الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السنة الآشورية الأكيتو إنعكاس لصورة الكون على الأرض

دانيال سليفو بت تازو

2024 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).

مدخل الموضوع :-

تتعزز قيمة الهوية الاصيلة لعراق بيت النهرين، بامتلاكها أعظم تراث كوني يتم ممارسة تفاصيله الاحتفالية سنوياً، حيث يعد مهرجان أكيتو أقدم احتفال برأس السنة الجديدة في العالم. ويتمكن للإنسان العراقي عموماً والآشوري على وجه الخصوص، المنتمى شعورياً ووجدانياً بالأصول الحضارية، من استثمار نقاط الضوء للابداع الحضاري المتميز لبناء الشخصية المنتجة للمستقبل. ومن خلال الاطلاع على التراث الديني والثقافي والتاريخي للشرائح و ( المكونات) العراقية المختلفة، نكتشف على العموم بانها جميعاً ورثت الحضارات العراقية القديمة من سومر وأكد وبابل وآشور بشكل أو بآخر.
وكآشوريين لازلنا نعاني من الغربة والإعياء عند البحث عن فهم حقيقة معاني الأصول الحقيقية لمناسباتنا التراثية، نتيجة ان اغلب ما نقرأ رغم أهميتها التي لا جدال فيها، هو نتاج جهود علماء الآشوريات ، ومؤرخين كتبوا عن الحضارة النهرينية بما يناسب ثقافاتهم ولغاتها وحتى مصالحهم أحياناً. وأغلب الدراسات تعتمد على المصادر التقليدية الكلاسيكية والتي هي الأخرى بحاجة الى المراجعة والتحليل إعتماداً على الدراسة والبحث في محركات البحث في الأنترنيت والذكاء الاصطناعي.
كان مهرجان أكيتو عند الآشوريين والبابليين يقام في الربيع، إيذانًا بولادة الطبيعة من جديد، وتوكيد الشرعية الملكية بدعم السلطة الإلهية، وتأمين حياة ومصير الشعب للسنة القادمة مع الإيقاع الزراعي السنوي المتزامن مع التحضير وحراثة التربة والزراعة. يبدأ المهرجان في اليوم الأول من شهر نيسان ( نيسانو) الذي يتزامن مع شهر أبريل ويستمر لمدة 12 يومًا على عدد الأشهر الشمسية للسنة، وعدد أبراج السماء( أبراج الحظ )، ويمثل تقليديًا بداية العام لأنه يتبع الاعتدال الربيعي.

بوابة الاكيتو: بوابة الدخول الى العام الجديد الأخضر. وصراع الحوت والحمل

يبدأ الأكيتو (الفرح بقدوم عام جديد) في 21 آذار ويستمر الى الأول من نيسان، حيث تُقدم القرابين والنذور، وتُسّير المواكب الأحتفالية. ويبدأ الشعب الاحتفال بقدوم الربيع بالأناشيد المتداولة المتوارثة ، وكان عيداً للسومريين والبابليين وصولا للآشوريين، بل الى شعوب العالم أجمع حينذاك، حيث يُعلّق الأجداد (وبعض المعاصرين أيضاَ) في اليوم التاسع والعاشر، باقات الورود وعشب سنابل القمح الأخضر على الأبواب لتتعرف عليهم الآلهة وقواها الخيّرة في تجوالها حول المدن والقرى لتجزيهم في العام الجديد، وتُعاقب المتلكئين عن الاحتفال والغير مؤمنين بها، ممن لم يحتفلوا ويعلقوا الباقة (دقنا دنيسن) على الأبواب!.
وفي استعارة متطابقة مع الرواية الأسطورية للصراع أو بالأحرى دورها في تحديد المصائر والمقادير، تم تشبيه خسوف القمر المُستمر زهاء الثلاث ساعات، بمحاولات الحوت ابتلاع القمر وحجز نوره، من أجل إهلاك المُنقذ المُخّلص للبشرية والذي أتخذ أسماءاً عديدة مثل (الحمل وتموز ومردوخ، وأشور ونينورتا وأسماء أخرى عديدة للآلهة والملوك الذين نذروا أنفسهم للحرية ولخير الشعوب.
وعند فترة الخطر المُحيط بالمُنقذ المتزامن بالخسوف، تخرج الشعوب الجزعة والقلقة على مصير الملك الحاكم المُخلص، بالدق على الأدوات والاوعية المنزلية المعدنية لتصُدر أصواتاً مزعجة عالية لإخافة الحوت حسب معتقداتهم الذي يُشكل هلالاً بهيئة الفم المفتوح، مرددين بما معناه (حوته يا منحوته.. هدّي گمرنا العالي!)، ويزداد منحى القلق والجزع تصاعدياً، حينما يدخل القمر الى الأفق (ظل الأرض)، حاملاً معه جروح المُنقذ ، ويتحول لونه الى الأحمر المصفر (لون الدم). ليبتعد الحوت مرعوباً (عند نهاية الخسوف)، ويتوقف عن محاولة ابتلاع والتهام الملك الذي يخرج من العالم السفلي ويُنقذ من أيدي تيامات آلهة الجحيم، بمساعدة عشتار (نجمة الصبح الزهرة- فينوس) ، التي تقترب من الهلال لتخليص تموز ( او يونان بالسرد التوراتي) من فوهة الحوت! ليعود الفرح والاحتفال والرخاء ويعم الخير والازدهار.

المهرجانات الدينية بين الدين والسياسة

نظرًا لعدم وجود مفهوم واضح للفصل بين الدين والسياسة في الدولة الآشورية، خدمت المهرجانات أغراضًا سياسية ومجتمعية ( قومية) في توحيد رعايا الملك عند تكريم إلالهة، وفي حالة مهرجان أكيتو، تم إضفاء الشرعية على حكم الملك من خلال مظاهر عامة يشترك فيها الجميع لموافقة الإله الراعي من حكمه. يتم الاحتفال بالمهرجانات على مدار العام لعدة أسباب منها: السنة الجديدة وأعياد ميلاد الآلهة والاحداث التي تحدد مصيرهم ومصير الملك والعامة.
ووفقًا لذلك، حصل مردوخ على رصيد متفوق خاص خلال مهرجان أكيتو. كان يُنظر إلى ميلاد العام الجديد نفسه على أنه مرتبط طقوسيًا بالخلق الأصلي للكون وأعادة النجوم الى مواقعها الاصلية على يد مردوخ الذي يعطي لوحة الأقدار الرمزية للملك، الذي جعله من جديد كسلطة عليا في بابل حيث حددت الآلهة مصير العالم كله والبشرية. وتميز أحد أيام المهرجان بقراءة احتفالية لإنوما إليش. من الممكن أيضًا إعادة تمثيل هذه الملحمة بشكل رمزي في أداء طقسي. في مرحلة معينة من المهرجان، يدخل الملك معبد مردوخ المعروف باسم إيساكيلا ( أيش گال- الواحد المتعالي)، وهو برج بابل المبني من قبل الآلهة، اذ يناطح ذروته السحاب بحسب ما هو مُعتقد قديماً ، لذا فإن الحديث عن ولادة الطبيعة من جديد في نيسان، مباشرة بعد الحصاد، هو أمر مسؤول وعميق في الوجدان الجمعي للشعب، وممارسة عقائدية راسخة مهمة، حيث ترمز المواكب إلى مشاركة المجتمع في النصر الذي يحدث في الطبيعة، ويجدد تدمير مردوخ للفوضى وسيطرة الظلام والشر. ليتم تحديد مصير المملكة والملك والشعب. على سبيل المثال، جورج رو، وصفه بعبارات أكثردقة، حيث يتساءل، هل موت الإله وقيامته وكفاحه بالطريقة الدراميتيكية هذه يوازي كفاحه ضد القوى الفوضوية الكونية وانتصاره عليها ؟ والجواب نعم بالتأكيد.

لعبت ملحمة الخلق البابلية، المعروفة باسم إينوما إليش، دورًا مهمًا خلال مهرجان أكيتو. فهي تصف كيف قام مردوخ بتحريك الكون وتحديد إيقاع التقويم. وتم تخصيص يوم واحد لقراءة الإينوما إليش. ربما تم أيضًا إعادة تمثيل هذه الملحمة بشكل رمزي في أداء طقسي .. من المهرجان إلى إعادة ضبط التقويم السنوي بشكل رسمي بما يتوافق مع الدورة الشمسية. إنوما إليش تصف ملحمة الخلق البابلية، إينوما إليش، كيف وضع مردوخ الكون كله في الحركة وحدد إيقاع التقويم تم تذكر عقيدة الكون ونشأة الكون أيضًا من خلال تلاوة Enuma Elish، التي تحكي قصة الأحداث البدائية. - أي أنهم يرون أن أكيتو هو مهرجان للخصوبة يتعلق بالعبادة و الحداد الجماعي (وتمثل طقوس الإله تموز) ونزوله الى العالم السفلي عالم الموت ، وما يترتب عليه من بكاء ونحيب واللطم على الرؤوس والخدود ونثر الرماد وتمزيق الملابس الى جد العربدة الجماعية وغيرها من عادات يُراد منها التوسل والدعاء لإنقاذ الاله المخلص من الجحيم، لان بعودته وبدماءه المسكوبة في الأرجاء بشكل ازهار حمراء ( شقائق النعمان)، تُحيى البشرية ويتحسن الناتج الزراعي.

وكانت الممارسات الاحتفالية تجري في المعابد المقامة على عقيدة تؤمن بسيطرة وتحّكم الثالوث الإلهي المُعبر عن العناصر الأساسية ( الهواء والأرض والماء ) وهي آنـو وأنليل وإنكي على التوالي ونبذ العنصر الرابع النار( تيامات)، إضافة الى أختها عشتار- إنانّا، وهذه الاحتفالات هي بين أقدم الطقوس التي أظهرت شخصية الإله الذي يموت ويحيى ( تموز)، والتي يعرفها العلماء اليوم بطقوس الحداد الاحتفالية التي يموت فيها الإله ويعود إلى الحياة، مما يضمن الخصوبة والازدهار. منذ ان أقام البابليون دولتهم بدأ ميل يظهر نحو التوحيد، وتم النظر بأجلال الى الثالوث . وهناك ثالوث آخر يتمثل: سن اله القمر وشامش اله الشمس وعشتار الهة كوكب الزهرة وهي الأم الكبرى ومصدر الحياة.

مفاهيم ودروس وعبر اجتهادية آشورية .. محاولة لعصرنة فهم الأكيتو.

1- ممارسة الديمقراطية وتواضع الحاكم: في أزهى المظاهر الراقية التي تنسجم مع الديمقراطية بحسب المفهوم المعاصر، نجد انه عندما يصل (الملك) لحضور المهرجان ، يغادر الكاهن الأكبر وينزع عنه تاج المُلك والصولجان والحلقة والعصا وهي من دلائل الشرعية. ثم يجمعهم ويضعهم على قاعدة أمام الآله بيل وكوكبة المشتري.
ويصفع خد الملك.ويجره من إذنه خلفه ويحضره أمام بيل. ويجره من أذنيه، ويجبره على الركوع على الأرض.
ويرد الملك: أنا لم أخطئ يا رب كل الأراضي! أنا لم أهمل ألوهيتك! أنا لم أدمر بابل! ولم آمر بحلها! واحترمت معبد الايشاگيل! ولم أنس طقوسها! ولم أضرب خد من تحت حمايتي! . . ولم أقلل من شأنهم! وحميت أسوار بابل! ولم أهدم تحصيناتها الخارجية..
وبعد هذه الطقوس، اذا ذرفت دموع الملك التائب ، فان الالهة راضية عنه. وإذا لم تتدفق الدموع، يكون بيل غاضبًا. بالتالي تقع الدولة تحت تهديد اعتداءات العدو والتنبؤ بسقوط المملك. وبالنهاية يتم تثبيت الشرعية الملكية ومباركتها من قبل الكهنة وأمام أعين الشعب. وبعد أن يلقي (رئيس الكهنة) كلمته، يحفظ الملك كرامته. ليستعيد الصولجان والتاج ويعود الى العرش. و يشترك في حملات الحصاد مع عامة الشعب. لتنتهي الاحتفالات باستكمال وتكريس النظام في القصر والمعابد الرئيسية مثل بوابة عشتار والأكيتو والايشگالا والإيزيدا.
وهناك أمر أخر، وهو لا يزال مدار الدراسات والبحوث من قبل علماء الأديان المقارنة والمؤرخين الدينيين ، الذين يميلون إلى مقارنة طقوس عيد أكيتو والنصوص الاسطورية الأخرى المتعلقة بتموز وبمردوخ وابن الواحد ( آشور)، حيث تنزل إلى العالم السفلي وتتعرض لمعاملة سيئة من قبل القوى الشريرة هناك قبل أن يعود إلى الحياة مرة أخرى، وتتحول من ضحية مغضوب عليها وحاملةً الذنوب الى مُخلّص يظهر لمحاربة الفوضى وقوى الطلام . قام الباحث لويجي كاجني بجمع روايات عن جميع النظريات التي قدمها العلماء فيما يتعلق بتفسير هذه الوثيقة المثيرة للاهتمام للغاية، والتي أطلق عليها اسم "الموت" و"قيامة تموز ومردوخ المفترض". فهل هذا هو وصف طقس يمكن مقارنته بموت المسيح وقيامته، ولو من بعيد؟ ام انها كانت بإرادة الخالق لاظهار الدلائل الأولى الممهدة للعقل البشري للإيمان والاقرار بمجئ المسيح المُخلّص!؟.

2- العلاقة المنتظمة بين الدين بالسياسة: يمكن وبدقة ملاحظة التماسك والارتباط العضوي بل الاندماج بين المؤسسة الدينية والسلطة الحاكمة وبين ما يمكننا اعتباره بمؤسسة الدولة. ولنا ان نستفيد من هذه الحقيقة ونزيل الجمود والحواجز الوهمية بين كنائسنا والكهنة عن ما هو متفاعل قومياً وتنظيمياً، والسير نحو ما هو مفيد ومثمر وذلك بتنظيم العلاقة فيما بينها، وعدم أحتكار العمل القومي وعزله تماماً عن المؤسسة الدينية التي نجحت الى حد بعيد في إدارة مجتمعاتنا في الداخل والمهجر، وبالتالي ينبغي على دعاة العمل القومي والوطني السياسي نبذ كل ما هو يسئ الى الكهنة والمؤمنين من الاسراف في إلاساءه المبالغ بها وبدون معنى أحياناً أي مجرد رمي الأحجار والتنفيس عن الذات النرجسية والسادية. ومن الأفضل ان لا نقع ضحايا تحت تأثيرالكره والحُب والمواقف المُسبقة، ونعتمد على الفهم والادراك بالحصول على المعلومة الكاملة لاتخاذ القرار والتصرف الصائب.
وذلك إعتماداً على حقيقتين لا يمكن التغافل عنهما بحسب الماضي القريب:
الأولى ان أغلب من زاولوا العمل القومي كانوا أعضاءاً نشطين في اللجان الشبابية للكنائس قبل ان يتحولوا الى ممارسة العمل القومي المؤسساتي او الحزبي. والثانية هي ان الاغلب الأعم من الكهنة هم من المؤمنين بهويتنا القومية وحقوقنا المسلوبة، ومن غير المنصف ان نتدخل في شؤونهم ونحدد لهم طبيعة عملهم وبالتفاصيل، وينبغي ان لا يؤدي الاختلاف الى خلاف.
وأخيراً وللعلم فأن التراث الإيماني لكنيستنا المشرقية لا يتناقض أبداً مع التراث الحضاري لحضارة العراق النهرينية منذ سومر مروراً بأكد وبابل وصولاً الى آشور. بمعنى ان هويتنا القومية تنسجم وتتلاقح مع الهوية الدينية، اذ اوجد الله بوادر وتباشير وأدلة أمام العقل والوجدان القديم تمهيداً وتحضيراً وإٍستعداداً للآتي من دعوات دينية وعقائد وممارسات أيمانية، وينبغي أيجاد لغة مشتركة لتنظيم العلاقة وليس الإلغاء والابعاد. وما أعظم ان يتفاعل وينسجم الجسد القومي مع الروح الايمانية إيجابياً وبلغة مشتركة فصيحة، مستلهمين من سيّر عظماء ما بعد المسيحية مثل برديصان وططيانوس والملفان افرام وغيرهم، وكان برديصان شبّه الشمس بالأب والقمر بالأم، فهل يمكن التصدي لهذه المهمة؟

ثالثاً- نحو عملية الفهم الذاتي لتراثنا الكوني عموماً والاكيتو على وجه الخصوص.

ألف)- مهمات الأبراج في المعتقد والفلك:-
لقد قسم الفلاسفة والمنجمون القدماء كل ما في الأرض إلى أربعة أقسام، أطلقوا عليها العناصر أو الجواهر، وأسموها النار والأرض والهواء والماء؛ كما قاموا بتقسيم الأجرام السماوية إلى تلك العناصر أو الجواهر، وخاصة الأبراج، والكواكب، والشمس، والقمر. وكانت علامات البروج تسمى المثلثات أو الثلاثيات. والأبراج النارية هي برج الحمل، والأسد، والقوس. والأبراج الترابية هي برج الثور والعذراء والجدي. الأبراج الهوائية هي الجوزاء والميزان والدلو، والأبراج المائية هي السرطان والعقرب والحوت. وهكذا تتناوب العناصر الأربعة والابراج، وتأثيرها عبر العام لثلاث مرات دورياً خلال الأشهر الأثناعشر. مما أدى الى أيمان الكهنة بأهمية الدعاء الى القوى الكامنة في هذه العناصر الساكنة في أبراج السماء وشهور السنة لتبارك وتحرس المدن المهمة مثل نينوي وأشور وكالخو وأربأيلو، ويتم محاكاة صورة السماء في الأرض من خلال مهرجان الأكيتو بايامه الاثنى عشر، و التأكيد على التطهير برش الماء، و إستخدام النار باستخدام المباخر والمشاعل، والقفز من فوق النار من أجل تطهير الروح من الذنوب، وممارسة التضحية بالثيران والخرفان الممثلة لعنصر أو البرج الترابي ، ويدل دماء الأضاحي المسفوك على الحياة وأُعتبر عنصراً خامساً.

باء)- الأكيتو والعناصر الأساسية:-
يمثل مهرجان (ريش شيتو) أكيتو بجسب التقويم البابلي – الآشوري، الاحتفال بمشاركة العناصر ( الماء والنار والتراب) للأشهر الثلاث وأبراجها ( الحوت والحمل والثور) والتي تتحكم بمصائر البشر في الأشهر:
* آذار: وهو الشهر الأخير من العام المنصرم ويمثل برج الحوت المائي الذي يحاول منع قدوم العام الجديد لتستمر الفوضى والقحط.! بحسب الأسطورة.
* نيسان: وهو الشهر الأول من العام الجديد، ويمثله برج الحمل الناري، ومجئ المنقذ الإلهي والبشري التموزي ومردوخ وآشور السماوي، ويمثله على الأرض ابن الاله وهو الملك، والذي بممارسات الاكيتو ودعوات الكهنة وجموع الشعب، يتم أنقاذ الحمل المُخلِص من جوف حوت العام الماضي. ليتم ترتيب الكون ومصائر البشر في العام الجديد.
* مايس: وهو الشهر الثاني من العام الآشوري الجديد، ويمثل الثور الترابي، حيث يستقر عليه تموز ويهدأ بعد خلاصه من خطر حوت العام المنصرم والفوضى، لتستقر الأمور وتبدأ الحياة الجديدة.
* حزيران: وهو شهر الجوزاء الهوائي، حيث بتأثيره يتم الحصاد الجماعي.

جيم):- الهلال والنجمة :-
من الألواح الآثارية المكتوبة بالمسمارية، تم العثور على نقوش تُمثل صوراً للهلال والنجمة. ومنها انتقل هذا النقش الى إمارة الرها المسيحية الشرقية جنوب تركيا الحالية ( الأسروهون- الاشور والهون وهم التتر او الأتراك). وكانت الرها ( أورهاي) تأسست منذ 132 م أو قبله، وأول ملكهم ( ابجر أريو) أتخذ شعارا مستمداً من حران الأشورية وهو الهلال والنجم، وسكه على النقود. وأصبح هذا الشعار حالياً مرسوماً على علم تركيا والعديد من الدول الأسلامية كالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وباكستان ودول إسلامية أخرى، مع وضع الهلال على قمة مآذن المساجد.
دال):- أصل فكرة النبي يونان من الأبراج :
الخبرة المُلهمة للكهنة أثناء مراقبة وتسجيل حركة الشمس والقمر والكواكب ، جعلتهم يعكسون حركة الكون على الأرض، وبالنتيجة الايمان بتأثير نشاط الأبراج والطوالع على مصير الأنسان والتنبؤ بالمستقبل، باعتبار ان شكل الأبراج ومواقعها وتحركاتها جاءت باراده الالهة ورغباتها. وكانت الملوك تعتمد على إستشارة المنجمين في الخطط السياسية ومواقيت الحروب والمشاريع الزراعية والأروائية وبناء المدن وغير ذلك من أمور.
وليس مستبعداً، ان انتشار الإمبراطورية الآشورية غربأً نحو البحر الأبيض جاء بعد نصائح الكهنة المنجمين ( المجوس والكلدان) وأُعتبرت كأراضي موعودة من قبل السماء ، تطبيقاً لحركة النجوم واستعارتها من السماء نحو الأرض ( في رأس السنة أكيتو والتي تم ذكرها فيما سبق آذار الحوت ونيسان الحمل المُنقذ ومايس الجوزاء). لذا وعند مشاهدة خارطة التوسع الآشوري حوالي القرن السابع والثامن قبل الميلاد، يظهر انها شملت ما يُعرف اليوم بالهلال الخصيب وإنتهاءاً بثلاث مواقع جغرافية تحيط بالبحر الأبيض المتوسط من الشمال والشرق والجنوب في مصر، بشكل يشبه فم الحوت المنفرج على جزيرة قبرص والتي من المحتمل انها أُعتبرت مقام يونان ( برج الحمل!). لذا أصبح واضحاً مصدر أسم يونن والذي تنطبق حروفه ( فلكياً وتنجيمياً) مع أسم ننوى وان كانت القراءة تتم بصورة معكوسة. ( ܝܘܢܢ ܢܢܘܝ ).

فخ الأسماء وخديعة المعاني وحبائل سوء الفهم، حيث نقع أحياناً كثيرة ضحية الكلمات الغريبة عن لغتنا المتداولة ، مثال :--

1- أكيتو تعني السنة.
: رغم ورود كلمة أكيتو منذ العهد السومري، الا ان علماء التاريخ لم يتوصلوا الى حقيقة معنى الأسم، مما يجعلنا في موقف البحث فيما هو دارج في التراث الأشوري واللغة السوريانية واتباع المنهج المقارن.
الاكيتو أو أخيتو كلمة تُعبر عن بداية سنة، ونعني بذلك كلمة شيتا أو شيتو وهي الأقرب الى أكيتو. والتحولات في الاسماء ما بين الأحرف ( ك- خ- ش )وما يقابلها بالانكليزية، وليس مُستغرباً عند ملاحظة تغيير الأسم ميكائيلMichael. الى ميخائيل Mikhael والى ميشائيل بالفرنسية وما يقاربها . و( إيش+ اتا التأنيث) تعني الأول ( الشهر الأول) أو البداية وبالسوريانية ( ܐ̄ܫܢܬܐ)). ويظل هذا الفهم لكلمة الأكيتو صحيحاً الى أن يُثبت العكس.
2- مردوخ: وقد يعني واهب الحياة ( مارا د خيي). ومن كتاب أستير في التوراة، نجد إقتران مردخاي ابن عم إستير الذي رباها منذ الصغر في تناسق واضح بين عشتار ( الزُهرة ) و الاله مردوخ كوكب .


إنعكاس مهرجان الأكيتو على تراث الشعوب
الفرس والاكراد
كان الهدف من الاحتفال بعيد الاكيتو هو نفس الهدف من الاحتفال بعيد نوروز، ألا وهو بداية الرّبيع، وأتُخذت شعوب ميزوبوتاميا الاحتفال بيوم نوروز طابعاً قوميّاً بالإشارة إلى بداية الرّبيع، وأصبح العيد قوميّاً مقدّساً عندهم وهو الشّعب الكرديّ والفارسي، وتتحدث الأسطورة عن ان الميد أحد أسلاف الكرد كانوا خاضعين لحكم الدّولة الآشورية التي تحوّلت إلى أقوى امبراطورية في ذلك الوقت، وقد حاول أحد زعماء الكرد الميد تحقيق هدف التحرر بتوحيد صفوف الميديين أوّلا والبحث عن تحالفات لمواجهة جيش آشور القويّ. فالضحاك( الملك الطاغية) بحسب الشاهنامة، هو مثال العداوة بين الإيرانيين والآشوريين ثم الكلدانيين، ويوافق هذا ما يذكر في الكتب العربية من ان الضحاك كان من الملوك الكلدان النبط. وما في نزهة الأمم من ان بابل كانت دار ملك نمرود والضحاك، وكان نمرود والياً من قبل الضحاك ( وهذ لم يتم اثباته بالبحوث الاركيولوجية). وبعد ان قضى عليه كاوة الحداد، اشعل النار على الجبال كعلامة على الأنتصار.
ظهر نقش بارز يصور الاحتفال بعيد النوروز في مدينة برسيبوليس القديمة الإيرانية، ويصوّر النقش كبار الشخصيات وهم يحملون هدايا إلى داريوس الأول (الأسرة الأخمينية) ربما بمناسبة عيد النوروز، في القرن الخامس قبل الميلاد؛ وذلك في قاعة أبادانا، برسبوليس، إيران، والمعلوم ان نقوش مدينة برسيبولس تمت من قبل الفنانين النحاتين الآشوريين.
وكان الزردشتيون او الزردشترا ( زرعا دعشتار) اتباع أهورمزدا ( أشور- الحكيم) يعبدون العناصر الأربعة مثل الشمس النارية وضوءها، والماء ( دجلة والفرات) والأرض والرياح ( هواء). وتدوير هذه العناصر على مدار العام منذ بداية الاعتدال الربيعي، مما يحقق التطابق مع عيد الأكيتو الآشوري- البابلي.

الصابئة
يرتبط أسم الصابئة (صبأ) بالتعميد أي الإرتماس والغطس في الماء الجاري، مستخدمين لغتهم المندائية ( الآرامية السوريانية)، وتعني الشبع في الماء ( ܣܒܼܝܥܐ)، كما تعود أصل كلمة مندائي من المعرفة ( ܝܕܥܬܐ معرفة) و ( ܝܕܘܥܬܐ).
وتنظر الصابئية الى عشتار- الزهرة بكل ود وتقدير. ويأـي في كتاب ( كنزه ربه) فقرة تصف مطهراً (مطراثه)، فيه أولئك الذين يذهبون الى بيت تموز.
من العادات الدينية الموروثة لدى الصابئة في العيد الكبير( دهوة ربا) أو عيد ملك الأنوار، أو عيد نوروز ربا ويكون في اليوم السابع من آب من كل سنة مندائية، وتُعلق على مداخل بيوتهم أكاليل من الآس أو الصفاف لتجلب لأهلها الخصب والسلامة. وفي الكتاب المقدس ( كنزا ربا) يتم مراراً ذكر الاله شمش ونابو وبيل وعنصر الماء الحي المقدس (يردنا) وعنصر الهواء ( نشمتا ) وعنصر النار والحرارة الحية.
وفي الفترة الآشورية- البابلية، كان عيد رأس السنة في نيسان مرتبطاً بالأكيتو. وكما يفعل الكهان البابليون، استمر الصابئيون الكهان في استطلاع طالع الشعوب والأفراد. وفترة إمتناع الصابئين من الخروج من البيت خلال رأس السنة, تمع ذكرى انحباس تموز تحت الأرض( في العالم السفلى)، الى أن ينبغث ويعود الى الوجود.

اليزيدية
في عيدهم المسمى ( سه رسالي- رأس السنة) ويقع في أول أربعاء من نيسان من التقويم الشرقي ويسبقه بيوم يقومون بقطف ورد نيسان الأحمر ( ورد الربيع)، ويعلقونه مع قشور البيض المسلوق الملون، وأنواع من الحشائش على المرقاد الأعلى لأبواب البيت. كان الاحتفال الأيزيدي البنچة له علاقة حقيقية بعيد الأكيتو ويقع في بداية شهر نيسان. ومن الجدير بالذكر ان معبد الأيزيد كان أحد اهم المعابد القديمة والمهمة في ممارسة مهرجان الأكيتو. وكما يقوم الآشوريون المسيحيين في العراق، بتناول طعام الذكرى( الدخرانة) من أجل أقرباء الميت والقديسيين في عيد الفصح، كذلك يصاحب عيد الربيع لدى اليزيديين في نيسان تناول وجبات طعام طقسية على أرواح الموتى.

وأستمر ارتباط الايزيديين مع التراث الآشوري منطلقاً مع الرسول أداي( عدي). وانتشر الدين الجديد في جميع أنحاء سوريا حتى اللحظة التي ظهر فيها شيخ عادي على الساحة. تلقى هذا الأخير يومًا ما وحيًا إلهيًا نصحه بالذهاب إلى دير مسيحي واحتلاله. ولكنه ذهب بعيداً ولجأ الى كهف.
وباختصار فأن أعياد الصابئة والأيزيدي ونوروز الزرادشتي الفارسي والكردي مرتبطة جميعها بعيد رأس السنة الآشوري- البابلي ( الأكيتو).

الاسلام
من متابعة توقيت شهر الصوم في رمضان، نستنتج بان إرتباطها برؤية الهلال يتزامن مع اقتراب كوكب الزُهرة والمريخ معه وهو كوكب المنقذ. فقد شرّع كتاب مسلمون آخرون هذه الممارسة، وتم تسجيل أحاديث (أقوال أو قصص النبي محمد)، التي تدعي أن محمد قبل هدية عيد النوروز وبارك اليوم. قال نبي الأسلام : ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه. وبعد ان يأس سيدنا يونس من إجابة دعوته وضاق بهم ذرعاً رحل عنهم مغاضباً لهم يائساً من إيمانهم و رحل عن نينوى، وبدأت بعد ذلك علامات العذاب وأماراته تطلع على قومه.
حديث آخر منسوب إلى الإمام السادس من التقليد الشيعي، جعفر الصادق، يصف النوروز بأنه اليوم الذي جعل الله فيه شروق الشمس، وهبوب الرياح، وازدهار الأرض؛ يوم أخذ الله ميثاق البشرية أن لا يعبدوا إلا الله؛ ويوم وصلت سفينة نوح إلى الشاطئ. كما يعتبر النص أن عيد النوروز هو اليوم الذي أرسل فيه الله الملاك جبريل إلى النبي محمد، وهو اليوم الذي دمر فيه محمد أصنام مكة، ويوم بعث الله الموتى. ونتيجة لهذه الشرعية في التقاليد الإسلامية، كان عيد النوروز سابقاً مناسبة مهمة بين المسلمين الشيعة، بما في ذلك الشيعة الإثني عشرية والإسماعيلية والعلويين.

المراجع و الصور التوضيحية:-

-The Babylonian Akitu Festival: Benjamin D.Sommer.
-The New Year Ceremonies In Ancient Babylon: J.A.Black.
- Elements Of Astrology: By L.D. Broughton. M.D.
- Enuma Elish: The Epic Of Creation Translated: By L.W.King.
- Ištar and the Motif of the Cosmological Warrior: C. L. Crouch
-The Religion Of The Yezidis By: Giuseppe Furlani.
- Bardaisan s Paradise on the Top of the Ziggurat: Amar Annus
- أصول الصابئة المندائيين: عزيز سباهي.
- مدخل الى نصوص الشرق القديم: فراس السواح.
- الصابئة المندائيون: الليدي دراووّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -