الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لا يمكن لواشنطن استدراكه بعد قرار وقف إطلاق النار

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


هل هي طبخة محروقة سلفا ؟ ام ان ما يعنيه قرار واشنطن بالسماح لمجلس الأمن الدولي بتبني الدعوة إلى وقف فوري لاطلاق ان به قدرا من بعض الافتراق الاسرائيلي الامريكي؟؟.
لا شك أن ما ان يعكسه مسارعة السفيرة الأمريكية ليندا توماس ومن بعدها وزارة الخارجية ومنسق الاتصالات الاستراتيجية كيربي وعدد آخر من كبار المحليين والمسؤولين السابقين، إلى التأكيد على عدم إلزامية القرار الاممي فيه قدر من الاستدراك للقرار الأمريكي بوضع إسرائيل وحيدة في مواجهة العالم، كما يشكل خط رجعة للإدارة الأمريكية في مواجهة بعض قوى الضغط الموالية لإسرائيل بداخل دوائر صنع القرار حيث يمنحها هذا التفسير نوع من الغطاء للاستمرار في حربها على غزة.
غير ان التوقف أمام القراءة القانونية لقرار مجلس الأمن الدولي لا يجدي نفعا في مثل هذه الحالة خاصة وان تمرد إسرائيل على القانون الدولي وضربها بعرض الحائط لكل قرارات الشرعية الدولية ليس جديدا ولا يضيف إلى سجلها بالمروق على الارادة الدولية ما يستحق الاهتمام، لانها وفقا لكل ما صدر عن هيئات الشرعية الدولية تبقى دولة فصل عنصري وأن الصهيونية التي تقوم عليها هي شكل من أشكال العنصرية كما وصفها القرار 3379 للعام 1975 الذي طالب كافة دول العالم حينها بمقاومتها باعتبارها تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين رغم الغاء هذا القرار عام 1991.
ولان المقام اهم من المقال كما يقال وأن الفهم الحقيقي للخطاب يؤخذ من سياقه قبل نصه، فإن قرار مجلس الأمن الدولي هذا يستمد أهميته من سياقات ولادته اكثر من نصه الذي يبقى معناه حصرا في دلالاته اللسانية. وهنا لا يمكن تجاوز ان الولادة العسيرة لهذا القرار التي جاءت بعد سلسلة من المفاوضات والمشادات وايضا الخلافات الأمريكية الإسرائيلية التي كثيرا ما استخدم فيها الإعلام وسيلة للضغط والتهديد المتبادل، كما ترافقت مع زيادة في حدة الضغط الشعبي على امتداد العالم الذي واكب ابشع جرائم الابادة الجماعية للسكان العزل والحرمان والتجويع المروع لمئات آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، والتدمير المتعمد لابسط مقومات الوجود دون ان تقدم إسرائيل ولو صورة نصر واحد تبرر كل هذه البشاعة في التنكيل بالناس، وربما الأهم ان المزاج الشعبي الأمريكي نفسه قد طاله بعض التغيير العميق انعكس سلبيا على شعبية الرئيس بايدن وحظوظه في الفوز بولاية ثانية.
يضاف إلى ذلك وعلى الرغم مما يوصف بالإجماع الوطني الاسرائيلي على الاستمرار بالحرب، فإن بعض الخلافات عادت لتتسرب إلى البنية العقائدية والفكرية لوجود إسرائيل حيث تسببت الخسائر البشرية الفادحة في صفوف الجيش التي تتجاوز ارقامها الحقيقية عدة اضعاف الأرقام الرسمية إلى طرح مشاركة الحريديم في التجنيد التي تضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحديات متزايدة من قطاعات واسعة في المجتمع تطالب بإخضاعهم للتجنيد الإجباري أسوة بالبقية، كما هدد عضو حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، بالاستقالة من حكومة الطوارئ، إذا أقر الكنيست التشريع المقترح من قبل الحكومة الذي يبقي الحريديم خارج التجنيد. فيما وصفه زعيم المعارضة يائير لابيد بـ"قانون التهرب". في المقابل وفيما هدد كبير الحاخامات إسحاق يوسف بالهجرة الى خارج إسرائيل قال الحاخام تسفي فريدمان انه يفضل مقتل احفاده على ان يصحبحوا علمانيين.
وربما الأهم من بين سياقات ولادة هذا القرار هو الاختلافات الكبرى بين أهداف الولايات المتحدة كدولة لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والأهداف الشخصية لرئيس الحكومة نتنياهو الذي أقصى ما يبحث عنه هو طريق للهروب من القضاء.
ولكن وبدون شك فإن سيل التصريحات الامريكية التي اعقبت قرار وقف إطلاق النار والتي أكدت على عدم وجود أي تغيير في السياسات الأمريكية نحو إسرائيل لا تجانب الصواب لان إسرائيل لم تفقد بعد دورها الوظيفي في الاقليم، وأن حدة المواجهة على الصعيد الدولي تتطلب تعزيز هذا الدور، غير ان ذلك لا ينفي حقيقة ان اسرائيل قد تغيرت ولم تعد إسرائيل القرن الماضي.
فسلسلة الانتصارات التي حققها اليمين الاسرائيلي بعد حرب جوان 1967 وصعوده لقيادة الدولة لأول مرة عام 1976وتلاشي قوى اليسار تدريجيا صار يعني انتصارا تاريخيا للتيار الجابونتسكي الذي نعيش تفريخاته الراهنة على شاكلة بن غفير وسموتريتش والذي أصبح يطبع إسرائيل بطابع لا تحبذه الولايات المتحدة كما أنه لا يتسق واسلوبها في العمل الدبلوماسي الدولي، لانه يتسبب لها باحراحات كبيرة كما هو الحال في الحرب على غزة.
من هذا فإنه لا يمكن التسليم بان صورة الخلافات الأمريكية الإسرائيلية التي تطفو على السطح بين الحين والآخر على انها شكل من أشكال تبادل الأدوار او طبخة محروقة وان لا احد سيبتلعها، وأن قرار عدم استخدام حق الفيتو في مواجهة مشروع القرار للدول العشر غير دائمة العضوية بمجلس الأمن كان مسرحية أمريكية إسرائيلية، كما لا يمكن اعتبار ذلك مقدمات لخلافات كبرى او بداية قطيعة، وربما الأقرب إلى الواقع هو أن واشنطن ارادت بعدم استخدام الفيتو إصابة عصفورين بحجر واحدة، إذ من خلاله يمكن ان تعيد التوازن لمواقف الشارع الأمريكي وخاصة في جانبه الانتخابي والتخفيف من عبء الاحراج الذي أثقل كاهلها الأخلاقي " على الصعيد الدولي وتوجيه رسالة شديدة اللهجة لليمين الاسرائيلي من مغبة الامعان بتجاهل المصالح الامريكية.
ولكن ما لا يمكن لواشنطن استدراكه هو ان صدور القرار بتأييد 14 عضوا وامتناعها هي فقط عن التصويت، جاء لوضع إسرائيل مرة أخرى في مواجهة العالم منفردة ودولة منبوذة للمرة الثانية في أقل من شهرين كانت الاولى في اعقاب التدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة لاهاي التي تعقد هذه الأيام جلسات استماع بشأن الطلبات الإضافية التي قدمتها جنوب أفريقيا لإصدار أوامر ضد إسرائيل، والتي تشير التقديرات في إسرائيل نفسها إلى أنها ستكون اوامر صعبة ضدها، ولو على مستوى النبرة واللهجة.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام