الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكليف محمد مصطفى: لا وفاق.. ولا آفاق

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
إصرار الرئيس محمود عباس على تكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية التاسعة عشرة من دون الحد الأدنى من التشاور مع القوى السياسية، وبخاصة حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في قطاع غزة، أثار اعتراضات حادة وعلنية من قبل أربعة فصائل هي حماس والجهاد والجبهة الشعبية والمبادرة، التي وصفت القرار بأنه يعزز سياسة التفرد، ويعمق الانقسام لكونه اتخذ من دون توافق. فتح ردت على البيان بآخر أكثر حدة وانفعالا اتهمت فيه حماس بأنها جلبت نكبة للشعب أقسى من النكبة الأولى، وتسببت بإعادة احتلال قطاع غزة. وأقر بيان (فتح) الذي نشرته وكالة (وفا)، ضمنيا أن التكليف تم بدون تشاور، وأنه من صميم صلاحيات الرئيس، كما غمز من قناة إيران موحيا بأن طهران هي التي تملي على حماس مواقفها وسياساتها.
على امتداد فترة الحرب على غزة، بكل ما تخللها من جرائم إسرائيلية وقتل وتهجير وتدمير، تميز موقف القيادة الرسمية الفلسطينية بحالة هي مزيج من العجز والفرجة، مع انتظار فرصة ما تمنحها الإدارة الأميركية بشروطها "قيادة فلسطينية متجددة" لعودة السلطة إلى غزة، على الرغم من الرفض الإسرائيلي القاطع. هذا الموقف تجسد في شلل المؤسسات القيادية الفلسطينية التي لم تجتمع خلال الحرب إلا بعد 28 يوما من اندلاعها، وفي الامتناع عن اتخاذ أية اجراءات عملية تضع السلطة ومؤسساتها وأذرعها في حالة طوارئ، وتمكن من التصدي لمخططات الاحتلال في الضفة. وواصلت السلطة التفاهمات والتنسيق الأمني وكأن شيئا رهيبا واستثنائيا لا يجري في قطاع غزة. ترافق ذلك مع صدور تصريحات متفرقة عن مسؤولين في السلطة وفتح والمنظمة ( ابو ردينة، والهباش، والمجدلاني، والسفير اسامة العلي) تصوّر الحرب على غزة وكأنها مشكلة ثنائية بين إسرائيل وحماس، وتطالب بمحاسبة الحركة وتصفها بأنها إرهابية. وصل الأمر إلى صمت الرئيس عباس المطبق على دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس.
واصل أركان السلطة والمنظمة إطلاق التصريحات المتشددة بشأن انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير، وتكرار اسطوانة شروط الرباعية (وكأن إسرائيل تلتزم أي شروط) واعتماد المقاومة السلمية سبيلا وحيدا للنضال، زاد عليها الوزير المالكي بالحديث عن سلطة واحدة وسلاح واحد، وكأنه يدعو حماس إلى تسليم سلاحها وتدمير انفاقها قبل أن تتوقف الحرب، وكأن شيئا لم يجر في السابع من أوكتوبر، وكأن العالم ما زال على سكونه ورتابته التي كان يراوح عندها على امتداد حكم الرئيس عباس. من المؤكد أن هذا الموقف انعكس على أداء تنظيم فتح الميداني، وكذلك على أداء الفصائل المشاركة في المنظمة وعموم أطراف الحركة الوطنية في الضفة وكذلك على دور الجاليات الفلسطينية في الشتات.
كان لافتا في بيان الفصائل الأربعة مشاركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، التي هي إطار سياسي غير مسلح يتركز في الضفة، وكان دور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة لافتا ومميزا على الصعيدين السياسي والإعلامي بحيث تفوق على دور وأداء فصائل فلسطينية تاريخية وضعت نفسها في مصاف "كورس" السلطة.
في المجالس الخاصة وفي شبكات ومجموعات التواصل الاجتماعي وعدد كبير من مقالات الصحف، يتسم الموقف تجاه حماس بعدائية سافرة، وبروحية أقرب إلى الشماتة، وتُحمَّل الحركة مسؤولية الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، وإنكار أي أثر أو ميزة لعملية طوفان الأقصى والتقليل من شأن المقاومة، وهو ما عكسه البيان الذي ردت به الحركة على الفصائل الأربعة.
ظل عباس مصرا على خياره بتكليف مصطفى، مستندا إلى تحول الموقف الأميركي الذي كان يعارض هذا التعيين، لكون الرجل من نفس البطانة التي تتهمها الولايات المتحدة بالفساد وتريد تجديدها وتغييرها، إلى الترحيب به، لكن الرئيس تجاهل المتغيرات التي عصفت بالإقليم والساحة الفلسطينية، وأبقت القيادة في موقف المتفرج على ما يجري، ليس لأنه اختار هذا الموقف، بل لأن الأحداث والتطورات تجاوزت هذه القيادة، والدليل هو غياب السلطة المطلق عن كل المداولات التي جرت وتجري في مختلف العواصم بشأن صفقة التبادل.
فوّت الرئيس عباس الفرصة تلو الأخرى في الانفتاح على فصائل المقاومة الفلسطينية، وتغطيتها سياسيا، والتصدي لمحاولات شيطنتها ودعشنتها. ومن اللافت أن خطاب السلطة وأجهزتها يتمايز ظاهريا عن خطاب فتح التي اجتمع مندوبوها مع مندوبي حماس في موسكو، ولكن يتبين أن هذا التمايز موجود في الخطاب فقط وليس في الأداء العملي، حيث جرى تجاوز حماس ومعها كل الفصائل في المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، وكان يمكن الوصول إلى صيغة مقبولة خلال زيارة الرئيس الأخيرة للدوحة أو خلال اجتماع موسكو.
لم يخل خطاب تكليف مصطفى من عبارات منمقة عن إعمار غزة، والانتخابات والإصلاح والشفافية والحوكمة وحرية الرأي وحق الوصول للمعلومات، وهي مبادئ لم تكترث بها السلطة بتاتا خلال سنوات حكم الرئيس عباس الـ 19، ما يؤكد أنها صيغت بعناية من أجل استرضاء الأميركيين، وبطريقة أقرب إلى إظهار حسن السلوك المطلوب للموافقة الأميركية، بينما لم تجر مشاورة الفصائل حتى تلك المشاركة في منظمة التحرير ولا المجتمع المدني الفلسطيني.
بنيامين نتنياهو يرفض أي دور للسلطة الفلسطينية سواء كانت متجددة أو عتيقة، على القاعدة التي أعلنها من بداية الحرب "لا حماستان ولا فتحستان)، وترفض إسرائيل حتى الأدوار الجزئية والمحدودة التي يمكن أن تلعبها السلطة، مثل الحديث عن تولي ماجد فرج والعناصر المحسوبة على السلطة والمخابرات في غزة دورا في توزيع المساعدات. وثمة خطة إسرائيلية معلنة للسيطرة العسكرية على قطاع غزة لعشر سنوات قادمة، من بينها سنتان لإستكمال القضاء على حماس وتشكيلات المقاومة، وثماني سنوات إضافية لإعادة هندسة مستقبل غزة سياسيا وأمنيا، وحتى اجتماعيا من خلال القضاء على الاونروا والتحكم في مناهج التعليم.
حتى لو كانت كل الفصائل الفلسطينية موحدة في الميدان كما في الأداء السياسي، فإن مهمة مجابهة الخطة التصفوية الإسرائيلية التي هي حلقات مكملة لحرب الإبادة الجارية حاليا، ستكون صعبة وشاقة وتتطلب حشد كل الجهود المتاحة، وبذل أقصى الطاقات والتضحيات، فكيف إذاً ستنجح السلطة في القيام بمهمة إعادة الإعمار في غزة إذا كانت ستعمل بمعزل عن حماس وباقي الفصائل، حكومة كهذه ولدت من دون وفاق وطني، لا آفاق أمامها بالنجاح العملي ولا في تجنيد الأموال الموعودة بعشرات مليارات الدولارات، ولن يكون مصيرها أحسن من المحاولات الإسرائيلية لاصطناع قيادات وتشكيلات مدنية محلية من العائلات والعناصر القديمة من السلطة، ولعل المعادلة الأدق التي يمكن لها أن تلخص الوضع في غزة ملخصها "من الصعب جدا أن تكون حماس في اي حكومة قريبة، ولكن من المستحيل أن ينجز شيء في غزة دون موافقة حماس"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا