الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلمى بين المونودراما والديودراما وأسلوب جديد

عباس جميل جيماو

2024 / 3 / 22
الادب والفن


الترجمة للعربية: ملا شاخوان

لمسنا في مونودراما (سلمى*) ثلاثة محاور في نص واحد، (هجرة الشباب، فاجعة حلبجة، جرائم الأنفال في كوردستان العراق )، رقعتين جغرافيتين ولغتين مختلفتين، شخصيتين غربية وشرقية (كوردية وانكليزية)، تمكن المخرج بجرأة من كسر المألوف في مضمون واحد وأسلوبين، وهذا بحد ذاته انعطافة فنية نادرة في أيامنا، يمكن أن يشار إليها على أنها قفزة نحو خلق أسلوب جديد في المسرح. من خلال مشاركة ممثلتين خبيرتين إحداهما كوردية كانت تمثل بإحساس مفعم، والأخرى فرنسية ذات احساس تمثيلي عال تعاملت برفق مع مفردات المسرحية في إطار حركاتها الديناميكية.
تعد المونودراما واحدة من الفنون الدرامية في إطار المسرح التجريبي، وهي أصعبها في نفس الوقت، بتجسيد شخصية واحدة لرواية الأحداث التي يضمها النص، وهي مسؤولة عن إيصال رسالة النص الذي تجسده إلى جانب العناصر الأخرى للمسرحية، وهي أيضاً عنصر أساس للإمساك بزمام الأحداث والأجواء الدرامية، والاختلاف في شخصية المجسد يتغير باستمرار، من حيث الحركة أو من حيث التعابير المرتبطة بأنواع الحركات الدرامية ضمن حلقة تغيير المشاعر والآراء والأفكار والانفعالات، سواء الظاهرية منها أو من الناحية النفسية بين الضعف والقوة، الأمل واليأس، الصمت والأنين، والبكاء والضحك... إلخ.

لذا فإن المونودراما بحاجة إلى شخصية ذات خبرة واسعة ولياقة عالية وديناميكية في الحركة وكفاءة في أنواع الأصوات والتعابير.

في هذه المسرحية التراجيدية، تحاول سلمى رواية قصة أحداث يعود تاريخها إلى حلقة ظلم عمليات الأنفال، وهي من تأليف د. دلشاد مصطفى، وسينوغرافيا وإخراج نجاة نجم، تتحدث عن تعرض عشرات آلاف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ وشباب الشعب الكوردي إلى صنوف التعذيب بأبشع الطرق والوسائل ثم تم دفنهم أحياء خلال تلك العمليات، وكذلك عن فاجعة حلبجة وعن هجرة الشباب.

حاول المخرج هنا، وبالإفادة من مزج التراث والثقافة الشرقية بالمسرح الحديث ومن خلال مجموعة حركات جريئة مع عناصر رمزية وصور مسرحية متنوعة في مساحة سنتطرق إليها لاحقاً، وهي خطوة باتجاه الولوج في حلقة ما بعد الحداثة في إطار أسلوب أو صيغة جديدة في المسرح.
ما نلمسه هنا هو تسمية سلمى بالمونودراما، التي يمكننا القول إنها ليست مونودراما وفي في عين الوقت مونودراما، كيف؟

في مسرحية واحدة ونص واحد ينقسم على فضاءين مختلفتين، شاهدنا عرضين اثنين، عمل فيهما المخرج بعناية شديدة وحاول في نفس الوقت عدم كسر قواعد المونودراما. جغرافيتان مختلفتان، وسينوغرافيا مختلفتان، ومفردتان مختلفتان، يمكن أن نطلق عليه تسمية عرض واحد، كذلك بدون وجود أي اتصال بين الممثل والممثل، وهو في حد ذاته موجة جديدة، أو بشكل أدق، أسلوب جديد في المونودراما. هذه الخطوة يمكن أن تصبح شكلاً جديداً يحظى بمزيد من النقاش بين فناني المسرح ثم يثبت، أو إن لم يكن في المونودراما، يدرج في المجال كنوع من سمة مستقلة في مساره الأكاديمي. فيمكن القول إنه يستحق اسماً ومنهجاً خاصاً، كأعمال الماضي ووصولها إلى مسارها الأكاديمي في عالم المسرح، كالمسرح الملحمي لبريخت أو أودين باربا أو بيتر بروك، وكيف يؤثر على الثقافات المختلفة. وكما أن لدينا مسرحنا الكلاسيكي، هناك أيضاً الرمزي، الذي يسمى المدرسة أو الأسلوب، وما إلى ذلك، وكله جاء إلى الوجود بعد جهود عملية.

وكما ذكرنا سابقاً، فإن المونودراما في حد ذاتها مسرح تجريبي، أي أن فناني المسرح يمكنهم إنتاج عمل من هذا النوع كنتيجة لتجاربهم في السياق الأكاديمي.

وكما أسلفنا، فإننا شاهدنا عرضين في نفس النص، سينوغرافيا، مساحتين، لغتين مختلفتين، لفت المخرج في وقت واحد نظر المشاهد إلى العرضين ليتواصل معهما، وكأنه يشاهد عرضاً واحدا بدون التسبب في تشتيته، لذلك يمكننا القول أن هذا هو شكل جديد في حد ذاته، لكنه اسم، يمكن أن نطلق عليه مونودراما وهو ليس مونودراما، أو يمكن أن نقول إنه ديودراما وهو ليس ديودراما.

ما أثار اهتمامي أكثر من غيره في هذه المسرحية هو أن المخرج تمكن من خلق السيناريو والتوجيهات من خلال الممثلين بمهارة شديدة وذكاء ووظف الاتجاهات بطريقة جديدة ومثيرة للاهتمام.

عندما نقول إن هذه المسرحية تدخل في خانة الديودراما، هذا صحيح لوجود ممثلين فيها، لكن وفي نفس الوقت ليست ديودراما لعدم وجود فضاءين مختلفين في نفس الوقت. كما يمكننا القول إنها مونودراما، وهي مونودراما لأنها ضمت فضاءين مختلفين، لكنها ليست مونودراما، لأننا وجدنا فيها ممثلين اثنين.

هذا هو هدفنا في هذا المقال الذي نريد أن نشير من خلاله إلى تفاصيل رؤية المخرج وخطواته وتعامله مع تفاصيل العناصر والمفردات المستخدمة في المسرحية، وربط الجمهور الجاد بالعمل وعدم القدرة على إغفال هذا الفضاء وإجبارهم على أن يكون لهم رأي.
والأهم من ذلك في نفس الوقت، هو نقطة تثير الاهتمام لدى الناقد، تتمثل في عدم الشعور بأن المخرج لجأ إلى مسرح التقليد، أي أن سلمى لا تندرج في خانة المسرح التقليدي، ولكن كانا روح الرمزية فيها قائمة، جرى العمل على الصور (الصور المسرحية)، كان هناك سرد ولكن كان هناك عمل مسرحي ولم يكن كله حوارياً، لذا تخبرنا هذه الخطوات أن الصيغة مختلفة.

ثم كان التمثيل هنا مختلفاً عن المسرحيات الأخرى التي كنا نراها هنا وهناك كل يوم في كوردستان أو العراق أو الدول العربية، كان التمثيل هنا يعمل على الإحساس، أكبر كم من الأحاسيس الداخلية، وإلى جانب ذلك كان عمل الجسد مختلفاُ ومتميزاً، بينما عملت السينوغرافيا ومساحة العرض عملاً أكثر أهمية.

لذلك، يمكننا القول إن هذا العمل يقدم نفسه بشكل مختلف عن أسلوب المونودراما أو عن المسرح العادي أو الديودراما، لأن المكان هو الذي كان يقرر، ومن منطلق المكان كان يجري توظيف دور الممثل وكذلك تجسيد القصة.
في سلمى، لوحظت ثلاثة رموز ضمن المسرحية، تم رسمها على الأرض: رموز مربع ودائرة ومثلث، وكل رمز يحمل في طياته تعبيراً خاصاً من الناحية السايكولوجية، بالإضافة إلى وجود أربعة أشجار جافة، وحذاء عسكري (بسطال) وتفاحة وحبل وبعض المقتنيات الأخرى مثل الثياب والحقائب وغيرها، وكان الديكور بسيطاً وهادفاً وعلى الأرضية، على عكس العروض الأخرى التي تعتمد على ديكور ضخم.
...............................................

* مونودراما سلمى التي هي من إنتاج فرقة مسرح (هوار) في كركوك عرضت باللغتين الكوردية والإنكليزية في عدة مدن بإقليم كوردستان.
وكان آخر عرض في قلعة كركوك بتاريخ 18/2/2024.
بمشاركة ممثلتين: هوار فارس من كركوك وأوريلي إيمبرت من فرنسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي