الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالَمُ اليوم ضحيةُ اتفاقية عمرها 79 عاما

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


حقيقةً يحتارُ الإنسان عَمّا سيتحدث في هذا الزمن.. فالعالمُ كلهُ يبدو في حالةٍ من الجنون.. والكرةُ الأرضية تعيشُ حالةً من الصُداع المُزمِن، ليس بسببِ تغيُّر المناخ، ولا ثِقبُ الأوزون، ولا بسببِ ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، وإنما بسببِ شريعة الغاب التي باتت تسودُ أرجاء هذا الكون.. والدّعسُ على كافة القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، وصكوك حقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، التي وضعتها وطوّرتها البشرية على مدى تاريخٍ طويل من عمرها.
أفظع صُوَر هذا الجنون تتجلّى اليوم في جرائم إسرائيل وداعمها الأمريكي في غزّة، حيثُ تعرّى النفاق الغربي، لاسيما الأمريكي، حتى من ورقة التُوت، وبعد كل ما ارتُكِب من جرائم، لجأت أخيرا الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن لتطرح مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار، وهي من عطّلت كافة المشاريع السابقة بهذا الخصوص..
يعني هي تريد إرسال رسالة للعالم أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار العالمي وهي من تُشعِل الحروب وتُطفِئ الحروب فقط..هي من تكبس الزر فتضيء اللّمبة وتكبسه ثانية فينطفئ الضوء.
**
العالم اليوم يدفع ثمن اتفاقية يالطا، التي تمت في مؤتمر يالطا، في جزيرة القرم في شباط 1945 ،وقسّمت مناطق النفوذ في العالم، لاسيما في أوروبا، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.. وحافظت على هذا التوازن بين العملاقين العالميين طيلة 45 عاما، إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي نهائيا عام 1991 ، فاختلّ التوازن العالمي نهائيا من الناحية السياسية والجغرافية والاستراتيجية، ولكن بقي توازن الرُعب قائما من الناحية النووية..
بعد أقلِّ من شهرين من مؤتمر يالطا تأسست منظمة الأمم المتحدة خَلفا لِعصبَة الأمم.. وتمّ اعتماد ميثاقها بعد شهرين من ذلك في حزيران، بناء على توازن القوى العالمي حينئذٍ، والذي منح العضوية الدائمة في المجلس وحق الفيتو لثلاثة دول غربية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ودولة شرقية واحدة وهي الاتحاد السوفييتي، بينما حُرِمت جمهورية الصين الشعبية من حقها القانوني في العضوية وبقيت 22 سنة كذلك منذ تأسيسها عام 1949 وحتى عام 1971 حينما استعادت حقها المسلوب بقرار الجمعية العامة رقم 2758 ، الذي نصّ على إعادة كافة الحقوق الشرعية للصين الشعبية في الأمم المتحدة.
وكانت جزيرة تايوان أو (جمهورية الصين الوطنية) تشغل مقعد الصين الشعبية في الأمم المتحدة بدعم من القوى الغربية، كل ذاك الزمن.
كان عدد أعضاء الأمم المتحدة عام 1945 هو 51 دولة، فغالبية دول العالم الثالث كانت مستعمَرة. بينما يبلغ عددها اليوم 193 دولة.
رغم هذا الازدياد الكبير للأعضاء، وما حصل في العالم من تغيرات وتبدلات، وتحالفات وأحلاف، وتكتلات اقتصادية كبرى، وبروز دول مؤثِّرة عديدة، إقليميا أو دوليا، كما الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا والأرجنتين والمكسيك وغيرها، فلم يتبدّل نظام الفيتو في مجلس الأمن، وبقي محصورا في خمسة دول..
حق النقض أو الفيتو، كان في أماكن عديدة لمصلحة الأمن والسلم الدوليين، ولكن في أماكن عديدة أخرى كان بعكس ذلك. ولم تستخدمه الولايات المتحدة وحلفائها في أي وقت إلا لزعزعة الأمن والسلم الدوليين، وحماية الأنظمة العنصرية، كما نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الماضي، وحماية إسرائيل أيضا في الماضي والحاضر..
واتّبعت الولايات المتحدة في استخدام حق الفيتو عقلية المجاكرات والنكايات، كما تابعنا خلال العدوان الإسرائيلي على غزّة..
وبعد أن عطّلت كافة مشاريع القرارات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، قامت بتقديم مشروع قرار الجمعة 22 آذار 2024 يدعو إلى وقف إطلاق النار، ولكن بنفس الوقت يدين حركة حماس على ما جرى في 7 أكتوبر 2023 دون الإشارة لأي خلفيات دفعت إلى عملية 7 أكتوبر، والتي قال عنها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، أنها لم تأتي من فراغ، وعدم تحميل أي مسؤولية لإسرائيل في رفضها تنفيذ أي قرار للأمم المتحدة يدعوها إلى الاعتراف بقيام دولة فلسطينية، وإنهاء الاحتلال، وإلا ما كانت حصلت عملية 7 أكتوبر.. ولذلك كان لا بُدّ من فيتو روسي وصيني، لأن القرار منحاز لإسرائيل ويفتقد للتوازن..
**
لا يمكن للأمن والسلم الدوليين أن يُصانا، باستمرار هذا النظام الاحتكاري للفيتو من طرف خمسة أعضاء فقط، ثلاثة منهم في حلف الناتو.. الأمم المتحدة تحتاج لإصلاح كبير..
الدعوات لإصلاح الأمم المتحدة قديمة، وعايشتُ بعضها حينما كنت عضوا في وفد بلادي في نيويورك أوائل الثمانينيات، ومن خلال خبرتي المتواضعة توصّلتُ منذئذ إلى قناعة أن الفيتو يجب أن يُلغى نهائيا من مجلس الأمن، وصلاحيات المجلس تُمنح للجمعية العامة كونها تمثل هيئة برلمان دولي، ولكل عضو صوت واحد، ويتم اتخاذ القرارات التي تتعلق بالأمن والسلم الدوليين بأغلبية ثلثي الأعضاء، وتكون ملزمة، ويكون دور مجلس الأمن متابعة تنفيذ هذه القرارات..
هذا ما يجب أن تعمل عليه بلدان العالم الثالث، وحينها ستبادر الدول العظمى لكسب ودِّ أصغر بلد في الأمم المتحدة كي تكسب صوته.. تماما كما حينما يتنافس مجموعة مرشحين على منصب، أو عدة مناصب داخل بلد ما، فكل واحد سيسعى لكسب صوت أصغر مواطن..
من دون ذلك سيبقى عمل مجلس الأمن معطّلا.. وسيبقى مجلس الأمن فاقدا لدورهِ في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وتحكمُ عمله ووظيفته النكايات والمناكفات، وحماية المصالح الإستراتيجية الخاصة للدول العظمى، وتحالفاتها.. بل ويزداد التوتر الدولي وخطر قيام حرب عالمية ثالثة يكون سلاحها الأكبر هو السلاح النووي، لاسيما بعد هذا التصعيد الغربي في أوكرانيا وتهديدات فرنسا بإرسال قوات برية للمشاركة في الحرب إلى جانب أوكرانيا، والتصريحات بمصادرة الأصول الروسية في الغرب وشراء أسلحة بها إلى أوكرانيا. والحرب النووية ليست مزحة، ولا منتصرا فيها، الجميع خاسرا، إنها دمار للبشرية كلها.. فالأسلحة النووية ليست حُكرا على دولة بعينها.
**
كل ما تشهده الساحة الدولية من أحداث ساخنة، قابلا للتصعيد والاشتعال أكثر ما لم تحصل معجزة من نوع ما، تُبرِّد من حرارة هذا الاشتعال.. وهذا لا يبدو في الأفق، ففتيل الاشتعال هو في واشنطن، ولا يبدو أن أحدا في عالم اليوم قادرا على سحب هذا الفتيل من يدها، إلا في حال تفكك هذا الاتحاد الفيدرالي الأمريكي، كما تفكك الاتحاد السوفييتي.. وهذا لا يبدو في الأفق نظرا لطبيعة النظام السياسي الأمريكي ومؤسساته على صعيد الولايات وعلى صعيد الحكومة الاتحادية، والدور الكبير للكونغرس، وللدستور، وللمحكمة العليا.. والاحتكام أخيرا لكل ذلك.. والأهم إرادة الشعب الأمريكي في التمسك بهذا الاتحاد.. ولكن لا شيئا مُطلَقا في التاريخ..
**
أهلُ غزّة دفعوا أثمانا باهظة فاقت كل الحسابات، من دمار وموت ونزوح وتشريد وجوع ومرَض أمام مرأى من العالم كله، ولم يلقوا سوى العواطف وبيانات الإدانة والاستنكار، لا من العرب ولا من المسلمين، ولا حتى من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.. ونتنياهو ماضٍ في تحدّي العالم وإكمال جرائمه في غزّة، فهو يريدها أن تكون آخر حروب إسرائيل في هذا القطّاع، كما كانت حرب أكتوبر/ تشرين عام 1973 آخر حروب العرب مع إسرائيل.. وإن كان الرئيس أنور السادات هو من ردّد دوما أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، فإن الرئيس الفلسطيني ردّد دوما أنه لا يريد الحروب، ولا حتى أي شكل من أشكال العنف.. إنهُ متأثرا بأسلوب المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، رغم أن طبيعة الصراع مختلفة 180 درجة، فهناك لم يكُن المُحتل يعتبر أن له حقا تاريخيا ودينيا في أرض الهند أو أرض جنوب أفريقيا، ولذلك هو لم يأتي ليستوطن، أما في فلسطين فالمحتل يعتبر أن أرض فلسطين هي مُلكا لهُ، وبأوامر ربّانية، والله وعدَه بها، ولا يعترف بوجود شعب اسمه شعب فلسطين..
**
فشلَ العرب على صعيد قضية فلسطين القومية.. ولكن الأخطر أن يفشلوا على صعيد بناء دول مؤسسات وقانون وعدالة وتكافؤ فرص.. شريعة الغاب تسود العلاقات بين الدول، ولا حَقّا أو مكانة لدولة إلا بمقدار ما تمتلك من عوامل القوة والهيمنة والنفوذ.. ولكن الأخطر أن تنعكس هذه الحالة داخل حدود الدول الوطنية ذاتها، ولا يكون هناك حقّا للمواطن إلا بمقدار ما يمتلك من عوامل القوة والهيمنة والنفوذ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث