الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يمروا، باقٍ ويتمدد، وحدة الساحات..

نصير عواد

2024 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ليس كل الشعوب التي عاشت دراما الحروب وصلت إلى نهايات سعيدة، بل حتى تلك التي وصلت بعد مكابدة فإن الحروب غالبا ما تترك ندوبا عميقة في ذاكرات الذين عانوا ويلاتها، وبالذات الحروب الأهلية التي جرى تجميع مقاتليها من جنسيات مختلفة للقتال في ظروفٍ غير مواتية، كالحرب الأهلية الاسبانية بشعارها المدوي "لن يمروا" وحرب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بشعارها الاستفزازي "باقٍ ويتمدد" وحرب 7تشرين الاول بين منظمة ‘حماس ‘وإسرائيل بشعارها المستعاد "وحدة الساحات" بالطبع هناك الكثير من الحروب المنسية التي لم تشغل شاشات الإعلام في الجزائر والصومال وليبيا والسودان.. اُطلق عليها تسميات مخففة؛ عنف سياسي، صراع طائفي، عصيان عسكري، على الرغم من ان المحصلة النهائية للخراب كانت كبيرة، ولكننا في مقالنا سنتوقف عند الحروب الثلاث المار ذكرها بسبب ظاهرة التدويل التي رافقتها؛ مقاتلون أجانب، منضمات أممية، تدخلات اقليمية ودولية معلنة وغير معلنة.
قد يشوش على القارئ وضعنا الحركات الاشتراكية والدينية والطائفية في سلة واحدة، بسبب تغير الأزمنة والاهداف والثقافات، ومعه بعض الحق، ولكن بنظرة محايدة للحروب التي امتزجت فيها الحرب النظامية بحرب العصابات، وامتزج فيها الإيمان المطلق بالقدرة على القتل امتزاجا عفويا مدمرا، سيجد القارئ بينها الكثير من المشتركات، وأيضا الكثير من الاختلافات، وسيجد ان لا السياسة ولا الدين ولا الطائفية استطاعت الاستمرار من دون حروب، وسيجد أن شدة العنف بينها تختلف بالدرجة لا أكثر.
دولوريس إيباروري عاملة المنجم الشيوعية، هي التي أطلقت شعار "لن يمروا" في مواجهة ديكتاتورية "فرانكو" في الحرب الأهلية الاسبانية في ثلاثينيات القرن الفائت. حرب طاحنة دامت ثلاثة أعوام شارك فيها الكثير من المقاتلين والمثقفين والعسكريين، إلى جانب أصحاب مهن وفلاحين قدموا من الريف الإسباني بأحلام رومانتيكية، يحفظون اغان ثورية على الرغم من ان بعضهم لا يعرف القراءة والكتابة، فكثير من تقاليد الفقراء عن الثورة كانت، وما زالت، تحل مشاكل قد تبدو مستعصية في الصراعات الداخلية. يومذاك قررت الدول الاوربية عدم التدخل بما يجري في إسبانيا من اقتتال داخلي، ولكن سرعان ما انفرط الاتفاق بسبب رياح النازية الهابة من ألمانيا وإيطاليا والبرتغال، ووقوفها بشكل معلن إلى جانب الديكتاتور "فرانكو" الأمر الذي دفع الدول المتحفظة؛ بريطانيا وفرنسا وروسيا والمكسيك.. إلى تسليح الجمهوريين، بشكل غير معلن، وهو ما أمد بعمر الحرب وزاد من كلفتها الإنسانية. إلى جانب تدخل الحكومات الفاشية والشيوعية والديموقراطية هاجر طوعا الألاف من المواطنين الاوربيين، شيوعيون واشتراكيون وفوضويون وديموقراطيون.. للقتال إلى جانب الجمهورية الاسبانية تحت عنوان "الألوية الدولية" بينهم الكثير من مثقفي تلك الفترة؛ البريطاني جورج أوريل الذي شارك في الحرب وكتب عنها رواية " الحنين إلى كتالونيا" والأمريكي ارنست همنغواي كتب رواية "أجراس" والتشيلي بابلو نيرودا كتب "إسبانيا في قلوبنا" بعد اعدام صديقه الشاعر غارسيا لوركا، والفرنسي اندريه مالرو كتب رواية "الأمل" التي ما زالت حتى اليوم تذكّرنا بعبثية الحروب وسمو الإنسان وعمق فكرة التضامن بين المجموعات التي تشعر بغياب العدالة، حتى لو تنوّعت جنسياتها وألوان بشرتها. بالحقيقة هناك الكثير من الأسماء التي اسهمت بالتوثيق للحرب الاهلية الاسبانية هي ليست موضوع المقال، فما ترسب في الذاكرة الشفهية للضحايا هو أكثر بكثير مما كُتب عنها، وما زال الشعب الاسباني حتى اليوم يستذكر الاحداث ويروي كيف ان الجميع أحبوا اسبانيا حبا عميقا وتحلوا بشجاعة نادرة في قتل بعضهم البعض.
إذا كان الجمهوريون الاسبان قد اُجبروا على حمل السلاح للدفاع عن الانتخابات التي فازوا بها وانقلب عليها الجنرال "فرانكو" فإن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام غير ذلك، هو خليط من الإخوان المسلمين والقاعدة وتنظيمات إسلامية.. ركبوا موجة "الربيع العربي" وتصدروا المشهد اليائس ورفعوا شعارات دينية ألهبت مشاعر المسلمين، ثم أطلقوا اللحى ولبسوا الثياب المهلهلة ودعوا المقاتلين من كافة انحاء العالم لنصرتهم في إحياء دولة الخلافة تحت شعار "باقٍ ويتمدد" بديهيات دينية عن دولة الخلافة كانت قد جذبت الافراد محليا وإقليميا ودوليا للانضمام إلى الجماعات المسلحة على أمل العودة بعد الانتصار لحياتهم وأوطانهم. وصلت مجموعات منهم بطرق شتى، ولكن اغلبهم لم يستطيعوا العودة بعد ان أصبحوا امام الأمر الواقع. المقاتلون الأجانب جاؤوا بدوافع دينية لا تخلو من جانب رومانسي أغراهم بالقتال إلى جانب المستضعفين في بلاد بعيدة، بعضهم صغار السن من دون تجارب وفهم لما يحدث على الأرض. قبل وصول المقاتلين الاجانب كانت المعارضة السورية المحلية هي التي صنعت الحدث، ولكن تسرب الأحزاب الإسلامية والسلاح من دول الجوار، إضافة إلى العقوبات الدولية على سوريا لاحقا، أدى إلى تعقيد الصراع وتدهور الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية، وأنتج شرائح اجتماعية يائسة يسهل توجيهها، تبحث عن أقرب الحلول وأسهلها، من بينها الانضمام للجماعات المسلّحة. إنّ التنافس بين التيارات الإسلامية على ضم هذا الكم الهائل من المقاتلين المحليين والأجانب كشف عن حقيقة ان تنظيم "داعش" هو الأكثر جذبا للمقاتلين الأجانب من التيارات الإسلامية الأخرى، وأكثر حتى من اسلافهم في منظمة "القاعدة" فهذه الأخيرة كانت قد جندت مقاتلين ذكور أغلبهم من خلفيات عربية وإسلامية، بعضهم يعيش في الغرب من دون وثائق قانونية، ولكنهم على العموم كانوا أكثر فهما للقضايا الدينية. في حين ان تنظيم "داعش" كان أكثر نجاحا، وجند مقاتلين اناث وذكور ولدوا في الغرب ولم يتعمقوا بالدين، ولذلك كانوا أكثر تطرفا وشكلوا خطرا مزدوجا على الدولة التي ذهبوا للقتال فيها، وخطرا افتراضيا على الدولة التي ولدوا فيها ويأملون بالعودة إليها. وهذا الاختلاف بين الاعداد والاعمار والخلفيات الثقافية بين التنظيمات الإسلامية كان قد ألقى بظله على أساليب التنظيم والتفكير والعمل العسكري، وأيضا على طبيعة وأعداد الضحايا.
بالحقيقة لا توجد ارقام نهائية عن اعداد الضحايا والمسلحين الأجانب بسوريا والعراق، فمن الصعب جمع المعلومات عن تنظيمات مسلّحة في حرب أهلية تتغير خارطتها باستمرار. ولو تركنا على جنب اعداد المقاتلين المحليين، وهم الأكثرية، فإن التقديرات العامة للمنضمات الدولية عن عدد المقاتلين الأجانب الذين جاؤوا لدعم تنظيم "داعش" تشير إلى أن (30) ألف مقاتل أجنبي قدموا من (86) دولة، منها دول عربية وأفريقية في الصدارة. هذا إلى جانب الكثير من مناصري "داعش" الذين لم يستطيعوا السفر إلى مناطق القتال، نشطوا في جمع الأموال وتنفيذ العمليات الفردية. عدد المقاتلين الأجانب في سوريا مشابه تقريبا لعدد المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسباني المقدر بــ (30) ألف مقاتل، إضافة إلى الجنود الذين أرسلتهم الدول الفاشية لدعم "فرانكو" والذين يقدر عددهم بأكثر من ربع مليون جندي. أمّا حرب "7تشرين" فلقد اتسمت بمشاركة منضمات مسلّحة وليست أفرادا. وفي كل الاحوال لا توجد أرقام نهائية، فالمعروف عن مؤرخي الحروب التي تدخل خانة التدويل انهم يفضلون التعميم وتجنب الادلاء برأي صريح.
في قتالها إسرائيل عوّلت منظمة "حماس" الفلسطينية على مقاتليها وانفاقها أولا ومن ثم على تضامن الشعوب، وكذلك على منضمات "محور المقاومة" الموزعة على لبنان والعراق واليمن.. الذين تحوّلوا بعد احداث غزة إلى شعار "وحدة الساحات" وهو شعار عسكري بمضمون هوياتي وجنسيات متنوّعة. التاريخ القريب يشير إلى ان شعار "وحدة الساحات" شعارا فلسطينيا سبق معارك "7 تشرين الأول" بأعوام، هدفه كان توحيد الفلسطينيين في الوطن والشتات. وبعد أحدث "7 تشرين الأول" استعادته فصائل مقاومة من جنسيات مختلفة لدعم فلسطين، من العراق ولبنان واليمن.. شكّلت تحالفا فضفاضا يفتقد التنظيم والتأسيس الاجتماعي الجامع، فكل فصيل يعيش ظروفا محلية مختلفة، وبعضها يعمل خارج شرعية الدولة التي ينشط فيها، وقد يوقف قتاله لأسباب تخصه لا تخص "وحدة الساحات" كما حدث في إعلان "حزب الله" العراقي وقف القتال من جانب واحد بعد قصفه القاعدة الأمريكية في الأردن. للوهلة الأولى يبدو ان سبب إيقاف بعض الفصائل قتالها هو تجاوزها الخطوط الحمر، ولكن السبب الحقيقي هو ان هذه المجموعات تأثرت بالتجربة الإيرانية، واعتادت على خوض معارك صغيرة لإثبات نفسها في الصراعات المحلية، وأنها لا تجازف في الدخول بحرب تهدد كل ما عملت عليه. والمتتبع لخطوات هذه المجموعات المسلحة في ربع قرن سيجد انها لم تتشكّل لأغراض وطنية وتحسين حال الشعوب، ولا حتى لتحرير فلسطين، بل تشكّلت لتنفيذ مشروع عابر للحدود، تعتبر فيه أي انتقاد لمشروعها مؤامرة من إسرائيل والغرب. ولذلك ينبغي ان لا تعطل عقولنا قسوة الأحداث بــ "غزة" ولا تحجب عنّا حقيقة ان الفصائل المسلّحة التي انضوت تحت شعار "وحدة الساحات" هي طرف في النزاعات الاهلية بالعراق واليمن ولبنان، وسبق لها ان قتلت خيرة أبناء هذه الدول وعطلت مشاريعها الوطنية، وبالتالي هي غير مهيئة لا وطنيا ولا اخلاقيا لتحرير شعب آخر.
إنّ الاختلاف الذي يصنعه التباعد الجغرافي والزمني والثقافي بين الحروب المار ذكرها لا يقلل من المشترك بينها، فبين الثوريين والمسلحين والمتمردين الذين عانوا الاضطهاد توجد دوما مشتركات سياسية وعسكرية ودينية، وقد يكون الأخير هو الأكثر حضورا بينها. فالإسبان كلهم كاثوليك، وأن الخلاف بينهم كان سياسيا، وعندما عجزوا عن إيحاد الحلول السياسية استحضروا مصطلح "الحرب الصليبية" للدفاع عن ملاك الاراضي. وعندما انتهت الحرب عُدَّ انتصار فرانكو انتصارًا للكاثوليكية ضد الألحاد، وفُرضت الكاثوليكية دينا رسميا للدولة. كذلك الحرب الأهلية السورية بدأت بتظاهرات محلية ومطالب شعبية، قمعتها الحكومة بشدة، الأمر الذي فتح أبوا الحرب على مصراعيها، تحت شعارات دينية. اما الحروب الفلسطينية الإسرائيلية فقد كانت على الدوام حروبا تحررية، بعناوين سياسية وليست دينية، على الرغم من الحضور الدائم للــ "القدس". ولكن جنوح المعادلة التحررية الفلسطينية صوب المشروع الإيراني بعد "حرب 7تشرين" هو الذي وضع المجتمع الدولي في موقف المتفرج على ما يحدث من مجازر بحق المدنيين في غزة، فليس سرا ان فصائل المقاومة التي رفعت شعار "وحدة الساحات" مرتبطة بإيران، وقد سبق لبعض الفصائل ان أرسلت مقاتليها لدول فيها حروب، وشكّلت تهديداً مباشراً للنظام الإقليمي الذي أقامه الغرب. المشترك أيضا بين الحروب المار ذكرها ان توفرت لديها قدرات إعلامية هائلة، وليس كما يحدث اليوم مع اليمن والسودان. الحرب الأهلية الاسبانية امتلأت بأسماء ثقافية كبيرة في ثلاثينيات القرن الفائت، وداعش لديها صحف ومواقع انترنيت ومصورين بزوا هوليود بتصوير المعارك وحفلات الإعدام والثياب الحمر، اما احداث 7 أكتوبر فقد وقعت في زمن انفلات مواقع التواصل الاجتماعي التي تنقل الخبر في لحظات إلى كافة انحاء العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشار الأسد في روسيا التي كان يزورها باستمرار وحيث يعيش نجله


.. وزير الخارجية الأيراني: الأسد -لم يطلب أبدا- مساعدة طهران ضد




.. الدبلوماسي السابق مسعود معلوف: إسرائيل هي الشريك الإقليمي ال


.. بعد طرده أمام ريال بيتيس.. برشلونة يفتقد جهود مدربه الألماني




.. أوكرانيا تدعي تدمير منصات الغاز الروسية بالقرب من شبه جزيرة