الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهود لا يعرفون العبريّة!!

سليمان جبران

2024 / 3 / 22
الادب والفن



[ ورقة أخرى من "هذيك اللأيام"]

من أمثل العرب، كما تعلّمنا في المدرسة ذات يوم، كلُّ فتاة بأبيها معجبة. ولا أعرف لماذا خصّ العرب الفتاة بالذات، وفي تقليد أبيها لا أمّها! أنا مثلا فتى لا فتاة، وكنتّ في صغري، كما أذكر، معجبا بأبي، أقلّده في كلّ شيء. حتّى في ظفر إبهامه. ولم أكفّ عن الشغل على ظفري، إلا بعد أن أخبرني والدي أنّ ظفر إبهامه أكل ضربة، ولم يستطع تقويمه كما كان في الأصل.
شيء واحد لم أستطعْ تقليد أبي فيه: شرب الشاي أو القهوة وهي تغلي فور صبّها من الإبريق! سألته مرّة: كيف يمكنني أن أشرب الشاي أو القهوة فورصبّها تغلي من الإبريق، فروى لي، ولنا جميعا في البيت طبعا، الحادثة التي تعلّم من يومها شرب الشاي أو القهوة فور صبّها من الإبريق، حتى وهي تغلي عادة.
أخذ والدي يسرد علينا القصّة، ونحن جميعا في البيت، لا أنا وحدي، آذان صاغية. قال الوالد إنّه في الأيّام البعيدة، قبل 48، ذهب للعمل في البيّارات. في هرتسليّه؟ وكان برفقته اثنان من قريتنا ذكرهما والدي بالاسم. استغربتُ فعلا أن يكون والدي وصل هرتسليه للعمل في البيّارات، وهو من يكره الفلاحة حتى في أرضنا. سألته أذكر فقال لنا الوالد إنّ أجرة العامل يومها هناك كانت أضعاف أجرته في المنطقة العربيّة. لكنّ العمل بهذه الأجرة كان مقصورا على اليهود فحسب، ولذلك لم يكن لتا بدّ من التظاهر بأنّنا يهود شرقيّون. لكنّي سألتُكَ كيف تستطيع شرب الشاي وهي تغلي، ولم أسألك عمّا كانوا يسمونه עבודה עברית ، قاطعت الوالد.
قال الوالد في الإجابة عن سؤالي إنّهم يومها كانوا ثلاثة، وكان الإبريق يتّسع لسبع كاسات، فغاظه أن تكون الكأس السابعة دائما من نصيب رفيقه بالذات! هكذا أخذ مع الأيّام يسابقه في شرب الشاي ساخنه لتكون السابعة من نصيبه هو، وهكذا تعلّم مع الأيّام شرب الشاي فور صبّها في الفنجان!
وكيف استطعتم العمل هناك بالأجر المرجوّ وأنتم عرب، سألتُ والدي ثانية. قال الوالد "ادّعينا أنّنا يهود شرقيّون. تعلّمتُ، أذكر، ألفاظا قليلة في العبريّة وصلاة שמע ישראל، وكنتُ وزير الخارجيّة إذا سألنا أحد".
لكن يبدو أنّ التزييف لا بدّ من اتكشافه يوما. فقد عرفهم، في المكان ذاك، يهودي شرقي، وعرف من أحاديثم همسا مع بعضهم أنّهم عرب واليهوديّة غطاء لم ينطلِ عليه، وهو اليهودي السوري الخبير باللهجات طبعا!.
وكيف تخلّصتم من هذا المأزق، سألتُ والدي مشفقا! ببساطة، افتعلنا الخلاف معه، ونال نصيبه من كفوفي وكفوف رفاقي فلم نعد نرى وجهه بعد تلك القتلة!
من هذه القصّة عرفتُ، من جديد، لماذا كان والدي يستطيب التهريب، مع ما فيه من مخاطر، وتعب أيضا! كلّ عمل في رأيه أربح من العمل في الأرض!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا