الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثيقة أكتوبر السنية

عباس بوصفوان
(Abbas Busafwan)

2024 / 3 / 28
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الفصل السابع: من كتاب: "البحرين 1923: نقدٌ منهجيٌ للسّرديّة السّائدة عن عِشرينيّات القرْن العِشرين" لـ عباس بوصفوان


الفصل السابع:
وثيقة أكتوبر السنية


أوّلاً: أولويات الحِلْف السُّني

تكشف الوثائق المتاحة عن اتجاه خليفي - سنّي كان يأمل بأن يتمكن من كبح الإجراءات الإنجليزيّة، قبل إعلانها، والحد منها بعد سريان مفعولها، بيْد أنّ تركيز الحِلْف السُّني كان مُسلطاً على أربعة أمور:

(1) استمرار التحالف مع بريطانيا باعتبارها القوة العظمى، التي تقيهم فارِس والسّعوديّة والقوى الإقليميّة والدّولية الأخرى.

(2) ديمومة الحكم القبلي - وليس ديمومة الحاكم عيسى بن علي - لأن البديل قد يكون البحارنة، ومع أن بريطانيا لم تظهر أبداً أنّها فكرت في سيناريو التحالف مع الجسم الشيعي.

(3) عدم إجراء تغييرات جذريّة في نظام الغوص، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للدخل، وأبرز منابع التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، والذي كان يزيد الأغنياء، من الطواويش وأرباب السفن والنواخذة، غنى، والفقراء من الغواصين والعاملين الآخرين على السُّفن فقراً.

(4) استمرار تمتع الحِلْف الخليفي - السُّني بالامتيازات السّياسيّة والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تدرها الإقطاعيّات، في ضوء رغبة الإنجليز بحظر الإقطاع.

ورغم ادعاء الإنجليز القيام بإصلاحات، فقد حصل الحِلْف الموسع على مبتغاه بشأن النقاط الأربع المذكورة، وقُدّمت لهم تطمينات للحد من "الأضرار" التي قد تطالهم بسبب إلغاء الإقطاعيّات أو إصلاح نظام الضّرائب.

ثانياً: رموز الحالة السّنية

في ضوء تركيبة البلاد المختلّة، ليس مفاجئاً أن تخلّف الإجراءات البريطانيّة اصطفافات داخليّة، سنيّة قلقة من مآلات الإجراءات، وشيعيّة تدعم نفاذها.

كما كان الشيعة أمام قلق الخيارات، وقد يضعهم رفضهم تعيين الشيخ حَمَد في مواجهة الإنجليز والأسرة الحاكمة، فكذلك كان حال الجماعات السنية، التي ينبغي عليها التذكر بأن مراودة حلم السلطة لأي من أطرافها سيؤدي إلى لف حبل المشنقة حول عنقها، أما تحوّلهم معارضين فيعني قطع حبل وصالهم مع السلطة ومكاسبها.

وتعد "وثيقة أكتوبر"، التي وقعتها النخبة السنية، بقيادة عبدالوهاب الزياني، من أبرز المستندات التي توصف بأنها تعبّر عن رفض الجماعات السنية "إعلان نوكس"، لكننا لا نراها كذلك، وإن كانت ليست الوثيقة الوحيدة المتاحة التي تكشف الموقف السني، لكنها الأبرز في السّردية المتداولة.

إلى جانب الزياني، وقع على الوثيقة كل من عبداللطيف بن محمود، عبداالله بن إبراهيم، حسين بن علي المناعي، شاهين بن صقر الجلاهمة، محمد بن هندي، أحمد بن جودر، عيسى بن أحمد الدوسري، أحمد بن لاحج، مهنا بن فضل النعيمي، محمد بن صباح البنعلي، جبر بن محمد المسلم ، ثم أرسلت إلى المُقيم السياسي في الخليج، آرثر بسكوت تريفور.

صدرت الوثيقة في 26 من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أي بعد نحو خمسة أشهر من مجلس التّنصيب، ويبدو مثيراً للانتباه أن تصدر بالتزامن معها وثيقة شيعية منفصلة، بقيادة أحمد بن خميس، وكلتا العريضتين تقران بشرعية الحاكم الجديد، وإن استخدمتا لغة مختلفة.

صدرت الوثيقة عن اجتماع نُخْبَوِي سني، مُنح اسماً لامعاً، وهو "المؤتمر الوطني"، وانتهى إلى الموافقة على أبرز ما ورد في "إعلان نوكس"، وقد ترافق ذلك مع اجتماع ووثيقة للشيعة، لم يُمنحا اسماً منمقاً، وهذا مدعاة للتساؤل.

ثالثاً: التمسك بالحِلْف البريطاني الخليفي

تشدد "وثيقة أكتوبر" السنية، على "أهمية المحافظة على الروابط والعلاقات البريطانية"، وإذ تدعو إلى "عدم تدخل القنصل البريطاني في الأمور الداخلية"، فإنها تتسمك بضرورة "الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين البحرين والحكومة البريطانية" ، ومعلوم إن تلك الاتفاقيات تعطي للإنجليز الحق في التدخل في شؤون الجُزُر، وإجراءات العِشرينيّات كانت قادمة من الحكومة البريطانية، ولم تكن صادرة من المُعتَمَد السياسي، الذي اختارت النخبة السنية وبعض أعضاء الأسرة الحاكمة صب جام غضبها عليه، ولم يمسوا بكلمة المسؤولين الأعلى منه.

وفي ردّ كتبه تريفور، على اعتراضات بعض أطراف العائلة الحاكمة والموالين لها، أشار إلى أن إجراءات الإنجليز "لم تصدر بصورة فرديّة من الميجور ديلي أو حتّى المقدم نوكس، لقد طلبت الحكومة العليّة (في لندن) إدخالها في البحرين، وذلك بعد صبر طويل ومناقشات عديدة توصلوا بعدها إلى أنّ الحالة في البحرين في حاجة ماسة إلى إدخال الإصلاحات" .

رابعًا: السُّنة والهواجس الانجليزيّة

في ضوء الصّياغة الدقيقة وذات الطابع القانوني والسياسي للوثيقة السنيّة، يمكن الافتراض أو التساؤل إن كانت أيادي الأسرة الحاكمة أو الإنجليزية أو كلتاهما معا، طرفاً في صياغة الوثيقة، التي تبدو منتبهة للغاية إلى أمرين: الأول: عمق التحالف الخليفي البريطاني الذي نشأ منذ 1820، وحيوية الحفاظ عليه، والثاني: جوهرية تعيين حَمَد في هذا الإطار، ويفترض ألّا تكون العلاقة مع الإنجليز والحفاظ عليها هاجساً سنيّاً يطغى على الوثيقة، بقدر ما هي هاجس حكومي، فيما يفترض أن يكون السنة متمسكين بالحاكم المعزول، وهذا ما يدفعني للافتراض والتساؤل.

مع ذلك، الوثيقة تتجنب ذكر كلمة "إصلاحات"، التي تكررها وثيقة الشيعة مرّات عدة، وهذا يطرح شكوكاً سنيّة حول المسار المتوقع من هذه الإجراءات، كما يطرح أسئلة عن مكانتهم في النظام السياسي قيد التشكّل.

كما لم تعلن الوثيقة مبايعة احتفالية للحاكم الجديد ولم تهلل له، ولم تبشر بمستقبل زاخر، لكن بالنسبة لرموز العائلة الحاكمة ومؤيديها والإنجليز فإنها تحقق المراد، كما كان "ميثاق العمل الوطني" في 2001، مدخلاً للاستفراد بالسّلطة.

عموماً، نستطيع القول إنه إذا كانت لدى المَشْيَخة من ملاحظات على الأداء البريطاني، فهي خيبة الأمل من تدخل فوقي من طرف صديق قديم، والتوجس من نوعية التدخل، وليس مبدأه، فإذا صبَّ في صالح الحكم والنخبة المقربة منها، مثل توفير الحماية للنظام، ومنح الموالاة الأولوية في الخدمات والاقتصاد، يصبح التدخل محل ترحيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس