الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الرأسمالية وثروة الأمم

إلياس شتواني

2024 / 3 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يعتمد النظام الرأسمالي بشكل أساسي على مبدأ تقسيم العمل. فاجتماع عدد معين من العمال على إنتاج سلعة معينة يستلزم وجوبا تقسيما وتركيبا ملائما لعملياتهم المختلفة. فالعامل، من هذه الزاوية، يوظّف (أو بالأحرى يبيع) كدّه وجهده للرأسمالي وذلك لتأمين وسائل عيشه وبقائه. إن تقسيم العمل بهذه الكيفية ناتج عن نزعة تليدة في الطبيعة البشرية للمقايضة ومبادلة شيء ما بشيء آخر.

لا شيء أنفع من الماء، لكنك لا تستطيع مقايضته بأي شيء (قيمة استعمالية كبيرة، لكن في المقابل قيمة تبادلية ضئيلة). وعلى النقيض من ذلك، نجد أن المجوهرات لا تكاد تكون لها أي قيمة استعمالية تذكر، لكن يمكن أن تبادل بها الكثير من السلع الأخرى. القيمة الحقيقية أو السعر الحقيقي هو الجهد والعناء المرتبطان بالشيء الذي يبتغى احتيازه. العمل وحده هو الثابت في قيمته الذاتية، وهو المعيار الحقيقي والشامل الذي يمكن لقيمة كل السلع أن تقارن به. العمل هو السعر الحقيقي؛ أما النقد فهو السعر الاسمي فقط. هذا التمييز بين السعر الحقيقي والاسمي هو ما يمكّننا فعلا من فهم خصوصيات الرأسمالية وكيفية عملها.

عملة أي بلد ومقدار ثرائه يرتبطا بشكل شبه حتمي بمرجعه؛ أي بمقدار الكمية المحددة من الذهب الخالص أو الفضة الخالصة التي ينبغي للدولة أن تمتلكها. تفترض الرأسمالية أن زيادة الدخل ورأس المال يستلزما الزيادة في ثروة الأمة. وبذلك فالطلب على العمال يزيد بشكل طبيعي وانسيابي مع زيادة ثروة الأمة، ولا يمكن أن يحدث عكس ذلك أبدا. ترتفع أجراء العمال في البلدان التي تمتلك ثروة ورأس مال كبيرين، أو البلدان التي تغتني أسرع من غيرها. فتطور المجتمع رهين بتطور حالة العمال (والذين يشكلون السواد الأعظم من المجتمع الرأسمالي).

تربط الرأسمالية العامل بالسعر النقدي للعمل، حيث يتذبذب هذا السعر من حين إلى آخر، فيرتفع أحيانا ويدنو أحايين أخرى، وذلك كله مرتبط بمبدأ العرض والطلب المحدد له. فيبدو من هنا أن أسباب ارتفاع أو انخفاض أجور العمل رهين بارتفاع رأس المال أو انخفاضه، وذلك ما يؤثر بشكل جلي على حال سيرورة المجتمع الرأسمالي ككل.

تعتبر الرأسمالية أن الكساء والمأوى، بعد الغذاء، هما الحاجتان الضروريتان للبشرية. تستطيع الأرض في وضعها المستصلح أن توفر الغذاء لعدد من البشر أكبر من ذاك الذي تستطيع أن توفر له الكساء والمأوى. من هذه المسلّمة، يؤدي استصلاح الأرض وزراعتها إلى ليس فقط تقسيم العمل، بل إلى تقسيم المجتمع إلى نصفين، فالنصف الأول يشتغل لتوفير الغذاء للكل، بينما النصف الثاني يمكن توظيفه في تلبية حاجات البشر الأخرى من كسوة ومسكن وأثاث وأهواء أخرى مشابهة.

هنا، كما لاحظ أدم سميث، تبرز على السطح مشكلة جدية. إن كان الرجل الثري يستهلك من الطعام بقدر مساوي لما يستهلكه جاره الفقير (وإن إختلفت النوعية)، "لكن قارن القصر الفسيح والخزانة الكبيرة التي يملكها الأول بالكوخ والحصر القليلة التي يفترشها الثاني، وسوف تدرك أن الفرق بين ثيابهما ومسكنيهما وأثاث منزليهما يكاد يكون على نفس القدر من الكبر من حيث الكمية كما من حيث النوعية." ثروة الأمم - المجلد الأول - ص 241. يكدَّ الفقير إذن للحصول على قوت يومه، ولكنه، للمفارقة، يكدَّ أيضا لتلبية أهواء ونزوات الأثرياء.

إن غزارة الغذاء هو السبب الرئيسي خلف الطلب الملهوف على المعادن النفيسة والأحجار الكريمة (وذلك لندرتها والجهد الكبير المطلوب للحصول عليها). يضيف أدم سميث في نفس المرجع ص 25 المجلد الأول: "ونحن عندما نتوجه إلى الآخرين لا نخاطب إنسانيتهم بل أنانيتهم، ولا نتكلم إليهم عن احتياجاتنا الخاصة بل عن منافعهم." هكذا يوضح أدم سميث ببساطة تامة "مكنون" النظام الرأسمالي وأسباب تفوقه ونجاحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني