عدا حل الاستفتاء وتقرير المصير الذي نتيجته واضحة للعلن وللعالم ..
ونتساءل . لماذا رفض العالم ، وتجاهل حل الحكم الذاتي ، إذ لم يسبق الإشارة اليه في جميع قرارات الجمعية العامة ، قرارات مجلس الامن ؟ بل حتى البرلمان الأوروبي ،والاتحاد الأوروبي تجاهلوه ، واصبحوا يبررون التجاهل بالقرارات التي اخذت بها محكمة العدل الاوربية ، حينما ابطلت الاتفاقيات التجارية ، واتفاقية ، الفلاحة ، واتفاقية الصيد البحري بخصوص المناطق التي هي محط نزاع .
وهل نجح النظام المغربي المزاجي في استبدال فشل قبول الحكم الذاتي ، بالجهوية الموسعة الاختصاصات ، ونجح في تعويض فشل الجهوية المتعددة الاختصاصات ، بالجهوية المتقدمة ، التي ظلت في الأوراق دون معرفة طريقها الى التنزيل .
بداية نشير اننا لن نناقش المدلول السياسي والقانوني لمغزى الحكم الذاتي ، او الدولة الفدرالية ، فدرالية سياسية ، جغرافية ، او إدارية ... او أي منها اصلح للتطبيق في الحالة المغربية . فدرالية هندية ، نيجيرية ، سويسرية ، المانية ، اسبانية ، او بلجيكية ، او كردية ، او ارمينية .. الخ . ان هذا الشكل من الحكم لا تعنينا في الحالة المغربية ، لأنها لا علاقة لها بالخصوصية المجسدة للحالة الوطنية .. ولكي نكون واضحين ، هذا اذا افترضنا ان جبهة البوليساريو والجزائر ، بلغا من النضج السياسي والذكاء والفطنة درجات متقدمة من الوعي ، مما يجعلهما يقبلان بمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته " البنية السرية " في ابريل 2007 .. فان ما سيقع في الحالة المغربية ، ومن دون مقدمات ستكون نتائجه خطيرة على المستقبل السياسي للصحراء الغربية ، وخطيرة على مستقبل الدولة المغربية المهددة اكثر من أي وقت مضى ، بخطر الصحراء المفضي الى اسقاط النظام ، واسقاط كل الدولة ، او اسقاط الطابع المخزني المثير للمشاكل ، والاحتفاظ بالدولة المسيطرة من قبل " البنية السرية " ، و من ثم ستكون نتائجه عكسية على الوحدة الترابية للمغرب .
ان مخطط ومشروع الحكم الذاتي ، من حيث النفود والاختصاصات وتحديداته الذي سيطرح للتداول ، ليس ذاك الذي سيقترحه المغرب شكلا ومضمونا ، بل ان المخطط والمشروع المتفاوض عليه ، سيكون مع جبهة البوليساريو وعرابها النظام الجزائري ، وسيمر من تحت الاشراف والتوجيه المباشر لمجلس الامن ، حيث يوجد خبراء قانونيون في القانون الدولي العام ، هم من سيتولى تنظيم شكل الحكم الذاتي شكلا ومضمونا . وهذا يعني ان المخطط الذي سيتم تحضيره ، سيكون باتفاق جميع الأطراف ، بعد ستة عشر سنة من الحرب الطاحنة ، واكثر من ثلاثين سنة من الحرب السياسية والدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة ، وفي الاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وتحت انظار دول لها كلمتها في النزاع ، كروسيا ، والصين ، وكندا ..
لذا وبسبب هذا الوضع الداخلي المختل ، والخارجي الداعي الى الاستفتاء ، فان منطقة الحكم الذاتي لا يمكن تصورها خارج دولة فدرالية ، مرتبطة مع شخص الملك بعقد البيعة وليس بالسيادة ، كما هو الحال اليوم لدولة الاكراد في شمال العراق ، الامر الذي سيشكل طعنا من الخلف في مشروعية نضالية الشعب المغربي ، ودفاعه المستميت عن الوحدة الترابية للمغرب ، ومن جهة أخرى ، فان الاخطار التي تخفيها دولة الحكم الذاتي على الوحدة الترابية للمغرب ، ستكون اشد وقعا ، من الاخطار التي سيسببها الاستفتاء اذا لم يشمل جميع المواطنين الصحراويين ، ومن جهة ثالثة ، فان هذا النوع من الحكم للأقاليم الجنوبية ، يتناقض بالمطلق مع دولة امارة المؤمنين التي تعني الدولة القوية الواحدية والشعب الواحد ، وليس الدولة الطائفية المبنية على التمايز بين المواطنين ، بسبب الخصوصية المشوهة والعرقية البغيضة ..
ان من بين المآخذ السلبية والخطيرة التي يمكن تسجيلها على خيار دولة الحكم الذاتي ، التي لن تحيد عن دولة فدرالية ، اذا تم اعداد مخطط الحكم الذاتي بالاتفاق مع جبهة البوليساريو ، وبمباركة الجزائر ، هو قطع النظام المغربي مع شعارات الأربعين سنة التي رددتها أجيال كاملة من المغاربة ، حيث سيتم تعويض شعارات الأقاليم الجنوبية ، بشعارات دولة الحكم الذاتي التي اكتشفتها الزمرة الواقفة ، وراء طرح حل الحكم الذاتي ، وهذا لن يكون الا شيئا خطيرا على الوحدة الترابية للمغرب ، ووحدة الشعب المغربي ، وتخليا عن قسم المسيرة ، وعن إنجازات وحدة الوطن .. ومن ناحية أخرى فان الجماهير المغربية الصحراوية التي تمسكت بمغربية الصحراء ، ودافعت عنها بكل ما أوتيت من وسائل ،ستفقد الثقة في حكام " البنية السرية " الذين جردوها من تاريخها وهويتها المغربية ، لصالح دولة الحكم الذاتي ، حيث ثم اكتشاف هذا الحل متأخرا عن اخر ساعة . ان هذا الادعاء وتلك الخرجة الغير محسوبة النتائج ، هي طعن في وحدة الأرض وفي وحدة الشعب ، التي دافع عنها الشعب المغربي بكل ما اوتي من جهد ووسائل . لذا فان الجماهير المغربية التي تكون قد شعرت بالموقف المتناقض للنظام بسبب المزاجية ، ستفقد الثقة في " البنية السرية " ، وتلوح الى اختيارات لن تخرج عن رفض حل الحكم الذاتي ، مما سيرمي بتلك الجماهير الى مناصرة الحل الذي تطرحه الجبهة ومعها النظام الجزائري ، فتكون حلفا او جبهة في تكوين حلف مع الجزائر ومع الانفصال .. ومع توالي الزمن ، يمكن لهؤلاء ان ينظموا تمردا مسلحا مدعوما من خارج المغرب ، الذي فتحت له قضية أخرى انتحارية ، هي جمهورية الريف الديمقراطية . فالقضية الريفية هي اخطر من القضية الصحراوية ، سيما وانها ستحظى بمساندة الاتحاد الأوربي عندما يصل مشروع الجمهورية الريفية الى نقطة الحسم .
ان نظام وحل الحكم الذاتي ، وبالتزامن مع طرح قضية الجمهورية الريفية ، يمكن ان يسهل على الجماهير المغربية الصحراوية ، خرجات سياسية خطيرة ، خاصة عند اضعاف الدولة المركزية الواحدية لصالح مطالب التفتيت والتشتيت .
ان هذا النوع من العلاقات الذي سيصبح فارضا نفسه ، على تصرف الجماهير المغربية الصحراوية ، هو ما أكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 ، عندما اعتبر القرار ، انّ هناك علاقة مع السلاطين ، وبين القبائل الصحراوية لم تكن علاقة سيادة ، بل كانت علاقة بيعة ، خصوصا وان اصل الدولة المغربية هو اثو قراطي ، وفي الدولة الأوتوقراطية ، حاكمها يمارس في آن السلطة الدينية والسلطة السياسية .. لكن ان تنص المحكمة في قرارها الاستشاري بحل الاستفتاء ، تكون المحكمة قد خرجت عن جادة المعقولية التي تتناقض مع اعتراف المحكمة بحل الاستفتاء . فخطأ قرار المحكمة ، هو انها اختلط عليها اصل الدولة المغربية الاثوقراطية ، حين تصرفت معها انها دولة مدنية وليس بدولة اتوقراطية .
ان التغيير في المواقف ، أصاب وسط المنظمة التي اعترفت بحل الاستفتاء وتقرير المصير ، وهي منظمة الى الامام ، من خلال مواقف ناصرت حل فصل الصحراء عن المغرب ، لصالح حلول مقبولة وواقعية ، خاصة اذا درجت بالتقيد بالمنطق ، والامكانيات المتاحة لحل لا غالب فيه ولا مغلوب ، وهذا الحل لن يكون غير الحكم الذاتي بمواصفات دولية ، وليس بمواصفات علوية .
ان اول شخص قال بالحكم الذاتي لنزاع الصحراء ، كان مؤسس منظمة الى الامام التي طبلت لانفصال عن المغرب . ومما قاله ابراهام السرفاتي في جريدة " الاحداث المغربية " العدد 563 : " ... هناك طريق ثالث لقضية الصحراء ، حكم ذاتي او إقامة دولة صحراوية مرتبطة مع الدولة المغربية ، تحت سيادة الملك محمد السادس ... وفي هذا الصدد اعتبر ابراهام السرفاتي الاندماج الكامل لسكان الصحراء في المغرب ، مسألة غير صحيحة على الاطلاق ... أولئك المناضلين الصحراويين طلبة جامعة الرباط ، الذين سيؤسسون فيما بعد البوليساريو بحثا عن رد الاعتبار ، واعلانا فقدانهم الثقة في النظام وفي القوى الحية ... لكن مع بداية الثمانينات الى حدود 1986 ، كان المسؤولون عن القيادة ( يقصد منظمة الى الامام ) في الخارج فرنسا ، قد ربطوا نوعا من العلاقة مع هذه الجبهة ( البوليساريو ) .... الخ " .. فهل اقبال المسؤولين على خيار الحكم الذاتي ، دليل على تشاورهم مع أعداء الملك الراحل الحسن الثاني ؟ . وماذا لو بقي الحسن الثاني على قيد الحياة . هل كان يجرأ احد من هؤلاء ان يقرر في مصير امة ، ووحدة شعب ، ودولة ، ومن دون الرجوع الى الشعب مصدر جميع السلطات ، طبعا لو كنا نعيش في دولة ديمقراطية .. فمن اعطى جماعة " البنية السرية " حق التصرف مكان الشعب عندما طرحوا حل الحكم الذاتي من تلقاء انفسهم ، ووصاية على الشعب المغيّب الكبير في حرب الصحراء .. نعم حرب الصحراء وليس مجرد نزاع يتم تصريفه كلما لاح في الأفق معطى جديدا ، يخص حرب الصحراء ، لا نزاع الصحراء .. مرة الحكم الذاتي ، ومرة الاستفتاء ، ومرة الضم ، ومرة الاتفاق السياسي الذي خلقه قانون الاطار ل James Becker ... الخ . غرضهم التخلص من القضية التي تهدد مصالحهم حتى يستمروا في نهب ثروة الشعب المغربي ، ويستمروا في الاستفراد بالدولة وبالمغرب ، الذي اضحى ملكيتهم الخاصة المسجلة بالمحافظة على الأملاك العقارية . فلا بد من إعطاء الحساب عن سبب الفشل الذي كان فشلا للنظام المزاجي ، ولنبدأ بطرح السؤال : من اين لك هذا ؟
ان سكان الصحراء الغربية التي كانت تحتلها اسبانيا ضمن التركة الاستعمارية ، هم جزء من سكان المغرب ، ولا يشكلون شعبا او قومية مغايرة ومستقلة ، حتى تمنح لهم دولة تتمتع بالحكم الذاتي . ان هذا يعني تشكيك النظام ، جماعة " البنية السرية " ، بهوية الصحراويين ، وبتاريخهم النضالي المندمج مع تاريخ الشعب المغربي في الداخل ، وفي الشمال المغربي . ان هذا الترابط والتداخل الجدلي في نضالية الشعب المغربي عبر التاريخ ، تدل عليه جميع الدراسات التاريخية التي انجزها أساتذة أجانب ، حول سيرورة تكون وتكوين ، وتشكل الامة المغربية عبر التاريخ ، والتي كانت مرادفة لعملية مزج العروبيين مع إخوانهم البرابرة ، بصورة عفوية وتلقائية ، وبعيدة عن أي قسر او عنف من طرف الجانبين . وهذا يعني ان الصحراء المغربية شكلت جزءا لا يتجزأ من تاريخ الامة المغربية ، كما ان كل محاولات أعداء الشعب المغربي ، لأثبات الوضع الخاص والمتميز للصحراء الغربية ، بسبب العديد من العوامل والاطروحات الخاطئة ، مثل وجود او عدم وجود علاقات تجارية بين الصحراء وبين باقي أجزاء المغرب ، واثر ذلك على صلتها او استقلالها عن الدولة المغربية .. تبقى واهية وقاصرة عن فهم خصائص التاريخ المغربي الفعلية ، وديناميكيته الداخلية : فهل شكلت الصحراء وضعا استثنائيا على صعيد كل المغرب ، حتى تهتدي جماعة " البنية السرية " ، الذين سرقوا الدولة وسرقوا الثروة ، في اخر خرجة غير محسوبة النتائج ، بمنحها حكما ذاتيا لن يخرج في شكله ومضمونها ، عن دولة فدرالية طبقا لقواعد القانون الدولي العام ، لا طبقا لما خططت له زمرة العصبية القبلية الفاسدة والظالمة ؟ .
ثم الم يكن وجود او عدم وجود علاقات تجارية، ووضع الوحدة في زمن الاستقلال السياسي ، يعكس ظاهرة عامة على كل أجزاء المغرب ؟ .
ثم الم يكن هذا التاريخ بين الارتباط ، وبين الانفصال النسبي حقيقة أساسية ، ومجرى واقعي في تاريخ المغرب ، لم يلغيا بتاتا وحدة الامة ، ووحدة الدولة ، ووحدة الوطن ؟
ان جميع الدراسات التي تم إنجازها عن المنطقة ، تثبت بلا ادنى شك او منازع ، ان تاريخ المنطقة الصحراوية ، جزء لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للدولة المغربية ، سواء كان ذلك كنظام قبلي جماعي يحكمه السلطان المغربي ، ولعبت فيه التجارة الدور المركزي ، او كان كنظام رعوي خضع بمجموعه لحركة الاستغلال الاستعماري ، وتقسيماته المختلفة . وعلى هذا الأساس فان علاقة السلطة المركزية ، في ترابطها او انحلالها مع المناطق والقبائل التي كان سائدا فيها ، إما النظام الرعوي او النظام الزراعي ، هي علاقة تشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للشعب المغربي ، وهو تاريخ تبلور كيان الامة المغربية . وهذا يتجلى بالأساس في التاريخ السياسي الذي كان لُبّ ومحور المقاومة العفوية للملايين من أبناء الامة المغربية ، وبالضبط منذ القرن السادس عشر والسابع عشر ، وفي مطلع القرن العشرين ضد التدخل الاسباني البرتغالي ، وضد التدخل الفرنسي .
لقد اندمجت ثورة موح او حمو الزياني ( خنيفرة ) بالأطلس المتوسط ( 1914 ) ، بثورة عبد الكريم الخطابي في الريف ( 1921 / 1926 ) تاريخ نهاية الجمهورية الريفية ، وبثورة المجاهد احمد الهيبة ماء العينين ( 1924 ) في الجنوب ، لتحرير المغرب والصحراء من براثن الاستعمار المسيحي ، ولم يحدث بالصدفة في تاريخ المغرب ، ان تصرفت الجماهير المغربية من اجل تحررها الوطني بأفق وحدوي ، وناضلت من اجل تحرير الامة المغربية برمتها من احتلال الاستعمار الأجنبي الدخيل .
ومنذ استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي ، خاض سكان الصحراء الغربية المغربية ، في اطار جيش التحرير المغربي بالجنوب ، معارك مسلحة طاحنة وعنيفة لطرد المستعمر ، والتمسك بالوحدة في اطار المغرب الكبير، وضمن الوحدة الترابية للمغرب . فلماذا الآن دولة الحكم الذاتي ، او الدولة الفدرالية التي تطعن من الخلف ، هذا الإرث والرصيد النضالي والتاريخي للشعب المغربي ؟
ان اخطر شيء بالنسبة لدعاة الحكم الذاتي ، انهم يحاولون الان تفسير التاريخ المغربي ، اعتمادا على النموذج الأوربي والرأسمالي المتطور ، وربما لقد انبهروا في اخر ساعة من حلمهم بالفدرالية السويسرية او البلجيكية ، او بمناطق الحكم الذاتي في اسبانيا ، او بالفدراليات الألمانية .. الخ ، فقاموا بعملية اسقاط لهذه النماذج الجاهزة ، وذات التاريخ والأصول المختلفة ، على الحالة المغربية التي لا علاقة لها بهذا الشكل من اشكال التدبير والتسيير الديمقراطي ، غرضهم الخبيث وراء ذلك ، وحسب الذهنية المتكلسة السائدة والمزاجية ، التخلص من قضية الصحراء ، طالما انها تهدد مصالحهم المرتبطة بالنظام المهدد في وجوده بقضية الصحراء .
ويمكن ان نستنتج من هذه الذهنية المتكلسة الخاوية والفارغة ، والنظرة السائدة عند هؤلاء ، ان الصحراء اصبت في كفة ، والنظام والدولة في كفة أخرى . لذا فان النظام المزاجي لن يتردد في التضحية بالصحراء ، في سبيل بقاءه على غرار الصحراء الشرقية التي لا تزال الجزائر تحتلها . ويفسر البعض هذا التفكير السطحي ، بكون النظام المزاجي في المغرب درويني النزعة والتفكير ( نسبة الى دروين ) ،أي انه يتطور لكنه لا يتغير .
ان هذه الاطروحة كانت ستعطي اكلها ، لو انها تم تجريبها في النصف الثاني من القرن الماضي . اما فان مجرد التفكير في التهرب من تحمل المسؤولية بهذه الطريقة الرديئة ، سيكون انتحارا عن طيب خاطر للنظام ، وضربة قاضية لوجوده الذي تتربص به اليوم كم جهة على رأسها الجزائر .
ان تفسير التاريخ المغربي ، اعتمادا على النموذج الأوربي والرأسمالي المتطور ، واعتمادا على خيط او اتجاه التطور كما جرى في الغرب ، و في البلدان الرأسمالية المتقدمة ، التي تمت فيها عملية التوحيد السياسي ، وإقامة الدولة القومية الوطنية ، كحصيلة لنمو وتطور الطبقة البرجوازية ، واثناء ثورتها ضد الاقطاع ، وبتحالف واسع للفلاحين ، والعمال ، والتجار الصغار ، وعموم الشعب المستلب والمستضعف ، هو ضرب من الخيال .
ان تاريخ الدولة في هذا الوضع ، قد شهد خطا واحدا متصاعدا في التطور . فبدل تجزئ الوطن الى دويلات صغيرة ، يصبح التقسيم الى عمالات واقاليم ، تقسيما إداريا محضا ، في اطار الدولة القومية والوطنية الواحدة . انه يتلخص بكلمة واحدة على الشكل التالي : نمو الواحدية على حساب التعددية .
الملاحظ ان مجرى التطور عندنا في المغرب ، يختلف عن هذا السياق الذي جرى فيه التطور في الغرب الرأسمالي . ان الدولة الواحدية في المغرب ، كانت تقوم في فترات تاريخية متعددة ، ومن دون ان يكون ذلك مرادفا لوجود طبقة برجوازية سائدة في الإنتاج والدولة . وبالمقابل نجد ان تعددية الدولة ، تقلص وتضعف نفوذ الدولة ، فتظهر مناطق السيبة ، أي احتفاظ مناطق واسعة من الأقاليم باستقلالية تامة عن المركز المزاجي المخزني . ان تعاقب هذين الشكلين ، الصراع بين الواحدية ، وسيادة الدولة الكاملة التي لا تدوم ، بفعل النزاع والتمرد القبلي ضد المخزن ، وبين تقلص نفوذ الدولة لتظهر مناطق السيبة ، هو ما كان يطبع كسمة خاصة التاريخ السياسي المغربي . هكذا وبعد سقوط امبراطورية الموحدين وتفتيت ثقلها الى امارات متشرذمة ومستقلة عن بعضها ، بنو حفص في تونس ، بنوزيان في الجزائر ، وبنو مرين في المغرب ، نجد ان الصحراء الغربية المغربية ، لم تكن جمهورية مستقلة ، او كانت دولة تحكم بالحكم الذاتي . كما انها لم تكن امارة مثل الامارات الأخرى ، التي تكونت على انقاض الموحدين . بل كانت تتبع امارة المرينيين ، ومن بعدهم العلويين ، أي ان الصحراء كانت مغربية خالصة . هكذا كلما أصاب الضعف النظام المزاجي المخزني ، بسبب من الأسباب مثل وجود ملك ضعيف ، او تفاقمت تناقضاته الداخلية التي تتمثل في الصراع السياسي على العرش ، بين افراد الاسرة الحاكمة الواحدة ، وخاصة بعد وفاة الملك ، او ان النظام المزاجي حرم من احدى إمكانيات التطور الاجتماعي والسياسي .. الخ ، كلما انتشرت النزاعات القبلية ، وانتشر العصيان والتمرد القبلي ، وتشكلت بلاد السيبة ، وغاب القانون بالمرة ، وتتحول القبائل الى تناقض أساسي مع النظام المزاجي المخزني الضعيف ، الذي يتحول الى حاكم بالرشاوى ، والامتيازات الخيالية التي تغدق وبدون رقيب على ضباط الجيش والسلطة للحفاظ ، على بقاءه واستمراره . هكذا ومنذ أواخر عهد المرينيين ، وفي عهد بني وطاس ، كان قسم هام من البلاد ، قد رفض دفع الضريبة ، فاصبح يمارس استقلالا فعليا عن سلطة المخزن ، فتوسعت بلاد السيبة لتشمل مناطق الصحراء الغربية ، وموريتانية ، الاطلس المتوسط ، بني وراين ، بني يزناسن ، مناطق ملوية ، الريف .. الخ ..
ان ما يجب الإشارة اليه ، ويجهله كل من حشر انفه في ملف الصحراء ،ان عصيان القبائل البربرية ضد المخزن الضعيف ، لم تكن لتؤسس لدولة مستقلة ، او دولة فدرالية ، بل كانت تجري ضمن الدولة الواحدية ، أي ضمن الوحدة الترابية للمغرب . ان انتفاضة القبائل البربرية المغربية ، كانت ضد المخزن الضعيف ، ولم تكن ضد الوحدة الترابية للمغرب ، وهذا برهان ساطع على ان تاريخ المنطقة الصحراوية ، كان ولا يزال جزءً لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للمغرب ، سواء كان ذلك كنظام فلاحي ، او كنظام قروي ، او كنظام تجاري ، او نظام رعوي ، او كنظام قبلي جد مغلق .
ان للصحراء خصوصيات استراتيجية وسياسية بالنسبة للمغرب ، وتتحدد تلك الخصوصيات تبعا للوضعية الجغرافية للمغرب ، التي تساعد على القول بوجود تمايز جهوي بين المدن وبين الأرياف . والصحراء التي كانت عبر التاريخ تقدم الحصن الدفاعي للمغرب ، ضد الغزو الامبريالي الاستعماري ، هي جزء ارتبط مصيره بمصير المغرب ، وأصبحت بنيته البشرية والاقتصادية ، تقاس ببنية المغرب كلها وليس العكس . لقد ظلت الصحراء عمقا استراتيجيا للمغرب ، وظلت تحن قبائلها الحرة ، بحنين العودة الى عهد الموحدين والمرابطين ، واستمر شعورهم في الولاء للمغرب ، واصبح ارتباط الصحراء بالمغرب من البديهيات المسلمة ، التي تثبت مغربية الصحراء ، وتدحض جميع دعوات الانفصال والتجزئة ، التي يلهث وراءها اليوم أعداء المغرب ، وعلى رأسهم ( خبراء ) الحكم الذاتي ، كمقدمة لفصل الصحراء عن المغرب ، ويتوقع ان ينهض مشروع الجمهورية الريفية الانفصالية ، اذا توافرت بعض المعطيات ، وستتوفر ، ليزيد الطين بلة .
ان الاخطار التي تحملها دولة تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب المغربي ، اكثر بكثير من الاخطار التي يحملها الاستفتاء اذا لم يشارك فيه جميع المواطنين الصحراويين .
ان دولة الحكم الذاتي ، ستكون مستقلة عن المركز في اتخاد القرارات الاستراتيجية ، لأنها ستكون لها حكومة ، وبرلمان ، وسلطة قضائية ، تصدر قراراتها باسم دولة الحكم الذاتي ، وليس باسم الدولة المغربية . كما سيكون لهذه الدولة شرطة محلية مسلحة ، ومليشيات بلدية مسلحة وسجونا ، كما ستقوم دولة الحكم الذاتي بتعيين كبار الموظفين السامين ، من وزراء ، وعمال ، وولاة ، وقضاة ، واطر امنية ... الخ .
إضافة الى هذا ، ستقوم دولة الحكم الذاتي ، بممارسة السلطات الفعلية على جميع إدارات الحكم الذاتي ، من اعداد الميزانية ، وفرض وتحصيل الضرائب ، تنفيذ القوانين ، الامن الداخلي ، أجهزة الاستعلامات العامة ، الرعاية الاجتماعية ، الثقافة ، التعليم وبرامجه ، التجارة ، النقل ، الفلاحة ، المعادن ، مصائد الأسماك ، المياه البحرية ، السياسات الصناعية ، البيئة ، الإسكان ، التنمية الحضرية ، المياه والكهربة ، الطرق ، البنيات الأساسية ... الخ .
إضافة الى هذه السلطات التدبيرية في المجال المحلي الداخلي ، سيكون لدولة الحكم الذاتي كامل الصلاحية والاستقلال ، في تلقي الهبات والمساعدات المالية والقروض الدولية ، وفي تأجير استغلال ثروات البحر ، والثروات المعدنية ، فوق او في باطن الأرض ، كالغاز وجميع المحروقات ، وابرام الاتفاقيات الدولية حتى لو كانت احدى تلك الدول معادية للمغرب كالجزائر .
اذن . ماذا تبق من سيادة للمغرب في ظل هذا الوضع الخطير والمرتبك ؟ . وهل العَلَم والتّنْبر كافيان لتثبيت السيادة المغربية على الصحراء ، التي ستكون غائبة تماما في دولة الحكم الذاتي ؟ . لماذا لا يصارح خبراء " البنية السرية " الواقفون وراء هذا المخطط الخطير ، الشعب المغربي ، ويقولوا له ، ان الامر يتعلق بدولة فدرالية جديدة في الجنوب المغربي ، والتي ستكون المحطة ما قبل الأخيرة ، في طريق الانفصال التام والنهائي عن المغرب ؟ .
لماذا يريدون من خلال مخططهم هذا ، وضع الشعب امام الامر الواقع ، بدعوى ان الأمم المتحدة ، زكت هذا الحل الذي يطعن من الخلف ، تاريخ نضالية الشعب المغربي الذي يدفع وحده تكاليف الحرب في الصحراء ؟ .
ويبقى السؤال المطروح : لماذا لا تطبق الجزائر نظام الحكم الذاتي ، الدولة الفدرالية في قضية الصحراء الشرقية المغربية ، التي تحتلها بعد ان تخلى عنها النظام المزاجي ، رغم حرب الرمال في سنة 1963 ، وبسبب الارتجال والمزاجية ، وفقدان الدقة والضبط والتحكم في مجريات الصراع ، وفي تقدير الحسابات الجيوسياسية والجيواستراتيجية ، التي تدور حول حرب الوجود قبل حرب الحدود ؟.
لماذا لم يدع الواقفون وراء هذا المخطط الخطير ، الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، الى استفتاء الشعب المغربي ، ليقول كلمته الفصل في الموضوع ، فتكون المسؤولية الناجمة عن هذه الاستشارة ، مسؤولية الشعب المهمش والمغيب ، في حين ان هؤلاء فرضوا على الملك مهزلة التوقيع على ظهير الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية ، التي تجاوزت حل الحكم الذاتي الذي ولد ميتا ومات ، لأنه لم يكتمل التسعة اشهر الواجبة للولادة ؟ . هل من المعقول والجائز شرعا ، ان يقوم الواقفون وراء مخطط الحكم الذاتي ، باختزال الشعب في أحزاب تعيش من فتاة الدولة ، وأصبحت مجرد معاول بيد وزارة الداخلية تفعل فيها ما تشاء ، ولا تحسن غير التصفيق والتزمير والمدح ، ولم تعد تمثل حتى نفسها ، فأحرى ان تمثل الشعب ؟ . بل نقول وبالفم المليان ، موت الأحزاب التي تحولت الى الحزبية ، منذ مجيء محمد السادس الى الحكم ، الذي سلمه الى الأصدقاء ، والى أصدقاء المدرسة العلوية ، ليصبح ياسين المنصوري متابعا من طرق القضاء البلجيكي بتهمة نشر الفساد ، الى قلب البرلمان الأوربي ، والمعروفة بعنوان Morocco Gate ، دون نسيان فضيحة Morocco Pegasus التي تسببت في قطع الاتصالات بين محمد السادس وبين Emanuel Macron ، وتضرر الشعب المغربي من هذه الأخطاء التي لا يقوم بها ، غير صبيان السياسية المتطفلين على الشأن العام المغربي ؟
ان تنظيم الاستفتاء لمعرفة رأي وموقف الامة المغربية ، التي سترفض مخططات المساومة على الوحدة الترابية للمغرب ، ومخططات المساومة على وحدة الشعب المغربي ، وسترفض حتما مخططات المراهنة على مستقبل المغرب ، سيبين لواشنطن ولجميع العواصم الغربية ، ان قضية الصحراء المغربية ، هي قضية الشعب المغربي ، وليست قضية نظام استعملها لحجب اسقاطه ، الذي كان مهددا طيلة سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي . وطبعا ستكون نفس نظرة مجلس الامن ، الى جوهر القضية التي يحاول حلها على حساب التاريخ والجغرافية .
ان قضية الوحدة الترابية للمغرب ، هي قضية شعب ، وليست قضية نظام يعالجها مزاجيا لانقاد نفسه من السقوط ، بالتخلص من أي مشكلة تهدده . وفي هذا الحال سيكون كل الواقفين ضد الوحدة الترابية للمغرب ، مضطرين بسبب القناعة والحجج ، لتغيير مواقفهم واصلاحها ، لفائدة الحقيقة ، ومن اجل صون التاريخ والجغرافية ، خاصة وقد اتضح امر الجزائر حين طالب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ، من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء James Beker ، بتقسيم الصحراء مع الجزائر ، ما دام قد تم تقسيمها مع موريتانية . فاتضح حقيقة دفاعها عن المبادئ العامة للقانون الدولي ، والاستفتاء وتقرير المصير ، هي مجرد شعارات تتاجر بها لأغراض جيوبوليتكية ، لا علاقة لها بمبادئ الأمم المتحدة . ان الصراع في هذه القضية التي قدم فيها ( خبراء ) " البنية السرية " ، مخطط الحكم الذاتي ، تنازلا للجزائر ولجبهة البوليساريو ، هو صراع بين الشعب المغربي من جهة ، وبين حكام الجزائر من جهة ، ومن جهة أخرى صراع ضد الجماعة التي اختطفت المغرب ، ووضعت الملك الضعيف في جيبها ، لتعيش فيه خرابا وفسادا ، والذي كان سببا في التقرير الذي خرجت به الإدارة الامريكية ، عن أحوال النظام المزاجي المخزني ، في ميدان الديمقراطية ، ومجال حقوق الانسان . والخطورة عندما تدخلت الإدارة الامريكية ، ووصفت جبهة البوليساريو بحركة تحرير وكفاح مسلح .. فصراع الصحراء في حقيقته هو صراع وجود وصراع هوية وتاريخ .
الخلاصة : ونتساءل دائما ، هل فعلا هناك خلاصة لما يعتمل في الصحراء منذ سنة 1975 ، وفي تغييب الشعب الذي وحده يتحمل ضريبة الدفاع عن الصحراء ، التي لا يتقن منها غير " المغرب في صحراءه ، والصحراء في مغربها " . فالذين سقطوا شهداء في الصحراء ، والذين يدفعوا الضرائب المختلفة ، ويكونون الجيش المغربي ، هم أبناء الشعب المغربي وحده ، لا غيره . بل ان أبناء الشعب المغربي ، هم من قضى في الاسر عند المخابرات الجزائرية ، اكثر من 26 سنة ، ومن دون ان تعترف لهم الدولة المزاجية ، بحقوقهم التي ترتبت عن السجن لمدد وصلت سنوات . بل ان الدولة المزاجية وبعد ان تركتهم يواجهون لوحدهم المصير المجهول ، لم تتردد في تسليط هراوتها على ظهورهم واطرافهم المرتشية ، وتسدد الصفعات لوجوههم الذابلة ، دون ان ننسى الضرائب المختلفة التي تقتطع من عرق جبينهم لتمويل عملية الدفاع عن مغربية الصحراء .
ان اهم شيء يجب التذكير به في هذا الصدد ، هو التذكير بالمواقف الوطنية لجميع الفاعلين السياسيين ، الذين تركوا اثرا في النزاع المفترض من قبل الجزائر ، ومن قبل واشنطن ، والاتحاد الأوربي ، والبرلمان الأوربي ، والقضاء الأوربي كذلك .
1 ) في سنة 1958 ، توجه الملك محمد الخامس الى قرية " محاميد الغزلان " بالصحراء المغربية ، مذكرا الاستعمار الاسباني ، والاستعمار الغربي ، وعلى رأسه فرنسا ، بالوحدة الترابية للمغرب ، وبوحدة الشعب المغربي ، رافعا شعار مغربية الصحراء ، ومطالبا بالعودة السريعة للصحراء الى عشها ، وموضعها الأصيل الذي هو المغرب ، ولم يتكلم كملك على المغرب ، لا على دولة الحكم الذاتي ، ولا عن الدولة الفدرالية ، او راهن على الاستفتاء وعلى حق تقرير المصير ، كما لم يستعمل تعابير الصحراء الغربية ، او الصحراء الاسبانية ، بل استعمل وبالوضح تعبير الصحراء المغربية .. رغم ان مصطلح الصحراء الغربية هو افراز ومصطلح اممي ، لا يعني ان استعماله هو تنكر لمغربية الصحراء ، كما لا يعني مغربيتها . والنظام المغربي حين يكاتب الأمم المتحدة ، فهو يستعمل المصطلح " الصحراء الغربية " ..
2 ) سبق لاحد الصحافيين الفرنسيين ، ان طرح سؤالا على الراحل الحسن الثاني قائلا له : لماذا لم تمنحوا الصحراء حكما ذاتيا لوضع حد للنزاع الدائر بالمنطقة ؟
فكان جوابه كحكيم متضلع في فن الدبلوماسية ، وكفيلسوف متضلع في السياسة الخارجية : كيف ؟ . هل يريدون مني ان أكون ملكا على جمهورية صحراوية ؟ ابدا . وزاد قائلا " ان اسبانيا تسير الى إقرار الاستقلال الداخلي . فأنا كمسؤول عن وحدة البلاد من جهة ، وصيانتها من اخطار المستقبل من جهة أخرى ، أصرح لشعبي ، واترك هذه وصية لكل مغربي ، أنه لا يمكن تنصيب دولة مزيفة لا حقيقة لها في جنوب بلادنا ، لأنه سيكون خطرا مستمرا على سلامة بلادنا وحرمتها ، وعلى ابناءنا ومستقبل ابناءنا " . وفي تحد واضح للمؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب ووحدة الشعب ، قال رحمه الله : " .. المغرب مستعد ليبقى واقفا وصامدا الشهور والسنين ، ولكن لن يتنازل عن مطالبه . لا بد ان نبقى متحدين كرجل واحد فيما يخص مطالبنا الترابية ووحدة الشعب ، حيث اكد " .. المغرب مستعد ليبقى واقفا وصامدا الشهور والسنين ، ولكن لن يتنازل عن مطالبه . لا بد ان نبقى متحدين كرجل واحد فيما يخص مطالبنا الترابية ، لأنها هي أساس مستقبلنا ، وان احسن شيء ، واحسن ارث سنتركه لأولادنا واحفادنا ، هو ان نترك لهم مغربا يتوفر على متنفس ، وليس مغربا مضغوطا عليه ، وليس مغربا مخنوقا ، لا بل مغربا له متنفس ، ويمكن لرئتيه ان تتنفسا بكل حرية طولا وعرضا " .
3 ) في احد الاستجوابات التي اجراها عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله مع المجلة الفرنسية ( الملاحظ الجديد ) عدد 13 شتنبر 1974 ، قال : " ... في سنة 1960 قال لي وزير الخارجية الاسباني .. تنازلوا نهائيا عن مدينة سبتة ومليلية وعن الجزر ، ولن يكون هناك مشكل حول الصحراء بيننا " . وفي هذا المضمار يجب التذكير بان عبد الرحيم بوعبيد دخل السجن ، عندما عارض اقتراح الملك الحسن الثاني ، بتبني حل الاستفتاء وتقرير المصير في الصحراء نيروبي / كينيا المؤتمر الثاني سنة 1982 لمنظمة الوحدة الافريقية ، متمسكا بالوحدة الترابية للمغرب ، وقائلا قولته الشهيرة من قلب المحكمة " ربي السجن احب الي مما يدعونني اليه من صمت على وحدة البلاد ومصيرها " .
4 ) ان مشروع ومخطط الحكم الذاتي ، يعد ضربة قاضية للنظام السياسي المزاجي ، الذي يرتكز اصل مشروعية نظامه على البيعة ، وعلى امارة امير المؤمنين ، ذلك انه حين سيحل عيد العرش من كل سنة ، والذي يترافق مع تقديم العمالات والاقاليم البيعة للملك ، فان شعب دولة الحل الذاتي ، وعلى رأسهم منظمة جبهة البوليساريو ، ودعاة الانفصال في الداخل ، سوف لن يقدموا الى العاصمة الرباط لتقديم او لتجديد البيعة للملك ، وقد تتضامن معهم الجماهير المغربية الصحراوية ، التي تخلى عنها النظام عندما تنكر لمغربيتها لصالح دولة الحكم الذاتي ، التي لن تكون غير دولة فدرالية .
ان هذا الوضع المرتقب اذا حصل ، وسيحصل لا محالة ، سيشكل المرحلة ما قبل الأخيرة للانفصال التام ، كما سيشرع الباب على مصراعيه لتيارات الانفصال بالريف ، وبالجنوب المغربي . وبلغة السياسة ، فهذا يعني الانتحار الحتمي للنظام المزاجي ، بخلق البؤرة الثورية التي تم التنظير لها بالصحراء .
ان هذا التحليل الذي استعملناه في ابريل 2007 ، مباشرة بعد الخطاب الملكي عن الحكم الذاتي ، هو ما يعتمل اليوم في الصحراء ، حيث توسعت قاعدة الانفصاليين المطالبين بالاستفتاء وتقرير المصير ، كما توسعت قاعدة المواطنين الذين يرفضون الجنسية المغربية ، ويرفعون شعار الاستقلال عن المغرب .
وعندما سيرفض هؤلاء تجديد البيعة للملك ، يكون قد تكوّن جزء مهم من المغاربة الذين يرفضون امارة امير المؤمنين ، وينشدون بديلها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية . وعندما يتوحد شعب دولة الحكم الذاتي ، ضد الطقوس المخزنية ، وعلى رأسها نزع عقد البيعة من عنقهم ، مع نوع الحجم والقوة التي سيبلغها حراك الريف المتواصل ، يكون مصير الدولة العلوية ، بين حلين لا ثالث لهما . فإما التحلل من البيعة التي تربط الرعايا بالأمير ، وهذا سيكون خطيرا على النظام ، لان سحب او عدم تقديم البيعة سيكون بداية تحلل احد قواعد أسس الحكم في المغرب ..
واما سنكون في وضع ، او نكون قد دخلنا منطقة الخط الأحمر ، التي تعني شرعنة الانفصال في الصحراء والريف ، ويكون النظام بأخطائه المزاجية قد شرعن نهايته ، نحو دولة جديدة تحكم بدون مخزن ، او وضع يؤشر بنهاية كل الدولة وليس فقط النظام .. بعد العجز في بناء نظيم جديد .
5 ) ان دولة الحكم الذاتي ، ومن دون الرجوع الى استفتاء الشعب في الامر ، يعد ضربة قوية لشعارات مغربية الصحراء ، أي إرث الدخول الى الصحراء ، ومنه قسم المسيرة الذي تم نسيانه ، وضربة لأربعين سنة من شعارات الأقاليم الجنوبية التي ستحتفظ معها فقط بالتّنْبر والعَلم .. فهل الاحتفاظ بهدين الرمزين دليل على ممارسة الرباط للسيادة بالصحراء ؟
ان الصعاليك الواقفة وراء خرجة الحكم الذاتي ، يجهلون التاريخ ، ويجهلون ان تلاحم ثورة احمد الهيبة ماء العينين ، بثورة عبد الكريم الخطابي في الريف ، وثورة موح او حمو الزياني بالأطلس المتوسط ، كان بهدف دحر العدو الاستعماري ، والعمل من اجل الوحدة الترابية للمغرب ، وللشعب المغربي .
كذلك ان تحرك جيش التحرير المغربي بالجنوب ، في خمسينات القرن الماضي ، كانت بهدف تحرير الصحراء ، واعادتها الى الوحدة الترابية للمغرب ، ولم يسبق لهذه الثورات في التاريخ السياسي المغربي ، ان رفعت شعارات تقرير المصير والاستفتاء ،او الحكم الذاتي ، او الدولة الفدرالية . فالدعوات والمجهودات كانت كلها تصب في التحرير ، وفي الدولة الواحدية القوية . فباسم من يتصرف هؤلاء الواقفون وراء مشروع ومخطط الحكم الذاتي الذي مات منذ ثانية النطق به ؟ . ومن غرر بالملك محمد السادس وورطه واقنعه بالمخطط الغريب تماما ، عن الارهاصات الأولية لتطور وتشكل الدولة في المغرب ؟ . وهل اصبح المخطط وأصبحت الخيانة وطنية ؟
ان النتائج الخطيرة التي ستترتب عن هذا المشروع الانتحاري امام الملك المُغرّر به ، وامام الشعب الذي يجهلون وجوده ، ولا يحتاجون اليه فقط الاّ عند النيابة عنهم للموت في الصحراء ، ودخول سجون النظام الجزائري في صورة سجون البوليساريو ، ولغرف الاموال الطائلة من الضرائب المختلفة التي تثقل كاهله .
وماذا بعد اعتراف الملك بالبرلمان بفشل حل الحكم الذاتي ، وفشل جميع المقاربات التي انتهجت في الصحراء ؟ .. لا ينبغي الافراط في التفاؤل . ان الوضع صعب والأمور لم تحسم بعد ..
لا احد يشك في مغربية الصحراء . واذا كان الحال هكذا لماذا انقلب كل شيء رأسا على عقب ..
ان مشكلة الصحراء ان الله وهبها محام خاوي الوفاض ، بارع فقط في التنكيل بالمعارضة الديمقراطية ، في حين ان هذه المعارضة لم يسبق يوما ان تآمرت على وحدة الدولة ولا وحدة الشعب . لذا فالمسؤولية عن ازمة الصحراء ، هي مسؤولية نظام مزاجي في اتخاد القرارات ، حتى الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية . فكان يطبع أسلوبه في المعالجة لقضية تحدد مصير ومستقبل النظام الملكي ، التردد ، وانعدام السرعة للتحرك ، والحسم الذي كان سيطوي ملف قضية الصحراء بأخف الخسارات ..
ان من الأخطاء التي سقط فيها النظام في معالجة قضية نزاع الصحراء ، عدم الثقة في النفس . لذا كان قرار محكمة العدل الدولية ، قابلا للتفسير والفهم المصلحي لأطراف النزاع ، وكان على النظام الا يطرق أبواب المحكمة ، خاصة عندما يكون قرار المحكمة محابات اطراف النزاع معا . أي ان القرار الذي خرجت به المحكمة ، كان في صالح مغربية الصحراء ، وكان في نفس الوقت في غير صالح مغربية الصحراء ..
قرار المحكمة عندما أشار الى علاقات بين النظام المغربي وبين القبائل الصحراوية ، خاصة في المجالات القانونية والعقود ، يكون بذلك يعترف بمغربية الصحراء ، لكن حين نص على الاستفتاء وتقرير المصير الذي يتناقض مع شكل الدولة المغربية كدولة ثيوقراطية ، يكون قرار المحكمة يخدم مصالح كل اطراف النزاع . لكن الشيء الخطير في القرار ، انه تعامل مع الدولة المغربية كأنها دولة مدنية ، في حين كان يجهل هوية الدولة الدينية ، لأنها تتكلم باسم الامارة الكبرى ، وباسم الامامة والراعي الكبير ، مما يجعل قرار المحكمة لا يفي بالمطلوب للدولة الدينية التي يمارس فيها الحاكم السلطتين الدينية والدونية .. فبالرجوع الى نص القرار
يكون الرأي الاستشاري للمحكمة يعترف بمغربية الصحراء ، أي الدولة الدينية . لكن بالرجوع الى الفقرة التي تقول بتقرير المصير ، يكون قرار المحكمة قد اعتبر شكل الدولة في المغرب ، دولة مدنية وليست دولة دينية . وبسبب هذا التناقض في قرار المحكمة ، ضاعت حقوق اطراف النزاع المتقابلة ، واصبح كل طرف يشرح القرار حسب مصلحته .. اذن . اذا كانت هذه هي النتيجة ، ما كان للنظام المزاجي طرق أبوابها أصلا .
ان من مخلفات نتائج صراع الصحراء ، وهي اول مرة تحصل في التاريخ ، اقتسامها مع النظام الموريتاني ، قسمة الوزيعة .. فقسمت الصحراء قسمة الصعاليك في الصحراء ، زادت في اقناع المجتمع الدولي بعدم مغربيتها ، سيما وان النظام الموريتاني قدم نقدا ذاتيا ، يعتبر فيه التواجد الموريتاني بالصحراء ، بمثابة احتلال يتنافى مع المشروعية الدولية . وعندما خرجت موريتانية من الصحراء وتنازلت على وادي الذهب ، ظلت تحتفظ ب " الگويرة " ، التي لم تنتقل مع وادي الذهب الى المغرب . بل ستذهب موريتانية ابعد عندما اعترفت بالدولة الصحراوية .. ان التحرك الموريتاني الحق الأذى الكبير بقضية الصحراء ، التي بقيت ولا تزال تجوب المؤسسات الدولية ، لان تدويل القضية من طرف الملك الراحل ورفض تعريبها ، كان طعما للقوى التي تسيطر على مجلس الامن ، في التعامل مع الصحراء كقضية حقوقية يحكمها القانون الدولي ، في حين ان هذا الحق كان ولا يزال حقا يراد به باطل ..
لقد فشل طرح الحكم الذاتي ، لان الاطراف المعنية به رفضته ، ولا يمكن تنزيله من جانب واحد ، لانه اذا حصل الانزال سيكون بمثابة رصاصة الرحمة التي سيطلقها النظام المزاجي على راسه ..
بل سيزيد موقف النظام ارتباكا ، عندما اعترف الملك امام العالم بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار . واصدر ظهيرا وقعه بخط يده يقر فيه بهذا الاعتراف الذي نشره في الجريدة الرسمية للدولة عدد 6539 / يناير 2017 . واصبح الوضع بعد هذا الاعتراف اكثر تعقيدا ، لأنه ابطل من جهة خرجة الحكم الذاتي الذي تقدم به النظام في ابريل 2007 ، ومن جهة الغى حل الاستفتاء وتقرير المصير ، المراد منه انشاء دولة صحراوية ، لان الدولة موجودة رغم انها تتناقض مع المشروعية الدولية ، لانها لم تأت نتيجة استفتاء ، بل فرضتها الجزائر فرضا لوضع العصا في عجلة النظام المغربي .. ورغم خرجات حل الحكم الذاتي ، واعتراف النظام المزاجي بالدولة الصحراوية ، فالمجتمع الدولي الذي رفض وتجاهل خرجة الحكم الذاتي ، تجاهل كذلك خرجة اعتراف الملك بالدولة الصحراوية ، وكأنها لم تكن على الاطلاق ..
لكن المجتمع الدولي يتشبث بالمشروعية الدولية ، التي تعني الاستفتاء وتقرير المصير ، ولا تعني حل الحكم الذاتي ، كما لا تعني الدولة الصحراوية ، طالما ان أي حل لا يمكن تنزيله او فرضه دون المرور من مجلس الامن . لذا فمستقبل الصحراء ، سيكون بيد نتيجة الاستفتاء اذا طبق .. ومشكلة الصحراء ، هي مشكلة نظام مزاجي ، يستعمل المزاج في حل القضايا الجيوبوليتيكة ، والقضايا الجيواستراتيجية ، معتقدا انه يتصرف داخل المغرب مع رعايا ، ولا يتصرف مع مؤسسات دولية كمجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعالج النزاع ضمن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، واتحادات مؤثرة كالاتحاد الأوربي ، ودول لها الكلمة في السياسة الدولية كالصين وكندا وروسيا .. الخ .
فهل نجحت الجماعية البوليسية ، التي تخندقت ضمن " البنية السرية " التي سرقت كل المغرب ، في ابعاد الدولة الصحراوية من الاتحاد الافريقي .. ام انه رغم الرشاوى التي تم دفعها في صورة استثمارات بالملايير من العملة الصعبة ، ظلت تلك الدول على علاقاتها مع الدولة الصحراوية ، التي زادت ارتباطا بها .. مثل جنوب السودان ، وأرتيريا .. ؟
الصحراء مغربية كانت ، وهي اليوم مغربية في انتظار الحسم في قضية " الگويرة " ، وقضية ثلث الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام ، المسمات بالمناطق العازلة .. فاذا كانت دول عربية تعترف بالجمهورية الصحراوية ، ودول أخرى تتعامل معها بطرق خاصة ، وكانت لها مكاتب دبلوماسية بالأمم المتحدة ، وبواشنطن ، وبعواصم ومدن الاتحاد الأوربي .. ، وكانت مواقف مجلس الامن ، والجمعية العامة ، تتشبث بالمشروعية الدولية .. أي العالم .. بل اعتراف النظام المزاجي بالدولة الصحراوية في يناير 2017 .. فماذا تنتظر في اخر المطاف ، غير حل تيمور الشرقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل