الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح صفحات مطوية من الحركة المسرحية في الموصل طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 3 / 29
الادب والفن


مسرح








صفحات مطوية من
الحركة المسرحية في الموصل






طلال حسن




مقدمة

في أواسط التسعينيات ، إن لم تخني الذاكرة ، اتصل بي الفنان جبار صبري العطية من البصرة ، وقال لي أنه بصدد إعداد بحث موسع عن المسرح في بغداد والبصرة والموصل ، وقال أنه أنجز ما يتعلق بالمسرح في بغداد والبصرة ، وطلب مني أن أكتب له عن المسرح في الموصل ، لعله يستفيد منه في بحثه الموسع .
لم أشأ أن أعتمد على ذاكرتي ، رغم أنني واكبت الحركة المسرحية في الموصل ، منذ أواسط الستينيات ، فلجأت إلى نقابة الفنانين ، وكان مقرها حينذاك في قاعة الربيع ، وفوجئتُ بأحد المسؤولين الإداريين يقول لي : ليس لدينا أي شيء عن المسرح في الموصل .
وقدم لي ملفاً لأحد الفنانين ، ليس فيه ما يسمن من جوع ، إلى تاريخ ومسيرة وفناني المسرح في الموصل ، هذه المدينة التي ولد فيها المسرح العراقي .
وفي أواخر الستينيات ، كتب أحد الأدباء ، وهو الأستاذ خضر جمعة حسن ، كتاباً نشره على حسابه ، عنوانه " حصاد المسرح في نينوى " ، وجوبه الكتاب بفتور ، وانتقادات كثيرة ، لكنه مع الزمن ، ورغم فقره ونواقصه العديدة ، صار مصدراً من مصادر الكتابة عن الحركة المسرحية في الموصل .
ومع مرور السنين ، وتقدم الحركة المسرحية في الموصل ، رغم كل الصعوبات والعثرات التي واجهتها طوال مسيرتها الشاقة ، والتي لعبت ظروف العراق ، وظروف محافظة نينوى بالذات ، الدور الأساس في تشكيل ملامحها المضطربة ، وخلق العقبات أمام استمرارها ، وتطورها بشكل طبيعي ، إلا أنها ظلت تفتقر إلى البحوث والدراسات الموضوعية الدقيقة ، التي تواكب هذه المسيرة ، وتقيل عثراتها ، وتساهم في رسم الطريق الصاعد لها ، عدا بعض الدراسات القيمة التي قدمها الفنان موفق الطائي ، من داخلها فهو واحد من الفنانين الجادين ، وقد ساهم مساهمات فعالة ومبدعة في هذا الحراك المسرحي ، فهو يعمل في مديرية النشاط المدرسي ، وشارك في العديد من المسرحيات ممثلاً ومخرجاً مبدعاً .
وكتابي هذا ، إذ لا يدعي الإحاطة بمسيرة المسرح في الموصل ، في العقود الهامة التي تناولها ، إلا أنه يسعى إلى المساهمة ، ولو بقدر ضئيل ، في تعريف الأجيال المسرحية القادمة ، بجهود وانجازات من سبقهم من الفنانين المسرحيين ، كما أرجو أن يحفز المسرحيين الجدد ، المسلحين ليس بخبرة الماضي فقط ، وإنما بدراساتهم وتجاربهم في معهد الفنون وككلية الفنون ، على المضي قدماً ، على طريق بناء مسرح متقدم ، يكرس قيم الإبداع والتقدم والحرية .




















ما قبل البداية

البداية ، مهما كانت ، لا تأتي اعتباطاً ، إنها قد تأتي مبكرة ، وقد تأتي متأخرة ، لكنها في جميع الحالات تأتي ، إذا توفرت الاستعدادات الكافية لها .
إنني الآن ، في نظر الكثيرين ، مسرحيّ معروف ، ليس على نطاق الموصل فقط ، وإنما على نطاق العراق ، وربما الوطن العربي أيضاً ، فقد أتيح لي أن أبدأ مسرحياً ، وكانت البداية مشجعة ، وإن اكتنفها الكثير من العثرات والعقبات والصعوبات .
لكن ما قبل البداية ، كانت تجربتي متواضعة جداً ، فأول مسرحية شاهدتها على المسرح ، كانت مسرحية طلابية ، وباللغة الانكليزية ، وكنت وقتها في الصف الرابع الثانوي ، مثلها مجموعة من الطلبة ، ومثلها معهم أستاذ اللغة الانكليزية ، وكان شاباً وسيماً خجولاً من انكلترا ، يشبه الممثل الأمريكي المعروف جيمس دين .
أما أول مسرحية قرأتها في حياتي ، فكانت مسرحية " سالومي " ، للكاتب الانكليزي المشهور اوسكار وايلد ، ومن غرائب الصدف ، أن ابنتي ، وهي تحمل شهادة الماجستير في الترجمة ، قامت بترجمة بعض القصص عن الانكليزية ، وكانت أول مسرحية تترجمها ، وتطبعها في كتاب ، هي مسرحية سالومي .
وبعد تخرجي من الصف الخامس ثانوي ، عينت مباشرة معلماً مستخدماً في مدرسة ابتدائية في قضاء القيارة ، التي تبعد حوالي " 50 " كيلومتر عن مسقط رأسي في الموصل .
وبذلك أتيحت لي فرصة كبيرة للمطالعة ، ووقع بين يدي وقتها ، كتاب صغير أنيق من مطبوعات دار التقدم في موسكو ، عنونه " الشقيقات الثلاث " ، وكان مسرحية للكاتب الروسي المعروف أنطوان جيكوف ، الذي لم أكن قد قرأت له من قبل أي شيء .
ولعلي اقتنيت الكتاب ، لجمال شكله وطباعته ، ولأني أيضا أحب الأدب الروسي ، ممثلاً بكتابه العظام ، أمثال ليو تولستوي ، وتورجنيف ، وفيدور دستوفسكي ، ولرمنتوف ، وبوشكين ، وغوركي ، مؤلف رواية الأم ، التي كانت لها شهرتها العظيمة يومذاك .
وقرأت المسرحية ، وانتابني الملل منذ الصفحات الأولى ، وتوغلت في صفحاتها ، لعلي أجد فيها ما يثير ، أو يبعث على التشويق ، لكن لا فائدة ، فالأحداث ـ كما رأيتها ـ بطيئة باردة ، والشخصيات عادية ، لا تقارن بشخصيات تولستوي أو دستويفسكي أو غوركي .
وفي العطلة الصيفية ، وقعت في يدي مسرحية بعنوان " عربة اسمها الرغبة " وكانت لكاتب أمريكي اسمه تنسي وليمز ، لم أقرأ له أي شيء من قبل ، وقرأت المسرحية ، ورغم أنني لم أتفاعل مع صفحاتها الأولى ، إلا أن الصفحات التالية ، بشخصياتها المثيرة وأحداثها الساخنة ، المليئة بالصراع والتشويق ، جذبتني إليها ، وحببت المسرح لي ، حتى أنني ذهبت في اليوم التالي إلى شارع النجفي ، شارع المكتبات في الموصل ، واشتريت كلّ ما وقع تحت يدي من المسرحيات .
وأذكر أن من تلك المسرحيات ، التي ابتعتها من المكتبات ، مسرحية " الخال فانيا ، ومسرحية سيرانو دي برجراك ، ولم تعجبني كلتا المسرحيتين ، وخاصة مسرحية " الخال فانيا " ، التي لم يكن رأيي فيها بأفضل من رأي في مسرحية الشقيقات الثلاث .
وبعد سنين عديدة ، وبعد أن عرفت المسرح على حقيقته ، عدت إلى جيكوف ، فقرأت مسرحاته القصار ، ثم قرأت النورس ، وروح الغابات ، والشقيقات الثلاث ، والخال فانيا ، ثم جوهرته الخالدة بستان الكرز ، التي قرأتها مرات عديدة ، وقرأت ما كتبه عنها مخرجها الفنان الروسي العظيم ستانسلافسكي ، وعرفت أن أنطوان جيكوف لا يقل عظمة عن شكسبير وابسن وبرناردشو وبكت وبرخت ويونسكو واونيل ، إن لم يكن أفضل منهم على الإطلاق .
وفي أول الخريف ، من ذلك العام ، على الأغلب ، وقعت في يدي ، مسرحية مذهلة رسخت عشقي للمسرح ، ودفعتني للغوص في أعماقه ، ألا وهي مسرحية " الذباب " للكاتب الفرنسي الوجودي جان بول سارتر ، لكني في الحقيقة لم أفهم المسرحية أول الأمر ، فأخذت أبحث عما كتب عن الوجودية ، ووجودية سارتر بالذات ، وقرأت المسرحية ثانية ، فازداد إعجابي بها ، وأدركت ما يرمي إليه بها ، خاصة وأنه كتبها أثناء احتلال النازيين لعاصمة وطنه باريس .
هكذا عرفت المسرح ، وانخرطت في أواره ، فكتبت بعض المسرحيات للكبار ، ثم كتبت للأطفال والفتيان ، وقد عُرفتُ ككاتب أطفال ، حتى كتبت عن مسرحياتي للأطفال والفتيان رسالتا ماجستير وأطروحة دكتوراه ، والعديد من البحوث والدراسات .








البداية

الصدفة تكون أحياناً هي البداية ، لكن بدون استعداد وتهيؤ ، لا يكون للصدفة ، مهما كان شأنها ، أي دور أو أي أهمية ، في تحديد مسار المستقبل .
وجاءت الصدفة ، ففي عام " 1964 " من القرن الماضي ، ربما في أواخر الصيف ، مررت من أمام المدرس الشرقية ، وسط المدينة ، وقرأت لافتة عن عرض مسرحي فيها بعنوان " فلسطين " .
وعلى الفور ، دخلت قاعة المدرسة ، حيث تعرض المسرحية ، وجلستُ في الصف الأول ، وتابعت المسرحية بشغف ، وكانت من تأليف الأستاذ عبد الإله حسن ، وإخراج الأستاذ عز الدين ذنون .
وقد تكونت عندي ملاحظات حول المسرحية ، وقررتُ أن أكتب عنها ، دون أن أعرف أي شيء ، لا عن مؤلفها ، ولا مخرجها ، ولا أي ممثل من ممثليها .
وبالفعل ، وبجرأة لا أحسد عليها ، ورغم أن مسرحية " فلسطين " ، هي أول مسرحية أشاهدها على خشبة المسرح ، إلا أني كتبت عنها مقالة نقدية ، وأرسلتها إلى جريدة " فتى العراق " ، وهي من أهم وأعرق الصحف ، التي كانت تصدر في الموصل .
وفوجئت ، بعد أقل من أسبوع ، بمقالتي تنشر في الجريدة ، وفرحتُ جداً بذلك ، فقد كانت أول مقالة تنشر لي ، في تلك الجريدة العريقة .
وفي العدد التالي من الجريدة ، صدمني ردّ ناري على مقالتي ، كتبه مؤلف المسرحية الأستاذ عبد الإله حسن ، ويبدو أنه " تحرى " عني جيداً ، فقد أغدق عليّ مجموعة من الصفات منها " السارتري " ، وكنت فعلاً من المعجبين بالكاتب الفرنسي جان بول سارتر .
وقد التقيت وقتها ، بالأستاذ ياسين طه الحافظ ، وهو محرر في جريدة " فتى العراق " ، وكان مثالاً للدماثة والأدب ، فقال لي ، إنهم في هيئة التحرير ، حذفوا الكثير من العبارات ، ذات " العيار الثقيل " ، من مقالة مؤلف المسرحية الأستاذ عبد الإله حسن ، ونشروا ما يرونه مناسباً ، فشكرته على موقفه النبيل .
لم أردّ على مقالة الأستاذ عبد الإله حسن ، ولم ألتقِ به أو بمخرج المسرحية الأستاذ عز الدين ذنون ، وكم كنت أتمنى أن ألتقي بواحد منهما ، في أي مكان ، لنتبادل الحديث عن هذه المسرحية ، وعن مشاريعهما المسرحية القادمة في الموصل .
والطريف ، أنني ربما بعد أكثر من سنة ، دخلتُ " كازينو النهرين " ، التي كانت بمثابة بيتي الثاني ، لأني كنت دائم التواجد فيها ، و إذا بي أرى الأستاذ عز الدين ذنون ، مخرج مسرحية فلسطين ، والذي طالما كنت أتمنى اللقاء به ، يجلس في حلقة أصدقائي ، وكانوا يلتفون كالعادة حول الأستاذ المعروف ذنون شهاب ، وهو يخوض معاركه ، التي لا تنتهي في الدومينو .
وجلست إلى جانب الأستاذ عز الدين ذنون ، وسلمتُ عليه ، فردّ عليّ بأدبه الجم ، وبصوته الهادىء الخافت ، الذي لا يكاد يُسمع : أهلاً وسهلاً .
وملتُ على الأستاذ عز الدين ذنون ، وقلتُ له : يبدو أنك لا تعرفني ، يا أستاذ عز الدين .
وحدقّ فيّ الأستاذ عز الدين ذنون ، وقال : عفواً ، لا أذكر أنني التقيت بك من قبل .
فابتسمت له ، وقلت : أنا طلال حسن ، وقد سبق أن كتبت عن مسرحيتك .. فلسطين .
وعلى الفور ، ردّ عليّ الأستاذ عز الدين ذنون قائلاً : أقول أي جاهل كتب عني تلك المقالة .
هذه هي البداية ، بداية علاقتي بالمسرح في الموصل ، وبالفنانين المسرحيين فيها ، وكذلك بداية علاقتي بالأستاذ الفنان المخضرم عز الدين ذنون ، الذي " بعد واقعة كازينو النهرين " ، صار من أعز أصدقائي ، حتى وفاته المبكرة في .
وتابعت الأستاذ عز الدين ذنون ، وتابعت كلّ ما قدمه فيما بعد في نادي الفنون ، الذي كان مدرسة للفنون فعلاً في الستينيات ، وخاصة لفن المسرح ، كما تابعته خلال عمله النشط في العديد من الفرق الأخرى ، وخاصة فرقة " المسرح العمالي " التي كان من أنشط أعضائها الأستاذ محمود العزاوي ، الذي صار في فترة ما ، بعد التغيير عام 2003 ، عضوا في البرلمان عن مدينته الحدباء ، مدينة الموصل .














خطوة إلى أمام

لئن كنتُ لم أردّ على الردّ الناري للأستاذ عبد الإله حسن ، عقب كتابتي نقدا " موضوعياً " عن مسرحيته فلسطين ، إلا أنني لم أتب عن النقد ، ويبدو أن هذا الدرس ، رغم ناريته ، لم يردعني عن مواصلة كتابة النقد في الصحف .
فبعد فترة ليست طويلة ، شاهدت عرضاً مسرحياً آخر ، كان عنونه على الأغلب " دزنا بالغلط " لا أذكر من قام بإخراجه ، لكاتب لا يقل " عصبية " عن مؤلف مسرحية " فلسطين " ، هو الأستاذ عبد الجبار جميل " المعروف ب " أبو جمال " .
والأستاذ عبد الجبار جميل ، على العكس من الأستاذ عبد الإله حسن ، عمل مستخدماً في المنطقة الشمالية ، يكتب المسرح الشعبي الكوميدي ، باللهجة العامية ، لكن ليس باللهجة الموصلية ، وإنما باللهجة البغدادية ، الشائعة في المسرح الشعبي العراقي ، في كلّ مدن العراق من شماله حتى جنوبه .
وكتبت نقداً عن " دزنا بالغلط " بنفس الروحية ، التي كتبت بها عن مسرحية " فلسطين " وأذكر أنني قلت أنها تقليد لمسرحيات الممثل الكوميدي المصري نجيب الريحاني " ، ونشرت النقد في جريدة " فتى العراق " أيضاً ، لكن عبد الجبار جميل ، مؤلف المسرحية ، لم يردّ عليّ في الجريدة ، كما فعل الأستاذ عبد الإله حسن ، وليته فعل ذلك .
وتقاطرت عليّ الأخبار ، حمماً من حجارة ونار ، نقلها إليّ بعض الأصدقاء والفنانين ، عن انزعاج الأستاذ عبد الجبار جميل ، وغضبه الذي لا يحده حدود ، على ما كتبته عنه في جريدة " فتى العراق " .
وذات يوم ، بعد فترة ليست طويلة من نشر النقد عن مسرحية " دزنا بالغلط " ، كنت أسير في شارع حلب ، متجهاً كالعادة إلى " كازينو النهرين " ، وإذا بي أرى الأستاذ عبد الإله حسن ، وسمعته يخاطب شخصاً لم أعرفه من قبل قائلاً له : أبو جمال ، انظر ، هذا هو طلال حسن .
واقترب مني أبو جمال ، الأستاذ عبد الجبار جميل ، وكان بادي الانفعال ، فمددت له يدي مبتسماً ، وقلتُ له : أنا طلال حسن .
وحدقّ الأستاذ عبد الجبار جميل فيّ ملياً ، دون أن يمدّ يده ، فقلتُ له : عفواً أستاذي العزيز ، علمت للأسف أن ما كتبته عن مسرحيتك أزعجك ، وكنت أتمنى أن تردّ عليّ لأعرف خطئي ، فأعتذر .
عندئذ مدّ الأستاذ عبد الجبار جميل يده ، وصافحني ، وقال لي : عفواً ، ما بلغني عنك ، ليس ما أراه أمامي الآن ، وأتمنى أن ترى أعمالي الأخرى في المستقبل ، لتعرفني جيداً .
وقد عرفت الأستاذ عبد الجبار جميل جيداً فيما بعد ، فلم تمض ِ إلا أشهر قليلة ، حتى شاهدت له مسرحية أخرى بعنوان " عبوش أفندي " ، أدى دور البطولة فيها ـ على ما أذكر ـ ، الفنان الكوميدي راسم السباح .
وكتبت مقالة نقدية عنها ، بناء على طلب المؤلف نفسه ، لكن بشيء من الصراحة ، وخشيت أن يتأذى الأستاذ عبد الجبار جميل من ملاحظاتي ، فأعطيته المقالة ، وقلت له : اقرأها ، وانشرها في أية جريدة تريدها ، وإن لم ترضَ عنها ، فاتركها ولا تنشرها في أي مكان .
ويبدو أن ما كتبته عن " عبوش أفندي " ، لم تعجب الأستاذ عبد الجبار جميل ، فلم ينشرها لا في جريدة " فتى العراق " ، ولا في أي جريدة موصلية أخرى ، وأنا أيضاً من جهتي ، أهملتُ المقالة ، ولم أنشرها ، وأنا أعترف ، بعد هذه السنين ، أن موقفي كان خطأ ، فأنا كناقد كان عليّ أن أنشر المقالة ، وللمؤلف أو المخرج أن يردا عليها ، سواء أعجبتهما المقالة أم لا .
وهاتان التجربتان النقديتان ، مع مسرحيتي الأستاذين عبد الإله حسن وعبد الجبار جميل ، اللتان مررت بهما في بداية مشواري مع النقد المسرحي ، علمتاني أن لا أكتب إلا عن المسرحية الجيدة ، التي تستحق النقد الهادىء الموضوعي ، وأتجنب الأعمال الهابطة ، التي يتحول كتابها عادة إلى أعداء .
واستمر عبد الجبار جميل ، في تقديم أعماله الكوميدية الشعبية ، متعوناً مع عدد من المخرجين المشهورين ، من بينهم المخرج المخضرم عز الدين ذنون .
وحتى بعد أن انتقل إلى كركوك ، واصل العمل في المسرح ، هذا ما قاله لي ، في لقاء لي معه ، ولم يغادر حبه للمسرح ، المسرح الشعبي بالذات ، حتى النهاية ، ومهما يكن ، فقد ترك أبو جمال ، الأستاذ عبد الجبار جميل ، بصمة عميقة ، لا تمحي ، على جبين المسرح الشعبي في الموصل .












عز الدين ذنون
بين أغنية التم ومصلح الراديوات

اعتاد الأستاذ عز الدين ذنون ، ومن معه من الفنانين ، وهم ثلة من الأصدقاء الشباب ، وجلهم من المعلمين محبي المسرح ، على تقديم مسرحيات مرتجلة ، أو شبه مرتجلة ، وكان من أشهر وأحب ما يقدمونه للجمهور مسرحية " مصلح الراديوات " .
وقد اعترضت على نهجهم هذا ، ودعوتهم إلى تقديم مسرحيات أكثر تطوراً ، سواء كانت تلك المسرحيات محلية أو عربية أو عالمية ، ويخرجوا بذلك من تلك الدائرة الضيقة ، التي يضعون فيها الجمهور المسرحي الوليد في الموصل .
وقال لي الأستاذ عز الدين ذنون ، مخرج الفرقة : يعني ماذا تريد أن نقدم ؟
فأجبته قائلاً : قدموا مثلاً أغنية التم لجيكوف .
وتمتم الأستاذ عز الدين : جيكوف !
فقلت له : لماذا لا ؟ جربوا ، وسترون النتيجة .
ورأوا النتيجة ، حين قدموا مسرحية " أغنية التم " للكاتب الروسي العظيم جيكوف ، على قاعة مدرسة الثانوية الشرقية في الموصل ، لجمهورهم الذي تعود أن يراهم يقدمون له " مصلح الراديوات " .
ولأن الفنانين الشباب ، والمخرج نفسه ، لم يتعودوا على تقديم مثل هذه المسرحية على خشبة المسرح ، ولأنهم أرادوا أن يقوموا بخطوة كبيرة بها ، أجروا تحضيرات وتمرينات لفترة طويلة ، وبذل الأستاذ عز الدين ذنون جهداً كبيراً في إخراج هذه المسرحية ، التي تشكل مفصلاً مهماً وحاسماً في تاريخه المسرحي .
وقبل تقديم المسرحية ، وقف الأستاذ عبد الإله حسن على خشبة المسرح ، وخاطب الجمهور الذي غصت به القاعة قائلاً : إخواني ، أرحب بكم ، سنقدم لكم اليوم مسرحية لكاتب عالمي هو انطوان جيكوف عنوانها " أغنية التم " .
وصدرت دمدمات من الجمهور ، وارتفع أكثر من صوت يصيح محتجاً : لا نريد هذه المسرحية ، نريد مسرحية مصلح الراديولت .
وطلب الأستاذ عبد الإله حسن ، من الجمهور الالتزام بالهدوء ، وقال لهم : كما تريدون ، لكن سنقدم أغنية التم أولاً ، ثم نقدم لكم مصلح الراديوات .
وأطفئت الأضواء ، وهدأ الجمهور على مضض ، وفتحت الستارة ، ومن قلب الظلام ، تقدم بطل مسرحية " أغنية التم " الأستاذ ميسر عبد فليح ، وفي يده شمعة مضاءة ، وما أن نطق جملته الأولى ، حتى عمّ الضجيج والصياح والتصفير أرجاء القاعة ، وارتفعت عدة أصوات تصيح " نريد مصلح الراديوات .
وتوقف بطل المسرحية الأستاذ ميسر ، والشمعة المضاءة في يده ، وسرعان ما انسحب إلى الكواليس ، وأسدلت الستارة ، وعلى الفور ، صعد الأستاذ عبد الإله حسن إلى خشبة المسرح ، وخاطب الجمهور قائلاً ، وهو يكتم غضبه : إخواني ، أرجوكم ، دعونا نقدم لكم هذه المسرحية العالمية أولاً ، وكونوا على ثقة ، سنقدم لكم بعدها مسرحية مصلح الراديوات .
وفتحت الستارة مرة أخرى ، وعاد بطل المسرحية إلى الظهور من الظلام ، والشمعة المضاءة في يده ، وعاد الجمهور إلى مقاطعته ، والصياح أكثر من مرة ، مما اضطر الأستاذ عبد الإله حسن ، إلى الصعود على خشبة المسرح ، وخاطب الجمهور غاضباً : إذا لم تلزموا الهدوء ، وتدعونا نقدم هذه المسرحية ، فسأستدعي الشرطة ، لتوقفكم عند حدكم .
وفي هذه الأجواء ، التي لا يحسد عليها لا بطل المسرحة ، ولا مخرجها ، ولا العاملون فيها ، قدمت مسرحية جيكوف العظيم " أغنية التم " في الموصل .
وكتبت عن المسرحية ، مقالة مطولة في جريدة " فتى العراق " ، أشدت فيها بالمسرحية ، وبأداء ممثلها الأستاذ ميسر عبد فليح ، وبمخرجها الأستاذ عز الدين ذنون ، ودعيت في العديد من كتاباتي ، الابتعاد عن المسرحيات الكوميدية المرتجلة ، وحتى عن مسرحيات من نوع مصلح الراديوات .
واحتج عليّ البعض ، بأن الجمهور في الموصل ، يحب هذا النوع من المسرحيات ، ويطالب بعرضها دائما ، ولا يرغب في المسرحيات الجادة ، أو المسرحيات العالمية ، التي تعرض باللغة العربية الفصحى ، وكان ردي ، أن من مهمة الفنان المسرحي ، أن يساهم في خلق وتربية جمهور مسرحي حقيقي ، يُقبل على المسرح المتقدم سواء كان محلياً أو عربياً أو عالمياً .







خطوة كبيرة

من العزف على الكمان ، ضمن فرقة موسيقية صغيرة في نادي الفنون في الموصل ، وأداء دور " اليهودي " في مسرحية فلسطين ، التي ألفها الأستاذ عبد الإله حسن ، وأخرجها الفنان المخضرم عز الدين ذنون ، قرر شفاء العمري ، أن يُقدِم على خطوة كبيرة ، ربما ظنّ البعض من الفنانين ، أنها قفزة في الظلام ، حين قرر أن يكون مخرجاً ، وكما يقول إخوتنا المصريون " مفيش حد أحسن من حد " .
ورغم تحفظ الكثيرين ، أكد شفاء العمري لنفسه وللآخرين ، أن قفزته الطموحة ، لم تكن قفزة في الظلام ، وإنما خطوة مدروسة ، تستند إلى تصميم راسخ ، تدعمه قراءات مجتهدة ، منهجية ، للمسرح نصوصاً ونقداً وتاريخاً ، في العراق والوطن العربي والعالم .
وكانت خطوته الأولى ، التي امتدت على طريق صاعد حتى النهاية ، إقدامه على اختيار مسرحية " اوديب ملكاً " ، للكاتب اليوناني سوفكليس ، من ترجمة الدكتور طه حسين ، بلغة عربية فصحى ، صعبة ، ربما لم تكن مطواعة ، وخاصة لممثلين شباب ، بعضهم لم يسبق له الوقوف على خشبة المسرح .
وبدل أن يختار شفاء العمري ، ممثلاً متمرساً له تاريخه ، في مجال الأداء المسرحي ، اختار خامة جديدة ، لم يشارك من قبل بأية مسرحية ، وأسند إليه الدور الرئيسي في المسرحية ، وهو دور أوديب الملك نفسه .
ولأشهر عديدة ، بذل شفاء العمري ، جهوداً كبيرة في صقل هذه الموهبة الخام ، وإعداده لهذا الدور الكبير ، وكان يأخذه أحياناً إلى منطقة الغابات ، ويطلب منه هناك ، أن يصيح ويصرخ بأعلى صوته ، ويقرأ دوره بصوت مرتفع ، حتى طوع تلك الخامة ، وشكلها بصورة اوديب الملك ، الذي أراده .
وقدمت المسرحية ، وسط احتفاء طيب من قبل الفنانين والمثقفين والمعنيين بالمسرح ، وحققت نجاحاً كبيراً ، وكتبتُ عنها مقالاً ضافياً ، فيه الكثير من الحماس والتشجيع ، كتبت عن مخرجها الواعد المبدع شفاء العمري ، وكذلك عن ممثليها الذين أحسنوا في أداء أدوارهم ، كما كتبت بكثير من الحماس عن ممثلها الرئيسي ، الذي قام بدو أوديب ، وهو الفنان الشاب عدنان الشيخ ، وقد اتهمني البعض وقتها بالانحياز ، وقد كنت منحازاً فعلاً إلى الفن الصادق والجمال ، اللذين مثلهما المخرج شفاء العمري ، وكادر المسرحية من الفنانين الشباب .
وخلال فترة السبعينيات ، التي تعتبر الفترة الذهبية للفنون والآداب والصحافة في العراق ، قدم شفاء العمري مسرحيات عديدة ، تتناغم والأجواء اليسارية ، التي شاعت في بعض تلك السنوات ، منها مسرحية القاعدة والاستثناء للكاتب الألماني الكبير برتولت برخت ، وفي انتظار اليسار ، وجيفارا للكاتب الفلسطيني اليساري معين بسيسو ، ورأس المملوك جابر للكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس .
وبالإضافة إلى الإخراج ، الذي حقق فيه تميزاً كبيراً ، كتب شفاء العمري عدة مسرحيات ، معظمها مسرحيات شعبية ، لكنه لم يحقق فيها ـ في رأيي ـ ، ما حققه من نجاح في التمثيل والإخراج .
وشفاء العمري ظاهرة ، لم تتكرر ، في تاريخ المسرح في الموصل ، منذ الستينيات من القرن الماضي حتى الآن ، فهو فنان عصامي ، لا يحمل غير الشهادة الابتدائية ، فقد ترك المدرسة وهو طالب في الصف الأول متوسط ، لكنه درس المسرح بنفسه ، وتعلم فنونه المختلفة من الكتب ، ومن زياراته المتكررة للمسارح في بغداد ، كما تعلم من الفنانين ، الذين عمل معهم في الموصل ، وقد صار صديقاً حميماً للدكتور عمر الطالب ، الذي درس المسرح ، ويتابع عروضه باستمرار ، ويكتب عنها أيضاً .
والدكتور عمر الطالب ، الذي يحمل شهادة عليا في المسرح ، سبق وأن درّس شفاء العمر الشاب المتمرد في مدرسة متوسطة المثنى ، ولم تكن علاقتهما ودية في المدرسة ، وحين عاد عمر الطالب من القاهرة ، سأل بعض أصدقائه : أيوجد فنان مسرحي يستحق أن أشاهد مسرحية من مسرحياته الآن في الموصل ؟
قالوا له : نعم .
وتساءل الدكتور عمر الطالب : من هو ؟
فقالوا له : شفاء العمري .
ويبدو أنه لم ينسَ طالبه المتمرد ، فقال مندهشاً : شفاء ! أعرف هذا الطالب ، إنه .. إنه جاهل .
وشاهد الدكتور عمر الطالب ، بعض مسرحيات طالبه المتمرد ، وصارا صديقين حميمين ، طالما خاضا سجالاً مطولاً عن المسرح عامة ، وعن مسرح شفاء العمري على وجه الخصوص .
وقد خانته الظروف المتقلبة ، منذ بداية الثمانينات ، كما خانت الأدباء والفنانين والصحفيين في العراق ، وحولتهم إلى أنقاض يرثى لها ، وتراجعت مسرحيات شفاء العمري كماً ونوعاً ، بعد هذه الفترة ، وقد تمر سنين عديدة دون أن يقدم مسرحية واحدة ، ومهما يكن ، فإن شفاء العمري يبقى رمزاً من الرموز المتقدمة في المسرح في الموصل .


مراكز الشباب
وفارس جويجاتي

شهدت مدينة الموصل ، في سبعينيات القرن الماضي ، حراكاً فنياً وأدبياً وثقافياً واسعاً ، انعكس بوضوح في المهرجانات المختلفة ، ومن بينها مهرجان الربيع السنوي ، ولعبت مراكز الشباب دوراً مهماً في هذا الحراك ، وخاصة في أوساط الشباب .
وقدمت هذه المراكز ، طوال تلك الفترة المليئة بالنشاط والحماس والتفاؤل ، العديد من الفعاليات الثقافية والفلكلورية والرياضية ، كما قدمت بعض المسرحيات ، ذات الطابع الشبابي .
وقد قامت ، أكثر من فرقة شبابية ، داخل مدينة الموصل وخارجها ، بتقديم مسرحيتي الموسومة " الوسام " ، التي كتبتها ونشرتها في مجلة " النبراس " في أوائل السبعينيات ، كما قام تلفزيون الموصل بتقديمها من شاشته الفضية أكثر من مرة .
ولعل أبرز من تألق في هذا المجال ، الفنان الأعجوبة ـ الذي كان شاباً وقتها ـ فارس جويجاتي ، وقد استطاع بشخصيته الساحرة ، المحببة ، المغامرة ، وبثقافته المسرحية ، وقدراته في التعامل مع الآخرين ، أن يجمع الشباب ، الأقرب إلى الفتيان ، حوله ، وحول نشاطاته الساحرة ، وقدم بهم العديد من المسرحيات ، التي كان معظمها من تأليفه وإخراجه هو نفسه .
وطالما قرأت المسرحيات التي يكتبها فارس جويجاتي ، وأبديت ملاحظاتي حولها ، والحقيقة أنه كان يحترم آرائي ، وغالباً ما كان يعمل بها ، فقد كنت ومازلت قريباً من الأدباء والفنانين الشباب ، أتابع نشاطاتهم ، وأكتب عنهم بحماس بما يفيدهم ، ويرسخ أقدامهم ، على طريق الأدب والفنون عامة .
والطريف أن فارس جويجاتي ، دعاني مرة لمشاهدة إحدى مسرحياته ، التي كانت تعرض على خشبة مسرح مركز الشباب في منطقة الدواسة .
وعلى عادتي ، حضرت في الوقت المعين ، وفوجئت بخلو مدخل المركز وحديقته الواسعة من المتفرجين ، وقلت في نفسي ، لعل الحضور سبقوني ، ودخلوا إلى القاعة ، حيث تعرض المسرحية .
ودخلت إلى القاعة ، وإذا بها خالية تماماً من المتفرجين ، ومن أعضاء الفرقة المسرحية أيضاً ، أمر عجيب ، أيعقل أنني مخطىء ؟ من يدري .
واستدرتُ ، واتجهت إلى الخارج ، وإذا بي أسمع فارس جويجاتي نفسه ، يناديني من خشبة المسرح قائلاً : أستاذ طلال ، مهلاً .
وتوقفت ، وأسرع فارس جويجاتي إليّ ، فقلتُ له : لا أحد في القاعة ، يبدو أنني أخطأتُ في الموعد .
فقال لي فارس مبتسماً : لا ، لست مخطئاً ، موعدنا هذا اليوم فعلاً .
وأشرت إلى القاعة الفارغة ، وقلت : لكن لا يوجد أحد في القاعة ، يا فارس .
فأمسك فارس يدي ، وأخذني إلى الصف الأول من القاعة ، وقال لي : تفضل بالجلوس هنا ، يا أستاذ طلال ، الفرقة بأكملها جاهزة الآن ، وسنعرض المسرحية لك أنت وحدكَ .
وهذا ما فعله فارس جويجاتي فعلاً ، فقد قدم المسرحية كاملة ، وبكل ممثليها الشباب ـ الفتيان ، وكان من بينهم الفنان المعروف حالياً عبد القادر الحلبي .
ومن خلال هؤلاء الفتيان ، فتيان مركز الشباب ، قدم الفنان جويجاتي العديد من المسرحيات ، وكانت أغلبها من تأليفه وإخراجه من بينها ، مسرحية سبارتكوس عام 1981 ، مسرحية فوارس بني كانور عام 1982 ، العرس الكبير عام 1985 ، رحلة بهلول عام 1987 .
ومع كل مقالبه ، ومغامراته ، يبقى الفنان فارس جويجاتي ، من الشخصيات التي أثرت في جيل من الفنانين الشباب ، ورغم أنه لا يحمل شهادة أكاديمية في الفن المسرحي ، إلا أنه ـ على حد علمي ـ قام لفترة من الزمن بتدريس فن المسرح في معهد الفنون الجميلة في الموصل ، حين كان في منطقة الجوسق .
وللفنان فارس جويجاتي ، كما ذكرت ، شخصية ساحرة ، وله تأثر غريب على الآخرين ، ففي أسوأ ظروف الحصار ، الذي شلّ الحركة المسرحية ، لا في الموصل وحدها ، وإنما في عموم العراق ، وفي مقدمتها العاصمة نفسها ، جاء بأعلام كبار من بغداد ، وفي مقدمتهم خليل الرفاعي وآزادوهي صموئيل ومحمود أبو العباس ، وقدموا على قاعة الربيع في الموصل ، مسرحية " دائرة الطباشير القوقازية " للكاتب الألماني المشهور برتولت برخت ، وكانت من إعداده وإخراجه ، وقد حققت تلك المسرحية وقتها نجاحاً كبيراً .
وقبل أن نترك الفنان المسرحي فارس جويجاتي ، الذي يعيش الآن في دهوك ـ كردستان ، لنا أن لا ننسى إحدى أهم مغامراته ، وهي إصدار جريدة في الموصل ، كما أصدر جريدة أخرى معنية بالأدب حصراً .




معهد الفنون الجميلة

مع بداية الحرب العراقية الإيرانية ، التي بدأت في يوم " 4 /9 / 1980 " ، والتي دامت ثمان سنوات ، راحت النشاطات الثقافية عامة ، والفنية والأدبية خاصة ، في التراجع المستمر ، في جميع أنحاء العراق ، ومن بينها طبعاً محافظة نينوى .
وبلغ هذا التراجع ، حافاته الكارثية ، بعد حرب الخليج الأولى ، وفرض الحصار الاقتصادي على العراق ، الذي ألحق الخراب الكامل ، في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والمعاشية لكافة المواطنين في العراق ، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب .
وفيما يتعلق بالثقافة ، التي كانت مزدهرة نوعاً ما في السبعينيات ، فقد راحت تتدهور ، وتراجعت الكثير من النشاطات الثقافية ، وفي مقدمتها المجلات الأدبية المختلفة ، وكذلك مطبوعات الأطفال ، التي كانت تشرف عليها دار ثقافة الأطفال .
ولعل المسرح ، والمسرح الجاد بالذات ، كان الأكثر تضرراً ، بسبب هذه الحروب المجنونة المستمرة ، والحصار الاقتصادي الخانق على العراق ، فقد تلاشت معظم الفرق المسرحية ، التي كانت تقدم مسرحيات جادة ومتقدمة ، ومنها الفرقة العتيدة ، ذات التاريخ الناصع ، فرقة المسرح الفني الحديث .
وحتى الفرقة القومية الحكومية ، التي قدمت مسرحيات ذات مستوى جيد ، والتي احتضنت العديد من الكفاءات المسرحية المهمة والرائدة ، في بغداد وفي فروعها في العديد محافظات القطر ، كادت تتوقف تماماً عن تقديم مسرحيات جديدة على مسرحها .
وهذا ما لحق بالدراما التلفزيونية أيضاً ، والتي كانت في الأساس أولية ، ومتعثرة ، ومتأخرة ، بالنسبة للدراما العربية ، وخاصة الدراما المصرية المتقدمة ، والتي هيمنت على شاشات معظم التلفزيونات العربية ، فبعد أن نشطت ، منذ أوائل السبعينيات ، وظهر بعض الكتاب الدراميين الواعدين منهم صباح عطوان الذي قدم العديد من المسلسلات المهمة ، منها " فتاة في العشرين " والأديب عادل كاظم الذي قدم بدوره مسلسلات رائعة أبرزها " النسر وعيون المدينة " و " حكايات المدن الثلاث " توقف الإنتاج تقريباً ، ومعه توقف كتاب الدراما ، وبدأ العديد من الفنانين ينزحون سراً وعلناً بعيداً عن العراق .
وخلال هذه الفترة العصيبة ، فترة الحرب العراقية الإيراني ، وحرب الخليج الأولى ، والحصار الاقتصادي على العراق ، تنامت ظاهرة المسرح التجاري ، وسحبت البساط من تحت المسرح الجاد ، وسرقت منه الجمهور المسرحي كله تقريباً ، وتركت هامشا لا يكاد يذكر للمسرحيين الشباب ، الذين كانوا يقاتلون في ظروف صعبة ، وبدون دعم يذكر ، في معركة غير متكافئة ، لا يمكن تحقيق النصر فيها على المسرح التجاري .
وأذكر أنني كنت في بغداد ، عام " 1992 " ، لحضور افتتاح مسرحيتي " ريم " ، وهي مسرحية للأطفال ـ الفتيان ، التي قدمتها فرقة النجاح بالتعاون مع وزارتي التربية والشباب ، أنني قرأت إعلاناً عن عرض مسرحية عالمية في المسرح الوطني من إخراج الفنان القدير سامي عبد الحميد ، وتمثيل نخبة متقدمة من الفنانين العراقين أذكر منهم ميمون الخالدي ، والفنانة الشابة سهير أياد .
واتجهت عصر ذلك اليوم إلى قاعة الرشيد ، ومررت بسينما خانقة كانت تعرض فيها المسرحية الشعبية " بيوت الطين " ، وقد كتب في مدخل السينما " الصالة مملوءة " ، ودخلت قاعة الرشيد ، المكيفة ، النظيفة ، المجانية ، وإذا هي تكاد تكون خالية ، وربما لا أبالغ إذا قلت أن عدد الممثلين على المسرح ، كان لا يزيد كثيراً عن جمهور المسرحية العالمية ، التي كان عنوانها " اصطياد الشمس " ، وهي من أروع المسرحيات التي رأيتها على المسرح في بغداد .
وكما هيمنت المسرحيات التجارية على المسرح وجمهورها في بغداد ، والكثير من المحافظات الأخرى ، وصلت إلى الموصل ، بعضها جاءت من العاصمة بغداد نفسها ، وبعضها إنتاج محلي ، ومعظم هذه المسرحيات إن لم تكن جميعها ، كانت ذات مستوى هابط ، تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً ، تعتمد النكتة الفجة الفاضحة ، والرقص الأقرب إلى التعري ، والتمثيل التهريجي الذي يمتهن الممثل فيه كرامته ، قبل أن يمرغ كرامة المسرح والجمهور بالأوحال .
وجاء تأسيس معهد الفنون ، ثم كلية الفنون ، كقارب نجاة للحركة المسرحية في الموصل ، التي أوشكت على الغرق ، في مستنقع المسرح التجاري ، ولعب أساتذة معهد الفنون ، ومن ثم كلية الفنون ، دوراً كبيراً ، في رفد الحركة المسرحي في الموصل بدماء شبابية جديدة ، مسلحة هذه المرة ليس فقط بحبها للمسرح ، ولا موهبتها الفطرية فقط ، وإنما مسلحة بالعلوم المسرحية المتقدمة ، وبخبرة الأساتذة ، الذين كان جلهم من الوسط الفني المسرحي الواعي والمثقف .
ولعل أبرز هؤلاء الأساتذة راكان العلاف وعلي إحسان الجراح ومحمد إسماعيل وريكاردوس يوسف ونشأت مباركا وفلاح حمدون ورياض وزوجته السيدة رفاه المصري وبشار عبد الغني وعادل ونذير العزاوي ، الذي يعد من رواد مسرح الدمى في الموصل .
ولقد ساهم الدكتور محمد إسماعيل ، مساهمة كبيرة وفعالة ، في إرساء أسس مسرح الأطفال في الموصل ، فهو من أوائل الأساتذة الفنانين ، الذين قدموا مسرحيات للأطفال على المسرح ، ويعود له الفضل في عرض العديد من مسرحياتي على مسرح كلية الفنون ، كما يعود له الفضل أيضاً في تعريف طلاب الكلية على مسرحياتي ، التي كتبتها سواء للأطفال أو الفتيان .
ويكفي أن الدكتور محمد إسماعيل ، كان وراء الندوة الموسعة حول مسرح الأطفال ، التي انعقدت عام " 2002 " في كلية الفنون في الموصل ، وشارك فيها عدد من الأساتذة ، من داخل الكلية ومن خارجها ، من بينهم الدكتور عمر الطالب ونذير العزاوي وابراهيم كولان ، وقبل بدء المحاضرات ، قدم الدكتور محمد إسماعيل مسرحية للأطفال من تأليفي ، وهي مسرحية " انكيدو " التي استغرق عرضها أكثر من ساعة .
وفي عام " 2005 " ، كان الدكتور محمد إسماعيل أيضاً ، وراء إقامة مهرجان كبير فريد من نوعه ، هو مهرجان " مسرح الفتيان " ، وقد قدمت فيه ست مسرحيات ، كان أربع منها من تأليفي ، وقال للدكتور محمد إسماعيل ، أستاذ أجنبي في مهرجان مسرحي في حلب ، عندما حدثه الدكتور عن المهرجان الذي أقيم في الموصل " أنتم ثالث مدينة في العالم ، يقام فيها مهرجان لمسرح الفتيان " .




















غابة اليوتوبيا

لم أزر معهد الفنون الجميلة ، الذي كان في منطقة " الجوسق " في الموصل ، حتى بعد مرور سنوات من تأسيسه ، رغم أن معظم أساتذته ، كانوا من أصدقائي الفنانين ، سواء في المسرح أو الفن التشكيلي .
لكن حدث ما دفعني إلى زيارته ، في أوائل الثمانينيات ، كي أحضر جلسة لمناقشة مسرحيتي " غابة اليوتوبيا " التي كتبتها للأطفال أواخر السبعينيات ، ونشرتها في مجلة الطليعة البغدادية في أيلول عام " 1980 " ، وقد حظيت وقتها باهتمام المعنيين بمسرح الأطفال ، خاصة وأن نصوص مسرحيات الأطفال ، كانت قليلة جداً ، وقد قدمت أوائل الثمانينيات ، من قبل مجموعة من طلبة كلية الفنون في بغداد ، على قاعة مسرح الرشيد ، ودام عرضها ثلاثة أيام .
فقد جاءني ذات يوم ، شابان ظننت أول الأمر ، أنهما من الجيش الشعبي ، وقال لي أحدهما ، بصوت هادىء مؤدب : حضرتك الأستاذ طلال حسن ؟
فأجبته بشيء من عدم الارتياح : نعم ، حضرتي طلال حسن ، نفضل .
وقال الشاب نفسه : أنا طالب في معهد الفنون ، الصف الرابع ، قرأت مسرحيتك غابة اليوتوبيا ، ورأيت أن أقدمها كأطروحة تخرج لهذا العام .
ونظرت بهدوء إلى الشابين ، وخمنت أنهما ليسا من الموصل ، فقلت لهما : يبدو أنكما من خارج الموصل ، من أين أنتما ؟
فقال الشاب الأول : صديقي من بعشيقة ، وأنا من عينكاوة في اربيل .
رحبت بهما ، وقلت للشاب الأول : لي صديق أديب من عينكاوة ، اسمه سعدي المالح .
فقال لي فرحاً : الأستاذ سعدي هو قريب لي .
ونظرت إليهما ثانية ، وسألتهما : هل تعرفاني ؟
أجاب البعشيقي : لا .
وأجاب الأول : من خلال المسرحية فقط .
فقلت لهما : تفضلا نشرب القهوة ، وسأعرفكما بنفسي ، لتكونا على بينة من الأمر .
وأثناء شربنا للقهوة ، قلت للأول : أنصحك أن تبتعد عن مسرحيتي ، فأنا لست مرغوباً فيه عند إدارة المعهد ، فقد كنت في السبعينيات مراسلاً لجريدتي طريق الشعب والفكر الجديد في الموصل .
فقال الأول بشيء من الحماس : هذا يزيدني رغبة في إخراج المسرحية ، يا أستاذ .
وبعد أيام قليلة ، جاءني الطالبان نفساهما ، وأخبرني الأول ، بأن اللجنة وافقت مبدئياً على المسرحية ، وأنهم عينوا يوماً لمناقشتها ، ودعاني ـ بموافقة اللجنة ـ إلى حضور جلسة المناقشة ، فوعدته بالحضور .
وحضرت المناقشة فعلاً ، التي جرت في إحدى غرف معهد الفنون ، وبحضور عدد من أساتذة المعهد ، وقد كانت عامة مناقشة هادئة موضوعية ، ورحب الأساتذة بي وبمسرحيتي " غابة اليوتوبيا " ، وأشادوا بالطالب الذي أقدم على هذه الخطوة الايجابية ، خاصة وأنه ربما لم يسبق للمعهد أن قدم مسرحية واحدة للأطفال .
وقد علق أحد الأساتذة ، وكان من الشقيقة مصر ، تعليقاً عكر قليلاً جو النقاش ، فقد قال : إن هذه المسرحية تنطوي في داخلها على فكر ماركسي .
لم يردّ أحد من الأساتذة على تعليق هذا الأستاذ المصري ، وبعد نهاية الجلسة ، دعوته للجلوس إلى جانبي ، وقلت له : أستاذي العزيز ، أنا مؤلف هذه المسرحية ، وهي للأطفال ، وليس فيها شيء من الماركسية ، ويبدو أن أحدهم قال لك ، إن المؤلف ماركسي ، فقلت ، إن المسرحية ماركسية .
وأقرت اللجنة المسرحية ، وأشادوا بمستواها ، وباركوا للطالب اختياره ، ودعوه للمباشرة في إخراجها لتقدم في الوقت المعين على خشبة مسرح المعهد .
ولم تمض ِ إلا أيام قلائل ، حتى جاءني الطالب ، الذي من عينكاوة ، وفي عينيه حزن وأسف ، وحدقت فيه ، وتساءلت : خيراً ؟
قال لي بصوت حزين : أستاذ ، منعوا المسرحية .
ابتسمت له ، وقلت : لقد نصحتك منذ البداية ، أن تبتعد عن مسرحيتي ، يا عزيزي .
ثم تساءلت : لماذا مُنعت ؟
أجابني قائلاً : عند خروجك من المعهد ، رآك المدير ، فتساءل عن سبب وجودك في المعهد ، فقالوا له ، إن أحد الطلبة سيقدم إحدى مسرحياته ، فقال ، ممنوع تقديم أي مسرحية لطلال حسن .
قلت للطالب : لا عليك ، هذا أمر متوقع ، وهو تصرف غير مدروس ، ولو كنتُ أريد أن أحرج هذا المدير ، لكتبت مقالة في أي صحيفة من صحف بغداد ، وتساءلت فيها ، بأي قانون يمنع مدير معهد الفنون في الموصل مسرحية للأطفال ، نشرت في مجلة حكومية في بغداد ، ومثلها طلبة من كلية الفنون في بغداد نفسها .
وقد تناهى إلى الأستاذ الناقد حسب الله يحيى هذا الأمر ، فكتب تساؤلاً في مجلة " فنون " ، التي كانت تصدر في بغداد ، لماذا منعت مسرحية بابلو نيرودا من العرض في بغداد ؟ ولماذا منعت مسرحية طلال حسن وهي مسرحية
للأطفال ، من العرض في الموصل ؟

فرقة مسرح الجامعة

بدأ حلم إنشاء " فرقة مسرح الجامعة " ، بانتقال الفنان المعروف عصام عبد الرحمن ، وهو فنان أكاديمي متمرس في التمثيل والإخراج ، وخاصة في المسرحيات الكوميدية المحلية والعالمية ، وبدعم من الدكتور خير الدين العمري ، عميد شؤون الطلبة ، من مديرية التربية إلى جامعة الموصل ، وقد قام الفنان عصام عبد الرحمن بتعيين الفنان شفاء العمري في الفرقة ، لخبرته ومكانته الفنية ، كي يعاونه في تحقيق هذا الحلم .
وعلى هذا فقد تأسس قسم للمسرح في الجامعة عام " 1974 " ، وانبثقت عنه فرقة مسرح الجامعة ، وقد تم افتتاح المسرح الجامعي بمسرحية " رأس المملوك جابر " ، والمسرحية من تألف الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس ، في " 27 / 3 / 1975 " ، وإخراج الفنان القدير شفاء العمري ، وقد حققت في حينها نجاحاً كبيرا ، وشارك فيها حوالي " 30 " ممثلاً .
وفي نفس العام ، أي في عام " 1975 " قدم نفس المخرج ، الفنان شفاء العمري ، مسرحية كبيرة أخرى ، حظيت بنفس النجاح الكبير ، وهي مسرحية " جيفارا " للشاعر الفلسطيني التقدمي الكبير معين بسيسو .
وكان للفنان عصام عبد الرحمن ، حصته الكبيرة والمهمة في نشاط هذه الفرقة الوليدة ، فقدم مسرحية كوميدية معروفة ، هي مسرحية " حلاق اشبيلية " للكاتب المسرحي الفرنسي بومارشيه .
وقدم الفنان شفاء العمري ، في نفس العام 1977 ـ 1978 ، مسرحية بعنوان " المؤلف والبطل " ، وهي من تأليف الكاتب الموصلي محمد عطاء الله ، بعد أن حذف فصلين منها ، وقد حظيت باهتمام الجمهور والنقاد ، فكتب عنها الناقد المعروف " علي مزاحم عباس ، وأشاد بها قائلاً " لقد كان مستوى عرض مسرحية المؤلف والبطل مفاجأة سعيدة لي " .
وتناوب الفنانان عصام عبد الرحمن وشفاء العمري تقريباً ، على تقديم المسرحيات ، وكلّ حسب رغبته وميوله وطموحه ، فقدم الفنان شفاء العمري مسرحية فرح شرقي ، وكانت من تأليف الكاتب السوري الحلبي وليد إخلاصي ، وقدم الفنان عصام عبد الرحمن في 30 / 7 / 1978 ، مسرحية لوليد إخلاصي عنوانها " كيف تصعد دون أن تقع " ، وفي عام " 1980 " قدم الفنان عصام عبد الرحمن مسرحية جديدة من مسرح العبث ، هي مسرحية " في انتظار كودو " من تأليف الكاتب الارلندي الفائز بجائزة نوبل صموئيل بكيت ، وأعقبها في عام " 1981 " بتقديم مسرحية " طلوع القمر " تأليف ليدي جريجوري ، بحضور رائد كبير من رواد المسرح في العراق ، هو الأستاذ حقي الشبلي .
وأعقب الفنان عصام عبد الرحمن هاتين المسرحيتين ، بعدة مسرحيات منها : أضرار التبغ تأليف جيكوف ، وأصدقاء تأليف هربرت نارجون ، وحرامي الحب التي أعدها الفنان فريد عبد اللطيف ، والأعمى والمقعد تأليف درماسينا بتراجا ، وقد قدمت هذه المسرحية في المهرجان المسرحي الجامعي الأول ، الذي أقامته كلية الفنون الجميلة في بغداد في 2 / 4 / 1988، ومسرحية شايف خير عام 1984
أما شفاء العمري فقد قدم مسرحية الكاتب الكبير سعد الله ونوس " بائع الدبس الفقير " ، ثم مسرحية " الزير سالم " في عام 1987 .
ومما له دلالة ، أن الطلبة أنفسهم شاركوا مشاركة فعالة ، ليس في التمثيل فقط ، وإنما في الإخراج أيضاً ، وقدموا أعمالاً واعدة عديدة ، ففي عام 1984 ، شاركت فرقة مسرح الجامعة بعرض مسرحي في الكويت ، من تأليف وإخراج الطلبة أنفسهم ، مسرحية " هي .. وأنا " تأليف أحمد العزاوي وإخراج محمد فاضل ، ومسرحية " زنزانة بلا رقم " تأليف وإخراج عبد الناصر محمد نوري ، ومسرحية " العطسة " تأليف نيل سايمون ، ترجمها إلى اللغة الكردية وأخرجها كريم شريف ، ومسرحية " المدرسة المسائية " تأليف وإخراج الطالب أنيس إسماعيل ، ومسرحية " آسف .. النمرة غلط " إخراج نوفل عبد المجيد ، وقدمت مسرحيات عديدة ، بعضها من خلال المهرجانات الطلابية ، وكلها تعد بحراك مسرحي متنامي ، لكن أضواءه خفتت مع استعار الحروب المتواصلة في العراق .
وكان للمسرح الجامعي معوقات كثيرة ، شخصها العاملون فيه قبل غيرهم ، فيرى أحد الفنانين " إن أهم العوائق تكمن في عدم وجود المسرح كفعل درامي في مفردات المناهج الأكاديمية ، خصوصاً في الكليات الإنسانية " ، ويرى الفنان عصام عبد الرحمن ، مؤسس فرقة مسرح الجامعة " إن قلة الكوادر المتخصصة في الفرقة ، وانعدام العنصر النسائي تقريباً ، وعدم وجود كيان للفرقة ، حيث أنها شعبة في مديرية النشاطات الطلابية " .









الجمهور والمسرح في الموصل

لنتصور عرضاً مسرحياً بلا جمهور ، أو جمهوراً متعطشاً للمسرح ، ولا يجد عرضاً مسرحياً واحداً ، كلاهما لا شكّ كابوس .
ولو استعرضت العروض المسرحية ، المحلية أو العربية أو العالمية ، التي شاهدتها طوال فترة مواكبتي للحركة المسرحية في الموصل ، منذ أواسط الستينيات حتى الوقت الحاضر ، لأمكنني القول إن إقبال الجمهور على مشاهدتها ، كان على الأغلب متواضعاً جداً .
ولعل حضور العروض المسرحية ، يتفاوت من نمط مسرحيّ إلى آخر ، وأيضاً من فترة إلى أخرى ، فالمسرحيات الكوميدية الشعبية المحلية ، تتمتع بجمهور أكبر من المسرحيات الجادة أو التجريبية ، فجمهور السبعينيات يختلف ربما نوعاً عن جمهور أواخر الثمانينيات والتسعينيات ، حيث سادت المسرحيات التجارية الرخيصة ، التي تركز على التهريج والرقص المبتذل ، وجمهوره رغم كثرته عدداً ، إلا أنه مترد ٍ نوعاً ومستوى .
وعلى سبيل المثال ، ففي الستينيات مثلاً ، كاد العرض يبدأ في إحدى المسرحيات ، والحضور قليل جداً ، والقاعة شبه فارغة ، فما كان من أحد الممثلين ، إلا أن ذهب إلى مقهى قريب ، ودعا رواده إلى حضور العرض المسرحي مجاناً ، ومع ذلك لم يستجب لهذه الدعوة إلا عدد قليل من رواد المقهى .
ومن المؤسف أن يجهد فنان من نوع شفاء العمري نفسه ، مع حوالي ثلاثين ممثلاً ، ولأشهر عديدة ، في إخراج مسرحية كبيرة من نوع " رأس المملوك جابر " للكاتب السوري البارز سعد الله ونوس ، ثم يفاجأ بعدد محدود جداً من الحضور ، رغم أن المسرحية قدمتها فرقة مهمة هي " فرقة مسرح الجامعة " ، وقدمت على قاعة داخل جامعة الموصل ، التي تضم آلاف الطلبة ، ويفترض أن طلبة الجامعة هم الجمهور الأول لمثل هذه المسرحية الكبيرة والراقية .
وعلى العكس من هذا ، ما رأيته في أربيل ، أثناء مهرجان المسرح الكردي عام " 1987 " ، الذي حضرته من الموصل ، وكان معي قادماً من بغداد الناقد المعروف حسب الله يحيى ، فقد كانت قاعات العرض تغص بالجمهور على سعتها ، وفي اليوم الأخير من المهرجان ، عرضت مسرحية " راشامون " ، وهي من المسرحيات العالمية الرائعة ، وقد أخذنا المسؤولون بصعوبة إلى مقاعدنا في الصف الأول ، فقد كانت القاعة بمقاعدها وممراتها وحتى الفسحة أمام خشبة المسرح تغص بالمتفرجين المتحمسين ، وصعد أحد المسؤولين إلى خشبة المسرح ، وخاطب الجمهور الذي يسد الممرات ، ويقف بعض منه أمام خشبة المسرح : إخواني ، رجاء ، لدينا ضيوف ، غادروا القاعة ، ونعدكم أن نقدم لك عرضاً خاصاً يوم غد .
لكن أحداً من الجمهور لم يغادر مكانه ، وبدا الانفعال على المسؤول ، وصاح بالجمهور غاضباً : إذا لم تغادروا القاعة سنستدعي الشرطة .
والتفت إلى صديقي الكردي ، الذي يجلس إلى جانبي ، وقلت له مازحاً : نحن في الموصل نحتاج إلى استدعاء الشرطة ، لإدخال الجمهور إلى القاعة لمشاهدة العرض المسرحي ، وليس لإخراجهم منها .
وعلى ذكر الجمهور ، فهناك أساليب مدروسة وعملية للإتيان بأعداد غفيرة منه ، وربما لتعويده أيضاً على جماليات الحضور في القاعة ، التي تعرض فيها مسرحية مناسبة له ، فحين عرضت مسرحيتي " ريم " وهي مسرحية للأطفال والفتيان ، والتي قدمتها عام " 1982 " فرقة النجاح في بغداد ، بالتعاون مع وزارتي التربية والشباب ، وكانوا يأتون بالتلاميذ والطلبة وفق جدول مدروس ، وقد بلغ عدد مشاهديها بسبب هذه الطريقة " 70 " ألف مشاهد .
وجمهور المسرح على تنوعه هادىء عامة ، يحترم العرض المسرحي ، ولم يحدث إلا نادراً ، أن قام الجمهور ، أو أفراد منه ، بإحداث شغب في القاعة ، أثناء العرض المسرحي .
ولعل القاعات ، التي استخدمتْ للعروض المسرحية ، قبل أن يطالها الخراب التام بعد سقوط الموصل عام " 2014 " ، لم تصمم أساساً لمثل هذه العروض ، وأذكر أنني حضرت عرضاً لمسرحية قدمت لأطفال المدارس الابتدائية ، في قاعة الربيع ، وهي أكبر وأفضل قاعة في الموصل ، وكانت أثناء العرض تغص بالأطفال ، ورغم أنني جلست في الصف الأمامي ، قريباً من خشبة المسرح ، إلا أنني لم أسمع أي شيء من حوار المسرحية ، فهل سمع التلاميذ الحوار ، وهل فهموه ؟
وأخيراً يمكنني أن أقول ، إن الحركة المسرحية في الموصل ، والتي ظلت طوال فترة متابعتي لها ، منذ أواسط الستينيات حتى الآن ، موسمية ، متقطعة ، ومتعثرة ، لم تستطع أن تربي جمهوراً مسرحياً ، يمكن أن يواكب الحركة المسرحية ، ويتابع عروضها المختلفة ، ويتطور بتطورها المستمر .










كتّاب المسرح
في الموصل














أكثر من مرة ، قال الفنان الموصلي الراحل ، الدكتور جلال جميل ، الذي كان تدريسياً في كلية الفنون في الموصل ، إن مدينة الموصل ، هي أكثر مدينة في العالم ، يوجد فيها كتاب للمسرح .
ولعلي لست مع هذا القول تماماً ، لكني أعرف أن الموصل ، ومنذ تأسيس المسرح في العراق ، تزخر بأعلام من أبرز كتاب المسرح ، من مختلف الأجيال ، ويكفي أن الموصل ، هي مهد المسرح العراقي ، وأن أول كاتب مسرحي فيه ، كان " نعوم فتح الله سحار " ، وهو مؤلف مسيحي من الموصل .
ومن أبرز أعلام المسرح في الموصل :

1 ـ نعوم فتح الله سحار
علم من أعلام الموصل ، وهو واحد من أبرز رواد المسرحية في العراق ، ألف مسرحية " لطيف وخوشابا " ، وقد مُثلت في الموصل عام " 1890 " ، وطبعت في عام " 1893 " بمطبعة الآباء الدومنيكان ، وعثر فيما بعد على خمس من مسرحياته المفقودة ، طبعت في دار الشؤون الثقافية في بغداد ، وهي ، إياكَ معاشرة الأشرار ، لطيف وخوشابا ، الفتيان الأسيران ، الرأس الأسود ، الدراهم الحمراء .

2 ـ يحيى ق
ولد الأستاذ يحيى ق في مدينة الموصل عام 1894 ، وتوفي في سجن الحلة عن عمر يناهز الثانية والسبعين عام 1966 ، وهو معلم مدرسة ابتدائية ، كان مديراً لمدرسة القحطانية الابتدائية لفترة من الزمن ، وهو رائد من رواد المسرح التاريخي في الموصل ، وهو أيضاً رائد بارز لمكافحة الأمية في الموصل ، أصدر كتاب " محو الأمية لدى كبار السن " عام 1947 ، أعيد طبعه فيما بعد في دار الفارابي في لبنان ، وهو مناضل ، وطني صلب ، مات في السجن في الثانية والسبعين من عمره ، كتب العديد من المسرحيات التاريخية ، وقدمها بتلاميذه الصغار ، وأهم مسرحياته هي : " فتح مصر عام 1924 ، فتح القادسية عام 1934 ، فتح الشام عام 1936 " .

3 ـ سامي طه الحافظ
وهو صحفي مثقف ، عمل محرراً في صحيفة " فتى العراق " ، وقد كتب مسرحية باللهجة العامية ، عنوانها " الماعندو فلس " ، وقد قدمتها فرقة من نادي الفنون في الموصل أواسط الستينيات .

4 ـ عبد الإله حسن
شاعر ، وكاتب مسرحي ، عمل في تلفزيون بغداد ، وكتب للتلفزيون مسلسلاً ناجحاً ، هو " ملا عثمان الموصلي " ، كتب العديد من المسرحيات ، منها مسرحية " فلسطين " ، التي أخرجها الفنان القدير عز الدين ذنون عام " 1964 " .

5 ـ عبد الجبار جميل
عمل كمستخدم في أشغال المنطقة الشمالية ، عاشق للمسرح ، كتب العديد من المسرحيات الشعبية ، التي كان لها محبوها ومريدوها في ستينيات الموصل ، ومسرحياته كلها مكتوبة باللهجة الشعبية البغدادية ، ومنها أنا والناس وحميتي ، وقد أخرجها الفنان علي المهتدي ، وتؤمر بيك التي أخرجه الفنان عبد الإله حسن ، وعطس المرحوم وأخرجه الفنان عبد الوهاب أرملة دزنا بالغلط ، وعبوش أفندي ، والأخيرة مثلها الممثل الكوميدي راسم السباح .

6 ـ سالم الخباز
شاعر من مواليد " 1939 " ، عمل معلماً ، كتب الشعر العمودي ، وكذلك الشعر الحر ، صدر ديوانه الأول " جراح المدينة " عام 1963 ، وبعدها صدرت له عدة دواوين منها ، الفصول ، حداء المواكب ، سبع أغنيات لتموز ، كتب عدة مسرحيات مثلت كلها ، من بينها زمن السقوط ، ثمة أمر ما ، النمرود ، ومعظمها كانت من إخراج الفنان الرائد عز الدين ذنون ، أما أولى مسرحياته وأهمها ، فهي مسرحية المسيح ، التي أخرجها بشكل جميل الفنان شفاء العمري .

7 ـ محمود فتحي
مدرس للغة العربية ، مثقف ثقافة عالية ، من مواليد " 1946 " عاشق للمسرح ، وقد أصر على كتابة المسرحيات ، رغم نجاحه الملحوظ في كتابة المسلسلات الإذاعية ، وقد أخرجها للإذاعة الفنان المعروف الراحل يوسف سواس ، تلك المسلسلات كان يمكن أن تقوده إلى كتابة المسلسلات التلفزيونية ، ومن مسرحياته المعروفة مسرحية " البركان " أخرجها له الفنان شفاء العمري ، ومسرحية " المصنع " ، وقد أخرجها الفنان محمد نوري طبو عام " 1969 " .


8 ـ راكان العلاف
أحبّ السينما ، وكان من المدمنين على ارتيادها ، ساهم في عام " 1964 " في تأسيس شركة سينمائية مع الفنان الراحل سامي الجادر ، وأنتجوا فيلماً بعنوان " طريق الشر " ، دخل معهد الفنون قسم المسرح في بغداد عام " 1964 " ، وأثناء دراسته شارك بالعديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية ، منها مسلسل " الجسر " والسعفة الصغيرة ، انضم بعد التخرج إلى فرقة " المسرح العسكري " ، حاول أن يكمل دراسته في السوربون في فرنسا ، لكن ظروفه حالت دون ذلك ، أخرج العديد من المسرحيات منها ، مشرب شاي ، القرية المسحورة ، سفر الأمواج ، شعب الذرى ، السيف ، وبالإضافة إلى ذلك كتب العديد من المسرحيات منها مسرحية عن مأساة العبارة في الموصل عام " 2019 " ، كما كتب أكثر من كتاب عن معاصرته ومعايشته للحركة المسرحية في الموصل .

9 ـ مثري العاني
مثقف ، مناضل ، متعدد المواهب ، شارك في تمثيل مسرحية " المفتش العام " لكوكول في عام " 1958 " ، ومنذ تلك الفترة وهو منغمس في الحركة المسرحية ، متابعاً وناقداً وكاتباً ، له كتاب مهم جداً ، عن الكاتب المربي المناضل يحيى ق ، يضم دراسة مطولة قيمة عن الكاتب ، مع عدد من مسرحياته الهامة ، التي تكاد تكون مفقودة ، صدر الكتاب عن دار الشؤون الثقافية في بغداد ، ويعتبر الأستاذ مثري العاني من أبرز المهتمين بالتراث الشعبي في الموصل ، وله أكثر من كتاب في هذا المجال منها " ألعاب التسلية عند الأطفال ، له عدة مسرحيات للكبار ، كما كتب أكثر من مسرحية للأطفال ، أصدرها في كتاب منها : الذئب ، الصخرة ، الرجال يأكلون أنفسهم .

10 ـ محمود العزاوي
ولد في الموصل عام 1944 ، أسس فرقة الأنوار ، ثم أصبح رئيس، في الموصل ، صار بعد التغيير نائباً في البرلمان العراقي ، وقد كتب عدة مسرحيات معظمها مسرحيات تاريخية ، قدم بعضها عن طريق فرقة المسرح العمالي في السبعينيات ، منها مسرحية " الصراع وقد أخرجها الفنان علي المهتدي ، وسقوط الملك ذو النواس ، وقد أخرجها الفنان محمد نوري طبو ، " وكتب بالإضافة إلى المسرح رواية " زمن الغربة " صدرت عن وزارة الثقافة ، ومجموعة قصصية بعنوان " رقصة الكاهنات " ، عن وزارة الثقافة أيضاً عام " 2008 " .

11 ـ يوسف الصائغ
ولد في الموصل عام " 1933 " ، وتخرج من دار المعلمين العالية عام " 1955 " عانى الكثير من الاضطهاد والملاحقة والسجن بسبب ميوله السياسية ، مدرس منذ الخمسينيات ، وهو شاعر مبدع ، أصدر في أواسط الخمسينيات ، مع شاذل طاقة وهاشم قطان و ديوان شعر متميز عنوانه " قصائد غير صالحة للنشر " حصل على الماجستير في السبعينيات ، صحفي كبير عمل في جريدة طريق الشعب ، ومجلة ألف باء ، ثم في مجلة أفاق عربية ، وعين مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون في الثمانينيات ، وهو أديب وفنان شامل ، له لوحات وتصميمات عديدة ، كتب القصة والرواية والمسرحية ، صدرت له رواية أثارت الكثير من الإشكالات عنوانها " اللعبة " وفضلاً عن ذلك هو واحد من أبرع رواد الشعر الحر في العراق ، كتب العديد من المسرحيات المتميزة ، فازت معظمها بجوائز عراقية وعربية ، من مسرحياته الباب ، وديدمونة .

12 ـ معد الجبوري
شاعر موصلي كبير ، من مواليد " 1946 " ، يكتب القصيدة العمودية ببراعة ، رغم أن معظم شعره ينتمي إلى شعر التفعيلة ـ الشعر الحر ، وكتب أيضاً عدة قصائد جميلة باللهجة الموصلية ، عمل في التدريس فترة ، ثم مديراً للنشاط المدرسي ، ثم مديراً للتلفزيون في الموصل ، وهو واحد من رواد المسرح الشعري في العراق ، له اوبريتات مشتركة مع الشاعر عبد الوهاب إسماعيل ، قدمت بنجاح في مهرجانات الربيع في السبعينيات ، كتب عدة مسرحيات شعرية تاريخية ، منها .. آدابا ، شموكين ، الشرارة ، السيف والطبل ، وقد ترجمت مسرحيته الأولى آدابا ، التي كتبها عام " 1971 " إلى الاسبانية والألمانية والانكليزية والايطالية والكردية .

13 ـ عبد الوهاب إسماعيل
شاعر مبدع ، يكتب الشعر العمودي والشعر الحر ، له دواوين متعددة صدرت معظمها عن دار الشؤون الثقافية في بغداد ، وصدر أحدها عن اتحاد الكتاب العرب في سوريا ، عمل في التعليم ، ثم مديراً لدور الثقافة الجماهيرية في الموصل ، ثم إعلامياً في إذاعة بغداد ، اهتم مع صديقه الحميم الشاعر معد الجبوري بالمسرح الشعري ، فكتبا معاً عدة اوبريتات ، قدمت في مهرجانات الربيع في الموصل ، وكتب مسرحية جميلة باللهجة العامية ، قدمها الفنان شفاء العمري في مهرجا الحضر ، كما كتب مسرحية طويلة تقع في عدة فصول ، عنوانها .

14 ـ الدكتور عماد الدين خليل
أستاذ جامعي ، مثقف ثقافة عالية ، أصدر الكثير من الكتب عن التراث والفكر الإسلامي ، وله مكانة كبيرة في الأوساط الإسلامية في العراق والوطن العربي ، وكتب الدراسات النقدية الهامة ، وخاصة عن المسرح الغربي المعاصر ، كما كتب الرواية والمسرحية ذات الفصل الواحد ، والمسرحيات الطويلة ذات الفصول المتعددة ، وكتاباته عامة ذات طابع ديني إسلامي ، حتى أنه أطلق على مسرحه " المسرح الإسلامي " وله مسرحيات كثيرة أهمها مسرحية " المغول " ، وقد مثلت على المسرح في الموصل ، وكانت من إخراج الفنان المعروف راكان العلاف .

15 ـ الدكتور محمد إسماعيل
أستاذ في قسم المسرح في كلية الفنون بالموصل ، يحمل شهادة الدكتوراه في المسرح ، محكّم مقتدر في العديد من المهرجانات المسرحية للأطفال في كربلاء ، ساهم في مناقشة العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه ، في الموصل ، وفي العديد من كليات الفنون في المحافظات الأخرى ، وقد عمل على المسرح طوال سنوات عديدة ، عمل ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً ، وله مسرحيات عديدة للكبار والأطفال منها ، ويعود له الفضل الأكبر ، في إطلاق العروض المسرحية للأطفال ، من خلال عمله مع طلابه في كلية الفنون ، ويكفي أنه كان وراء الندوة الموسعة حول مسرح الأطفال ، التي عقدت في كلية الفنون عام " 2002 " ، كما كان وراء مهرجان مسرح الفتيان ، الذي عقد في كلية الفنون أيضاً عام " 2005 " .

16 ـ شفاء العمري
ممثل ، ومخرج مجدد ، من أنشط الفنانين في السبعينيات ، قدم العديد من المسرحيات المحلية والعربية والعالمية ، عرف بنزعته التجريبية ، وقد حقق مكانة مرموقة في المشهد المسرحي الموصلي ، كتب عدة بحوث عن المسرح ، نشر واحداً منها في مجلة " الحياة المسرحية " السورية ، له مسرحيات عديدة ، بعضها شعبية باللهجة المحلية ،

17 ـ محمد عطا الله
مدرس لمادة التاريخ ، ثم مدير لمكافحة الأمية ، ونال شهادة الماجستير عام 1996 ، وشهادة الدكتوراه عام 2007 ، كتب عدداً من المسرحيات الهادفة منها ابن سراب ، وحكماء الملك زرزور ، ثم فضيحة الدجاج الأمريكي ، وتتسم كتاباته عامة بالسخرية اللاذعة ، والكوميديا السوداء ، وقد مثلت مسرحياته جميعاً في الموصل ، عدا مسرحيته الأخيرة " فضيحة الدجاج الأمريكي " ، والتي صدرت عن دار الشؤون الثقافية في بغداد عام " 2000 " ، فقد قدمها الفنان الكبير سامي عبد الحميد لحساب الفرقة القومية في بغداد ، وله مجموعة قصصية متميزة عنوانها " الطواف حول مملكة الحلم " ، وبالإضافة إلى ذلك صدرت له عدة كتب تاريخية وثقافية وتربوية هامة .

18 ـ حسين رحيم
أديب متعدد المواهب ، يعمل في المكتبة المركزية لجامعة الموصل ، يكتب القصة والرواية والمسرحية ، وقد أضاف إليها مؤخراً قصيدة النثر ، عمل فترة في جريدة " نينوى " ، التي صدرت عام " 2000 " في مدينة الموصل ، من رواياته القِران العاشر ، وأبناء السيدة حياة ، وله مجموعة قصصية عنوانها " موت الحكواتي " ، أما أبرز مسرحياته فهي : الإعدام ، وهذيانات معطف ـ معدة عن قصة قصيرة للكاتب بيات مرعي ، ليلة الكراسي ، وله مسرحيات شعبية ذات طابع كوميدي مها : الحمقري ، نعيم المجانين ، أنا والحرامية كلهم يحبونها .

19 ـ أمجد محمد سعيد
مدرّس للغة العربية ، ثم مدير دور الثقافة الجماهيرية ، ثم مدير تلفزيون الموصل ، ثم ملحق ثقافي في القاهرة أم الدنيا ، عاشق للشعر ، حياته كلها شعر ، والموصل بتاريخها وعراقتها حاضرة في شعره ، أحب المسرح ، وكتب عدة مسرحيات شعرية منها مسرحية عن الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا ، الذي قتله الفاشست عند انقلابهم على الحكومة الشعبية في تشيلي .

20 ـ الدكتور جلال جميل
أستاذ جامعي بدرجة دكتوراه في المسرح ، درس في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1974، وشارك في الأعمال المسرحية ، التي قدمها الطلبة وأساتذة الأكاديمية ، ممثلاً أو ماكيراً أو مصمماً للأزياء والإضاءة والموسيقى ، ترجم ثلاث مسرحيات للكاتب الكبير هارولد بنتر ، ووليم سارويان ، وابسن عام 1996 ، كما ترجم مسرحيتين لصموئيل بيكت ، عمل في فرقة النجاح في بغداد في مجال الإضاءة المسرحية ، وهو مازال في مرحلة الدراسة ، وكتب النقد المسرحي عن خبرة وعلم ، وبأسلوب متمكن راق ، كما كتب بحوثاً معمقة عن المسرح ، وقام بإخراج العديد من المسرحيات التجريبية ، ومنها مسرحيات الشاعر المبدع رعد فاضل ، كما كتب العديد من المسرحيات منها " فئران ومطابع " ، وللأسف الشديد رحل قبل الأوان ، وقد ترك رحيله فراغاً كبيراً ، في كلية الفنون ، وعلى خشبة المسرح في الموصل العطشى إلى المسرح المتقدم .

21 ـ رعد فاضل
فارس قصيدة النثر في الموصل ، مثقف كبير ، عمل في الصحافة ، وكان من أنجح محرري الصفحات الثقافية على نطاق الصحف العراقية ، من دواوينه المتميزة ، فليتقدم الدهاء .. إلى المكيدة ، وشانقبا مورو ، واشتبك الضوء بالياقوت ، أشرف على إصدار سلسلة من الكتب الأدبية صدرت عن النشاط المدرسي ، أصدر مع آخرين مجلة متقدمة هي " شرفات " ، وقد كتب عدة مسرحية شعرية تجريبية متميزة ، منها " لا غبار لا أحد " ، أخرجها المخرج الراحل جلال جميل ، وقد فازت بالجائزة الأولى ، وأخرج الفنان جلال جميل له مسرحية أخرى عنوانها " من .. ممن .. لماذا ؟ ، .

22 ـ موفق الطائي
أديب وفنان شامل ، ولد في الموصل عام 1953 ، يعمل في النشاط المدرسي ، مخرج مسرحي ، فنان تشكيلي ، عمل في الصحافة محرراً ومصمماً ، صمم عدداً من أغلفة الكتب ، أخرج أكثر من أربعين مسرحية ، كما ألف وأعد العديد من المسرحيات منها ، مسرحية كفر قاسم ، ومسرحية ريم ، ومسرحية حياة جديدة ، ومسرحية موال العراق ، ومسرحية عناق الأبطال ، ومسرحية الغرور القاتل ، وهذه المسرحية الأخيرة ، كانت للأطفال .

23 ـ فاضل محمد عبد الله
ولد في الموصل ، عمل معلماً ثم مديراً لعدة مدارس ، أحب المسرح ، وقدم مسرحيتين لتلاميذه الصغار في مدرسة زمار ، وكتب العديد من المسرحيات منها " أولاد الشوارع وأخرجها له الفنان ، وتاجر في المدينة عام 1970 ، ودروب الجهل ، وأشواك على الدرب ، كما كتب القصة القصيرة ، وصدرت له أكثر من مجموعة قصصية في الموصل .


24 ـ ناهض الرمضاني
تربوي وأديب مبدع ، كان وراء تأسيس مدارس الأوائل في الموصل ، عمل مدرساً خارج العراق ، وانخرط في العمل الصحافي لفترة من الزمن ، وشارك في تحرير مجلة الأطفال " بيبونة " التي صدرت في الموصل عام " 2014 " وهو من أبرز كتاب المسرح في الموصل ، فازت العديد من مسرحياته بجوائز عربية هامة ، وعرضت مسرحيته " أمادو " في هولندا ، بل وحضر عرض المسرحية بدعوة من الفرقة التي أخرجتها ، وبالإضافة إلى ذلك كتب القصة القصيرة ، وكذلك الرواية ، كما كتب قصصاً ورواية للأطفال وهو بذلك كاتب شامل ومبدع .

25 ـ حسن فاشل
هذا الفنان المبدع ، العاشق للفن ، لم يكن فاشلاً ، وعند لقائي به لأول مرة ، قرب محله في سوق الصاغة ، قلتُ له : أنا لا أوافقك على اسمكَ هذا ، فأنت في الحقيقة حسن ناجح ، وليس حسن فاشل .
والفنان حسن ، فنان عصامي شامل ، فقد وقف على خشبة المسرح ، وأمام كاميرات التلفزيون ، وكذلك تحت أضواء السينما ، بدأ على المسرح في عام " 1957 " في مسرحية " أنا الدكتور " ، وشكل مع الممثل الكوميدي عبد الواحد إسماعيل فرقة مسرحية أسمياها " فرقة النصر " ، قدم من خلالها عدة مسرحيات من تأليفه وإخراجه .
ولحبه الشديد للسينما ، اشترى كاميره " 8 ملم " وصور بها عدة أفلام من تأليفه وإخراجه وتمثيله ، وشارك في عدة أفلام سينمائية منها ، اليتيم ، طريق الشر ، وشارك في عدة فرق هامة منها ، فرقة نينوى للتمثيل ، وفرقة الرواد ، وشارك من خلالهما في التمثيل والإخراج والتأليف ، وكذلك شارك مشاركة فعالة في معظم الأبريتات التي قدمت خلال مهرجانات الربيع ، طوال أعوام عديدة ، ولعل أبرز وأهم مساهمات الفنان حسن الفنية ، كانت كتاباته المبدع ، وتمثيله مع صنوه الفنان الكوميدي نجم عبد الله ، للقطة الكوميدية النقدية اللاذعة ، والتي يمكن أن يعد فيها رائدا مبدعاً في مجال التمثيلية القصيرة جداً .

26 ـ بيات محمد مرعي
أديب وفنان معروف ومبدع ، ولد في الموصل عام " 1963 " ، والده الأستاذ محمد حسين مرعي فنان معروف ، يلقب في الموصل " بلبل الحدباء " لجمال صوته ، وكان يعمل في النشاط المدرسي ، الذي صار فيه نجله بيات فيما بعد " مديراً ، والأديب الفنان بيات ، قاص ، وكاتب مسرحي ، وممثل ، ومخرج ، ومن أبرع مصممي أغلفة الكتب في الموصل ، شارك منذ عام " 1974 " في فرقة الرواد ، وفرقة نينوى للتمثيل ، وفرقة الحدباء المسرحية ، درس الإخراج المسرحي في معهد الفنون ، وشارك أثناء دراسته ممثلاً ومخرجاً في العديد من المسرحيات منها ، الجمجمة ، سور الصين ، القيثارة الحديدية ، ودرس في كلية الفنون ببغداد ، وأنهى دراسته فيها عام " 1992 " ، وشارك في الكلية ممثلاً ومخرجاً في عدد من الأعمال المهمة منها ، سالومي ، الإمبراطور جونز ، عمل مدرساً في معهد الفنون ، وكذلك في الكلية التربوية المفتوحة ، له مجموعة قصصية بعنوان " قصص ممسرحة ، وكتب عدة مسرحيات منها ، خيط من تراب ، الضباب يقظ ، الجان والمجنون ، وحلم الفناجس ، وهو فوق ذلك ، أصدر مجلة أدبية ، أخذت مكانتها البارزة بين المجلات الأدبية الموصلية والعراقية بعنوان " علامات " .

27 ـ فلاح عبد حمدون
ولد في الموصل عام 1966 ، وبدأ العمل في مجال المسرح عام 1975 ، بمشاركته في مسرحية " عودة الفارس الأخضر " ، وشارك بعدها في تمثيل العديد من المسرحيات منها ، سبارتكوس في عام 1981 ، والملا عثمان الموصلي عام 1982 ، وفوارس بني كانور عام 1983 ، والعرس الكبير عام 1985 ، وهي كلها من إخراج الفنان فارس جويجاتي ، ثم شارك في تمثيل مسرحية " رحلة بهلول " عام 1987 ، والمغول عام 2000 ، وقد كتب عدداً من المسرحيات والسيناريوهات ، من مسرحياته همس المجانين ، الاغتيال ، الجاني والمجني عليه ، والنوارس تحلق عالياً ، التي فازت بالجائزة الثانية في مسابقة محمود تيمور للتأليف والإبداع المسرحي في مصر ، ومن سيناريوهاته المهمة مسلسل المدير العام ، وسيناريو طائر من ورق ، وسيناريو ليلة الطائر ، وفوق ذلك كتب الأديب الفنان فلاح عبد حمدون القصة القصيرة جداً .


28 ـ عبد الله جدعان
مشرف تربوي في مديرية النشاط المدرسي ، من أنشط العاملين في مجال المسرح في الموصل ، فهو منذ سنوات طويلة ، يقف على خشبة المسرح ، سواء مسرح النشاط المدرسي ، أو مسرح الفرق الأخرى ، عمل ممثلاً ، وقد برع في الأدوار الكوميدية ، وعمل مخرجاً ، وفوق ذلك فهو كاتب مسرحي للكبار والأطفال ، وقد فازت مسرحياته بجوائز قطرية عديدة ، وبالإضافة إلى كل ذلك ، فهو يكتب قصصا وسيناريوهات للأطفال ، وتنشر نصوصه في العديد من المجلات الهامة ، في العراق وأقطار الوطن العربي .

29 ـ كرم الأعرجي
شاعر موصلي متميز من مواليد 1953 ، وهو كالفنان المسرحي المبدع شفاء العمر ، لم يكمل دراسته ، ورغم أن الكثيرين يعرفونه شاعراً ، وناقداً أيضاً ، إلا أنه بدأ مشواره الأول بالمسرح ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً ، وقد شارك في السبعينيات بعدة مسرحيات منها ، لن تموت فلسطين عام 1973 ، ومسرحية أرض الحقيقة عام 1977 ، ومسرحية الشهداء ينهضون عام 1979 ، وغيرها كثير ، عمل في الصحافة ، كما أن له دواوين عديدة ، وتنشر قصائده على نطاق واسع .

30 ـ هشام عبد الكريم
شاعر معروف ، حصل على الماجستير ثم الدكتوراه في التاريخ الإسلامي ، نشر قصائده داخل العراق وخارجه ، كتب للأطفال قصائد ومسرحيات ، كتب عدة مسرحيات منها ، المحتال ، الطيور ، حجارة عبد الله ، النفق ، حسن في ولاية الجوع ، وله عدة دواوين شعرية منها ، موسيقى لردم الحزن ، الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد عام 1999 ، بلقيس تبحث عن سبأ ، وصدر عن دار شهد .

31 ـ هيثم بهنام بردى
أديب مبدع من قرقوش التابعة لمحافظة نينوى ، ولد عام 1953 ، كتب القصة القصيرة ، والقصة القصيرة جداً ، والرواية ، والرواية القصيرة ، والرواية الدينية ، كما كتب للأطفال مجموعتين قصصيتين هما ، قناديل جدي ، سكاكر جدي ، ورواية عن الجاحظ عنوانها ، مع الجاحظ على بساط الريح ، وله مسرحيتان للفتيان هما ، الحكيمة والصياد ، العشبة ، وقد فازت المسرحية الأخيرة بالجائزة الثانية ، في المسابقة التي أقامتها دار ثقافة الأطفال عام " 2010 " .

32 ـ إبراهيم كولان
أديب وفنان من مدينة قرقوش التابعة لمحافظة نينوى ، مواليد " 1951 " ، عضو في نقابة الفنانين ، وعضو في إتحاد الأدباء في العراق ، يكتب القصة والمسرحية للكبار وللأطفال والفتيان ، له مجموعة قصصية بعنوان " العرافة " ، وله أيضاً العديد من المسرحيات للكبار منها ، كوميديا فنطازية ، سعيد يا سعيد ، العربة ـ 36 ، الحفيد ، الطبيب والشيطان ، القاتل والشحاذ ، حانة السيف والصولجان ، أما مسرحيات الأطفال والفتيان فمنها ، تائهان في الغابة ، سالم والمصباح ، قدمت بعض مسرحياته على المسرح ، ونشر الكثير منها في الصحف والمجلات الألكترونية .

33 ـ طلال حسن
كاتب أطفال ، عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينيات له حوالي " 35 " كتاباً ، صدرت في العراق والعديد من الدول العربية ، أشرف على عدة صفحات للأطفال في الصحف الموصلية ، التي صدرت بعد التغيير ، كما أشرف على ملحق للأطفال صدر عن جريدة عراقيون ، أصدر بالتعاون مع آخرين ثلاث مجلات للأطفال هي " قوس قزح عام 2003 ، وينابيع عام 2010 ، وبيبونة عام 2014 " ، كتب القصة والمسرحية للكبار ، كما كتب للأطفال والفتيان القصة والسيناريو والمسرحية والرواية ، كتبت عنه ثلاث رسائل ماجستير ، وثلاث أطروحات دكتوراه ، كما صدر عنه ثلاث كتب الأول للأستاذ غانم البجاري ، والثاني للدكتور فيصل قصيري ، والثالث للدكتورة رائدة عباس .



الفهرس
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ المقدمة 2
2 ـ ما قبل البداية 5
3 ـ البداية 9
4 ـ خطوة إلى أمام 13
5 ـ عز الدين ذنون 17
6 ـ خطوة كبيرة 21
7 ـ مراكز الشباب 25
8 ـ معهد الفنون الجميلة 29
9 ـ غابة اليوتوبيا 35
10 ـ فرقة مسرح الجامعة 39
11 ـ الجمهور المسرحي في الموصل 43
12 ـ كتّاب المسرح في الموصل 47








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش