الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات جنة عدن

خالد حسن يوسف

2024 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


جنة عدن التي يتحدث عنها القرآن الكريم لا تكمن في بلدة عدن اليمنية، بل هي جنة مجازية موعودة لعالم أخر، ويؤكد القرآن أنها في الجنة، وأنها لم تقم على الأرض وبتالي فإنها لا تمت بصلة إلى مدينة عدن، كما أنها لغويا تكتب بصورة مختلفة عن مسمى المدينة المذكورة، حيث يرافق التنوين بالكسر إسم عدن.

ويعتقد الكثير من الناس أنها ستتحقق في عدن اليمنية، إلا أن الأخيرة كانت دوما قاحلة وبركانية، وهي ساحلية وتاريخيا ظلت مساحتها صغيرة للغاية، حيث كانت محصورة بمنطقة عدن المقابلة لساحل صيرة في حي كريتر البركاني.
والذي كانت مبانيه لا تتجاوز مساكن شعبية مصنوعة من الأخشاب وبعض البيوت الطينية، ومن ثم تمددت عدن(حي كريتر)، مع إرساء الإدارة والمصالح البريطانية وقدوم الهجرة الخارجية والنزوح من الجهويات اليمنية.

وعندما احتلت بريطانيا عدن في عام ١٨٣٩ بدأت تنشئ فيها معسكراتها ومستودعاتها ومباني إدارية، وتشير الأدبيات اليمنية أن السكان الذين واجهوا الاحتلال البريطاني عند اقتحامه لعدن، كانوا في حدود ٦٠٠ نسمة، ورغم تفاوت الفارق في ميزان القوى ما بينهم والاحتلال إلا أن الأخير قد واجه مقاومة شديدة من قبل الاهالي.

وخلال الفترة ١٨٣٩١٩٤٠ طغت على سياسة بريطانيا تجاه جعلها قاعدة عسكرية، الا أن ذلك لم يحول دون تنميتها تجاريا، وبذلك أصبحت مركز تجاري للجزيرة العربية وشرق أفريقيا، وحينها بدأت أحيائها السكانية في النمو والإعمار، وشهدت المدينة خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين حركة هجرة ونزوح إليها من أرياف الجنوب،تعز واب،الصومال وعفر إريتريا، ناهيك عن أن بريطانيا جلبت الآلاف من الهنود المسلمين والهندوس والذين أصبحوا فيما بعد جالية كبيرة ومواطنين.

ومع ظهور النفط في الخليج العربي من عقد الأربعينات، بدأت في بناء مدينة عدن ومينائها واحيائها المختلفة، وحينها تشكلت مدينة عدن الحالية، فالطفرة النفطية الكبيرة في إمارات الخليج والسعودية ساهمت بشكل كبير في الإستثمار بمدينة عدن، وانعكست بدرجة أولى على حالة العمران والبناء التي تأسست تدريجيا.

وأدت إلى إهتمام كبير في الحركة التجارية للمدينة سواء أكانت القادمة من الخارج أو إعادة تصدير البضائع الخارجية مجددا، وهو ما أدى إلى توسيع ميناء عدن، والذي أصبح يستقبل كم كبير من السفن العالمية، وقد شجع النشاط التجاري الذي كان قائما العديد من أبرز البنوك العالمية للمساهمة في الحياة الاقتصادية.

كما أن انتهاء حالة النزاع الذي كان قائما ما بين المملكة المتوكلية اليمنية وبريطانيا في عقد الثلاثينات، وتكلل بسيطرة الإمام يحي حميد الدين على محافظة البيضاء الجنوبية في عام ١٩٣٥، كان له دور في ترتيب بريطانيا أوراقها في الجنوب اليمني، وتجسيد حالة استقرار أكبر في مستعمرتها عدن.

وقد تشكلت فئة استفادت من حالة الخدمات التي كانت تؤديها للإدارة البريطانية ومصالحها، وانتقلت فيما بعد إلى القطاع التجاري والاستثماري، وساهم هؤلاء من يمنيين،هنود وصومال في اعمار المدينة والحركة وتطوير الحركة التجارية في المدينة، بالإضافة إلى بعض الأجانب الأوروبيين.

وبدورها ساهمت سلطنات العبدلي،الفضلي ودثينة في لحج وأبين، والقعيطي والكثيري في حضرموت في واقع إعمار عدن وتطويرها، وتشكلت بيوت تجارية منحدرة من شمال اليمن، ممن لعبوا دور في الحركة التجارية وربطوا عدن بالمملكة المتوكلية اليمنية، وبذلك أصبح ميناء عدن برافد اقتصادي لحياة الكثير من اليمنيين.

ومن جانبها أسست الشركة البريطانية للبترول أكبر مصفاة نفطية على مستوى الجزيرة العربية في حي البريقة(عدن الصغرى)، وبحيث تم استيعاب تكرير النفط القادم من الخليج العربي وإيران وإعادةتصديره، وأصبحت عدن حينها كواحدة من أهم المحطات العالمية لتزويد السفن بالوقود والمياه والمؤن الغذائية.

وشكل الصومال كمخزن غذائي لعدن والقاعدة العسكرية البريطانية في المستعمرة، إذ كان يتم جلب اللحوم بهيئة مواشي من السواحل الصومالية وابرزها مدينة بربرة، ومصدر للجلود،المر،اللبان والبخور، وتصدير الكثير من صادرات عدن التجارية إلى هذا البلد.

وهكذا تأسست أحياء المعلا والتواهي اللذان ضما واحد من أهم موانئ المدينة، وازدهار المعلا بعد أن كانت مجرد أرض خلاء خالية من العمران ومحصورة في المساحة ما بين الساحل وجبل شمسان، وتم بناء أبرز شوارعه الرئيسية في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، والأمر ذاته بالنسبة لحي التواهي الذي تم تعمير سواحله وجباله التي شهدت حركة بناء كبيرة، وإنشاء المباني الحكومية لسكن الموظفين والعمال.

بينما عمرت البرجوازية اليمنية والهندية ويهود اليمن ومعهم الطبقة الوسطى حي عدن(كريتر)، والذي أصبح أبرز حي تجاري والأكبر مساحتا حينها على مستوى عدن المدينة. وتم الاستعاظة عن تلك البيوت الصغيرة ذات الغرفة الواحدة، ببنيات ومنازل أكبر حجما، الا أن أصبح الحي بأكبر أحياء المستعمرة، وهو أقدمها.

ناهيك عن كم كبير من المناطق السكنية التي انشاتها بريطانيا لخدمة جنودها في المطار الحربي ومعسكراتها في حي خورمكسر، وبناء حي البريقة لخدمة شركة النفط البريطانية، بينما شيدت السيولة المالية التي تحصلت عليها البرجوازية اليمنية والهندية حي كريتر.

في حين عمر جنود الجيش الليوي وقوات محميات الجنوب العربي الخاضعين لبريطانيا أحياء الشيخ عثمان والمنصورة، اللذان استقبلا غالبية اليمنيين القادمين من أرياف محميات الجنوب وسلطنات القعيطي والكثيري وتعز، إلا أن بريطانيا لم تستثمر في هؤلاء، مع أن حي الشيخ عثمان كان يمثل منتج بحكم تمتعه بصناعة الملح والتي كانت تدر عائد مادي كبير، وتعاملت معهم بعنصرية وتمييز مناطقي، رغم كونهم أصحاب البلد، حتى لا تتحمل أعبائهم المادية، وفيما بعد أصبحت نخبة الجيش الليوي وقياداتهم السياسية، ورثة بريطانيا والجمهورية.

والمحصلة أن الاستعمار البريطاني صنع جنة عدن من غلة نفط الخليج العربي، لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية، ومع رحيله في عام ١٩٦٧ ترك الخزينة فارغة واخذ معه بنوكه، مما دفع القوميين الماركسيين الذين سيطروا على الدولة، بأن يفرضوا حالة التقشف وتخفيض الرواتب، وإعلان تأميم الملكية الخاصة في ٣٠ يونيو ١٩٦٩، وغادرت البرجوازية الوطنية إلى اليمن الشمالي،الخليج العربي والسعودية، وبذلك تبخرت جنة عدن التي صنعتها بريطانيا لخدمة مصالحها.

وأعلنت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل نحو التوجه الماركسي، وذلك بعد سنوات من تصفية حساباتها مع جبهة تحرير الجنوب العربي، مما دفع بعدد بإعداد كبيرة من أهالي عدن إلى النزوح نحو اليمن الشمالي ودول الخليج العربي وجيبوتي، في حين غادرت اعداد كبيرة من الصوماليين عدن بفعل تراجع الوضع الاقتصادي للمدينة، وعلى خلفية حصول الصومال على الاستقلال عام ١٩٦٠، بينما أتخذ من تبقى من الهنود وتحديدا المسلمين منهم وضعية المواطنين واخذوا الجنسية اليمنية.

واستفاد قطاع كبير من كادحي عدن واليمن الجنوبي من سياسات النظام السياسي الإجتماعية، فعند حصول التأميم نال هؤلاء ملكيات البرجوازية الوطنية،تعليم ورعاية صحية مجانية، وحالة رخص للأوضاع المعيشية والتموينية استطاع معها كل مواطن الحصول على سقف حياة مناسب يحقق الأساسيات.

وفي حين كان ذلك المستوى الحياتي كافي لحاجات التيار العام من المواطنين، إلا أن ذلك كان يعد حالة تراجع بالنسبة لطبقة الوسطى، والتي تضررت من إجراءات النهج الماركسي الذي إتخذته الدولة بعد الاستقلال، وهو ما أدى إلى أن رحل جزء كبير منها، بينما اضطر قسم أخر للبقاء بدلا من الهجرة أو النزوح إلى الشطر الشمالي من اليمن.

كان الاحتلال الأجنبي مهتما ببناء عدن المستعمرة والتي حققت مصالحه، وفي المقابل أهمل تنمية المحميات رغم كونها كانت جهويات مرتبطة به انطلاقا من إتفاقيات لتعاون، ولم يستثمر أو يعمر تلك المناطق الريفية، حتى لم يسعفها بشبكة طرق لربطها ببعض أو مع مستعمرته.

أما دولة الماركسسين فقد قطعت شوط كبير في تنمية أهالي الريف اليمني الجنوبي، ابتداء من تعليمهم،رعاية صحية وبناء بنية تحتية، بينما تم تأميم الأراضي الزراعية المملوكة لسلاطين وشيوخ القبائل، وتوزيعها على الفلاحين، واحتفاط الدولة ببعضها بحيث أصبحت مزارع لدولة انتقلت عمالة مزارعيها من العمل للاقطاع إلى صالح الدولة، وتم توطين البدو الرحل وتنميتهم، وعلى صعيد الخدمات تم بناء شبكات كهرباء وحفر آبار المياه.

واقتصاديا تم تطوير قطاع الصيد البحري، والذي حقق عائد مادي كبير للدولة ووفر مادة غذائية رئيسية لسكان، واستخرجت الثروة النفطية، إلا أنها لم تحقق قفزة نوعية في اقتصاد البلاد نظرا لقلة حجم استخراجها.عدن كانت جنة الإدارة البريطانية، بينما أقامت دولة الماركسيين جنتها في المحميات السابقة والتي كانت لا زالت تعيش حياة القرون الوسطى.

أما ميناء عدن والذي شكل درة سنام الاقتصاد فقد أصيب بحالة تراجع كبير في حركته، وذلك بعد توقف الحركة التجارية، وبحكم ماركسية النظام فقد أثرت ايدلوجيتها على العامل الرئيسي الذي حقق حالة الازدهار والرخاء الذي عرفته لعقود مضت، رغم أن الموقع الجغرافي والخبرات كانا كفيلان للاستثمار واستغلال تلك الإمكانيات التي كانت قائمة في عدن.

وبالنسبة للملكيات الخاصة من مصانع،مؤسسات اقتصادية ومنشاءات،النقل الجوي،البري،بنوك تجارية،قطاع الإسكان وغيره، فقد تم مصادرتها، دون أدنى تعويض من قبل الدولة للمالكين.
ومبدئيا فإن التيار العام من المواطنين وجدوا جنتهم في تلك الإجراءات، انطلاقا من الخلفية الطبقية والتي تماشت مع ايديولوجية النظام الحاكم في الفترة ١٩٦٩١٩٩٠.

ودفع الواقع الاقتصادي لدولة أحد أجنحة السلطة لتقارب السياسي مع دول الخليج العربي، لأجل تحقيق معادلة اقتصادية تحفظ استمرار الدولة، إلا أن ذلك لم يكن محل رضى جناح أخر، وعلى تلك الخلفية كان خروج الرؤساء قحطان محمد الشعبي،سالم ربيع علي،علي ناصر محمد، من السلطة، وذلك بعد استثناء عامل الصراع على السلطة أو حدوث تباين في الرؤى الايديولوجية، وفي ظل وصول الدولة إلى حالة مأزق سياسي عام، تم ابرام إتفاقية الوحدة في ٢٢ مايو ١٩٩٠، وكان ذلك إعلان لنهاية جنة الماركسيين والتي كانت على مشارف السقوط والعجز حينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!