الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بقايا أوراق السيد نون

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 3 / 27
الادب والفن


من عادة السيد نون كل صباح، وهو يشرب قهوته أن يحاول أن يقنع نفسه بأنه لا ينتمي لهذه المدينة ولا هذه الأرض ولا يحب كل هذا الزحام والضجيج، ويشعر بأنه لا ينتمي لأي شيء ولا يشارك هؤلاء الناس في أي شيء على الإطلاق، إنه هنا كائن في الفراغ، لم يأت من أي مكان. وكان من عادته أن يردد كلمات أغنتيه قديمة :
لا وطن لي ولا قومية
لا لغة ولا هوية
جذوري هوائية
سماوية
وليست طينية
إبليسية
وليست آدمية
ليليثية
وليست حوائية
ويبدو له في كثير من الإحيان بأنه تخلص من العديد من الخرافات والأوهام، بمعجزة لا يعرف مصدرها، وقذف بكل هذه الأشياء المزرية في الخرارة أوحفرة المجاري أو في الزبالة، مع كل ما يصاحبها من أعلام ورموز وأناشيد وطنية. كان يمقت الشعر القومي والقصائد التي تتغنى الأمجاد القديمة والحديثة. رغم وعيه بعدم وجود أمجاد لا قديمة ولا حديثة في الحقيقة، بل هزائم وجرائم ومذابح وخيانات وعمالة وتطبيع وتخلف وجهل وفساد ورشوة. وهو يعتبر نفسه مجرد إنسان بسيط يريد أن يحيا بوعي وبهدوء حياته الداخلية والخارجية مع أشباهه المختلفين، لا يريد منهم أي شيء، أي شيء على الإطلاق سوى أن يتركونه في حاله يمارس حياته الروتينية، لا يزعج أحدا ولا يحب أن يزعجه أي أحد. ذلك أنه أدرك منذ زمن بعيد بأن ما يسمى بالثقافة والمجتمع الذي ينتمي إليه والبيئة التي نشأ فيها لا تناسبه على الإطلاق ولا يشعر بالراحة داخل طياتها وتفاصيلها المعقدة. وكثيرا ما كان يردد في نفسه بأنها ما هي إلا ثقافة رجالية فحولية قمعية رجعية خرافية وفولكلورية مزرية أساسها الكذب والنفاق وتقديس المال والبنين مثل غيرها من الثقافات القديمة والبالية والتي يجب التخلص باسرع ما يمكن من قيودها وسلاسلها الثقيلة.
بأسرع ما يمكن بأسرع ما يمكن رغم أن العجلة من الشيطان كما يقولون ( أو من ميشلان أو جوديير وربما كونتينينتال )
فالهوية ليست معطى أولي نرثه مع الأمراض الوراثية والصلع ومرض السكر وقصر النظر، بل هي شيء يتراكم كل يوم ويتكون طبقة بعد طبقة وليس شيئا نناله لمجرد ميلادنا في بقعة ما من الأرض. نحن نكون ما نريده أن نكون وجذورنا في السماء وليست في الأرض، في السحاب وليست في التراب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال