الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء..... رواية / الفصل السادس

ذياب فهد الطائي

2024 / 3 / 25
الادب والفن


الهجرة الموجعة 1966





قبل ذلك حصل أمران ، أولاهما إن عبد الستار حصل على الماجستير في التخطيط الاستراتيجي والامن الوطني بامتياز والثاني اني تزوجت ، وكلا الأمرين احتفلنا بهما على النطاق العائلي ،غير إني ذهبت لأسبوع الى البصرة لأنها أنسب مكان في الشتاء ،كما إن فندق المطار مكان مغري لموقعة وللخدمة الفندقية الحرفية فيه ، يكل على شط العرب الذي ينساب غريني اللون وعلى امتداده وبعرض اكثر من مئة وخمسين مترا جزيرة السندباد المفروشة بثيل كثيف ، على الجوانب شتلات ورد بالوان منسقة ،كانت تبدء بالأصفر ثم الأبيض وبعده الأحمر ....كما نقضي أماسينا في الجزيرة عند نخلة لا ترتفع اكثر من ثلاثة أمتار ،كانت ريانة ترتفع بشيء من الزهو وهي تنشر سعفها الداكن الخضرة ،
في فبراير 1966 تم ترقية عبد الستار ليصبح مديرا عاما للدائرة الاقتصادية في وزارة التخطيط، كانت الأمور عموما في العراق مستقرة بعد طرد حزب البعث من السلطة بدأ بانشقاق في التحالف العسكري بقيادة عبد السلام عارف وطاهر يحيى التكريتي، وبعدا مقتل عبد السلام عارف وتولّي رئاسة الجمهورية شقيقه العسكري أيضا (عبد الرحمن عارف ) ، كان الرجل مسالما ،وحاول أن يضفي على فترة حكمه طابعا مدنيا بعيدا عن الثارات والاحقاد السياسية فعيّن الدكتور الحقوقي عبد الرحمن البزاز رئيسا للوزراء ،
كنت قد حصلت على عقد مع وزارة التخطيط لبناء ملحق للوزارة ،وعند معايني للموقع قررت أن أزور عبد الستار في مكتبه ، فبعد انشغالنا بالعمل وزواجي تباعدت مواعيد لقاءاتنا الأسبوعية الى فترات طويلة نسبيا
كان مكتبه في الطابق الثامن يطل على نهر دجلة ويكشف مساحة واسعة من النهر وحدائق ابي نؤاس ، كانت واجهتة غرفته زجاجية تتيح له الاطلاع على سير العمل الذي تشغله اكثر من عشرين فتاة ، كنّ عموما مع خطوط المودة ،ويتمتعن بذوق واضح في استخدام المكياج كما كنّ يعملن بصمت ، رحّب عبد الستار
قال-نشرب القهوة أولا ثم نذهب لمطعم الوزارة ،
كان المطعم في الطابق الحادي عشر يبعث على الاسترخاء ،واجهته الزجاجية تسمح برؤية على دجلة ومقاعدة الجلدية مريحة ، شعرت بأن مثل هذا المكان هو الوحيد القادر على بث روح الحماس للعمل ،
سألت عبد الستار -أنت في الجنة يا رجل
كان يرفع كأس الشاي الى شفتيه ، توقف وأعاده الى الطاولة
-في المظهر نعم
استغربت إجابته وتطلعت اليه مستفسرا
-نحن في وزارة يفترض فيها ان كل شيء يجري الاعداد له وفق دراسات معمقة ولكن ما يجري هو شعارات سياسية وليست خطط تنمية، ان ما تنشره صحيفة صوت العمال افضل مما يقدمه خبراء التخطيط ولهذا فإن العمل في الوزارة مضيعة للوقت
توقف وهو يحاول أن يتعرف على تفاعلي معه ، لقد خمنت إن وراء هذا الحديث قرارا ما ، أعرف عبد الستار حين يكون رأيا عن قضية تشغله،
-وما هو الحل بتقديرك ؟
- أدرس وعلى مهل مغادرة العراق ، أنت علم إن مسؤوليتي العائلية أصبحت أكبر بعد ابتسام ، والسفر قد يكون صعبا
-إذا
-افكر ان اغادر لوحدي وبعد الاستقرار يتبعوني ، ويمكن أن تدبر انتصار امرها مع الأطفال ، فهي في بيت بدون ايجار ولديها سيارة ، كما ان لدينا رصيدا لا بأس به ، والاهم من كل ذلك انت ومنى لن تنقطعا عن زيارتها
شعرت بأسف شديد فعبد الستار هو صديقي الأقرب ومعه فقط استطيع أن أتحدث عن مشاكلي وكان يجد الحلول باستمرار،
-لاشك أنت الأعرف ولكني أرى إن الاستقرار السياسي والأمان التي يمر بهما العراق اليوم ربما سيفضيان الى تغير كبير
-ما يلوح لي عكس هذا ...قبل سنة حاول عارف الكبيسي القيام بانقلاب عسكري و الانقضاض على السلطة ، وهو رئيس الوزراء ،هذه العقلية لن تترك العراق بأمان ، وضعف عبد الرحمن عارف سيشجع القوى التي تؤمن بثبات بعملية الانقلاب الى تجميع قواها واستلام السلطة وأنا غير مستعد أن أعيد تجربة 1963
-لم يخطر هذا ببالي ، ولكن كيف سترتب ذلك؟
-الظروف السياسية المستقرة حاليا تسمح بخروج آمن ،بمعنى سهولة الحصول على جواز سفر وكذلك الحصول الى تأشيرة دخول للعديد من دول العالم ، ولأني أود الاستفادة من خروجي فقد راسلت عددا من الجامعات البريطانية للحصول على قبول لدراسة الدكتوراه وقد وافقت جامعة (سوانزي ) على ذلك شريطة الحصول على شهادة معترف بها باللغة الإنكليزية ، لغتي الإنكليزية مناسبة تماما وسأرتب الموضوع مع المعهد
-انت لست متخذا للقرار ولكنك قطعت خطوات عملية مهمة ، بالبركة وستكون انتصار والطفلين موضوع اهتمامنا ويمكنك ان تطمئن وتنصرف لدراستك
-في الحقيقة أنا أضع في حساباتي عدم العودة الى العراق بعد انهاء الدراسة وسأحاول العمل هناك ، ولهذا فانت أيضا المسؤول الاهتمام بالبيت بعد سفر انتصار
-كثرت المهام !!!
ضغطت على يده وقلت-بالطبع
ودعته وعدت الى عملي في موقع عمل الملحق
الشركة الي انِشأتها للأعمال الهندسية والانشاءات بدأت تنمو بشكل مضطرد وتوسعت رقعة المساحة الجغرافية التي نعمل بها لتمتد الى معظم وسط وجنوب العراق بسبب دقتنا في العمل والمهارة المتميزة في تصاميمنا التي كانت تعدها زوجتي( منى) وكان هذا عاملا مهما في التخفيف من فراق عبد الستار الذي أدى امتحان (الأي لفل) في المعهد البريطاني ، ويوم سفره كنا وعائلته في مطار المثنى لتوديعه ، كانت انتصار تغالب الدمع المترقرق في عينيها كي لا ينزل على خديها فيما حكمت متشبث بأبيه يحدق في وجهه ، فجأة قال – بابا لماذا انت ذاهب الى خالة لندن ...مريضة
قال حكمت -لا ولكنها لا تستطيع ان تحضر
-بوسها واعلمها إني أحب خالة لندن
كانت رسالة عبد الستار الأولى بعد عشرة أيام من سفره ، قال بأنه التحق بالدراسة مباشرة وإنه اكبر الدارسين سنا وان وفرة المصادر في مكتبة الجامعة تسهل مهمة اعداد الاطروحة ،كما قال بأنه ذهب مرتين الى( الهايد بارك) ليشهد ويستمع الى الخطباء وإنه معجب بمتحدث من نيجيريا فهو سريع الاستجابة وسريع النكتة مما يجعل عدد المتحلقين حوله هو الأكبر في الحديقة
قالت انتصار -رسالة عبد الستار أعادة لي توازني ،لأنه يتابع دراسته بجدية عالية كما فصل كل نشاطاته في( سوانزي )،
كتبت له أطمئنه على العائلة وشعوري بالوحدة في بغداد كما اعلمته إن الشركة الهندسية التي بدأت بي وبزوجتي تضم الان مجموعة من المهندسين ولدينا اعمال في مناطق متفرقة من العراق
قال بأنه ترك القسم الداخلي للجامعة واستأجر شقة صغيرة على البحر ، وفي الليل يشجيه أن يستمع الى موج خليج سوانزي الذي يسابق بعضه نحو الشاطئ ، وأحيانا يذهب الى مقهى على الشاطئ حيث يسترخي مستعيذا ما كتبه أو يقرأ في كتاب استعاره من المكتبة ،
في الكافيتريا كان يجلس مع طالب من البرازيل يتحدثان عن خصائص بلديهما حين تقدم منه طالب اعتذر عن مقاطعتهما لأن لديه سؤالا لعبد الستار ،اعتذر الطالب البرازيلي ،قدم نفسه ...انا غازي الشمري قبل يومين حصلت على الدكتوراه في الفلسفة وأستعد للعودة الى العراق ،أعلمني أحد الأصدقاء بأنك غادرت العراق منذ فترة قريبة ولدي سؤال عن افضل السيارات التي يمكن بيعها بسهولة وبسعر مجد ؟ حين نظر اليه عبد الستار مستغربا ، تابع ،انت تعلم إن من حق الطالب حين يعود ان يدخل سيارة دون أن يدفع الضرائب، ولأني قضيت خمس سنوات بعيدا عن العراق فإني افتقر الى المعلومة
دعاه عبد الستار الى الجلوس
-إذا كنت ترغب في بيعها بسرعة فالسوبر صالون هي الأفضل أما إذا كنت تستطيع الانتظار لمدة قليلة نسبيا فالمرسيدس
بدأ غازي يفصل في أنواع السوبر صالون تويوتا والمرسيدس ثم قال بأنه يعتقد أن (الشبح) هي الأفضل
قرر عبد الستار ان يتوقف عن أخذ الموضوع بجدية فالطالب العائد يعرف سوق بغداد جيدا
بعد أربعة اشهر بدأت رسائل عبد الستار تأخذ منحا آخرا، قال بأنه انضم الى جمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا وانه يتقدم في علاقاته بعد ان حضر المؤتمر السنوي للجمعية في مدينة براد فورد، وطرح اثناء مداخلاته مقترحات حول تطوير العمل الطلابي ، ولكنه رفض الترشيح للحزب الشيوعي العراقي حين فاتحه أحد طلاب جامعة لندن، حين اعلمته برسالة طويلة إن الجمعية هي ربيبة الاتحاد العام لطلبة العراق ، والاتحاد هو ذراع الحزب الشيوعي في الحركة الطلابية ،فلماذا تتحرج من الالتحاق بالحزب الشيوعي ،قال هو يعرف هذا جيدا ولكنه لا يتحمل الالتزام الحزبي ، وعلّق (التنظيم الطلابي منظمة ليبرالية تسمح بالتهرب من الالتزام )
وقال إنه بدأ يحضر اللقاءات الخاصة للفيلسوف البريطاني برنارد رسل بعد ان حضر ندوه له حول نظرية المعرفة ، وحين عرض عبد الستار مداخلته بعد انتهاء رسل من حديثه أبدى بعض الحاضرين استحسانهم وعرض علية أحد أعضاء مكتب سكرتارية رسل من الطلبة العراقيين الحضور الى الندوات الخاصة ، قبل عبد الستار مع تقديره لاهتمام الطالب العراقي
في ابريل من عام 1968 انهى مناقشة اطروحته (أسعار النفط والتنمية المستدامة في البلدان العربية المنتجة) ، حصل على تقدير ممتاز مما أهله ان يتقدم بطلب الانتساب للجامعة ، وبعد تأييد أستاذ المادة ورئيس قسم الاقتصاد في جامعة سوانزي أصبح عبد الستار مدرسا مساعدا
قال في اتصال هاتفي بانه سيعود وإنه طلب من انتصار أن تتصرف بالأثاث لأنه سيأخذهم الى ويلز فهو الان يمكنه أن يرتب أمر العائلة ، طلب مني أن اتولى موضوع ايجار البيت لعائلة أثق بها وأعرف إنهم لن يلحقوا به أضرارا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ


.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش




.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح