الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كومونة باريس

مرتضى العبيدي

2024 / 3 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


علينا ألا ننسى أبدًا عمال باريس، باريس مارس 1871. لقد بنوا نصبًا تذكاريًا لا يمحى، كومونة باريس، التي أعطت لمدة 72 يومًا علامات النضال الثوري والبطولة وتركت آثارًا على الطريق الذي يجب على الطبقة العاملة العالمية أن تسلكه لتحقيق تحررها.
ففي 18 مارس/آذار من ذات العام، استيقظت عاصمة الجمهورية الفرنسية على صيحات "تحيا الكومونة" التي رددها آلاف الرجال والنساء الذين قرروا إنشاء حكومتهم، بمبادئهم السياسية الخاصة، للتغلب على الوضع الكارثي الذي قادتهم إليه الطبقات الحاكمة.
"إن بروليتاريي باريس – حسبما أعلن عليه بيان اللجنة المركزية لكومونة والمؤرخ في 18 مارس – في خضم إخفاقات وخيانات الطبقات الحاكمة، قد فهموا أن الوقت قد حان لإنقاذ الوضع من خلال أخذ زمام الأمور بأيديهم... لقد أدركوا أن واجبهم الحتمي وحقهم الذي لا جدال فيه هو أن يصبحوا أسياد مصيرهم، من خلال الاستيلاء على السلطة"[1]
لقد اتخذوا تسمية الكومونة من تقليد الحكومات الشعبية التي أنشأها الثوار الفرنسيون في عام 1792: "كانت الكومونة في الأساس حكومة الطبقة العاملة، نتيجة لنضال الطبقة المنتجة ضد الطبقة النهّابة، وهو الشكل السياسي الذي جعل من الممكن تحقيق التحرر الاقتصادي للعمل."[2]
كانت هذه أول محاولة من جانب الطبقة العاملة لإنشاء نظام اقتصادي وسياسي للعمال لإنهاء هيمنة البرجوازية. وقد جمع البرنامج الذي تم تنفيذه بين التدابير الاقتصادية والسياسية الديمقراطية وتدابير أخرى ذات محتوى اشتراكي، وكلاهما شكل ضربات مدمرة للدولة القائمة. نحن نتحدث عن الحقوق والحريات المعترف بها للمرأة، عن ملكية العمال للمصانع المهجورة، عن تخفيض أجور العمال والموظفين العموميين، عن شروط انتخاب النواب وشروط سحب الوكالة منهم، عن إلغاء عمل الأطفال، عن فصل الكنيسة عن الدولة، عن ممارسة السلطة الشعبية من خلال التجمعات في المصانع والأحياء، عن إلغاء ديون الإيجار، وإنشاء التعاونيات، وتسليح الناس للدفاع عن باريس، وإنشاء دور الحضانة في المصانع لرعاية أطفال العمال، وتنظيم المدارس وتخطيط ورش العمل لتعليم الحرف، من بين عديد التدابير الأخرى. وكانت هذه الإجراءات التي تبدو متواضعة، كما يؤكد لينين، "تشتغل كجسر يؤدي من الرأسمالية إلى الاشتراكية"، وتكتسب معنى وأهمية فيما يتعلق بـ "مصادرة ملكية النهابين".
“…من خلال تدمير آلة الدولة، يبدو أن الكومونة تستبدلها “فقط” بديمقراطية أكثر اكتمالا: إلغاء الجيش الدائم، والانتخاب الشامل لجميع الموظفين المدنيين وقابلية عزلهم. ولكن في واقع الأمر فإن هذا "الأمر الوحيد" يمثل تغيراً هائلاً من بعض المؤسسات إلى مؤسسات أخرى ذات نوع مختلف من حيث الجوهر. إننا نواجه على وجه التحديد حالة "تحويل الكم إلى كيف": فالديمقراطية، عند وضعها موضع التنفيذ بأكثر الطرق اكتمالًا وتماسكًا التي يمكن تصورها، تنتقل من الديمقراطية البرجوازية إلى الديمقراطية البروليتارية، من الدولة كقوة خاصة لقمع فئة معينة الى شيء لم يعد دولة بالمعنى الدقيق للكلمة."[3]
في كتابه "الحرب الأهلية في فرنسا"، الذي يحلل فيه ماركس ويستخلص استنتاجات حول ماهية حركة الكومونة، يقول إنها "كانت بمثابة رافعة لاقتلاع الأسس الاقتصادية التي يقوم عليها وجود الطبقات، وبالتالي، الهيمنة الطبقية. […] لقد سعت الكومونة إلى إلغاء هذه الملكية الطبقية التي تحول عمل الأغلبية إلى ثروة لأقلية. وكانت الكومونة تتطلع إلى مصادرة ملكية النهابين. لقد أرادت تحويل الملكية الفردية إلى واقع، وتحويل وسائل الإنتاج، الأرض ورأس المال، التي هي اليوم بشكل أساسي وسائل لاستعباد واستغلال العمل، إلى أدوات بسيطة للعمل الحر والتشاركي.
لم يكن لدى الكومونة الوقت الكافي لتنفيذ البرنامج الاقتصادي والسياسي الذي سيؤدي إلى القضاء على الاستغلال الرأسمالي بشكل كامل، ثم جاء رد فعل البرجوازية الفرنسية الذي أغرق الحركة في الدم. وفي 72 يوماً فقط، لم يكن من الممكن تنفيذ البرنامج بأكمله، ناهيك عن انتظار ظهور ثماره؛ ولكن ارتُكبت بعض الأخطاء أيضاً، مثل عدم احتلال بنك فرنسا ــ حيث تم تخزين مئات الملايين من الفرنكات ــ لوضعه تحت السيطرة الديمقراطية واستخدام موارده لتحقيق الصالح الاجتماعي. كتب إنجلز في عام 1891 أن «أصعب شيء يمكن فهمه هو بلا شك الخوف المقدس الذي وقف به هؤلاء الرجال باحترام على عتبات بنك فرنسا. علاوة على ذلك، كان ذلك خطأ سياسيا خطيرا للغاية. كان من الممكن أن يكون بنك فرنسا في أيدي الكومونة يساوي أكثر من عشرة آلاف رهينة. وكان هذا يعني ضغطًا من البرجوازية الفرنسية بأكملها على حكومة فرساي للتفاوض على السلام مع الكومونة.
ومن المؤكد أن هذا الخطأ عبر عن الحدود والأخطاء السياسية الموجودة لدى بعض قادتها؛ يجب ألا ننسى أنه من بين القادة الرئيسيين كان هناك برودونيون وبلانكيون (أناركيون). في أبريل 1871، قبل شهرين تقريبًا من "الأسبوع الدموي" الذي أنهى الكومونة، أرسل كارل ماركس رسالة إلى لودفيغ كوغلمان، قال فيها ما يلي: "إذا نظرت إلى الفصل الأخير من كتابي الثامن عشر من برومير، سترى أن ما أقترحه كمحاولة قادمة للثورة الفرنسية، ليس تمرير الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى، كما يحدث حتى الآن، بل هدمها، وهذا بالضبط هو الشرط المسبق لأي ثورة شعبية حقيقية في القارة. وهذه بالتحديد هي محاولة رفاقنا الأبطال في باريس».[5]
وعلى هذه الفكرة نفسها، يصر فيديريك إنجلز، في النص الذي أشرنا إليه سابقًا: «كان على الكومونة أن تدرك منذ اللحظة الأولى أن الطبقة العاملة، بمجرد وصولها إلى السلطة، لا يمكنها الاستمرار في الحكم بآلة الدولة القديمة، وأنه لكي لا تفقد مرة أخرى هيمنتها الجديدة، كان على الطبقة العاملة، من ناحية، أن تكنس كل آلة القمع القديمة التي كانت تستخدم حتى ذلك الحين ضدها، ومن ناحية أخرى، أن تحمي نفسها من آلتها الخاصة، أي من النواب والمسؤولين، مع اعتبارهم جميعا، دون استثناء، خاضعين لمبدأ لسحب الوكالة منهم في أي وقت. وينتهي النص بالكلمات التالية: “إن الدولة في الواقع ليست سوى آلة لاضطهاد طبقة من قبل طبقة أخرى، كما هو الحال في الجمهورية الديمقراطية كما في ظل الملكية؛ وفي أحسن الأحوال، فهو شر ينتقل وراثيا إلى البروليتاريا المنتصرة في نضالها من أجل السيطرة الطبقية. إن البروليتاريا المنتصرة، مثلها مثل الكومونة، لن تكون قادرة إلا على بتر أسوأ جوانب هذا الشر على الفور، في حين أن جيل المستقبل، الذي تربى في ظروف اجتماعية جديدة وحرة، سيكون قادرا على التخلص من كل قذارة الدولة القديمة هذه.
هوامش:
[1] مأخوذ من: الحرب الأهلية في فرنسا. كارل ماركس.
[2] نفسه.
[3] ف. لينين. الدولة والثورة. الفصل الثالث
[4] ف. إنجلز. مقدمة للحرب الأهلية في فرنسا.
[5] رسالة من كارل ماركس إلى لودفيغ كوغلمان، لندن، 12 أبريل 1871.

صحيفة "الى الأمام"، العدد 2087، من 20 مارس الى 2 أفريل 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس


.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي