الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية 2/1

سليم يونس الزريعي

2024 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تمهيد ..
قد يبدو الحديث الآن بعد عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة عن أزمة التعديلات القضائية التي كانت تشير بكل ما رافقها من تداعيات، إلى أن تجمع المستجلبين إلى فلسطين يعاني من حالة انقسام رأسية وأفقية وصلت للمؤسسة العسكرية، تتجه نحو انفجار عنفي بعد أن بات الشارع ميدان صراع بين المؤيدين للتعديلات القضائية ومعارضيها، هي نوع من البحث عن جمر بين الرماد. بعد أن بدا وكأن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وكانت بمثابة زلزال هز الكيان الصهيوني في العمق، قد جعل التناقض الخارجي يزيح التناقض الداخلي بعيدا إلى الخلف. قد سكبت ماء باردا على نار اشتباك التعديلات القضائية.
فكان أن بدأ الكيان أثر هذا المتغير الذي تمثل في عملية طوفان الأقصى حالة من التجييش السياسي والأمني والتحريض عبر استحضار كل مخزونهم من الحقد والكراهية والعنصرية ونزعة التفوق بهدف التغطية على الاختراق الأمني والعسكري، باسترداد المبادرة العسكرية وتحويل الزلزال إلى فرصة لترتيب وضع قطاع غزة بشكل يمنعه من أن يشكل تهديدا للكيان في المستقبل تحت عنوان إعادة المخطوفين والانتقام من حماس بإنهاء سيطرتها العسكرية والسياسية على القطاع، وهو عنوان وحد جميع القوى في الكيان، حتى بدا أن صدمة طوفان الأقصى قد تزيل التناقضات الداخلية أو قد تؤجلها لأمد أبعد.
لكن طول مدة الحرب وفشل الكيان الصهيوني في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، وبكل ما رافقها من إبادة جماعية لأهل غزة، حركت ضمير العالم. ووضعت الكيان الصهيوني مكشوفا أمام العالم في محكمة العدل الدولية، وهو الانكشاف الذي أعاد مظاهر الانقسام وإن كان أقل حدة، تحت عنوان إجراء انتخابات تشريعية وإسقاط نتنياهو، وبالطبع بقيت التناقضات التي فجرت الأحداث بعد الانتخابات السابقة كما هي؛ لأنها تناقضات لها علاقة بمكونات الأزمة البنيوية التي يعيشها الكيان مند زرعه في فلسطين عام 1948، التي هي أكثر عمقا واتساعا كونها تتعلق ببنيته المأزومة. الني ظهرتها قضية التعديلات القضائية.

وهنا ربما لا يكاد يختلف اثنان على أن تلك التناقضات التي تمظهرت في اشتباك عاشه تجمع المستجلبين اليهود إلى فلسطين على خلفية التعديلات القضائية، هي في نظر الباحثين عنوانا كاشفا ليس إلا، وهي من ثم أحد تجليات مشكلات أو صدوع التأسيس الملازمة للكيان، جراء تحوله من ميليشيات ومستوطنات إلى كانتونات وغيتوات، ومن عصابات إلى جيش، ومن جيش إلى كيان.(1)

ذلك أن أحد سمات هذا الكيان أنه تأسس في الأصل على يد غزاة من اليهود البيض الغربيين يسمون "الأشكناز" أو "يهود المسيحية"، التي تغلب عليهم التوجهات العلمانية والطّباع الغربية عموماً.
فكان أن سيطرت هذه الفئة (الأشكناز)على مفاصل سلطة الكيان سياسياً وعسكرياً منذ نشأته، وذلك في مقابل تهميش الفئات التي استجلبت من الشرقين الأوسط والأدنى وشمال إفريقيا المستوطنين اليهود، لا سيما ذوي الأصول الشرقية أو يهود "السفارديم"، كما يطلق عليهم. وقد أمِلت فئة اليهود الغربيين أن تسود ثقافة "الأشكناز" في التجمع المستجلب مع مرور الزمن.

هذا عكسَ ما توقعه دافيد بن غوريون وخطَّط له، من أن تتمكن الثقافة اليهودية "الأشكنازية" من صهر ثقافات الجماعات الاستيطانية الأخرى ودمجها في بوتقتها، ناهيك عن فشلها في طمس هوية فلسطينيي 1948.(2)
فشل الصهر نتج عنه العديد من الأزمات منها هذه الأزمة، كتجلي لتراكم عقود من التمييز بين فئات تجمع هذا الخليط البشري الذي نظَّرَ له هرتزل وبن غوريون، وأعِدت له دعاية على أنه سيكون مجتمعًا مثاليا ليهود العالم، فإذا به يتمظهر عبر الزمن في شكل تجمعات طبقية متنافرة تجتاحها حمى التمييز العنصري الذي يجمع الخبراء على أنه السبب الرئيس للانفجار.(3) وبسبب عمق الأزمة وصفها المؤرخ والأستاذ الجامعي في قسم التاريخ في الجامعة العبرية في القدس، يوفال نوح، في مقال على موقع صحيفة "هآرتس" العبرية في 2/9/2023 بـ"الأزمة الوجودية"(4)
وأحد مظاهر هذه الأزمة الوجودية حاليا هو أن الكيان الصهيوني يعيش أزمة دستورية عميقة. تتمثل في الجوهر في الصراع على السلطة بين البرلمان والسلطة التنفيذية من جهة وبين المحكمة العليا (OGH)، التي تعتبر نفسها هيئة رقابية قانونية من جهة أخرى.(5)
وهو صراع رافق تأسيس الكيان في الرابع عشر من أيَّار/مايو 1948 وفقًا للخطة المحدَّدة من قِبَل الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في تشرين الثاني/نوفمبر 1947، التي نصَّت على أن تقوم "لجنة الدستور التأسيسية" المقرَّر انتخابها للدولة اليهودية بوضع دستور لهذه الدولة.
لكن "حزب عمال أرض إسرائيل" (ماباي) الاشتراكي بزعامة دافيد بن جريون لم يكن يريد تقييد صلاحياته بمعايير قانونية أساسية.(6) فبقي الكيان دون دستور واستعيض عن ذلك بتأسيس المحكمة العليا في صيف عام 1948 من قِبَل مجلس الدولة الإسرائيلي المؤقت للإشراف على المعايير القانونية بهدف منع انتهاك القانون من قِبَل الدولة. لكن في الواقع أخْضَع قضاة المحكمة العليا أنفسهم إلى حد كبير حتى الستينيات لأولوية الأمن القومي ودعموا الحكومة حتى عندما لم تكن تتصرف بطريقة ديمقراطية.(7)
وفي حزيران/يونيو عام 1950 جرى التوصُّل إلى حلّ وسط، وذلك عندما قرَّر الكنيست إنشاء هياكل تشبه الدستور في شكل قوانين أساسية فردية. وحتى يومنا هذا أقر ثلاثة عشر قانونًا من مثل هذه القوانين الأساسية (الدستورية).(8) ومع ذلك كان اليهود الأرثوذكس المتطرِّفين على خلاف دائم مع قضاة المحكمة العليا -ومعظمهم علمانيون- وخاصةً عندما كان هؤلاء القُضاة يتدخَّلون في أحكام المحاكم الدينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا