الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعادة وفلسطين في كتاب الجمر والرماد هشام شرابي

رائد الحواري

2024 / 3 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


سعادة وفلسطين
أعتقد أن إيمان "شرابي" "بسعادة" وفكره يعود إلى نظرته لفلسطين، "فسعادة" كتب عن فلسطين هو في بداية العشرين من عمره: "يعود اهتمام سعادة في القضية الفلسطينية إلى شبابه الباكر عندما كان في البرازيل، كتب أول مقال حول القضية الفلسطينية سنة 1925 وهو في الحادية والعشرين من عمره، أي قبل تأسيس الحزب بسبع سنوات، يعتبر فلسطين جزءا لا يتجزأ من الوطن السوري ولا يفرق بين لبنان وسوريا وفلسطين وشرق الأردن" ص84، هذه الشاهدة على نبوغ "سعادة" ونظرته الثاقبة للمسألة الفلسطينية، أسهمت في توثيق العلاقة بين الكاتب و"سعادة" الذي أستطاع تحلل المسألة الفلسطينية بطريقة موضوعية وواقعية.
وينقل لنا "شرابي" شيئا مما قاله "سعادة" عن فلسطين: "إن جهادنا يستمر ويجب أن تذكروا دائما أن فلسطين السورية، وأن هذا الجناح الجنوبي، مهدد تهديدا خطرا جدا، إن إرادة القوميين الاجتماعيين هي إنقاذ فلسطين من المطامع اليهودية ومشتركاتها.
لعلكم ستسمعون من سيقول لكم أن في إنقاذ فلسطين ضعفا لبنان واللبنانيين وأمرا لا دخل للبنان فيه، أن إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أم شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم، أن الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات" ص74و75، نلاحظ أن ما نوه إليه سعادة في خطابه هو القطرية والتجزئة التي وضعها الاستعمار، معتبرها جزءا من المخطط الاستعماري الصهيوني على سورية وعلى فلسطين، وهو بهذا التناول لا يعري الحركة الصهيونية فحسب، بل الاستعمار الغربي والكيانات السورية التي تحافظ على التجزئة ولا تنظر إلى حقيقة الخطر المحدق بسورية كلها.
وبما أن "شرابي" كان قريب جدا من "سعادة" ويعرفه عن قرب، فقد كتب عما شاهده وعرفه عنه قائلا: "فقد كانت القضية الفلسطينية بالنسبة إليه القضية القومية الأولى، أعطاها من فكره أكثر مما أعطى أي موضوع آخر، وبالأخص في السنتين الأخيرتين من حياته"ص82و83، من هنا نستنتج أن فلسطين بالسبة لسعادة كنت الهم الأول له، منذ بداية نشأته حتى استشهاده، فقد كان من أوائل المبادرين لكشف حقيقة الخطر الصهيوني على سورية عامة وفلسطين خاصة، ودور كيانات التجزئة في التآمر على سورية وجنوبها.
وعندما داهم الخطر فلسطين أصدر بلاغا كقائد للحزب السوري القومي الاجتماعي هذا القرار: " أني أعلن أن القوميين الاجتماعيين هم اليوم في حالة حرب من اجل فلسطين.
على الجميع نظار التدريب والمدربين أن يحصوا القوميين الاجتماعيين جرائد جرائد.
على جميع المنفذيات العامة والمديريات التابعة لها فتح سجلات تطوع للذين يريدون الانضمام إلى الجيش القومي الاجتماعي ليحاربوا تحت راية الزوبعة" ص87، وهذا يؤكد شهادة "شرابي" عن وعي وإدراك "سعادة" لخطورة انفراد الحركة الصهيونية بفلسطين وأثر هذا الخطر على سورية والأمة السورية.
عندما أصدر "سعادة" تعليماته لأعضاء الحزب للتطوع كان يعلم أنه يفتقر للسلاح، ومع هذا لم يبخل به ليقوم الحزب بدوره في الدفاع عن فلسطين التي أعتبرها أهم مسالة سورية.
قلنا إن "سعادة" أدرك أن الكيانات السورية والعربية التي أنشأها الاستعمار ما هي إلا أدوات لخدمة المشروع الاستعماري الصهيوني في سورية، هذه الحقيقة قالها "سعادة" بوضوح: "الكل يريد الحرب، نحارب بايش؟ جيش الإنقاذ قيادته إقطاعية، والملك عبد الله لا يريد أن يتعاون معنا، ولا يوجد بأيدينا لا سلاح ولا مال.
أن الحرب في فلسطين لم تكن حربا مع اليهود، أن الجيوش السورية والعربية والمصرية التي زحفت على فلسطين زحفت لا لتحارب اليهود قط، بل زحفت لتحارب أهل فلسطين في أرض فلسطين... أن الحرب في فلسطين كانت نزاعا بين دويلات على ما تبقى من فلسطين وليس على ما أخذ اليهود من فلسطين"" ص88 -90، لهذا كانت التآمر على "سعادة" وعلى الحزب السوري القومي الاجتماعي من كافة الكيانات المحيطة بفلسطين، الملك فاروق، الملك عبد الله، وحسني الزعيم، رياض الصلح وبشارة الخوري" حيث كانوا مجرد أدوات في يد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، فحجم الضربة التي تلاقها "سعادة" والحزب كانت شديدة جدا، وهذا يعود إلى حجم الخطر الذي استشفه الاستعمار على مصالحه والأدوات التي وضعها في المنطقة في حالة بقاء "سعادة" وحزبه، فكان لا بد من القضاء عليه، أو إضعافه واحتماءه بالحد الأدنى، وهذا ما كان.
"سعادة" النبيه والحكيم كان يعي ما يراد به وبالحزب: "كان قد وصل إلى قناعة تامة بأن الحزب سائر إلى الخراب أن لم يقم بالثورة" ص226، ورغم ضعف وقلة الإمكانيات قرر مواجهة الاستعمار وأدواته، فقد اتبع هذه لحكمة: "الأفضل أن يقضى علينا ونحن نحارب على أن نحافظ على وجود لا حياة ولا كرامة فيه.
هم أم نحن...التعايش بيننا لم يكن ممكنا.." ص226و227، وما ساعد الزعيم على اتخاذ قرار المواجهة وجود مصادر وعدت بدعم الحزب، منها: "حسني الزعيم الذي وعد بتقديم الدعم المادي للثورة.. وعلى الدنادشة في البقاع الذين أعلنوا عن استعداهم للاشتراك بالثورة، وعلى الأردن الذي وعد بتقديم السلاح والمعدات والذخيرة، ولم يف أحد منهم بوعده" ص227، وهذا ما يؤكد حجم المؤامرة على "سعادة" وعلى الحزب، فقد أعدم سعادة قبل مرور 48 ساعة على صدور الحكم، علما بأن القانون اللبناني يشير إلى أن أقل مدة بين إصدار حكم الإعدام وتنفيذه يجب أن تكون 48 ساعة.
قبل استشهاده وأثناء وجوده أمام القتلة قال: "أنني اعتبر أن الحكومة اللبنانية قامت بمؤامرة واسعة ضدي وضد حزبي... ولكنني أنظر إلى الذين تآمروا عليّ، وإلى الذين حكموا عليّ بالإعدام، وإلى الذين سيعدموني، نظرة ازدراء" ص238، وهذا ما يجعل "سعادة" مقاتلا ومقاوما حتى آخر رمق في حياته.
بعد هذه الفاجعة يختم "شرابي" "الجمر والرماد" بهذه الرؤية: "الطائرة تعلو رويدا رويدا فوق عمان، متجهة جنوبا، البيوت تصغر حتى تبدو بحجم لعب الأطفال، ثم تختفي ولا يبقى إلا الأرض الخالية والتلال الجرداء، أنظر إليها من خلال دموع لا أستطيع منع انسيابها.
لقد نبذتني يا وطني.. لن أرجع إليك.. لن أرجع أبدا" ص239، هذا الخاتمة تؤكد حجم المأساة التي حلت ب"شرابي" بعد رحيل "سعادة" الذي كان بمثابة المخلص والمحرر والقديس والزعيم والنبي له، فرحل برحيله، ولم يعد للوطن معنى بعد "سعادة"
الكتاب من منشورات دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1988.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها