الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلاسة والمتعة في رواية ستشرق الشمس ثانية فوزي نجاجرة

رائد الحواري

2024 / 3 / 23
الادب والفن


السلاسة والمتعة في رواية ستشرق الشمس ثانية
فوزي نجاجرة
رغم ما نمر به من قتل وتشريد وتدمير إلا أن هذه الرواية تم تناولها في جلسة واحدة، وهذا كافي لنقول عنها رواية ناجحة وممتعة، فالشكل الذي قدمت به كان تميزا، فهناك حكاية شعبية، وقصائد مغناة، وأغنيات، وقصائد متنوعة، يضاف إلى كل هذا أن الرواية من ألفها إلى ياءها جاءت على لسان السارد "سعيد" الذي أقنعنا بلغته، إن كانت محكية أم فصحى، حتى أنه تحدث بموضوعية عندما أراد الحديث عن الأسر وما يلاقيه الأسير من تعذيب: "إنني أكره البحث في ذاكرتي عن هذا الملف الأسود والمظلم" ص76، فهذا يؤكد السارد مقولة الروائية "عائشة عودة": "الحديث عن الألم ألم إضافي" لهذا قرر الساد عدم الخوض في تفاصيل الأسر، مكتفيا بالحديث السريع والمختصر عن تجربته في الأسر.
يضاف إلى ذلك أن السارد استخدم الأسماء بطريقة ذكية تخدم أحداث الرواية "سعيد مسعدة، تحرير (الأبنة والحقيدة)، عائد الذي عاد بعد أوسلو، وأوسلو الذي كبل الفلسطيني بالتنسيق الأمني والذي تسبب بمقتل الحفيدة "تحرير" بعد أن دهستها عربة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا له دلالة رمزية، تجاوزت الأحداث (الواقعية) في الرواية، مما جعل الرواية شكلا وطريقة تقديم غير تقليدية، أما بخصوص الفكرة والأحداث فقد امتدت من عام 1967 إلى عام 2002 وهذا يجعلها رواية فلسطينية بامتياز.
رغم أن هناك أحداثا وطنية إلا أن الجانب الاجتماعي كان حاضرا وبقوة فيها، من هنا يجري الحديث عن أكثر من امرأة، وكيف يتم التعامل معها اجتماعيا، "مسعدة" التي يجبرها أخوها وأختها على ترك "سعيد" المعلم والقبول بالزواج من "محمد" الغني الذي يتركها بعد أسبوع من الزواج ودون أن يمسها، فتبقى دون زوج لمدة عامين كاملين، إلا أن تتمرد على واقعها دون زوج، وتخاطب حماها بضرورة الذهاب إلى زوجها في الخليج العرب لتأخذ حقها كزوجة تريد زوجها، فتتفاجأ بأنه متزوج/زوجة لأحد الأمراء، وهناك تحصل على ورقة طلاقها، أما "زهرة" فتقع فريسة لأحد العملاء "يوسف فخري" الذي يستبيحا مع ثلاثة آخرين فتفقد عذريتها، مما جعلها ترفض كل من يتقدم إليها، إلا أن يأتي "سعيد" فتقبل به، لكنها قبل العرس تخبره بحقيقتها، فيقرر التخلي عنها ورفض إتمام الزواج بقوله: "والله نفسي ما بتتقبل أغمس من صحن مغمس منه، سامحيني يا بنت الناس، ما لك عندي ذنب" ص143، وهنا نجد سطوة المجتمع الذكوري حتى على بطل الرواية الذي يفترض أن يكون متميزا عن غيره من الناس.
وهناك "قمر الزمان" التي يخسرها والدها بلعبة قمار مع "يوسف فخري" فيزوجها وهي ابنة ثلاث عشرة سنة، فتكون زوجة وأما وهي ما زالت طفلة، وعندما يقرر "يوسف فخري" الزواج من "مسعدة" تقوم بقتله، وهذا يجعلها ضحية مرتين، مرة عندما تزوجت وهي بعمر ثلاث عشرة سنة، ومرة عندما قامت بقتل زوجها الشبق والعميل الذي كان يفترض أن يقوم بقتله "سعيد" أو أحد أفراد المجتمع، كل هذا يجعل المرأة ضحية بكل معنى الكلمة، ضحية الاحتلال وضحية أفكار مجتمعها القاسي.
الأحداث
من هنا نستطع القول إننا أمام رواية تجمع بين جمالية الشكل وطريقة التقديم وبين أهمية المضمون، إن كان وطنيا أو اجتماعيا، سنحاول فيما يلي التوقف قليلا عند ما جاء فيها ونبدأ بالأحداث الوطنية التي بدأت في عام 1967 واحتلال بقية فلسطين التاريخية: "توقف فطار حياتنا من بدء يوم الخامس من حزيران لعام 1967 م، تدهورت حياتنا وأحوالنا، ولم ترجع مثلما كانت من قبل أبدا، إنه البلاء والابتلاء الذي عم وطم على البلاد والعباد، التخريب الصهيوني الاستيطاني" ص 21، مضمون هذه الفكرة تناولها السارد في مواضع أخرى، وهذا يشير إلى حجم الكارثة التي حلت بفلسطين وشعبها، فهناك تبعات لهذا الاحتلال تمثل في هجرة أخرى قام بها الفلسطيني إلى شرق النهر تبعها قتل وموت وملاحقة، فيحدثنا عن خاله "بدر الدين" الذي استشهد في أحداث أيلول عام 1970 وما ترتب على ذلك من هجرة عائلته إلى لبنان، مخيم صبرا وشاتيلا لتلقي حتفها كاملة في عام 1982 باستثناء "عائد" الذي ترك لبنان مع المقاتلين قبل المجزرة.
عبد الناصر
يتناول السارد "جمال عبد الناصر" ودوره كصمام أمان للثورة الفلسطينية، في أكثر من موضع، وهذا يشير إلى دوره كقائد للعرب وللثورة، من هنا كانت وفاته تعد كارثة أخرى تحل على العربي وعلى الفلسطيني: "في ظهيرة يوم 28 أيلول 1970، تفاجأ العالم أجمع بخبر وفاة رئيس جمهورية مصر العربية ... وربط الكل الفلسطيني وفاته بسبب حزنه وغضبه على ما ألم بأبناء الشعب الفلسطيني من القتلى والتعذيب والطرد في الأردن، فكان المرحوم من أكثر زعماء الأمة العربية حبا وتضامنا معنا" ص37، هذا التناول يشير إلى جم المكانة التي كان يحتلها عبد الناصر، فهو لم يكن مجرد رئيس لمصر، بل رئيس كل المنطقة العربية التي كانت تحسب له الف حساب، وما حديث "ياسين" حمى "سعيد" عن عبد الناصر: "لما اتحاصرت عراق المنشية والفالوجة وعراق سويدان من اليهود، بقى في حامية من الجيش المصري والجيش السوداني يدافعوا عنها، بقيادة اللواء الأدميرال سيد محمود وآخرون من ضمنهم جمال عبد الناصر" ص183، إلا تأكيد لدوره ومكانه كقائد عربي وحدوي، فقدته مصر كما فقدته فلسطين وفقده كل العرب وأحرار العالم.
الفلسطيني والمكان
هناك علاقة حميمة بين الفلسطيني والمكان، السارد يقدم المكان بطريقة استثنائية، حتى انه أقرن وجوده بوجود الفلسطيني، يحدثنا عن حماه "ياسين عبد القادر" بهذا الشكل: "كان متعلقا ببلده الأصلية عراق المنشية، فكان كلما نظر إلى الطفلة تحرير كان يتكلم ويتوسل إلى رب العلمين بأن يرجعهم إلى بلدهم، وريدهم بأسرع وقت" ص177، وما عودته وموته في "عراق المنشية" التي (تسلل) إليها عائدا ليموت فها إلا تأكيدا للحميمة التي تجمع الفلسطيني بالمكان: "دفعت بابها برجلي اليمنى، وهنا وجدنا المفاجأة الرهيبة، جثة عمي ياسين ممددة على المصطبة، ويده اليمنى منحنية تحت رأسه بل الوسادة، ورائحة الدار تعبق برائحة العطور والبخور" ص210، فالموت في البيت الذي هجرة منه عام 1948 يؤكد أن هناك علاقة وجودية/مصيرية، وليست علاقة بمكان مجرد.
المرأة
هناك اكثر م مرأة في الرواية وبمجملهن كنا ضحايا أفكار المجتمع الذكوري، فقد أقام "سعيد" أكثر من علاقة، في البادية مع "مسعدة" التي تركها بعد أن تدخلها أخوها مهدد بذبحها بالسكين إذا لم يطلقها "سعيد" وهذا ما تم، بعدها يعقد قرانها على "محمد" الذي يتركها دون أن يمارس دوره كزوج، فتكون ضحية لرغبات أخيها وأختها اللذان طمعا بالهدايا والعطايا التي سيحصلان عليها من العريس.
وبعد أن تلتقي بزوجها في الخليج العربي، وتعلم حقيقته حيث كان مجرد زوجة لأحد الأمراء، وما الثروة التي حصل عليها إلا ناتجة عن هذا الزواج غير السوي، تطلب بطلاق وتحصل عليه، لتعود إلى بلدتها كمرأة مطلقة/عانس يعزف عنها الرجال.
وعندما تلتقي "بسعيد" في المسجد الأقصى وتخبره وأمها بما جرى لها ووأنها مال زالت بكرا، وتطلب منه أن يعود لخطبتها يرفضها "سعيد" وليكمل مع "زهرة" التي تعرضت لخديعة من عملاء الاحتلال، ومع هذا لم يقبل أن يكمل معها "سعيد" مستخدما منطق المجتمع الذكوري: "والله نفسي ما بتتقبل أغمس من صحن مغمس منه، سامحيني يا بنت الناس، ما لك عندي ذنب" ص143، وبهذا يكون "سعيد" قد خذل امرأتين، "مسعدة وزهرة" علما بأنهما ضحية المجتمع والعائلة، وليس لهما أي ذنب فيما جرى لهما، حتى أن "سعيد" نفسه قبل أن يطلق "مسعدة" بعد أن هدد أخوها بقتلها، بمعنى أنه لم يقاوم أو يتحدى أو يعمل على المحافظة على حبيبته وامرأته، وأيضا ترك "زهرة" لتستمر في حياتها دون رجل، لان الرجال في المجتمع يرفضون "الغمس من صحن مغموس منه"
أما "قمر الدين" فقد كانت ضحية الأب والزوج معا، الأب باعها لزوج "يوسف فخري" يكبرها بعشرين عاما، وهي بعمر ثلاث عشرة عاما، وعندما قامت بقتل زوجها، كانت تقوم بما كان يجب أن يقوم به المجتمع (المقاوم/الثوري) لكن تقاعس الرجل فيه جعلها تقدم على التخلص من زوجها العميل والفاسد، فترتاح منه وتريح المجتمع منه.
من هنا يمكنا القول إن نساء الرواية ضحايا المجتمع وضحايا الاحتلال معا، وأنهن أكثر فاعلية من الرجال، وأكثر صبرا وجلدا على الشدائد، لهذا عندما أقدمت "مسعدة" وأصرت على الذهاب إلى "محمد زوجها، وقتلت "قمر الدين " "يوسف فخري" زوجها كنا يقمن بثورة متعددة الأوجه، ثورة على فكرة المجتمع الذكوري، وثورة على الاحتلال.
السرد
الرواية بمجملها جاءت على لسان "سعيد" الذي تحدث فيها عن تفاصيل حياته ما مر به من أحداث وشخصيات، فكان ينقل لنا أقول وحديث الشخصيات الأخرى، وهذا الأمر انعكس على اللغة، ومن ثم على فنية الرواية، فهناك أكثر من جمالية، منها الجمع بين اللغة المحكية والفصحى، وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى فلسطينتيها، فالمتلقي يستطيع الوصل إلى أنها رواية فلسطينية من خلال اللهجة المحكية، إضافة إلى ما فيها من أحداث.
طريقة تقديم الرواية
إذا ما تتبعنا حجم أجزائها سنجدها بهذا الحجم" الجزء الأول من صفحة 15 إلى 52، الجزء الثاني من صفحة 55 إلى 174، والجزء الثالث من صفحة 177 إلى 214، وهذا يقدمنا من الأحداث ففي الجزء الأول ـ وهو قصير ـ ركز السارد على الأحداث السياسية، فبدا وكأنه لا يريد الخوض في أمور السياسة التي مل منها الفلسطيني، بينما في الثاني ـ وهو الأطول والأكبر ـ كانت الأحداث متعلقة بالمجتمع وبالنساء فيه، وهذه مواضيع مهمة اجتماعيا ووطنيا، فعندما تحل مشاكل النساء في المجتمع، يمكن أن تكون المقاومة اكثر فاعلية وتأثيرا، لأن ذلك سيجعل المقاوم/المقاومة تستند على قدمين راسختين، المرأة والرجل، لهذا ستكون فعاليتهما أكبر وأكثر.
أما الجزء الثالث فقد جاء ليتحدث عن رؤية السارد الإيجابية للمستقبل، فهناك عودة "ياسين بعد القادر" إلى بيته في عراق المنشية ووفاته في بيته ودفنه في مقبرة عائلته إلى جانب أباه وأجداده، واقتران "سعيد" بحبيبته الأولى "مسعدة" والتخلص من الفاسد والعميل "يوسف فخر الدين" فكان السارد يريد تقديم أحداثا مريحة للمتلقي/ مما جعله يختصر ويختزل في السرد.
الأسماء
الأسماء لها دلالات يمكن الاستناد عليها للوصول إلى ما يريد طرحه من الرواية، "سعيد مسعدة" لهما علاقة بالفرح إن كان من خلال المعنى أم من خلال شكل اللفظين اللذان يتشاركان في حروف السين والعين والدال، مما يجعل ترابطهما وثيقا ومصيرا، فرغم ما مرا به من أحداث وفراق إلا ألا أنهما اجتمعا أخيرا.
"تحرير" ابنة "ياسين عبد القادر" و"تحرير" أبنة "سعيد ومسعدة" اللتان قتلتا، الأولى في حرب 1948، والثانية، بعد أوسلوا، بمعنى أن (حرية) فلسطين انتهت عام 1948 وفي عام 1994، فقتل التحريريتين يشير إلى رؤية السادر السوداوية لما جرى في عام 48 وعام 94، فهناك نكبتان حصلتا في فلسطين.
"أمل وثائر" أبناء "سعيد ومسعدة" وما بقاؤهما إلا إشارة إلى الأمل وللثورة التي يراها السارد، من هنا وجدنا نهاية الرواية إيجابية أكثر منها سلبية.
"عائد" أبن الشهيد "بدر الدين" خال "سعيد" الذي عاد بعد أوسلو متجاهلا ما جرى لأهله ولشعبه، فكانت عودته في أوسلو" لا تعبأ حجم المأساة التي مر بها وعائلته.
"زهرة" التي استباحها عملاء الاحتلال، وتركها المجتمع وحيدة تواجه مصيرها كمرأة منبوذة لأنها فقدت عذريتها غصبا وكرها، ومع هذا لم يرحمها المجتمع.
"قمر الدين" فتاة جميلة أكدت أنها قادرة على الفعل الخلاق ـ كما هو الحال في التراث الأدبي العربي ـ رغم أنها ضحية والدها، أقرب الناس عليها، وزوجها، ومع هذا استطاعت الفعل وتجاوز عمرها ودورها كأم لتنتقم من بقتل زوجها "يوسف فخري" الخائن والفاسد، فكانت بقتله تمثل الفتاة الفاعلة والمؤثرة.
الرواية من مشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله، فلسطين، جسور للنشر والتوزيع، عمان ألأردن، الطبعة الأولى 2021.








رغم ما نمر به من قتل وتشريد وتدمير إلا أن هذه الرواية تم تناولها في جلسة واحدة، وهذا كافي لنقول عنها رواية ناجحة وممتعة، فالشكل الذي قدمت به كان تميزا، فهناك حكاية شعبية، وقصائد مغناة، وأغنيات، وقصائد متنوعة، يضاف إلى كل هذا أن الرواية من ألفها إلى ياءها جاءت على لسان السارد "سعيد" الذي أقنعنا بلغته، إن كانت محكية أم فصحى، حتى أنه تحدث بموضوعية عندما أراد الحديث عن الأسر وما يلاقيه الأسير من تعذيب: "إنني أكره البحث في ذاكرتي عن هذا الملف الأسود والمظلم" ص76، فهذا يؤكد السارد مقولة الروائية "عائشة عودة": "الحديث عن الألم ألم إضافي" لهذا قرر الساد عدم الخوض في تفاصيل الأسر، مكتفيا بالحديث السريع والمختصر عن تجربته في الأسر.
يضاف إلى ذلك أن السارد استخدم الأسماء بطريقة ذكية تخدم أحداث الرواية "سعيد مسعدة، تحرير (الأبنة والحقيدة)، عائد الذي عاد بعد أوسلو، وأوسلو الذي كبل الفلسطيني بالتنسيق الأمني والذي تسبب بمقتل الحفيدة "تحرير" بعد أن دهستها عربة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا له دلالة رمزية، تجاوزت الأحداث (الواقعية) في الرواية، مما جعل الرواية شكلا وطريقة تقديم غير تقليدية، أما بخصوص الفكرة والأحداث فقد امتدت من عام 1967 إلى عام 2002 وهذا يجعلها رواية فلسطينية بامتياز.
رغم أن هناك أحداثا وطنية إلا أن الجانب الاجتماعي كان حاضرا وبقوة فيها، من هنا يجري الحديث عن أكثر من امرأة، وكيف يتم التعامل معها اجتماعيا، "مسعدة" التي يجبرها أخوها وأختها على ترك "سعيد" المعلم والقبول بالزواج من "محمد" الغني الذي يتركها بعد أسبوع من الزواج ودون أن يمسها، فتبقى دون زوج لمدة عامين كاملين، إلا أن تتمرد على واقعها دون زوج، وتخاطب حماها بضرورة الذهاب إلى زوجها في الخليج العرب لتأخذ حقها كزوجة تريد زوجها، فتتفاجأ بأنه متزوج/زوجة لأحد الأمراء، وهناك تحصل على ورقة طلاقها، أما "زهرة" فتقع فريسة لأحد العملاء "يوسف فخري" الذي يستبيحا مع ثلاثة آخرين فتفقد عذريتها، مما جعلها ترفض كل من يتقدم إليها، إلا أن يأتي "سعيد" فتقبل به، لكنها قبل العرس تخبره بحقيقتها، فيقرر التخلي عنها ورفض إتمام الزواج بقوله: "والله نفسي ما بتتقبل أغمس من صحن مغمس منه، سامحيني يا بنت الناس، ما لك عندي ذنب" ص143، وهنا نجد سطوة المجتمع الذكوري حتى على بطل الرواية الذي يفترض أن يكون متميزا عن غيره من الناس.
وهناك "قمر الزمان" التي يخسرها والدها بلعبة قمار مع "يوسف فخري" فيزوجها وهي ابنة ثلاث عشرة سنة، فتكون زوجة وأما وهي ما زالت طفلة، وعندما يقرر "يوسف فخري" الزواج من "مسعدة" تقوم بقتله، وهذا يجعلها ضحية مرتين، مرة عندما تزوجت وهي بعمر ثلاث عشرة سنة، ومرة عندما قامت بقتل زوجها الشبق والعميل الذي كان يفترض أن يقوم بقتله "سعيد" أو أحد أفراد المجتمع، كل هذا يجعل المرأة ضحية بكل معنى الكلمة، ضحية الاحتلال وضحية أفكار مجتمعها القاسي.
الأحداث
من هنا نستطع القول إننا أمام رواية تجمع بين جمالية الشكل وطريقة التقديم وبين أهمية المضمون، إن كان وطنيا أو اجتماعيا، سنحاول فيما يلي التوقف قليلا عند ما جاء فيها ونبدأ بالأحداث الوطنية التي بدأت في عام 1967 واحتلال بقية فلسطين التاريخية: "توقف فطار حياتنا من بدء يوم الخامس من حزيران لعام 1967 م، تدهورت حياتنا وأحوالنا، ولم ترجع مثلما كانت من قبل أبدا، إنه البلاء والابتلاء الذي عم وطم على البلاد والعباد، التخريب الصهيوني الاستيطاني" ص 21، مضمون هذه الفكرة تناولها السارد في مواضع أخرى، وهذا يشير إلى حجم الكارثة التي حلت بفلسطين وشعبها، فهناك تبعات لهذا الاحتلال تمثل في هجرة أخرى قام بها الفلسطيني إلى شرق النهر تبعها قتل وموت وملاحقة، فيحدثنا عن خاله "بدر الدين" الذي استشهد في أحداث أيلول عام 1970 وما ترتب على ذلك من هجرة عائلته إلى لبنان، مخيم صبرا وشاتيلا لتلقي حتفها كاملة في عام 1982 باستثناء "عائد" الذي ترك لبنان مع المقاتلين قبل المجزرة.
عبد الناصر
يتناول السارد "جمال عبد الناصر" ودوره كصمام أمان للثورة الفلسطينية، في أكثر من موضع، وهذا يشير إلى دوره كقائد للعرب وللثورة، من هنا كانت وفاته تعد كارثة أخرى تحل على العربي وعلى الفلسطيني: "في ظهيرة يوم 28 أيلول 1970، تفاجأ العالم أجمع بخبر وفاة رئيس جمهورية مصر العربية ... وربط الكل الفلسطيني وفاته بسبب حزنه وغضبه على ما ألم بأبناء الشعب الفلسطيني من القتلى والتعذيب والطرد في الأردن، فكان المرحوم من أكثر زعماء الأمة العربية حبا وتضامنا معنا" ص37، هذا التناول يشير إلى جم المكانة التي كان يحتلها عبد الناصر، فهو لم يكن مجرد رئيس لمصر، بل رئيس كل المنطقة العربية التي كانت تحسب له الف حساب، وما حديث "ياسين" حمى "سعيد" عن عبد الناصر: "لما اتحاصرت عراق المنشية والفالوجة وعراق سويدان من اليهود، بقى في حامية من الجيش المصري والجيش السوداني يدافعوا عنها، بقيادة اللواء الأدميرال سيد محمود وآخرون من ضمنهم جمال عبد الناصر" ص183، إلا تأكيد لدوره ومكانه كقائد عربي وحدوي، فقدته مصر كما فقدته فلسطين وفقده كل العرب وأحرار العالم.
الفلسطيني والمكان
هناك علاقة حميمة بين الفلسطيني والمكان، السارد يقدم المكان بطريقة استثنائية، حتى انه أقرن وجوده بوجود الفلسطيني، يحدثنا عن حماه "ياسين عبد القادر" بهذا الشكل: "كان متعلقا ببلده الأصلية عراق المنشية، فكان كلما نظر إلى الطفلة تحرير كان يتكلم ويتوسل إلى رب العلمين بأن يرجعهم إلى بلدهم، وريدهم بأسرع وقت" ص177، وما عودته وموته في "عراق المنشية" التي (تسلل) إليها عائدا ليموت فها إلا تأكيدا للحميمة التي تجمع الفلسطيني بالمكان: "دفعت بابها برجلي اليمنى، وهنا وجدنا المفاجأة الرهيبة، جثة عمي ياسين ممددة على المصطبة، ويده اليمنى منحنية تحت رأسه بل الوسادة، ورائحة الدار تعبق برائحة العطور والبخور" ص210، فالموت في البيت الذي هجرة منه عام 1948 يؤكد أن هناك علاقة وجودية/مصيرية، وليست علاقة بمكان مجرد.
المرأة
هناك اكثر م مرأة في الرواية وبمجملهن كنا ضحايا أفكار المجتمع الذكوري، فقد أقام "سعيد" أكثر من علاقة، في البادية مع "مسعدة" التي تركها بعد أن تدخلها أخوها مهدد بذبحها بالسكين إذا لم يطلقها "سعيد" وهذا ما تم، بعدها يعقد قرانها على "محمد" الذي يتركها دون أن يمارس دوره كزوج، فتكون ضحية لرغبات أخيها وأختها اللذان طمعا بالهدايا والعطايا التي سيحصلان عليها من العريس.
وبعد أن تلتقي بزوجها في الخليج العربي، وتعلم حقيقته حيث كان مجرد زوجة لأحد الأمراء، وما الثروة التي حصل عليها إلا ناتجة عن هذا الزواج غير السوي، تطلب بطلاق وتحصل عليه، لتعود إلى بلدتها كمرأة مطلقة/عانس يعزف عنها الرجال.
وعندما تلتقي "بسعيد" في المسجد الأقصى وتخبره وأمها بما جرى لها ووأنها مال زالت بكرا، وتطلب منه أن يعود لخطبتها يرفضها "سعيد" وليكمل مع "زهرة" التي تعرضت لخديعة من عملاء الاحتلال، ومع هذا لم يقبل أن يكمل معها "سعيد" مستخدما منطق المجتمع الذكوري: "والله نفسي ما بتتقبل أغمس من صحن مغمس منه، سامحيني يا بنت الناس، ما لك عندي ذنب" ص143، وبهذا يكون "سعيد" قد خذل امرأتين، "مسعدة وزهرة" علما بأنهما ضحية المجتمع والعائلة، وليس لهما أي ذنب فيما جرى لهما، حتى أن "سعيد" نفسه قبل أن يطلق "مسعدة" بعد أن هدد أخوها بقتلها، بمعنى أنه لم يقاوم أو يتحدى أو يعمل على المحافظة على حبيبته وامرأته، وأيضا ترك "زهرة" لتستمر في حياتها دون رجل، لان الرجال في المجتمع يرفضون "الغمس من صحن مغموس منه"
أما "قمر الدين" فقد كانت ضحية الأب والزوج معا، الأب باعها لزوج "يوسف فخري" يكبرها بعشرين عاما، وهي بعمر ثلاث عشرة عاما، وعندما قامت بقتل زوجها، كانت تقوم بما كان يجب أن يقوم به المجتمع (المقاوم/الثوري) لكن تقاعس الرجل فيه جعلها تقدم على التخلص من زوجها العميل والفاسد، فترتاح منه وتريح المجتمع منه.
من هنا يمكنا القول إن نساء الرواية ضحايا المجتمع وضحايا الاحتلال معا، وأنهن أكثر فاعلية من الرجال، وأكثر صبرا وجلدا على الشدائد، لهذا عندما أقدمت "مسعدة" وأصرت على الذهاب إلى "محمد زوجها، وقتلت "قمر الدين " "يوسف فخري" زوجها كنا يقمن بثورة متعددة الأوجه، ثورة على فكرة المجتمع الذكوري، وثورة على الاحتلال.
السرد
الرواية بمجملها جاءت على لسان "سعيد" الذي تحدث فيها عن تفاصيل حياته ما مر به من أحداث وشخصيات، فكان ينقل لنا أقول وحديث الشخصيات الأخرى، وهذا الأمر انعكس على اللغة، ومن ثم على فنية الرواية، فهناك أكثر من جمالية، منها الجمع بين اللغة المحكية والفصحى، وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى فلسطينتيها، فالمتلقي يستطيع الوصل إلى أنها رواية فلسطينية من خلال اللهجة المحكية، إضافة إلى ما فيها من أحداث.
طريقة تقديم الرواية
إذا ما تتبعنا حجم أجزائها سنجدها بهذا الحجم" الجزء الأول من صفحة 15 إلى 52، الجزء الثاني من صفحة 55 إلى 174، والجزء الثالث من صفحة 177 إلى 214، وهذا يقدمنا من الأحداث ففي الجزء الأول ـ وهو قصير ـ ركز السارد على الأحداث السياسية، فبدا وكأنه لا يريد الخوض في أمور السياسة التي مل منها الفلسطيني، بينما في الثاني ـ وهو الأطول والأكبر ـ كانت الأحداث متعلقة بالمجتمع وبالنساء فيه، وهذه مواضيع مهمة اجتماعيا ووطنيا، فعندما تحل مشاكل النساء في المجتمع، يمكن أن تكون المقاومة اكثر فاعلية وتأثيرا، لأن ذلك سيجعل المقاوم/المقاومة تستند على قدمين راسختين، المرأة والرجل، لهذا ستكون فعاليتهما أكبر وأكثر.
أما الجزء الثالث فقد جاء ليتحدث عن رؤية السارد الإيجابية للمستقبل، فهناك عودة "ياسين بعد القادر" إلى بيته في عراق المنشية ووفاته في بيته ودفنه في مقبرة عائلته إلى جانب أباه وأجداده، واقتران "سعيد" بحبيبته الأولى "مسعدة" والتخلص من الفاسد والعميل "يوسف فخر الدين" فكان السارد يريد تقديم أحداثا مريحة للمتلقي/ مما جعله يختصر ويختزل في السرد.
الأسماء
الأسماء لها دلالات يمكن الاستناد عليها للوصول إلى ما يريد طرحه من الرواية، "سعيد مسعدة" لهما علاقة بالفرح إن كان من خلال المعنى أم من خلال شكل اللفظين اللذان يتشاركان في حروف السين والعين والدال، مما يجعل ترابطهما وثيقا ومصيرا، فرغم ما مرا به من أحداث وفراق إلا ألا أنهما اجتمعا أخيرا.
"تحرير" ابنة "ياسين عبد القادر" و"تحرير" أبنة "سعيد ومسعدة" اللتان قتلتا، الأولى في حرب 1948، والثانية، بعد أوسلوا، بمعنى أن (حرية) فلسطين انتهت عام 1948 وفي عام 1994، فقتل التحريريتين يشير إلى رؤية السادر السوداوية لما جرى في عام 48 وعام 94، فهناك نكبتان حصلتا في فلسطين.
"أمل وثائر" أبناء "سعيد ومسعدة" وما بقاؤهما إلا إشارة إلى الأمل وللثورة التي يراها السارد، من هنا وجدنا نهاية الرواية إيجابية أكثر منها سلبية.
"عائد" أبن الشهيد "بدر الدين" خال "سعيد" الذي عاد بعد أوسلو متجاهلا ما جرى لأهله ولشعبه، فكانت عودته في أوسلو" لا تعبأ حجم المأساة التي مر بها وعائلته.
"زهرة" التي استباحها عملاء الاحتلال، وتركها المجتمع وحيدة تواجه مصيرها كمرأة منبوذة لأنها فقدت عذريتها غصبا وكرها، ومع هذا لم يرحمها المجتمع.
"قمر الدين" فتاة جميلة أكدت أنها قادرة على الفعل الخلاق ـ كما هو الحال في التراث الأدبي العربي ـ رغم أنها ضحية والدها، أقرب الناس عليها، وزوجها، ومع هذا استطاعت الفعل وتجاوز عمرها ودورها كأم لتنتقم من بقتل زوجها "يوسف فخري" الخائن والفاسد، فكانت بقتله تمثل الفتاة الفاعلة والمؤثرة.
الرواية من مشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله، فلسطين، جسور للنشر والتوزيع، عمان ألأردن، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا