الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسخة مصدقة 2010:العمل الفني والفعل الانساني والاصالة والزمن واشياء أخرى

بلال سمير الصدّر

2024 / 3 / 22
الادب والفن


الفيلم من اخراج وتأليف وسيناريو المخرج الايراني الراحل (عباس كياروستامي)،وهو من بطولة الفرنسية جولييت بينوش والتي حصلت عنه على جائزة افضل ممثلة في مهرجان كان 2010 مع الممثل ويليم شميل
جيمس ميلر كاتب في حفل لتوقيع كتابة الأخير_نسخة مصدقة:
ربما يعلم بعضكم اني استوحيت فكرة الكتاب بينما كنت في فلورنسا،اعتقد بأنكم تعلمون ان الكتابة عن الفن صعبة جدا ولايوجد نقطة ثابتة للرجوع اليها ولايوجد اي حقائق ثابتة للرجوع اليها،وقراري لاكتشافي الجانبين النفسي والفلسفي لهذا الموضوع جعل مهتمي أصعب مما كنت أتوقع.
تدخل جولييت بينوش-التي لن يقول لنا كياروستامي عن اسمها ابدا-مع صبي في عمر 11 عاما لتحضر الندوة...ويتابع جيمس:
هدفي هو ان اثبت القيمة الحقيقية للنسخة المقلدة لأنها ترشدنا للنسخة الاصلية....
مسألة الاصالة متأصلة منذ القدم حتى قبل عصور الرومان عندما كانوا يبيعون النسخ من الفنون المصرية.....
هنا يبدو ان الامور ذات بعدين إثنين:
مسألة الأصالة الفنية بحد ذاتها،ومسألة العلاقة الزوجية لأننافي الاساس أمام قصة علاقة زوجية أصابها برود شاسع مع عامها الخامس عشر.
مايوحي به الفيلم لأول وهلة بأننا في خضم لقاء تعاوني بين رجل وأمرأة في معرض أنتيكات في توسكاني الايطالية،ومن الملاحظ ان العائق اللغوي بينهما غير مؤثر،فهي ذات الاصل الفرنسي تتحدث الايطالية والفرنسية والانجليزية بطلاقة،بينما هو يتحدث الانجليزية فقط وهو الذي شدد مع بداية الفيلم أن الترجمة يجب ان لاتكون خالية من الروح.
كل هذه الأمور لها علاقة بميشيل فوكو وتلميذه جاك دريدا...
يعلق جيمس على التحف في متجر جولييت بينوش:
هذه الاشياء قيمة لكن...هنا نسخة مقلدة،أنا احتفظ بالأثر القديم ان كان يندمج مع باقي الاشياء...اردت القول أن الجنس البشري فقط هو الذي نسي الغرض من وجوده ألا وهو الاستمتاع والفرح...
إذا،أين النسخة الأصلية منك...تسأله
في منزل أختك....(في منزل أختها هناك زوج بسيط ومتلعثم وكلاهما-أي اختها زوجها-مغرمان بالبساطة)
دعونا نحتصر قصة استلهام كاتبنا لفكرة الكتاب على الرغم من انه قال ذات مرة أنه لايؤمن بفكرة الكتاب،بل كتب الكتاب ليقنه نفسه بها وهذا بحد ذاته اعتراف خطير من كاتب.....
...كان هذا ناتجا من وراء حديث أم مع ابنها،لقد كان ذلك مثيرا،لقد كانا جالسين اسفل تمثال ديفيد في ساحة بيازا ديلا سينيوريا
وفكرة الكتاب اتت من المحادثة التي لم اسمعها...وبعد الكثير من التفاصيل يعود الى قصة الولد:
كان الولد جالسا على درج تمثال ديفيد،بعد لحظات قليلة أتت الأم وجلست بجانبه وكانت هذه المرة الأولى التي أراهما بها معا،كانت الام تخبر أبنها شيئا عن التمثال،أنت تعلمين أنها نسخة مقلدة فالأصل موجود في الأكاديما
ثما هناك فكرة أخرى في خضم هذا الحوار الذي اختصرناه:
فكرة تكرار الفعل،حيث ان الانسان مجبر على تكرار الفعل كل يوم الى درجة أن يصبح هذا الفعل آليا ومكررا إلى درجة التطابق مع كل يوم وكل هذه الافعال التي عند التأمل بها تكسب الحياة الكثير من البرود وعدم القيمة،على ان كاتبنا تمسك بوجهة نظر ان الحياة ذات افعال مكررة،ولكن في الوقت نفسه فالانسان مجبر بشكل أو بشكل آخر على القيام بها،سواء كان راضيا أو غير راضي،ولو نظر الى فعله لوجد ان الكتابة هي أحد أنواع فن التكرار،لأن العمل الفني الأصيل المتحقق من خلال الكتابة من النادر ان يتحقق فعليا...الكتابة في عدة مستويات لها هي فن التكرار
التكرار الذي اتحدث عنه هنا هو الارادة العمياء عند شوبنهور،وليس التكرار الغامض عند كيركغارد...
اكتسب جيمس فكرة الكتاب من خلال امرأة تحاور ابنها حوارا لم يسمعه،كما انها تسير أمام فندق بنفس الطريقة الآلية كل يوم ومن الواضح ان هذه المرأة هي من يتحدث اليها الآن لأنها تبكي بصمت خلال هذا الحوار....
سواء كان جيمس يؤمن بالاصالة،أو يؤمن ايضا بتحريف الأصالة بوصفه قطعة فنية هي الأخرى،علينا ان نحلل هذه الفمرة بطريقة معروفة وبسيطة لأنها مرتبطة أصلا بالانسان وتصرفاته،فما يقوله جيمس مرتبط بعلاقته الزوجية مع هذه السيدة...
أولا،الكلام سبق الكتابة ولا اعرف كيف حرّفت هذه الحقيقة،ولكن العمل الفني الكتابي خاصة ان كان من نوع القصة أو الرواية
أو النثر الشعري سيفقد الكثير من اصالته عند ترجمته،لأن المترجم سيواجه خيارات صعبة غيرمحدود أبدا عند الترجمة،لأنه لايستطيع أن ينقل نصا إذا اراد المحافظة على اصالته،من دون أن يعمل على تحريف اللغة،وهذا شيء ايجابي لأننا سنقول عند ذلك ان الكاتب حافظ على روح العمل،والجملة تقول بوضوح/لغويا العمل حرّف
فإذا حافظ المترجم على روح العمل من الممكن القول أن العمل هو نسخة مصدقة
إذا،هل النتيجة أن العمل الفني لايمكن ان يحافظ على اصالته سوى إن قرأ بلغته الأصلية...؟!
اقول،هذه نتيجة صحيحة ال درجة كبيرة ولكن لايمكن تعميمها حتى ضمن استثناءات القاعدة....
فإن قلنا-من ناحية معينة-ان الكتابة هي فن التكرار،والتكرار بحد ذاته يفقد العمل الفني والانساني قيمته الاصلية،ويصبح العمل تدريجيا- بعد ان كان اصيلا-الى مجرد تتابعات محكومة سابقا بالملل،فالترجمة أصبحت تحريف التكرار نفسه،مما يعمل على تحريف هذا التكرار ربما الى خانة حسابية غير منتهية....
اما العمل الانساني إذا نظرنا اليه من هذه الناحية،ولكن قبل الحديث عن هذه الناحية،فما المقصود بالعمل الانساني..؟!
أي عمل انساني،خاصة الاعمال الانسانية التي تكسب الآخر شيئا من الامان والاقتراب،فالحب اذا استمر خمسة عشر عاما اصبح تكرارا،أي نسخة مصدقة لأن التكرار يفقد العمل الانساني قيمته مع كل تكرار،وهنا نصل الى نتيجة تشاؤمية على المطلق،ف 99.99% من الاعمال الانسانية فاقدة لقيمتها الاصلية لأنها محكومة أصلا بالارادة العمياء للتكرار...
ولكن،الأمر البسيط أن جيمس استوحى عمله هذا من الملل...الملل هو سر النسخة المصدقة كما نعتقد من دون الرجوع الى اي مصدر.
كان الولد ينظر الى التمثال ويراه حقيقيا...كان يراه حقيقيا عملا فنيا أصليا وحقيقيا...ما معنى هذه القصة...؟!
أولا،البراءة لاتبحث عن المعنى الحقيقي للشيء،سواء كان قطعة فنية أو أي شيء آخر،وهذه هي النظرة العامة المألوفة للأكور.
عندما ترى تمثالا يعجبك تشعر بالجمال يشع منه،وينعكس ذلك في داخلك ليشعرك بالسعادة والانبهار...لكن فجأة توجي لك الاشياء نفسها بفكرة.هذه النسخة مقلدة
عندها تنحسر السعادة مثل انحسار المد والجزر،على ان الشكل الفعلي للتمثال لم يتغير بل تغير الفكرة والانطباع هي التي غيرت معنى الجمال،أو حالة الرؤية لهذا الجمل وليس التمثال نفسه،فالتمثال لم يتغير...فقط نحن بتنا نشاهده بعين أخرى،وهذه العين متعلقة الآن-وكلمة الآن ضرورية لأن الفعل لحظي آني-بفكرة وليس بشكل.
قد نقول انه تمثال رائع ولكنه ليس بروعة اللحظة الماضية قبل انبثاق الفكرة،وهذا يدفعنا الى التشكيك بمعنى الجمال نفسه،لأن الجمال لم يعد هنا الحالة التجريدية ذات القيمة المطلقة،بل هم الجمال المتعلق بفكرة قبل ان يكون متعلقا بالجمال نفسه،فالتمثال لو كان نسخة مقلدة بنسبة 100%،فهو فاقد لشيء من قيمته الفنية المتعلقة بفكرة تكراره،وهذه القيمة هي مقياس لطبيعة الشيء نفسه.
هذه الفكرة لا تتعلق أبدا بالمتواري خلف النص،جمالية النص من خلال تفكيكيه أو تفسيره أو فك رموزه،بل بجمالية النص نفسهـوهي بعيدة ايضا عن حكم التجربة،أي تجربة الشيء خلف المظهر أو الانخداع بالمظهر...
لنتابع حول الموضوع أعلاه وقياسه على الفعل الانساني وبخاصة العلاقة الزوجية من ناحية التواءم والتفاهم وقبول الآخر.
في معرض حديثهما عن تمثال تقول السيدة:
أنا لا أراه قطعة فنية،فأنا أحب موضوعه،أحب الطريقة التي تضع بها رأسها على كتفه...
الموضوع-إذا نظرنا الى الاشياء بهذه الطريقة-لاتسقطه الاصالة،لا تسقطه النسخة المعتمد أو المصدقة،أو الصورة طبق الاصل وهذه المداخلة للناقد...
يقول جيمس:لكن هذا الرجل لايفعل شيئا اطلاقا سوى حماية هذه السيدة...؟ّ!
لهذا السبب هو مخلد،اعتقد أن مايهم ليس العمل بل كيف ننظر اليه،النظرة التي نراه بها-وهذه جملة مفتاحية-.
الاجابة:ماتقولينه يجعلني أكره كل شيء،الفن،النسخ الاصلية،المقلدة،هذا التمثال،انت،كل شيء...
ثم تلجأ السيدة الى رأي العامة....مايدعى بالذوق الفني:
أجل،أشعر بان هذا التمثال،أو ان الفنان حاول ان يظهر لنا من خلال هذا التمثال القوة المطلقة للرجل
يقول لها زوجها:تذكري،لقد قلت أن مايؤثر بك في هذا التمثال كان الصفاء الموجود على وجه هذه المرأة بينما تستند على كتف الرجل،قلت انها اعطت الانطباع لوجود شخص تعتمد عليه كي لاتكون وحيدة...
جيمس اسقط الموضوع من اي فعل،اسقط فكرة أن العمل الانساني مبني على التكرار،ولكن هذا التكرار محكوم بارادة عمياء ذات اهمية شديدة وهي الاستمراية،فبدون التكرار لايمكن للحياة ان تستمر،فهل يستطيع جيمس ان يقول عن فعل شرب الماء بأنه فعل غير أصيل...؟!
ولكن،وهذا من الطبيعة الانسانية،فالانسان محكوم بالملل،والضدية الحاصلة في الانسان هي شيء طبيعي لأن الحياة برمتها جاءت ضد الانسان،والاديان جميعها تقول بضرورة ان يكبح الانسان رغباته،وهذه مشكلة كبيرة،لأنه من ناحية محكوم بالارادة العمياء الاستمرارية،بينما ومن ناحية أخرى مضادة،محكوم ايضا بالطبيعة الانسانية ذات الشعور الدائم بالملل...
وهنا يكون الفعل الانساني حتى لو كان مكررا اصيلا في كل تكرار...
إذا افترضنا ان جيمس ربط بين الاصالة الفنية واصالة العمل الانساني،فالمقياس غير صحيح والرابط غير موجود بينهما،واسقاط جيمس الموضوع الفني على الفعل الانساني،والنظر اليه كتجريد فني سيجعل منه هو الطرف السلبي في هذه العلاقة البشرية مع زوجة رقيقة قدمت الكثير من التنازلات،لأن الاستمرارية بالنسبة لها حكم لاواعي من احكام الحياة بنفسها،كما ان حبها لازال مشتعلا وهو الأمر الذي ينظر اليه جيمس على انه تكرار...
جولييت بينوش هي سيدة من دون اسم،فكل سيدة سيتعرف عليها جيمس ستصبح سيدة بلا اسم حقا
دعونا لانظلم جيمس،فالموضوع لا علاقة لها بتسلط ذكوري أو اي شيء من هذا القبيل،بل هو طريقته في النظر الى الحياة كصيغة او مقياس فني،وربما ايضا قد لايكون له اي دور في هذه النظرة لأنه كاتب في النهاية،والكاتب ذو مزاج أصيل ومختلف يجعله ينظر الى الامور بشكل مختلف جدا عن الآخرين.
هنا،أهنأ مخرجنا الايراني الراحل عباس كيارومستامي،فالموضوع الفيلمي يبدو لي أصيلا جدا،بل من غير الممكن أبدا ان لايكون اصيلا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح