الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلص من النفايات النووية

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2024 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الواقع أن تصريف النفايات النووية هو مجال ترتاد فيه القوى النووية عموماً البدائل والمرادفات. كذلك فالنفايات النووية صغيرة فى حجمها تُحْجَز بإحكام وتُرَاقَب عن كثب، على خلاف النفايات الصلبة والسامة المتخلفة عن سلاسل الوقود الأخرى. يضاف إلى ذلك أن تكلفة احتواء وتخزين وتصريف النفايات النووية مشمولة فى غالبية الدول فى سعر الكهرباء المولدة. وتتضمن هذه النفقات المستدخلة تكلفة إدارة النفايات، وتصريفها فى مستودعات تخزين طويلة المدى، وكذا تكهين المحطة فى نهاية عمرها التشغيلى.

ولقد قدمت روس أتوم منظومة متكاملة لمعاملة النفايات النووية على درجة عالية من الكفاءة، ومقترح للمحطة النووية الأولى بالضبعة تخزين الوقود المستنفد في مستودع للتخزين بالمحطة لفترة، ثم نقله إلى الاتحاد الروسى لإعادة معاملته لاستخلاص العناصر القابلة للاستخدام في وقود جديد، وما يتبقى هو النفايات التي يتم التخلص النهائي منها في حجرات خرسانية على أعماق بعيدة داخل الأرض في التكوينات الجيولوجية الملائمة في روسيا.

وينظر إلى المشروعات الروسية لإدارة النفايات النووية في مفاعلات روس أتوم داخل روسيا أو في الدول التي أنشأت فيها روس أتوم مفاعلات نووية بوصفها نماذج ناجحة جداً لإدارة النفايات النووية.

ذلك أن تقنيات إدارة النفايات هذه تتوافق مع معايير الأمان التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع معايير الأمان النووي المصرية.

لقد رُخِّصَت المستودعات النهائية للنفايات ذات المستوى الإشعاعى الخفيض low level radioactive waste الصادرة عن محطات القوى النووية، والمتخلفة عن التطبيقات الطبية والبحثية وغيرها -وهى فى التشغيل الفعلى حالياً- فى عديد من الدول.. غير أنه لا يوجد مستودع فى التشغيل الفعلى للتخلص النهائى من النفايات ذات المستوى الإشعاعى العالى High Level Waste (HLW) الصادرة عن المحطات المدنية للقوى النووية، رغم اتفاق المجتمعات العلمية والتقنية عموماً على أن مثال هذه النفايات يمكن التخلص منها على نحو آمن فى التكوينات الجيولوجية المستقرة Stable Geological Formations. وهنالك مستودع جيولوجى واحد فى الخدمة للتخلص من النفايات ذات العدد الذرى أعلى من اليورانيوم طويلة البقاء المتولدة عن البحوث وإنتاج الأسلحة النووية، وتقع المحطة الريادية لعزل النفايات فى نيومكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية.

وتعاد معاملة الوقود المستنفد الناتج عن محطات القوى النووية التى فى التشغيل الفعلى حالياً أو يتم تخزينه. وتعمد إعادة المعاملة إلى استخلاص كلٍ من اليورانيوم والبلوتونيوم القابلين للاستخدام من الوقود المستنفد لاستخدامهما فى وقود جديد، وما يتبقى هو النفايات ذات المستوى الإشعاعى العالى (HLW) التى تخزن حالياً توطئة للتخلص النهائى. وتعيد كل من الاتحاد الروسى والصين وفرنسا والهند واليابان معاملة معظم وقودها المستنفد، بينما اختارت كل من كندا وفنلندا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية البديل ذى التخلص المباشر من الوقود المستنفد كنفايات ذات مستوى إشعاعى عالى، وذلك رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اقترحت مؤخراً مدخلاً ثالثاً يتم بمقتضاه إعادة تدوير الوقود المستنفد ليس لاستخلاص اليورانيوم والبلوتونيوم اللذين يمكن استخدامهما ولكن لحرق البلوتونيوم تواً وتقليص حجم وسمية النفايات التى تتطلب تخلصاً دائماً باقياً مستقراً. أما الدول التى لم تعمد بعد إلى اختيار استراتيجيتها بشأن التخلص من النفايات المشعة فهى تقوم حالياً بتخزين الوقود المستنفد، ومسايرة التطورات المرتبطة بالبدائل كافة.

ويوجد حالياً ما يربو على نصف قرن من الخبرة والتجربة مع تكنولوجيا تخزين الوقود المستنفد. وتعتبر كمية الوقود المستنفد صغيرة نسبياً: فالوقود المستنفد المنتج فى سنة واحدة بواسطة جميع المفاعلات الشغالة فى العالم ربما لايغطى سوى ملعب كرة قدم لعمق لا يتجاوز 1.5 متر. ومن اليسير نسبياً إضافة قدرة تخزينية مزيدة، ولذا فليس هنالك سبب تقنى قوى للتعجيل بابتداع وتشغيل مستودع جيولوجى عميق. ولقد تكون هنالك أسباب سياسية ومعنوية جيدة لفعل ذلك، بيد أن التخزين يعنى أن السياسيين والجمهور لديهم الوقت لجدل لا ينقطع ولسبر غور الحل الأكثر تفضيلاً وتحديده لكل دولة. وحيثما يكون مقبولاً سياسياً يمكن النظر إلى التخلص تعددى الأوطان من النفايات المشعة بوصفه خياراً أكثر فعالية من حيث التكلفة على نحو محتمل، على الأخص للدول الصغيرة ذات البرامج النووية الخفيفة ومواقع الاستيداع المحدودة .

ولقد أحرزت برامج التخزين الروسية والفنلندية والسويدية والأمريكية أكبر تقدم حتى الآن لكن أحداً من غير المحتمل أن يكون لديه مستودع نفايات نووية فى التشغيل الفعلى قبل عام 2020 بكثير، فكل من هذه البرامج قد صممت لتعزل النفايات عن البيئة المحيطة عن طريق سلسلة من الحواجز المصممة هندسياً، والطبيعية، على نحو ما يتضح فى البرنامج السويدى؛ فالغلاف أو الحاجز الأول هو بيت أو رَحِم النفايات وحزمة النفايات الأولية (كريات الوقود الصلبة فى الحالة السويدية، وغلاف أو كسوة قضيب الوقود)، والغلاف الثانى هو حواجز إضافية مشكلة هندسياً (علب نحاسية محكمة الغلق بحشوات حديدية مصبوبة ملفوفة بطينة خزفية تغلفها من جوانبها كافة)، أما الغلاف الثالث فهو التشكيل الجيولوجى المضيف (صخر القاع المتبلور فى حالة السويد) المختار لاستقرارية جيولوجية مؤكدة على مدى مئات الملايين من السنين، وخصائص جيوكيميائية مواتية (محبذة)، وحركية مياه محدودة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا