الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائي نجم والي : وتغيير مكان ولغة عالمه القديم / الجزء الاول

اسماعيل شاكر الرفاعي

2024 / 3 / 29
الادب والفن


الروائي نجم والي متخلياً عن أدوات عالمه القديم

هذا مقال عن خبر ادبي نشره الروائي من اصل عراقي : نجم والي : أخبرنا فيه بأنه كتب رو.ايته الأخيرة باللغة الألمانية ولم يكتبها بالعربية ( لغته الأم ) .
ادهشتي الخبر ، واعجبتني بطولة ناشره ، فاندفعت للكتابة عنه والتنويه بالانجاز الكبير الذي حققه ...
( ٢ )
لكن هذا الخبر - الذي سحرني - مرّ مثل غيمة صيف عابرة ، من غير أن يلفت انتباه الجهات المعنية : فلم تنوه به جريدة رسمية ولا مؤسسة ثقافية حكومية ، واحجمت. عن ذكره صحف الاحزاب المتكاثرة بفرعيها : الديني والعلماني . والتزم اتحاد الكتاب والأدباء الصمت ، ومثله فعل اتحاد الصحافيين والاتحادات والجمعيات المهنية الأخرى ..
( ٣ )

فماذا تفعل قيادات هذه التجمعات في اجتماعاتها الاسبوعية أو الشهرية ؟ ..
(٤ )
لم ينتخب المثقف العراقي قيادات هذه الاتحادات والجمعيات لهدف أخلاقي : فتؤدي الدور نفسه الذي كانت تؤديه الدولة الإسلامية عبر مؤسستها الشهيرة : مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي دامت ١٣ قرناً : ( من خلافة أبي بكر حتى إسقاطها من قبل الجيش التركي عام ١٩٢٤ ) دون أن تجعل المعروف ثقافة معممة أو توقف انتشار المنكر . وفي العراق الحديث : حلت شرطة الأخلاق محل مؤسسة الأمر بالمعروف ، الى يوم الناس هذا . وقد هجا الجواهري بقصيدته " المملحة " عام ١٩٧٠ شرطة الأخلاق التي كانت تطارد فتيات الجامعات بمقصاتها الشهيرة ...

٥ )
تنطوي الثقافة العراقية على تنوع وعلى اختلاف في الرؤية داخل هذا التنوع ، وهو شيء طبيعي في بلد كالعراق قامت فيه حضارات متعددة الاثنيات ، وتعرض لغزو أقوام من الجنوب والشمال ومن الشرق والغرب ، وفيه ديانات متعددة ، ينتمي بعضها إلى ما قبل الاسلام ، وبعضها اقدم ، هذا إضافة إلى اكتظاظ المكان الكبير باثنيات وديانات وقبائل ولغات متعددة .
نجح المثقف العراقي في إدارة هذا التنوع والاختلاف بترجماته لصنوف المعرفة والإبداع البشري ، وباستضافة رؤى ورموز مجتمعات ما قبل الاسلام وما بعده ، وبإعادة صياغة رموز وقصص واساطير الكثير من الديانات في نصوصه الإبداعية . في الوقت الذي فشل فيه السياسي العراقي في إدارة هذا التنوع الثقافي : بتحالفه الدائم مع الثقافة البدوية الرعوية ( ما عدا فترة حكم عبد الكريم قاسم المتحضر ) وقلبه للعلاقة مع الثقافات الأخرى ( الكردية ، الشيعية ، السنية ، آلتركماتية ، الأيزدية ، الشبكية ..الخ ) : من علاقة تعايش وأحياناً تفاعل إلى ثقافة انفصال وفرض وأملاء واستغلال : مشعلاً بؤر المكان الكبير بالتوتر والصراع ...
٦ )
حين سهّلت التكنولوجيا على الإنسان : الانتقال عبر القارات والاندماج بثقافة الشعوب والامم الأخرى ، انتج العالم القديم : تعريفاً جديداً للهوية ، لمحاربة الانسان الطامح إلى إعادة تأسيس ذاته ، وربطت هذا التعريف بمكان الولادة وليس بسيرة الفرد الذاتية . وبهذا التعريف ارتفع شأن الوراثة والبيولوجيا ، وانخفض شأن أحداث التاريخ في صياغة هوية الانسان : وذلك انسجاماً مع نظريتهم الموروثة عن القدر الذي حدد لكل إنسان خطواته التي لا يمكن أن يحيد عنها . فما أن ساعدت التكنولوجيا الانسان على التحرر من أسر اللغة التي ولد عليها ، والمكان الذي ولد فيه : حتى اعترضته فلسفة الهوية التي جعلت من سعي الانسان الحديث إلى تغيير ظروفه والشروع ببناء ذاته خارج اشتراطاتها ضرباً من الخرافة . فاذا ما استطاع الانسان تغيير لغته وتغيير مكانه الاصلي بمكان جديد ، وضعوا أمامه : مسقط الرأس كشرط شارط لتعريف الهوية ، فيظل الانسان المهاجر الذي غير مكانه ولغته بلا هوية ، لان المكان الجديد - في عرفهم - لا ينطوي على مسقط رأ سه . ووفق منطق العبودية هذا علينا : أن نستسلم لهذا القدر ، وان نتخلى عن أي طموح في تغيير ( قدرنا ) . انهم لا يريدون لنا أن نعيش كالامم الأخرى في تاريخ بل أن نعيش حياتنا بلا إرادة كالحيوانات خارج التاريخ . انهم لا يريدون لنا أن نتحرر من تبعيتنا للأمم المتقدمة تكنولوجياً ، وان نظل تابعين لها ، وحين يحرم منطقهم هذا علينا الوجود في التاريخ ، فلانهم استساغوا استعبادنا ولكي يظلوا راكبين على ظهورنا : ما أمامهم الا حرماننا من التحرر من قدرنا البيولوجي بابقاء وعينا بعيدا عن تلمس أهمية العبور للعيش في التاريخ ، فالتاريخ وحده بهيء لنا التجارب والخبرات الكفيلة بمساعدتنا على اكتشاف أهمية الوعي بالحرية والاختيار كطريق مضمون يقودنا إلى تغيير قدرنا ...
٧ )
عدم التنويه بتجربة نجم والي الذي حقق فيها عبوره الصامت ( من غير ضجة وبهرجة ) من الجبر البيولوجي ( في أن تظل اللغة العربية هي لغته الوحيدة التي يقرأ ويكتب بها ويطل منها على العالم ) إلى حريته الانسانية في أن يختار ، ليكون إنساناً قادراً على. التغيير : وهذا الانجاز هو ما جعل عالمه القديم بنظر إلى ما فعله بعدم رضا ، ويرفض التنويه به كفعل بطولي ينسجم مع حرية الإنسان ( = الابداع بلغة مكتسبة ولبس بلغته الأم ) ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عمرو الجزار : إسماعيل الليثى نزل الشغل علشان فرقته ب


.. طرح إعلان فيلم إن كاميرا لأمير المصري بعد مشاركته بمهرجان ال




.. بلا قيود يستضيف الروائية والأديبة المصرية ميرال الطحاوي


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر صلاح فايز - الأحد




.. عوام في بحر الكلام - محمد صلاح فايز عن بداية حياة والدة الشا