الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من النظام الوطني للابتكار إلى الذكاء الاصطناعي العالمي... وبالعكس.!

محمد عبد الشفيع عيسى

2024 / 3 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


اخترنا عنوانا لهذا المقال : (من النظام الوطني للابتكار إلى الذكاء الاصطناعي العالمي..! وبالعكس...!).
ذلك أننا لا نقصد الابتكار في حد ذاته بالرغم من الأهمية المنوطة به على كل حال. وإنما نقصد تحديداً (النظام الوطني للابتكار) أو لعله : (المنظومة الوطنية للابتكار National System of Innovation) وذلك يدعونا إلى نقطة البداية، في الابتكار. وما الفرق بينه وبين ما يلتبس معه من ألفاظ ومعان ..؟
أول ما يلتبس مع الابتكار، الاختراع : invention و أول ما يتميز به الاختراع عنصر (الجدّة) Novelty فهو شبيه بتعريف المادة في علم الفيزياء: (المادة لا تفنَى و لا تُستحدث ) و هي لا تنشأ من العدم ..!.
هي لا تستحدث استحداثاً، وإنما لابد أنها موصولة ما سبقها فتتولد عنه، ومن ثم، برغم تميزها عن غيرها، فهي لا تنشأ من (اللا شىء) أو (العدم)..!
كذلك الابتكار، لا يقوم من الفراغ، ولكن مما يسبقه من أعمال الولادة والتطوير.. وربما كان المفكر الاقتصادي (جوزيف شومبيتر : 1883-1950) أول من أدخل هذا المصطلح بقوة إلى الأدبيات الاقتصادية المعاصرة، وخاصة من خلال كتابه الشهير الموسوم : (الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية) الصادر عام 1942.
وفقا لشومبيتر، إن الابتكار هو نوع من التطوير، يلحق إما بتطوير المنتجات ( أىْ إيجاد منتَج أو سلعة جديدة) وإما بتطوير "العمليات الإنتاجية"، أى استحداث طريقة جديدة لإنتاج السلعة. وفى الحالتين، هو يؤدى إلى تسريع النمو الاقتصادي، ومن ثم زيادة الناتج ورفع "الإنتاجية"، وهنا يمكن سرّ "التقدم الاقتصادي".
أما الاختراع فهو ينشئ "السلعة" أو "العملية" إنشاءً، ويرتّب على ذلك حقاً قانونياً لصاحب الاختراع، فيما يعتبر من قبيل (الملكية الفكرية) ومنها (حق المؤلف).
الاختراع من ثم يرتبط باسم شخْص أو "مجموعة من الأشخاص"، على عكس الابتكار، الذى لا يرتبط قانوناً، باسم شخص، ولا يترتب له، في حدّ ذاته، حقاً قانونياً، كما أنه لا يعتبر سرّاً ! بينما (الاختراع) تكون السرية secrecy عنصراً أساسياً فيه، بالإضافة إلى "قابلية التطبيق". و برغم عدم سرية الابتكار، فإنه يمكن أن تنشأ عنه مزايا (مادية ومعنوية) للمبتكر، من حيث أنه غالباً ما يرتبط بما يسمى (سرّ الصّنعة) know-how أي "كيفية" إنتاج السلعة أو "أداء الخدمة"، وتلك هي (المعرفة التكنولوجية) أو "التكنولوجيا" فى أحد تعريفاتها، باختصار.
و قد كانت الاختراعات هي عماد الثورة الصناعية الأولى (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) وربما ما قبلهما، وكان المخترعون قلّة مبدعة، مثل : "أديسون"، مخترع المصباح الكهربائي (في 21 أكتوبر 1879، ومن قبله "جميس وات" (1736 -1819) مخترع أو محسّن استخدام "المحرك البخاري".
وفي المقابل، فإن الثورات التكنولوجية التالية، حتى ما يقال له هذه الأيام "الثورة الصناعية الرابعة" أو "الخامسة" قامت و تقوم، أساسا، على الابتكارات التي تستحدثها مجموعات كبيرة، ومؤسسات منظمة، إذ لم يعد العلم فكراً متفرداً، ولكنه نتاج اجتماعي موسع بحق. وهذا هو الحال في أمريكا وأوروبا واليابان، وكذا في الاتحاد السوفيتي (السابق) ..!.
النهضة الصناعية- والتكنولوجية إذن، لم تعد تقوم على أفراد نوابغ، ولكنها تقوم على مجموعات واسعة، وجماعات ومنظمات، ومؤسسات. ومن ثم لم تعد الاختراعات مرتبطة بأشخاص متناثرين، ولكن بالمجتمع البشرى الحىّ بأكمله، حيث يكون المجتمع نفسه مجتمعاَ مبتكراً (بكسر الكاف)، ويكون مبثوثا في كافة أرجاء المنظومة الاقتصادية-الاجتماعية. تكون الابتكارات بهذا المعنى ، مشتملا على إيجاد سلع وتخليق عمليات، ونشر "أسرار الصنعة" و إحداث تصميمات هندسية، إما أساسية، أو تفصيلية، وما كان يسميه المهندس الأستاذ (على نجيب) يرحمه الله، بإنشاء "العمليات الإنتاجية".
ولم يعد يتسّنّى لمجتمع من المجتمعات أن يحقق التقدم الاقتصادي المطّرد إلا بِحَثّ الابتكارات، ونشرّها فى كل مكان منه Dissimilation. لا بل أن هذا الحثّ والانتشار يأخذ شكل نظام متناسق، أو منظومة system ممتدة في أركان المجتمع الأربعة، يميناً ويساراً وشمالاً وجنوباً. وكم قُدِّر لي حينما كنت في مهمة علمية بجامعة (طوكيو – عاصمة اليابان) منذ سنين، أن أشاهد، وأقرأ عن الابتكار ومنظومته، ونظامه، كما قُدِّر لى أن أقرأ ما يتعلق بذلك من دراسات في بعض بلدان العالم الأكثر تطوراً في وقتنا (أمريكا وأروبا) .
و لقد امتدت الابتكارات، (مع الاختراعات ولا بأس..!) لتطال كل شيء في البلدان المذكورة، حتى وصلت (عبر ما يسمى الثورة الرابعة) إلى التخوم المميزة لمنظومة بعينها هي منظومة "الذكاء الاصطناعي"، ذلك الذى يقوم على الاستفادة من "البيانات الضخمة" Big Data واستكناه أسرارها، وتوليد الأفكار والتطبيقات على أساسها، ليكون ذكاء توليدياً، generative، وحيث يقوم بأداء العمليات البشرية، ويكون بديلاً عنها، في أحيان كثيرة، وبأفضل منها .
هذا ما يهدد بتوسيع (الفجوة التكنولوجية) بين البلدان الأكثر تطوراً و بين البلدان النامية وتلك السائرة على طريق النمو، عبر الأتمتة automation، والرقمنة digitalization فى كل مجال من مجالات الحياة المعاصرة و التكنولوجيا : التكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المواد، تكنولوجيا الفضاء، تكنولوجيا التصنيع.. وهلمّ جرّا .
هكذا إذن اتصل الاختراع بالابتكار والذكاء التخليقي، فإلى أين نحن سائرون يا ترى ..؟! هل إلى استحداث كائنات (مثل : "النعجة دوللى") وما تنبئ به مثلاً ...؟ أم إلى تخليق أدوات فكرية مكمّلة أو بديلة للمخ البشرى، كما يرى البعض ..؟
أم هل نصل إلى عنان السماء، ومن فوق الكواكب - برغم عدم ثبوت وجود "حياة" فوق "المريخ" مثلاً- وهل يتحول الإنسان إلى (غير الإنسان)..؟
هنا نجد أمامنا حائطاَ صلباً صلداً، لن نتجاوزه بحال، لأن تقدمنا ذاك، ينطلق ويندفع، و تستمر اندفاعته، بدون "أخلاقيات" موازية Ethics ، كأخلاق إنسانية حقاً، أو "مؤنسنة"، أو ما فوق -الإنسان العادي (سوبرمانيّه.) .!؟ .
بدون تلك الأخلاق الإنسانية الرفيعة، سوف تصب الاختراعات والابتكارات وأنظمة الذكاء التخليقي، فيما لا يرتبط بالارتقاء الإنساني الحق، فيزيقياً وروحياً، بل ربما سيصل الأمر – بالضرورة – إلى إحياء أو إذكاء نزعة القتال الغريزي لدى البشر، أو قسم من البشر، بما يبعث على إشعال الحروب وإ ذكاء نيرانها التي لا تخمد.. وهذا ما نشاهده بأمّ العين في الآونة الحاضرة، و نلمسه، في قاراتنا الأربعة أو الخمس، كلما خمدت نار، لحقتها أخرى، حتى لتهدد بيوم القيامة البشرى، إن صح التعبير.
من هنا قلنا إننا لو اخترنا عنوانا بديلاً لهذا المقال لقلنا (من النظام الوطني للابتكار إلى الذكاء الاصطناعي العالمي، و بالعكس). ونقصد بكلمة (بالعكس) هنا أننا نأمل أن نعود بالذكاء الاصطناعي (و هو آخر كلمة قالتها التكنولوجيا والابتكارات والاختراعات) إلى نقطة البدء التي لابد أن تكون، وهى "الأخلاق" و "الأنسنة"، كجزء لا يتجزأ من المنظومة الوطنية الابتكارية بحق، بمعناها العريض العميق. و يكون النظام الابتكاري ( أو المنظومة الابتكارية) وطني الوعاء والمحتوى، أي الشكل والمضمون معا، بينما أن الذكاء الاصطناعي(في حال عدم ارتباطه بوطنية الابتكار) يكون ذا طابع "عولمي" بحت، مكرِّس للفجوات التكنولوجية و عدم المساواة، و " التطور غير المتكافئ" بين الشعوب والأمم، على حدّ تعبير (سمير أمين). ولذلك قلنا منذ البدء: (نظام وطني للابتكار) لنفرّق بينه وبين مجرد الذكاء الاصطناعي "العالمي -العولمي".
و إن أول علامات "الأنسنة"، تهذيب نزعة "التدمير غير الخلاق"، ليحل محلها النزوع إلى البناء و الارتقاء البشرى الحقيقي، وخاصة على الصعيد الروحي، فهل نستطيع حقا..؟
هذا ما نبتغيه ونأمله على كل حال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة


.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات




.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف


.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة




.. وديع إدوارد سعيد: الشرطة الأمريكية تلجأ للإفراط في القوة مع