الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيّة ( الجزء السادس ) : الكليانيّة مقياس لا يمكن أن يقيس الواقع

شادي الشماوي

2024 / 3 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الديمقراطيّة ( الجزء السادس ) : الكليانيّة مقياس لا يمكن أن يقيس الواقع
من آتاش / شعلة عدد 148 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيثراني ( الماركسي - اللينينيّ – الماويّ ) – 5 مارس 2024
جريدة " الثورة " عدد 845 ، 18 مارس 2024
www.revcom.us

ملاحظة الناشر : نُشر المقال أدناه بالفارسيّة في آتاش / شعلة عدد 148 ، مارس 2024 على موقع انترننت
cpimlm.org و ترجمه إلى النجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us . و الكلمات و الجمل بين معقّفين و بعض الهوامش أضافها المرتجمون لمزيد الوضوح . و قد نشر الجزء 1 و الجزء 2 و الجزء 3 و الجزء 4 و الجزء 5 كذلك على موقع revcom.us .
و المصدر الأساسي لسلسلة المقالات هذه هو كتاب بوب أفاكيان " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " و أعماله الأخرى حول الديمقراطية / الدكتاتوريّة .
-----------------------------------
من أكثر المفاهيم إستعمالا و شعبيّة في الساحة السياسيّة الإيرانية اليوم مفهوم " الكليانيّة " وهي نظريّة طوّرتها هانا آرندت . و هذا المفهوم يُستخدم اليوم في صفوف القوى المعارضة اليمينيّة منها و اليساريّة ، و إن كان بمقاربة و فهم متباينين ، لوصف جمهوريّة إيران الإسلاميّة . و معظم ذوى النوايا الحسنة عادة ما يتبنّون أنّ الكليانيّة شكل متطرّف من الطغيان و الإستبداد حيث الدولة تتحكّم في المجتمع إلى أكثر المظاهر الشخصيّة لحياة الفرد . لكن البعض يستخدمون عمدا هذا السلاح الإيديولوجي لتشويه الحلّ الراديكالي الوحيد الذى ظهر خارج إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي ( أي الثورة الشيوعيّة ). و يحدّدون البدائل الوحيدة والثقافيّة على أنّها " الديمقراطيّة " ( بما فيها الأوتوقراطيّات البرجوازيّة " الجيّدة ")مقابل الكليانيّة في حين أنّ الخيار الحقيقي هو بين نوعين مختلفين من المستقبل . إمّا تأبيد هذا النظام ذاته الرأسمالي الإضطهادي و الإستغلالي بكافة الفظائع التي يُنزلها بغالبيّة شعوب العالم ، و اليوم ، - من خلال تدمير البيئة و الحرب النوويّة [ المهدّدة ] للحياة على كوكب الأرض و لكافة الإنسانيّة – مقابل التخلّص من هذا النظام و تركيز صنف مختلف جوهريّا من الدول ( ديمقراطيّة دكتاتوريّة طبقيّة ) لأجل التحرّك بإتّجاه عالم خال من الملكيّة الفرديّة لوسائل الإنتاج و من الإختلافات الطبقيّة و الإجتماعيّة ، و [ ما من حاجة فيه ] إلى دولة .
و بالتالى ، من المهمّ أن نلقي نظرة عن كثب على مفهوم أو نظريّة الكليانيّة رغم أنّه ن العسير أن نسمّيها نظريّة نظرا لفقدانها للمنطق و الإنسجام الداخليّين ، لفهم ليس كيف يُستخدم المصطلح و تحليله للمشكل الذى تمثّله جمهوريّة إيران الإسلاميّة و ما تقوله إنّه من الواجب القيام به لمعالجة المشكل فحسب ذلك أنّه إن كان المشكل هو أنّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة كليانيّة ، ، سيكون الحلّ إنشاء " ديمقراطيّة جديدة " تتقدّم بها و تواصل التقدّم بها مرارا و تكرارا مروحة عريضة من المعارضة . لكن إن كان تحليلنا لطبيعة جمهوريّة إيران الإسلاميّة منسجما مع الواقع ، سنعترف بأنّها ليست مجرّد دولة فاشيذة تيوقراطيّة بل كذلك هي مترابطة تمام الترابط ببنية تحتيّة رأسماليّة متشابكة مع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي. و من هنا ، لا يمكن للحلّ أن يكون أقلّ من الإطاحة بجمهوريّة إيران الإسلاميّة ، بهدف تركيز دولة و مجتمع إشتراكيّين . لذا لنلقى نظرة على ما هي الكليانيّة و لماذا مشكلنا مشكلنا مع نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة ليس شيئا يسمّى الكليانيّة .
أي مفهوم أو نظريّة بما فيها الكليانيّة لا يمكن فهمه دون أن نأخذ بعين الإعتبار الإطار الاجتماعي التاريخي و العالمي الذى ظهر فيه . لذا ، يجب أن تكون واضحة لدينا هتين النقطتين : 1- الفترة [ التاريخيّة ] التي تطوّرت فيها هذه النظريّة ، و 2- أنّ هذه النظريّة تشويه للواقع يخدم مصالح طبقة معيّنة و أهدافها السياسيّة الخاصة . و فضلا عن ذلك ، لم توجد قط دولة يمكن تفسير وجودها ب " الكليانيّة " . فجميع نماذج الدول المدّعى أنّها كليانيّة كانت في الواقع إمّا دولا من أنواع متباينة ضمن الأنظمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة – فاشيّة كانت أم أوتوقراطيّة بقناع إشتراكي – و إمّا دولا إشتراكيّة حقيقيّة ( الإتذحاد السوفياتي بين 1917 و 1956 ؛ و الصين بين 1949 و 1976 ).
و إليكم كيف وصف [ القائد الثوري ] بوب أفاكيان المضمون الحقيقي و الدور السياسي لنظريّة الكليانيّة :
" تطوّرت هذه النظريّة في إطار الحرب العالميّة الثانية بما في ذلك أحداث أواخر الثلاثينات وصولا إلى تلك الحرب و فوق كلّ شيء الوضع الذى نشأ بعدها . لم يقع الترويج لهذه النظريّة على نطاق واسع ( و لم يكن الإتّحاد السوفياتي مستهدفا بذات الطريقة التي يستهدف بها الآن ) خلال فترة 1941-1945 حينما كان الإتّحاد السوفياتي [ الإشتراكي ] متحالفا مع " الديمقراطيّات الغربيّة " ضد الحلف الفاشيّ ( أي ألمانيا و إيطاليا و الإمبرياليّة اليابانيّة و حلفاؤهم ). و بعد الحرب ، تمّ تخصيب هذه النظريّة و الترويج لها بشكل تام . فالإتّحاد السوفياتي – و ما كان حينها معسكرا إشتراكيّا كبيرا بإمكانيّات كبيرة تحت قيادته - قد ظهر كنقيض معادي للإمبرياليّة في الغرب . ( و صار الحال كذلك و أصبح يُنظر إلى هذا المعسكر على أنّه غاية في الخطورة ، عقب إنتصار الثورة الصينيّة سنة 1949 ) ." (1)
و من ثمّة ، في ثمانينات القرن العشرين لمّا أضحت الكتلة الإمبرياليّة – الإشتراكيّة السوفياتيّة منافسا جدّيا للإمبرياليّين الغربيّين ، مفهوم ( أو تُهمة ) الكليانيّة أمست من الأسلحة الإيديولوجيّة الأساسيّة في ذخيرة الإمبرياليّة الغربيّة التي وظذفتها في هذا النزاع . و إلى ألان ، كلّما إحتدم النزاع [ بين الإمبرياليّين ] – مثلا ، في الحرب بين روسيا و حلف الناتو في أوكرانيا – يبرّرون عمليّاتهم بهذا السلاح الإيديولوجي [ الكليانيّة ].
و تقدّم الكليانيّة نفسها ك " مقياس " جديد يمضى أبعد من التمييز بين اليسار و اليمين .و بالفعل ليست آرندت فريدة من نوعها في [ رفضها ] الإعتراف بهذه الإختلافات الجوهريّة . إنّها تُعوّل على بعض أوجه الشبه السطحيّة بين ألمانيا الهتلريّة و الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين لتخلق " النظريذة الجديدة للدولة " . فوفق آرندت ، ثمّة نوع جديد من الدول ، " الدولة الكليانيّة " التي ليست مختلفة عن الديمقراطيّة فقط و إنّما مختلفة بجلاء حتّى عن الدول الدكتاتوريّة ( الرجعيّة ، ألوتوقراطيّة إلخ التي وُجدت إلى حدّ الآن . و في هذه النظريّة الجديدة ، الدولة منفصلة عن الطبقات ، و عن التقسيم الاجتماعي الخاص الذى تمثّل الدولة إمتداا له ، و عن علاقات الإنتاج التي يجب على الدولة في نهاية المطاف أو أن تخدمها و تعيد إنتاجها .
" مقياس " الكليانيّة يوظّف للتسويق لكذبة كبيرة للغاية هي أنّ الحكومات الفاشيّة و الشيوعيّة هي نفسها (ّ!) و بالتوازي توظّف كتبرير للأنظمة العديدة التي ليست جدّ ديمقراطيّة في " العالم الحرّ " ضمن كتلة إمبرياليّة الولايات المتّحدة التي لا تعتبر كليانيّة (!) و على سبيل المثال ، بن سلمان [ محمّد ] عاهل المملكة العربيّة السعوديّة لا يُعتبر أبدا كليانيّا على الرغم من أنّه أمر بتقطيع أوصال جسد [جمال ] خاشغجى الناقد و الصحفيّ ! و كذلك الأمر مع إسرائيل ! ( رغم أنّ آراندت كانت ضد بعض الجرائم التي إرتكبتها الحكومة الإسرائيليّة ، لا هي و لا غيرها من المناهضين للكليانيّة قد نعتوا أبدا إسرائيل بالكليانيّة ) . و بطبيعة الحال ، هذا المقياس يخدم تجميل و حرف الإنتباه عن الطبيعة الإجراميّة للديمقاطيّات الإمبرياليّة الغربيّة . و بغضّ النظر عن مدى تداخلها مع العنصريّة و البطرياركيّة / النظام الأبوي / التفوّق الذكوري ، و التحريض على الحرب و تدمير البيئة حينما تواجه بشبح الشيوعيّة يجب علينا أن نركع لها !
و مفهوم الدولة ذاته مفهوم يفصل تمام الفصل بين البنية الفوقيّة السياسيّة و البنية التحتيّة الإقتصاديّة يستخدمه المثقّفون الإيرانيّون في تحاليلهم لجمهوريّة إيران الإسلاميّة لتقليصها إلى مجرّد نظام كلياني ، دون تجشّم عناء تفسير الإختلافات بين هذه النظام و الأنظمة الأخرى الرجعيّة و الإستبداديّة . ووفق وثائق حكومة الولايات التّحدة ، يبدو أنّه منذ أن أمضت جمهوريّة إيران الإسلاميّة إتّفاق 25 سنة مع الصين ، إعتبرتها كليانيّة . (2) قبل ذلك ، بالعودة إلى 1979 و قبلها ، كانوا يعاملون حكّام إيران كأكثر بقليل من إسلاميّين رجعيّين إقليميّين – أحيانا كحلفاء للولايات المتّحدةفى قتالها ضد التهديد الشيوعي .
و في المدة الأخيرة ، مقياس الكليانيّة هذا ليس غير دقيق فحسب بل هو كذلك يفتقر إلى القدرة على قياس الصفة الأساسيّة للدولة : أنّها دكتاتوريّة طبقة على طبقات أخرى . و مفهوم " الكليانيّة " ليس شيئا أكثر من أداة سياسيّة لرسم خطّ تمايز بين كتل أصدقاء الولايات المتّحدة و أعدائها .
لكن ، إلى جانب الأهداف السياسيّة الخاصة للكليانيّة التي لم يدركها الكثيرون ، لماذا هذا المفهوم غير منسجم عمليّا مع الواقع وهو بالتالى غير علميّ ؟
في موقع مركزي من كامل نظرة و منهج منظّرى مناهضة الكليانيّة ، توجد إعادة صقل و إعادة تأويل الأحداث حسب المفاهيم الماقبليّة لنظريّتهم . و هذه نظرة و منهجيّة قسريّين : أيّ شيء لا يتماشى مع النظريّة ، و أي حدث من أحداث تاريخ العالم لا يتطابق مع و لا يؤكّد مقدّمات هذه النظريّة ، يتمّ تحويره و بتره لينسجم معها . و يشبه هؤلاء المنظّرين تماما المتعصّبين بهذا الشأن كما يصوّر ذلك الكليانيّون في كتاباتهم . (3)
و على سبيل المثال ، آرندت تتساءل لماذا ساندت الجماهير الشعبيّة في ألمانيا ، و حتّى قسم من الأنتلجنسيا ، هتلر (و سؤال مشابه يُطرح حول مساندة الجماهير و المثقّفين للخميني [ آية الله علي الإيراني] في 1978 ). و بدلا من تفحّص الديناميكيّات الحقيقيّة لولادة الفاشيّة من رحم النظام الرأسمالي – كانت مترسّخة في هزيمة ألمانيا في الحرب العالميّة ألولى ، و الظروف المتبدّلة للناس في بلد إمبريالي مهزوم و أبعاد ذلك العديدة السياسيّة منها و الإجتماعيّة بما فيها محدوديّات قوى أخرى على مسرح الأحداث – توبّخ آرندت الجماهير ( " تحالف الغوغاء مع النخبة " ) و ماضية ضد كلّ الوقائع على العكس من ذلك، أعلنت نهاية الإمبرياليّة !
ثمّة الكثير من أوجه الشبه بين هذا و بين لعبة – التوبيخ المستهدفة للمعارضين ل [ثورة إيران ] سنة 1979 . و هناك الكثير منالتعقيد في تأثير عدّ عقود من حكم بهلوي [ الشاه محمّد رضا ] الموالي للغرب على حياة الشعب الإيراني ، و الوضع العالمي و القمع المحلّى ، و في نهاية المطاف سير النظام الرأسمالي الإمبريالي الذى أفرزت ديناميكيّته الداخليّة بدائلا رجعيّة كالأصوليّة الإسلاميّة . و اليسير جدّ إلصاق كلّ هذا بغباء الجماهير و المثقّفين ، و بكون الخميني كليانيّ !
كتبت آرندت :
" إنّنا بالفعل في نهاية عصر البرجوازيّة ، عصر الربح و السلطة ، و كذلك في نهاية الإمبرياليّة و التوسّع . عدوانيّة الكليانيّة لا تنبع من الرغبة فى السلطة و إن كانت تبحث بحماس عن التوسّع ، فهي تفعل ذلك ليس للتوسّع من أجل تحقيق الربح و إنّما فقط لأسباب إيديولوجيّة : جعل العالم منسجما للتدليل على حسّه العالي الخاص كان على صواب ". (4)
أساس هذه النظرية هو تحديدا أنّ للكليانيّة ديناميكيّتها الخاصة الفريدة وهي لا تسير وفق ديناميكيّة الإمبرياليّة ! لذا ، غاية في السوء بالنسبة لها ما يتّصل بوقائع الحرب العالميّة الثانية التي تبيّن أنّها خيضت في صفوف بلدان إمبرياليّة حول إعادة تقسيم العالم و بوجه خاص لكسب ميزات سيطرة على مناطق إستراتيجيّة . و علاوة على ذلك ، تستعمل الطبقة الرأسماليّة الحاكمة على الدوام الإيديولوجيا لتحكم و تبرّر أعمالها و لتوسّع مجالات نفوذها . و إمبرياليّة الولايات المتّحدة تلخّص هذه الممارسات خائضة الحروب و متدخّلة عسكريّا حول العالم باسم " تصدير الديمقراطيّة ". إن لم يكن هذا من أجل التوسّع و الربح ، إن كانت الإمبرياليّة قد إنتهت ، لماذا لا تستخلص آرندت و لا يستخلص آخرون من مدرسة فكرها أنّ الولايات المتّحدة دولة كليانيّة بسبب مثل هذه الرغبة في السلطة .
لكن بعض الناس ليس بوسعهم مجرّد رؤية أنذ مزاعم الكليانيّة في تناقض تام مع الواقع ، و أنّ في كلّ الحالات التي تطبّق فيها هذه النظريّة تكون متناقضة تمام التناقض ! و على سبيل المثال ، قال مهدى خلاجى إنّ الإمبرياليّة لم توجد قط في إيران ( و مع ذلك في هذه اللحظة بالذات ، توجد جمهوريّة إيران الإسلاميّة في إطار النظام الإمبريالي ). في رأي خلاجى، الدولة الشيعيّة ليست بالضرورة دولة كليانيّة ! و من هذا علينا أن نستخلص أنّ الدولة الوحيدة التي هي بالضرورة و بالتأكيد كلينيّة – و بالتالى وجب تجنّبها – هي الدولة الإشتراكيّة .
و فضلا عن المنهج غير العلميّ ، مظهر آخر للكليانية المعادية للعلم هو النظريّة الخاطئة بأنّطبيعة الإنسان غير قابلة للتغيّر. و تمضى آرندت بعيدا إلى حدّ إعتبار نظريّة داروين عن التطوّر غير صالحة ! و إستبعاد إمكانيّة تغيير تفكير الإنسان و سلوكه الاجتماعي هو في الواقع معرضة لإمكانيّة تغيير العالم – عالم مليئ بإستغلال و إضطهاد الإنسان للإنسان ، و علاقات عدائيّة بين الناس ، و الحروب المدمّرة – ما يؤدّى إلى القبول بكافة هذه الفظائع . حسب آرندت و أمثالها في إيران ، من توراج أتباكى إلى مهدى خلاجى و بهارا هدايات (5) " مشروع النظام الكلياني هو خلق " إنسان جديد " لكن ينتهى كلّ شيء إلى تحطيم كلّ شيء " و وفق آرندت ، ليس مشروع صنع " إنسان جديد " شيئا سيّئا وحسب و إنّما يُفضى تغيّر فكر الإنسان نتيجة تغيّر الظروف الخارجيّة إلى عدم الاستقرار و تضارب الأفكار اللذان تراهما كمظهر واضح من " الشخصيّة الكليانيّة " أو الذهنيّة الكليانيّة ! (6)
و الواقع هو أنّ النوع البشريّ قابل أيّما قبول للتأقلم [ و يمكن أن يتغيّر ي كما تتغيّر الظروف – و فوق كلّ شيء الأنظمة الإجتماعيّة . الناس قادرون على إنجاز تغييرات هائلة في نظرتهم و معتقداتهم و حتّى في مشاعرهم ... و بالنسبة إلى الذين لا مصلحة لديهم في الوضع القائم ، هذا تحريريّ للغاية . لكن بالنسبة لأمثال آرندت ، مجرّد محاولة التغيير تبعث فيهم الرعب . و يشمل هذا أيّ صنف من التغيير حتّى لبلوغ المساواة في الفرص و التعليم . كتبت آرندت :
" تجريبيّة / بوزيتيفيزم القرن التاسع عشر و الفكر التقدّميّ للقرن ذاته شوّها هذا الهدف ، هدف المساواة بين البشر عندما إنبريا لبيان ما لا يمكن بيانه ، على وجه التحديد ، أنّ البشر متساوون بطبيعتهم و مختلفون فقط بفعل التاريخ و الظروف ، كي تكمن المساواة بينهم ليس في الحقوق ، بل في الظروف و التعليم ." (7)
و ردّ بوب أفاكيان على ذلك قائلا :
" هنا تكشف آرندت الجوهر البرجوازي – و بالأخصّ الديمقراطي – البرجوازي – لنظرتها ، و في الوقت نفسه الجوهر الرجعيّ للمثل العليا الديمقاطيّة – البرجوازيّة في هذا العصر : مفهوم و التشديد على أنّ من جهة المساواة هي أعلى مبدأ لكن من الجهة الأخرى ، المساواة بين البشر ليست سوى مساواة في الحقوق . " (8)
و بالنسبة إلى مناهضى الكليانيّة ، لا يهمّ أنّه بالنسبة إلى جمهوريّة إيران الإسلاميّة " الإنسان الجديد " غارق في الدين و التفوّق الذكوري / البطرياركيّة ، و التراتبيّة الإجتماعيّة الإضطهاديّة و العلاقات الإقتصاديّة الإستغلاليّة – و أنّ الإنسان الذى يقع تغييره في المجتمع الإشتراكي المستقبلي يكره كلّ هذا ، و أنّ هذا التغيير جزء من تفكيك هذه العلاقات الإجتماعيّة اضطهاديّة و الإستغلاليّة و طرق تفكير عصور الظلمات المتناسبة معها . و كما وضع ذلك ماركس ، الظروف يغيّرها الإنسان و هذا يعنى أنّ الإنسان / الإنسانة يمكن أن يُغيّلر نفسه / أن تغيّر نفسها . و بالنبة إلى مناهضى الكليانيّة ، كلّ ما يهمّ هو أنّ الإنسان القديم – الفرد المتذرّر الذى أوجدته الرأسماليّة قبل بضعة مئات السنوات بإجتثاث الفلاّحين من الأرض و تحطيم المجتمعات الإقطاعيّة و مالك السلعة ( الذى يملك سلعة هي قوّة عمله ) – يجب أن يبقى ببساطة على الحال التي هو عليها ، بقمّة مساهمته في المجتع ، بإدلاء بصوت لقسم من الطبقة الحاكمة . لكن ترك الصوت نفسه يذهب إلى صالح كتلة فاشيّة من الطبقة الحاكمة مثل هتلر و ترامب أو أردوغان ، يُدخل مناهضة الكليانيّة في أزمة ، لذا ، يوبّخون الجماهير على سوء إستعمالها ل " حقّها في التصويت " .
للمفارقة ، حسب البعض و منهم خلاجى ، ما هو مفتاح في قتال الكليانيّة و " الإنسان الجديد " هو الإندفاع الذاتي و الوعي الذاتي ! هذا كما لو أنّ أولئك الذين تُطلق عليهم آرندت " المكتفين ذاتيّا و الفريدين " . يعيشون في فراغ و يمكنهم عن وعي أن يختاروا علاقاتهم الإجتماعيّة الخاصة و علاقات إنتاجهم ؛ كما لو كانوا يعيشون خارج أيّ نظام خاص سياسي و إيديولوجي و إقتصادي - إجتماعي بلا طبقة مهيمنة و لا إيديولوجيا حاكمة تؤثّر على المجتمع و تعطى توجّها لعفويّتهم . وفق خطّ التفكير هذا ، كل ما يوجد خارجهم أفراد منعزلون . بينما في ذات بلدان المثل الأعلى الديمقراطي – البرجوازي، أناس منذ النشأة تغمرهم بشكل ثابت و بإستمرار معلومات مشوّهة . و من خلال نظام تعليمهم الشامل و وسائل الإعلام ، و بغير ذلك من الوسائل يكذبون على الناس حول كافة المواضيع المهمّة في الأحداث السياسيّة الراهنة و الأحداث العالميّة و تاريخ العالم . و بصفة منهجيّة يغرسون في أذهان الجماهير نظرتهم الخاصة إلى العالم المضلّلة و المقلوبة رأسا على عقب . و ينجزون هذا ليس عبر ممارسات قصوويّة و غريبة كتلك المصوّرة في كتاب جورج أوروال ، " 1984 " ، و مجتمعه الكلياني[ الروائي ]، و إنّما من خلال السير " العادي " والديمقراطي للمجتمع والدولة الديمقراطيّين – البرجوازيّين.
و أحيانا ، يُستخدم مفهوم الكليانيّة إستخداما عشوائيّا بحيث يذهل آرندت ذاتها ، إن بلغ سمعها ذلك . فرضا كاظمزاده ، مثلا، يعتقد أنّ الحكومات الكليانيّة يتمّ إيجادها لقال الفرديّة و الحياة الخاصة . كتب : " في القرن الماضى ، كافة الأنظمة الكليانيّة كانت جماعيّة و أنظمة مجموعات موجذهة ... من الفاشيّة و النازيّة في أوروبا إلى " الديمقراطيّات الشعبيّة " في الإتّحاد السوفياتي و الصين الشيوعيّين . جميعها كانت تعتمد على مبدأ إعطاء الأولويّة إلى المصالح الجماعيّة على حساب حقوق الفرد . و على ما يبدو هناك صلة عضويّة بين المجموعة الموجّهة و الكليانيّة بحيث أنّه في الإيديولوجيا الرسميّة لهذه الأنظمة ، لا يجد الفرد معنى لحياته و لا يُعترف به رسميّا إلاّ في إطار المجموعة و الدور الموكل له ضمن المجموعة ". (10)
و تبيّن أساسيّات التاريخ الاجتماعي أنّ النزاع بين الفرد و المجتمع حاضر في كلّ أصناف المجتمعات لكن المشكل هو أن هذا التناقض يُصبح تناقضا عدائيّا في المجتمعات الطبقيّة كالمجتمع الرأسمالي ( لا يهمّ إن كانت الطبقة الحاكمة تحكم حكما فاشيّا أو حكما ديمقراطيّا ليبراليّا ) لأنّه في تقسيم العمل الاجتماعي القائم ، معظم المجتمع يجب أن يخدم مصالح طبقة الأقلّية التي تقف فوقهم و ضدّهم و ضد مصالحهم الجماعيّة . و بالعكس ، في المجتمع الإشتراكي ، الفرديّة و مواهب الفرد من هذه الأغلبيّة تزدهر أكثر بألف مرّة . لكن في ظلّ الرأسماليّة ، معظمالعمّال في المجتمع يعاملون ك " لا أحد " و غالبا كمجرّد " فائض [عمل ] " – وليس كبشر بأتمّ معنى الكلمة يملكون مواهبا مذهلة ، ما يتركنا بفقط هذه المصالح " الجماعية" و " الفرديّة " مقابل تلك المصالح " الجماعيّة " " الفرديّة " !
و بصدد موضوع كليانيّة جمهوريّة إيران الإسلاميّة ، كتب كاظمزاده ؛ " المنزل و الأسرة هما المكانان الوحيدان في مجتمعنا اللذان يقاومان بدرجة لها دلالتها تشكيلة من التدخّلات المباشرة و المستمرّة للحكومة " . هكذا ، الأسرة ! رغم واقع أنّه حّتى في إطار هذا النظام الرأسمالي ، عادة ما تكون الأسر تراتبيّة على نحو إقطاعي . و شؤون الأسرة أداة من أهمّ أدوات غرس إيديولوجيا الطبقة الحاكمة و التحكّم في و قمع قسم واسع من المجتمع – خاصة النساء و " فرديتهنّ " . و ليس لهذا صلة ب " عين الأخ الكبير " و كليانيّة جمهوريّة غيران الإسلاميّة . بالأحرى ، هذا جزء من كيف تسير كافة الدول في النظام الرأسمالي الإمبريالي ، أين علاقات التفوّق الذكوري / البطرياركيّة متجذّرة في الأسرة .
منتهى فرديّة آين راند لا يُنقذ مجتمعا من الكليانيّة . و بدلا من ذلك ، يقسّم المجتمع إلى ملايين الخلايا المتعادية و المتنافسة، كلّ منها ترى الأخرى عائقا لحرّيتها و إزدهارها الخاصين . و مثل هذه النظرة أساس الديمقراطيّة الليبراليّة و أساس تبريرها للنزاعات و الحروب الإمبرياليّة . وهي كذلك أساس الحلول الفاشيّة للقيام بالحرب ضد " الآخر " . و لا يمكن أن يوجد إلاّ إذا أغمضنا أعيننا على المصالح المشتركة للإنسانيّة جمعاء التي لها ، موضوعيّا ، القدرة على التقدّم إلى أبعد بعد من هذا النظام الإضطهادي و الإستغلالي .
الهوامش :
1. Bob Avakian. Democracy: Can t We Do Better Than That?, pgs. 170-171.
2. Iran and China, the Totalitarian Twins, U.S. Department of State, July 20, 2020.
3. Avakian. Democracy…., pg. 170.
4. Hannah Arendt, Totalitarianism, cited on pg. 175 of Avakian, Democracy….
5. See: https://www.youtube.com/watch?v=ulP09gkCt7g & https://www.youtube.com/watch?v=F6mlDBCTQ6o & https://iranwire.com/fa/features/124516-Bahareh-Hedayt-Ma-Liberalha-kajai-Midan-Bartanzi-Stadhayim/. See also Lilly Babayi and Somayeh Kargar, “On Which Side Of History Do We Stand?” RadioZamineh.com
6. Arendt, Totalitarianism, p. 39.
7. Arendt, Totalitarianism, p. 186.
8. Avakian, Democracy…, pgs. 186-187.
9. https://www.radiofarda.com/a/f3_privatelife_totalitarian_regime_Iran/2082829.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي