الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يجوز الطعن بالحكم البات؟ جَدَلٌ بين القانون واجتهاد القضاء الدستوري

سالم روضان الموسوي

2024 / 3 / 25
دراسات وابحاث قانونية


هل يجوز الطعن بالحكم البات؟
جَدَلٌ بين القانون واجتهاد القضاء الدستوري
ان مصطلح البتات في القانون وفي فقه المرافعات يتعلق بالحكم الذي يكتسب الحجية، بمعنى انه غير قابل للطعن به سواء بطرق الطعن العادية او غير العادية، وهذا ما اتفق عليه جانب من الفقه، لكن وجدنا في المنظومة التشريعية العراقية وكذلك المصرية، إشارة الى نقض هذه الحجية، عندما أجاز القانون العراقي في المادة (196) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل قبول الطعن بطريق إعادة المحاكمة في الاحكام المكتسبة درجة البتات وعلى وفق النص الاتي (يجوز الطعن بطريق اعادة المحاكمة في الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف او من محاكم البداءة بدرجة اخيرة او المحاكم الشرعية اذا وجد سبب من الاسباب الاتية ولو كان الحكم المطعون فيه قد حاز درجة البتات.....).
كما ورد ذات المعنى في المادة (270) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 التي جاء فيها الاتي (يجوز طلب اعادة المحاكمة في الدعاوى التي صدر فيها حكم بات بعقوبة او تدبير في جناية او جنحة في الاحوال الاتية.... )
كذلك في قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 حيث أجاز في المادة (7) لرئيس الادعاء العام الطعن بطريق الطعن لمصلحة القانون بالأحكام غير الجزائية حتى لو انقضت مدد الطعن ولم يتم الطعن به واكتسبت الدرجة القطعية على ان يكون قضى عليها خمس سنوات.
اما في القانون المصري فقد ورد ذات المعنى، لكنه استعمل عبارة الاحكام النهائية بدلا من الاحكام الباتة او المكتسبة درجة البتات، حيث أجاز الطعن فيها على الرغم من اكتسابها صفة الاحكام النهائية وعلى وفق احكام المادة (241) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968 وعلى وفق النص الاتي (للخصوم ان يلتمسوا إعادة النظر في الاحكام الصادرة بصفة انتهائية في الأحوال الاتية....)،
ويرى شراح القانون ان اصل فكرة إعادة المحاكمة تتجلى في السعي لتدارك الأخطاء في تقدير الوقائع، وليس في تقدير القانون، لإنها تؤثر بشكل مباشر في المركز القانونية والحقوق التي تحميها، وهذه الاحكام لن تصدر لولا حدوث الخطأ في تقدير الوقائع، وان مصدر الخطأ هو اطراف الخصومة وليس المحكمة او القاضي، حيث انهم هم من يقدم الأدلة على لإثبات الوقائع او نفيها،
ومن خلال ما تقدم فان القانون أجاز الطعن بالأحكام الباتة، على خلاف ما يراه بعض الفقه، لكن في بعض الاحكام القضائية تتصدى المحاكم الى تعريف بعض المصطلحات التي يتداولها الوسط القانوني سواء كانت مصطلحات وردت في النصوص القانونية او ما تعارف عليه الوسط القانوني، وتعريفها ليس لأغراض البحث العلمي، وانما لتفسير النصوص ومن ثم تكييف الوقائع وصولا للحكم العادل،
وبما ان تفسير النصوص على وفق اليات التفسير اللفظي للنص، فان الجملة التي يركب بموجبها النص لها دلالة المنطوق، بمعنى استخراج الحكم من النص عن طريق الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية، ويكون اللفظ المستخدم في الجملة التركيبية للنص القانوني هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله، والأصل في ذلك إن الألفاظ يجب أن تفهم وفقاً لمعناها الدارج، إلا إذا كان لها معنى فني خاص لا يطابق معناها الدارج،
لأن المشرع عندما يستعمل ألفاظا معينةً إنما يستعملها في معناها الخاص لا في معناها الدارج، والمشرع وجد من الضروري ان يرسم لفظ وتسمية ذات معنى فني خاص عندما جاء بعبارة جواز الطعن في الاحكام المكتسبة درجة (البتات)، في المادة (196) مرافعات والمادة (270) أصول جزائية، فانه قد قصد فيها معنى خاص، يتجلى بخضوع الاحكام الباتة للطعن، لان كل لفظ وارد في النص القانوني له ضرورته ولا يجوز اعتباره نافلة من القول، والنافلة هو الكلام الذي لا فائدة منه على وفق ما ورد في معاجم اللغة العربية. فضلا ًعن ذلك فان تحديد المصطلحات والمفاهيم بشكل دقيق، سوف يؤثر على العلاقة القانونية وعلى أطرافها عند التطبيق، لذلك اهتم فن الصياغة التشريعية بتحديد المصطلحات الواردة في التشريع بشكل واضح حتى لا تثير اللبس والغموض عند التطبيق، وأشار العديد من المختصين بتفسير النصوص القانونية الى هذا المعنى، ومنهم الدكتور محمد شريف احمد في كتابه الموسوم (نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980ـ ص242)
ومن خلال استعراض احكام المحكمة الاتحادية العليا وجدت انها تصدت لتعريف بعض المصطلحات القانونية، ومنها ما ورد في قرارها العدد 201/اتحادية/2023 في 16/10/2023 عندما عرفت مصطلح (البتات) المتداول استعماله في الوسط القانوني، مثلما ورد في النصوص القانونية على وفق ما اشرت اليه سلفاً، ويعد هذا التعريف من التعريفات القضائية للمصطلح ومن الممكن ان يعتمده الباحثون في علم القانون وفن القضاء وفقه الاجتهاد،
لان المصطلح له تعريف لغوي واخر اصطلاحي في القانون وكذلك قضائي، وجاء في تعريف المحكمة الاتحادية العليا لمصطلح (البتات) بقولها ( ان معنى البتات بالنسبة للأحكام القضائية هو عدم جواز الطعن فيها بأي شكل من الاشكال) وعلى وفق ما ورد في اعلى الصفحة (4) من القرار أعلاه،
لكن عند مطابقة هذا التعريف القضائي مع النص القانوني نجد هناك اختلاف، حيث ان المواد (196) من قانون المرافعات المدنية والمادة (270) أصول جزائية والمادة (7) من قانون الادعاء العام النافذ اجازت الطعن في الاحكام القضائية الباتة والمكتسبة الدرجة القطعية، بينما المحكمة الاتحادية العليا قد منعت الطعن في أي حكم قضائي على وفق التعريف الذي تصدت له في قرار الحكم أعلاه،
فاصبحنا بين منع الطعون وتقييدها بموجب تعريف الاجتهاد قضائي، وبين جواز الطعون بموجب حكم القانون، والسؤال الذي ينهض من هو الأرجح في هذا الجدل الفقهي تجاه مصطلح (البتات)، هل هو اجتهاد القضاء، ام حكم النص القانوني؟ بلا ادنى شك سيكون الجواب لصالح النص القانوني،
لكن الاجتهاد القضائي هو الحاكم عند التطبيق، وهو الذي يستنطق النصوص، فاذا اخذنا بالاجتهاد خالفنا النص، وان اهملنا الاجتهاد وعولنا على النص، افقدنا الحكم القضائي هيبته في الالزام والنفاذ، مع التنويه ان قرار المحكمة الاتحادية العليا لم يكن بصدد دعوى دستورية تتعلق بتفسير الدستور او الرقابة على دستورية القوانين وانما ، باعتبارها محكمة موضوع تفصل في نزاع قائم بين شخص طبيعي وشخص معنوي.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | متطوعة سعودية تلفت الأنظار.. ولاجئون يسمون مو


.. الترحيل إلى رواندا.. هواجس تطارد المهاجرين شمال فرنسا الراغب




.. نشرة الرابعة | النواب البحريني يؤكد على استقلال القضاء.. وجه


.. لحظة استهــ ــداف دبـ ـابة إسرائيلية لخيام النازحين في منطقة




.. عشرات المستوطنين يعتدون على مقر -الأونروا- بالقدس وسط حماية