الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صانع الرموز

يحيى نوح مجذاب

2024 / 3 / 28
الادب والفن


لا أحد يأبه، ولا أحد يكترث، ولا أحد يُبالي.
الجميعُ مغمورون في مستنقع الحياة، وأنوفهم غاطسة في مُنزلقات الطِّين.
كبيرهم وصغيرهم في عَدْو دؤوب وهم يرتجُون مَلء كلّ فراغ، مستحوذين على كل شيء، فالبطون الخاوية الجائعة أنَّى لها أن تشبع!
صراع الحمقى لا يُجدي نفعاً. إنه استنزاف للطاقة وخيانة لِقيم الذات العليا، ولا شيء يمضي بسلاسة الوَدودين، فالعثرات تقف دوماً أطواداً عالية كأسنّة الرماح المدبّبة في مسار الصابرين.
بحثَ عن نشاطاته الجديدة في الأيام الأخيرة، واستخدم كأقرانه من البشر المُحدثين الذين أسَرَتهم شاشات العقول الذكية، فتوغَّل في مُحرِّك البحث، وذكائه الاصطناعي المألوف، لكن ما ظهر على شاشة الجوال فيضٌ من حزمٍ متراصّة من معلومات غزيرة مليئة بالأنشطة المفعمة بالحياة. مشاريع وانجازات جدية هادفة.
لقد كان رجلاً عصامياً فريداً أدرك أين تكمن طاقاته القصوى، وما مدى قدراته الإبداعية، فوضع قدميه في بوابة الطريق على العتبة الأولى الصائبة في نقلته المفصلية فانقذته من عالم بائس مظلم خانع عبداً للأساطير والدجل والخرافة إلى العالم الحر حيث يتشكل تكوين الإنسان الجديد بقيمٍ جديدة ومُثلٍ جديدة دحضت كل الموروثات البالية. وكان اختياره صائبا لا يقبل الشك. كان الحظ صِنوه في اللحظة التي ودَّع فيها سنِيِّ الشباب الأول فمضى واثق الخطو لا يلوي على شيء.
وعندما ترسَّخت قدميه على الأرض الصلبة انطلق دون هوادة.
كانت محاضراته لجموع المُريدين، أفكاره لقاءاته نشاطاته تطور مساراته المتواصلة وقفزاته المدروسة الواثقة، كلها تعكس بصماته العميقة على صفحة الزمن الذي عاشه قرابة أربعين عاماً وها هو الآن يحبو نحو السبعين غير آبه بعوادي الزمن التي لم يضعها في حساباته ما دامت طموحاته قد استوطنت دواخله في أرض الغربة فأمست أيامه بكل دقائقها تفيض بالإبداع والمتعة الصوفية الداخلية. لقد استطاع أن ينشئ له اسماً لامعاً اشتهر به في القارة العجوز كواحد من أفضل المبدعين المغتربين. عشق عمله وتفانى من اجله فهنا في هذا الوطن البديل أدرك بثقة مطلقة أن لا أحد سيخذله كما حصل لأقرانه المُتنوِّرين في بلده حيث سحقتهم آلة الحروب العبثية. هنا أدرك فداحة البون الشاسع بين من غَربت عنهم أنوار الشمس منذ قرون وبين من تفتّحت مداركهم وعقولهم وتَنَسّموا طعم الحرية، فالمفاهيم والدوغمائيات التي طحنتهم قرونا عديدة وسلبتهم كينوناتهم تخلصوا منها بثورات داخل الانفس قبل أن تُشهر بوجه الطغاة الحاكمين. لقد نجحوا أخيراً لأنهم استعاضوا عن شرف الافخاذ بشرف العقول.
كان يهتم بتفاصيل حياته اليومية الدقيقة التي تقدمه للآخرين عَلَماً يعشق فنه وعلمه وعمله. اهتم بمظهره وملبسه وربطة عنقه واختيار ألوان ملابسه وتنسيق الأشكال التي تعكس رونقه، فهو مبدع في الرموز وصناعتها، فقد تعامل مع البصريات بمهنية واحساس عالٍ، وأدرك لعبة الحواس تحفيزاً واستقبالاُ، فالأشكال والألوان ومواضعها وظروفها المكانية والزمانية تخلق المدركات فطبقها بجدارة على عمله وحياته الخاصة حتى استطاع أن يوصل ما يريد للآخرين دون أن يَنبسَّ ببنتِ شفة. لقد كان متماسكاً أمام مغريات الحرية الصاخبة فلم يتحول إلى أسير شهواته، فكينونته المنبثقة كسهم الزمن هي التي صنعت من وحي خياله الواسع هوية متميزة ما كان لينالها لو آثر الصبر في موطنه حتى انتظار الفرج الذي لم يأتِ أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال