الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوبا: الإنجازات ومفترق الطرق

دلير زنكنة

2024 / 3 / 30
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كلاوديو كاتز

معهد دراسات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للعلوم الاجتماعية IEALC
جامعة بوينس آيرس
الارجنتين

العلم والمجتمع، المجلد. 88، رقم 1، يناير 2024
مجلة للفكر و التحليل الماركسي /الولايات المتحدة الاميركية
عدد خاص بمناسبة 65 عامًا من الثورة الكوبية

ترجمة دلير زنگنة

ملخص

يستمر هوس الولايات المتحدة المدمر بكوبا بعد ستة عقود، ويستمر الحصار بنفس شدة المؤامرات المضادة للثورة. وقد اُجلت الإصلاحات الرامية إلى عكس اتجاه الاقتصاد الراكد خوفا من تقويض المكاسب الاجتماعية للثورة. ومع ذلك، لا يمكن تجنب مزيج من السوق وأشكال التراكم مجتمعة مع دور الدولة في استعادة النمو. وعكست الاحتجاجات الأخيرة هذه التوترات، التي تمكنت الحكومة من إدارتها من خلال تحييد استغلال اليمين للاضطرابات الاجتماعية. ومن شأن تجديد النظام السياسي أن يسمح بمعالجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية. إن الإنجاز المتمثل في دعم الثورة يحظى بالاعتراف الدولي من خلال تيار التضامن الإقليمي الكبير، ويتجاهله الاشتراكيون الديمقراطيون، الذين يغطون على المضايقات الإمبريالية بقناع مهذب. لقد فضحت تجربة أوروبا الشرقية زيف الوهم المتمثل في التوصل إلى نتيجة اشتراكية للأفعال التي يرعاها اليمين. يجب على النقاد اليساريين أن يقدموا بدائل قابلة للتطبيق بناءً على التجارب المعاصرة.

الكلمات المفتاحية: كوبا، الثورة الكوبية، تحديث النموذج الكوبي

1. مقدمة

منذ الستينيات، كانت كوبا الهاجس الإقليمي الرئيسي للبيت الأبيض. ولم يستغني أي رئيس أميركي عن حزمة الغزوات والمؤامرات والاعتداءات التي أعدها الموظفون الدائمون في وزارة الخارجية ضد الجزيرة. وضاعف ترامب هجومه من خلال عرقلة السفر والتحويلات [المالية]العائلية وإضافة 243 إجراء مضايقة اخرى .

ولم يعدل بايدن السياسة الخانقة التي طالب بها اللوبي في فلوريدا. وحافظ على التصنيف القانوني لكوبا على أنها "دولة إرهابية". واستأنف سحب اعتماد المسؤولين الكوبيين، ورفض حتى عام 2022 على الأقل الامتثال لحصص التأشيرات المتفق عليها.

كما أنه فضل تجديد نشر هجوم وسائل الاعلام الخاصة من خلال هندسة متطورة للأخبار المزيفة. وبعد استبعاد كوبا من قمة الأمريكتين، حاول بايدن طرد كوبا من منظمات الأمم المتحدة وضخ المزيد من الدولارات لمنظمي الحملات المناهضة لكوبا.

ويواصل الرئيس الأمريكي الحصار باعتباره استراتيجية خنق متعمدة لجعل الحياة اليومية للسكان لا تطاق. وقد تعززت هذه السيطرة خلال الوباء، مما أثر على إمدادات الأدوية إلى بلد يستورد جزءا كبيرا من الأدوية الأساسية والمدخلات اللازمة لإنتاجها محليا.

كما أعاق قانون هيلمز - بيرتون إمدادات الطاقة، مما منع الشركات التي تتاجر مع كوبا من القيام بأعمال تجارية في الولايات المتحدة. أدى هذا النوع من الخنق إلى مضاعفة تكلفة الشحن البحري ثلاث مرات وتفاقم الخلل المالي الناتج عن الحصار. وقد بلغ إجمالي هذه الخسائر بالفعل 147 مليار دولار على مدى العقود الستة الماضية (رودريغيز، 2021).

ولم يتمكن أي متحدث باسم البيت الأبيض من تبرير الحصار الذي يتناقض مع المبادئ المعلنة للتجارة الحرة. إن التلاعب اللغوي في تقديمه على أنه حظر ،لا يغير من وحشية الحصار. ويسعى الحصار إلى إثارة كارثة إنسانية، وإجبار كوبا على الاستسلام، وتقديم اي تدخل أجنبي إضافي كعمل من أعمال الإنقاذ . ولهذا السبب عرقل بايدن أيضًا التبرعات. وقد أعاد مؤخراً تسيير الرحلات الجوية وقام بتعديل الحدود المفروضة على التحويلات المالية من اجل تنظيم تدفق مهاجرين و الذي لم نشهده منذ عقود.

2. الصعوبات الاقتصادية

أدى الحصار الأمريكي إلى تفاقم القيود الشديدة التي واجهتها البلاد خلال الوباء. ومثل بقية المنطقة، كانت البلاد تفتقر إلى الموارد الكافية لتغطية عزل السكان. ومع ذلك، كان عليها أن تتعامل مع صعوبات إضافية في التمويل الخارجي بسبب عدم تسوية المدفوعات المستحقة مع الدائنين الأجانب.

كما دمر فيروس كورونا السياحة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي والمحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي. ومن أجل الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي، كانت هناك حاجة إلى 4.5 مليون زائر في عام 2020، ولكن البلاد استقبلت 1.3 مليون سائح فقط. ولم يسمح الانتعاش اللاحق لـ 2.2 مليون زائر في عام 2021 باستعادة المستويات المطلوبة لدعم أداء الاقتصاد.

وحدثت هذه المحنة أيضًا في الوضع الإشكالي الناتج عن فشل التوحيد النقدي. وكان من المتوقع أن تضع هذه المبادرة الإطار التجاري والمالي اللازم لتشجيع إعادة التنشيط المستدام. وهناك جدل الآن حول ما إذا كان هذا التوجيه النقدي مصمماً بشكل سيء أو في توقيت سيئ، ولكنه لم يحقق هدفه لأسباب مختلفة. وأدى هذا الفشل بدوره إلى تفاقم مشكلة التضخم الجديدة. وأدت العقبات أمام واردات النفط إلى تفاقم الوضع، مما أدى إلى نقص الوقود وعودة ظهور انقطاع التيار الكهربائي في وقت شهد أسوأ موسم حصاد في السنوات الأخيرة.

ولا تعبر هذه الصعوبات ببساطة عن المضايقات الناجمة عن فترات الصعود والهبوط الدورية التي يمر بها الاقتصاد. تعاني كوبا من مشكلة ركود حادة، مما منعها من تحقيق النمو المتوقع مع الإدخال التدريجي للميكانيزمات التجارية.

وتتناقض الزيادة السنوية في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% أو 2% بشكل حاد مع التوسع المأمول بنسبة 4.5%. وكان الانهيار الذي حدث خلال الجائحة (8%) حدثاً استثنائياً لا يختلف عن المتوسط الإقليمي. ومع ذلك، فإن العوائق متوسطة المدى تؤثر على الدائرة الإنتاجية بأكملها وتمثل وضعًا فريدًا .

و تشخيص هذه المشاكل معروف جيدًا. تستطيع كوبا أن تعيش على السياحة، وبيع اللقاحات، وتصدير الخدمات الطبية. ومع ذلك، إذا لم تنتج الأرز أو الفاصوليا أو اللحوم أو الخضروات، فسوف يميل الاختناق إلى إعادة تكوين نفسه بشكل متكرر. أصبحت عمليات التصنيع الأساسية ضرورية بشكل متزايد للتعامل مع اختناق القطاع الخارجي.

وهنا أيضًا تمت مناقشة الحلول، لكن تنفيذها يميل إلى التأجيل بشكل متكرر. وتنبع أسباب هذا التأخير من العواقب الاجتماعية الخطيرة المترتبة على التغييرات التي تم إقرارها بالفعل. وهناك تردد واضح في تنفيذ التحولات التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية.

ولا تعني الإصلاحات زيادة في معدل انتشار السوق فحسب. هي تعني ضمناً وجود تيار من المستثمرين يؤدي الى تعديل بنية الملكية في الدولة، مع احتفاظ الدولة بالسيطرة المالية و لكن منح إدارتها للقطاع الخاص . إن التأخير في هذه التغييرات ينبع من إمكان أن تؤدي هذه التحولات إلى عودة الرأسمالية. مثل هذه العودة من شأنه أن يؤدي إلى عكس الإنجازات البارزة التي حققتها الثورة.

وهذا التهديد يخيم على كل المبادرات الجارية. فالتوحيد النقدي، على سبيل المثال، يهدف إلى تسهيل تدفق الدولارات والحد من النقص الشديد في العملات الأجنبية. ومع ذلك، إذا لم يتم إنشاء آلية للتعويض المالي للحد من عدم المساواة الناتجة عن تدفق الأموال، فإن الفجوات الاجتماعية سوف تتسع أكثر. ومن يحصل على الدولارات سيتم وضعه على قمة الهرم في مواجهة القطاعات المحرومة من هذه الموارد.

3. المعضلات التي لا مفر منها

المعضلات التي واجهتها الثورة كانت حاضرة منذ صياغة الخطة الإصلاحية عام 2011. وقد واجهت أول اختبار لها مع تقليص الحصص التموينية“ليبريتا” الذي يضمن المستلزمات الأساسية للعائلات. واستمرت حالات عدم اليقين اللاحقة في إطار النمو المنخفض. أدى هذا الركود إلى تقييد الدخل الذي تحتاجه الدولة للتعويض عن عواقب الدور الأكثر أهمية للقطاع الخاص.

جلبت الثورة عملية كبيرة من المساواة الاجتماعية لم يسبق لها مثيل في بقية أمريكا اللاتينية. لم يتمكن أي بلد آخر، بموارد قليلة، من تحقيق المساواة التي حققتها كوبا في مجالات التعليم، أو الصحة، أو الثقافة، أو الرياضة، أو المساعدة الاجتماعية. وقد تم تأجيل الإصلاحات خوفا من تدمير هذا التراث في النموذج الجديد، الذي يعطي مركزية أكبر للسوق وأهمية متزايدة لطرائق التراكم المشتركة.

ومع ذلك، أصبح تنفيذ التغييرات متطلبًا للتحول الذي تواجهه البلاد. أدت أزمة التسعينيات إلى تعديل التجانس الاجتماعي الذي أعقب الثورة بشكل مفاجئ، ومنذ ذلك الحين، تم توحيد ثلاث دوائر متداخلة من اقتصاد الدولة والاقتصاد المختلط والتجاري.

يجمع الجزء الأول الأنشطة التي تدعمها الميزانية العامة، ويربط الثاني الاستثمار الخاص بالشركات المملوكة للدولة، والثالث يجمع القطاع الواسع من العمل الحر المجزأ والشركات الخاصة الصغيرة، التي تولد أشكالها الخاصة من الدخل.

ويضم هذا القطاع بالفعل 22% من السكان العاملين، ويعكس ركوده العرقلة التي يواجهها الاقتصاد الكوبي. ولم تتمكن من تجاوز مرحلة التكاثر البسيط، ولم تصبح محركًا للإقلاع التجاري (أورتيز، 2022). فهو يظل قطاعا محفوفا بالمخاطر، مع تطور غير منتظم وتعايش مع القطاعين الآخرين المتأثرين بنفس الافتقار إلى الديناميكية.

ومحصلة هذه النواقص هي غياب الانطلاقة المتوقعة بالإصلاحات وما يترتب على ذلك من عدم وجود مسار تراكمي يعيد تشكيل الأفق الاشتراكي (Regalado, 2021). وفي هذا النقص يكمن التناقض مع المستوى العالي من النشاط الذي حققته نماذج الصين أو فيتنام (Valdés, 2022a).

لقد شكلت هذه المخططات المسار السابق للسيناريو الدولي الذي خلقه انهيار الاتحاد السوفييتي، مع استراتيجيات تهدف إلى تجنب تكرار ذلك الانهيار. ووازن نموهم الاقتصادي هذا الخطر، لكنه ولّد تناقضات جديدة مستمدة من عدم المساواة الاجتماعية والتوتر بين الدولة والقطاعات الرأسمالية الداخلية. ويشكل هذا القولبة جزءاً من ديناميكية إقامة مجتمعات مزدهرة في الدول المتخلفة التي تتطلب معدلات نمو عالية.

كان لينين أول من أدرك هذا النوع من المعضلة وواجهه عندما شجع، في عشرينيات القرن العشرين، الاستعادة الجزئية للسوق (السياسة الاقتصادية الجديدة أو NEP) لمواجهة المحن التي فرضها العداء الدولي والعزلة للثورة الروسية. وتواجه كوبا الآن التحدي المتمثل في إيجاد مسار تنموي خاص بها، مع العلم أنه مندمج في سيناريو أميركا اللاتينية، وهو بعيد عن السياق السوفييتي القديم بقدر ما هو بعيد عن الإطار الآسيوي الحالي.

لقد ناقش الزعماء الكوبيون مفترق الطرق هذا منذ انهيار ما يسمى "المعسكر الاشتراكي" وبعد الحفاظ على ملحمة "الفترة الخاصة" ببطولة مثيرة للإعجاب. إنهم يدركون أنه لا توجد حلول سحرية قريبة.

تتعرض الجزيرة لمضايقات من قبل القوة الإمبراطورية الأمريكية بينما تشن صراعًا غير عادي ضد أصحاب الملايين في ميامي. لقد صمدت الثورة بدعم شعبي، وسارت في طريق ضيق مليء بالمصاعب والصعوبات. ومع ذلك، فهي بحاجة الآن إلى تعزيز الانتعاش الاقتصادي من خلال تنفيذ الإصلاحات المتأخرة. ويتطلب هذا المسار إتقان سيطرة الدولة، والجمع بين النمو والحفاظ على المكاسب الاجتماعية للثورة.

4. تقييم الاحتجاجات

لقد أصبحت إعادة التفكير الاقتصادي أمراً حتمياً بعد المظاهرات التي اندلعت في الشوارع، وهي الظاهرة التي لم تؤثر على كوبا فحسب، بل أيضاً العديد من البلدان الأخرى التي عندها صعوبات اقتصادية بعد الوباء. كان لهذه الحشود صدى في الأحياء التي تعاني من أكبر المشاكل الاجتماعية، وسبقها عدم ارتياح واضح في طوابير شراء المنتجات.

شهدت الاحتجاجات ثلاث لحظات مختلفة للغاية. من خلال أعمال الفنانين، ظهروا لأول مرة في 27 نوفمبر 2020، واكتسبوا شهرة مع مسيرات 11 يوليو 2021، وفشلوا في الدعوة الجديدة للتعبئة في 15 نوفمبر من نفس العام. كانت الحلقات الثلاث مختلفة جدًا في أصلها ونتيجتها.

النداء الأول كان مدفوعاً بعمل محدود من المثقفين، الذين كشفوا عن سخطهم دون اقتراح قنوات لحل مطالبهم. كانت الحركة الثانية مهمة لامتدادها وللاستياء الاجتماعي الذي عبر عنه المشاركون فيها. لم تكن أغلبية، لكنها ضمت شرائح شعبية مهمة تعاني من نقص كبير. أما الدعوة الثالثة فلم يكن لها صدى لأن القوى اليمينية قادتها بهدف لا يمكن إنكاره وهو زعزعة استقرار الحكومة. رفض الجزء الأكبر من السكان هذا النوع من العمل.

وظلت الحكومة حذرة، لعلمها باحتمال استغلال اليمين للاضطرابات الاجتماعية. ونظمت بعض المسيرات المضادة لإظهار الدعم الفعال للثورة، لكنها خففت من حدة المواجهة وأعطت الأولوية للمعركة السياسية.

واختارت الحكومة استراتيجية مزدوجة تجنبت الاشتباكات المباشرة، لكنها شملت اعتقالات انتقائية. لقد طورت رد فعل بعيدًا عن القمع البسيط بقدر ما هو رد فعل من التسامح الساذج. لقد سعت إلى الاعتراف بصدق بشدّة السياق من أجل مضاعفة رهانها السياسي (لا تيزا، 2021).

وبهذا التوجه تمكنت الحكومة من إحباط العملية التي شنتها المعارضة اليمينية لتحويل السخط إلى حلقة مدمرة للثورة. إن تأثير واشنطن المباشر على القادة (يونيور غارسيا أغيليرا، مجدييل خورخي كاسترو) والمنظمات (أرخبيلاغو، باتريا واي فيدا، إل موفيمينتو دي سان إيسيدرو)، التي قادت هذه المحاولة المضادة للثورة، واضح (فيغا، 2022).

وقد تأكد هذا الإحباط لدى اليمين خلال العام الماضي. وعلى الرغم من الظروف المعيشية القاسية، وصعوبة الوصول إلى الأدوية والغذاء والنقل والطاقة الكهربائية، فإن الخدمات اللوجستية والأموال التي قدمتها وزارة الخارجية لم تكن كافية لإعادة إنتاج حركة شوارع مهمة. ومن المحتمل أن يكون الاصطفاف الصريح للمنظمين مع مجموعات ميامي قد أدى إلى تثبيط الإقبال.
إن الانزعاج من الصعوبات التي تمر بها الجزيرة لم يؤد إلى قبول الانتقام الرجعي الذي روجت له هذه المجموعات.

لكن المشاكل لا تزال قائمة، ورفض اليمين لا يلغي الصعوبات التي ظهرت في مطالب الشارع. ربما كان القطاع الذي عبر صراحة عن قلقه في الاحتجاجات هو القطاع الجديد من العاملين لحسابهم الخاص وغير المستقرين. إنها القطاعات الناشئة في الدائرة التجارية التي لا تنطلق، وهي شرائح تفتقر إلى هويات سياسية محددة أو ذاتيات متماسكة (أورتيز، 2022).

وقد أدى تجديد مساعدات الدولة إلى تهدئة السخط الاجتماعي دون حله، في حين ظهر الآن اتجاه كبير آخر - نحو الهجرة. وتتضمن الاستجابة الاقتصادية لهذه التحديات الجمع بين الإصلاحات والتعديلات في النظام السياسي.

5. الطفرات في نفس البنية

إن ظهور حركات التعبئة في الشوارع المختلفة عن تلك التي تنظمها الحكومة تقليديًا يوضح سيناريو سياسي أكثر تنوعًا. لقد أثبتت الحكومة أنها قادرة على الاعتراض بنجاح على أولوية الشارع، لكن هذه الميزة لا تعدل التغيير الذي أحدثه عدم التجانس السياسي المتزايد.

يتسم النظام المؤسسي الحالي بالمرونة ويسمح بإدماج جميع الأطراف الفاعلة في السياق الجديد بعد تنشيطه بالدستور الجديد. وهو يعمل كبنية راسخة في السلطة الشعبية من خلال نموذج معارض للدستورية البرجوازية. وهو يعمل حول آليات تجميع متكاملة متعددة تحت قيادة الحزب.

ومع ذلك، تم تشكيل هذا النظام تحت قيادة وتحكيم فيدل كاسترو . ولعبت قيادته دورًا لا يمكن الاستغناء عنه بسبب السلطة التي مارسها على المجتمع بأكمله. نفس النظام، بعد حرمانه من تلك القيادة، لم يعد يتمتع بالضمانة القديمة ويعمل بديناميكية مختلفة. وليس فيدل وحده هو الغائب. والآن حل محل كل مهندسي الثورة جيل جديد، يتعين عليه أن يكيف النموذج السياسي مع أنماط مؤسسية أخرى.

وقد نوقشت التدابير التصحيحية وتتضمن جدول أعمال من القرارات الجماعية لتحقيق قدر أكبر من الكفاءة في الإدارة العامة، وتحقيق اللامركزية في البلديات، والفصل بين هيئات الحزب والدولة. الدستور الجديد، القانون الانتخابي ، وعنصر الاستفتاء فيه يسهل هذه التحولات، لكن فعاليتها الفعلية تتطلب التكيف الفعال للقطاعات الرائدة (Valdés, 2022b).

إن مشاركة المواطنين في الانتخابات وتحديد القضايا المطروحة للاستفتاء تؤكد وجود أساس متين لدعم هذا التكيف. لكن الثورة تحتاج إلى مشاركة أكبر من القاعدة لتجديد شرعيتها والحفاظ على استمراريتها من خلال توافق جديد. على الرغم من بعض التقدم في هذه الأجندة، فإن تناوب القادة واستيعاب الشباب في النظام السياسي لا يزالان إلى حد كبير قضايا معلقة، والتي تعالجها كوبا في ظل الصعوبات المعقدة التي يفرضها الحصار الأمريكي.

إن هذا التطويق من قبل قوة إمبريالية عملاقة يفرض حالة من التأهب الدفاعي، مما يجبر على تحمل الميزانية الثقيلة لتحديث القوات المسلحة بموارد الدولة المخفضة. فواشنطن لا تسهل فقط جميع العمليات العدوانية التي يروج لها اليمين المتطرف في فلوريدا. كما أنها تحافظ على التدخل الإذاعي والتلفزيوني وترفض مناقشة السيادة الكوبية على القاعدة العسكرية في غوانتانامو. ويتجلى حجم التهديد الإمبراطوري عندما يسمع المرء عمدة ميامي يدعو إلى تدخل البنتاغون عن طريق ضربات جوية مماثلة لتلك التي نفذت في بنما ويوغوسلافيا السابقة.

لقد أثبت النظام السياسي الكوبي قدرته على الحفاظ على وضع داود ضد جالوت لعقود من الزمن. ومع ذلك، فإن تجديد قوته يتطلب تكييف البنية السياسية الحالية مع سيناريو داخلي يتسم بتنوع متزايد في الآراء. ويتوافق هذا التنوع مع الأساس المشترك للسيادة الكوبية.

يشمل التعدد الجديد لوجهات النظر طيفًا واسعًا من التيارات السياسية الثورية - أنصار فيديل[فيديليستا]، و جيفارا [جيفاريستا]، والاشتراكيون التقليديون، والبيبستاس، والنقاد، والفوضويون - الذين يقاتلون بشكل مشترك ضد التيارات المؤيدة للرأسمالية - الوسطيين، والديمقراطيين الاشتراكيين، والليبراليين الاجتماعيين، وأنصار الإلحاق (فالديس). ، 2022 ب).

تميل هذه الصراعات السياسية إلى أن تكون شفافة في ظل النموذج الحالي للسلطة الشعبية. وهذا النظام أكثر فعالية من نظام التعددية الحزبية الذي تروج له الدستورية البرجوازية. إن التنوع الرسمي للمنظمات السياسية الذي يميز النظام الأخير يكون وهميًا تمامًا عندما تمتلك حفنة من الرأسماليين السلطة الفعالة في المجتمع. إن الحفلة التنكرية الجمهورية للكتل الموازنة عادة ما تخفي الهيمنة التي يمارسها الأثرياء مع شركائهم العسكريين والقضائيين والإعلاميين. الثورة مبنية على نموذج آخر، يميل إلى التكيف مع التحولات التي يعيشها المجتمع.

6. المناقشات والمعارك في الخارج

تتضمن المناقشات الداخلية في كوبا مجموعة معقدة من الأساليب لتحديد نطاق الإصلاحات الاقتصادية، وصورة الاحتجاجات، وتجديد النظام السياسي. على العكس من ذلك، خارج البلاد، تتخلل المناقشات مواجهات أكثر أساسية تتعلق بالطعن أو الدفاع عن الثورة. وفي أميركا اللاتينية، يفصل الانقسام الرئيسي بين أنصار دفن النظام الحالي (باتباع المسار الذي افتتح مع انهيار الاتحاد السوفييتي) وبين أولئك الذين يؤيدون دعم النموذج الحالي وتحسينه.

واحتدمت المواجهة بين الموقفين في خضم النفوذ المتزايد الذي يحققه اليمين المتطرف. جميع التيارات الرجعية مهووسة بتدمير كوبا، وقد حولت هذا الهدف إلى أجندة توجيهية للعديد من الصحفيين والمؤثرين. لقد تخصصوا في نشر الأكاذيب حول الجزيرة ومضاعفة السلوك الشرير ضد الثورة.

إنهم جميعًا يعملون تحت قيادة الجماعات الفاشية الجديدة المتمركزة في فلوريدا، والتي تحرض على الكراهية لتجديد البرنامج القديم للتدخل ضد الجزيرة. ويحتفظ هذا القطاع من البرجوازية ذات الأصل الكوبي المستوطن في الشمال بنفوذ كبير في المؤسسة الأمريكية ويشارك القوة الأولى في التطلعات الإمبراطورية.

ونظراً لقوة هؤلاء الأعداء، فإن مقاومة كوبا تحظى بالإعجاب والدعم بين القطاعات التقدمية والشعبية في أمريكا اللاتينية. في ذلك البلد، تم الحفاظ على المشروع الثوري في ظل ظروف العزلة القاسية والتآمر الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، فقد حافظوا لفترة طويلة على التحسينات في المجالين التعليمي والصحي، الأمر الذي حظي بالثناء في جميع أنحاء المنطقة.

وحتى في ظل السيناريو الدراماتيكي الأخير، أحرزت كوبا تقدما كبيرا في لقاحات آبدالا، وسوبيرانا 1، وسوبيرانا 2، فضلا عن اللقاحات والأدوية الأخرى. ستكون أول دولة في أمريكا اللاتينية تنتج التحصين ضد كوفيد-19، مما يؤكد من جديد القدرة المتطورة في السابق ضد مرض المكورات السحائية miningococcus [عدوى خطيرة تصيب البطانة الرقيقة التي تحيط بالدماغ والنخاع]. تتوج هذه النجاحات تجربة عمل طويلة في الدولة التي تضم أكبر عدد من الأطباء للفرد في أمريكا اللاتينية.

لقد كان التضامن مع كوبا مبدأ متماسكاً لأغلبية اليسار في أمريكا اللاتينية، الذي راكم خبرة طويلة في العمل لدعم الثورة. وقد حدثت مظاهرات دعم مهمة في العديد من مدن أمريكا اللاتينية في العامين الماضيين. وساهمت هذه المسيرات في إرسال رسالة تشجيع لاستمرارية المقاومة التي طورها الكوبيون أنفسهم.

ويمتد نفس التضامن إلى إدانة الحصار الذي يخنق الحياة اليومية في الجزيرة ويجعل من الصعب تنفيذ الإصلاحات. وأي سياسة اقتصادية للتغلب على مشاكل البلاد تتطلب القضاء على هذا التحرش الخارجي. في عام 2023، ولمدة 31 عامًا على التوالي، صوتت الأغلبية الساحقة من الدول الممثلة في الأمم المتحدة لصالح رفع الحصار الأمريكي عن كوبا (مع المعارضة الوحيدة للولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع أوكرانيا عن التصويت). لكن تكرار التصويت بالأغلبية الساحقة ضد هذا الحصار في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس كافيا. هناك حاجة إلى ضغط مستمر ومعمم لثني ذراع الإمبريالية.

يعد هذا الدعم الإقليمي لكوبا أيضًا بمثابة عمل انتقامي للثورة التي ساهمت في استمرارية اليسار في أمريكا اللاتينية. حيوية هذا الفضاء، على عكس ما حدث في مناطق أخرى من الكوكب، ترجع إلى حد كبير إلى ديمومة المشروع الاشتراكي على بعد 90 ميلا من ميامي. إن التناقض مع ما حدث في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي يعكس الجاذبية الإقليمية التي تتمتع بها كوبا.

وقد أثار هذا النفوذ تعاطف بعض الرؤساء والعديد من المسؤولين في المنطقة. وهم يرون في كوبا دفاعاً مثالياً عن السيادة، وهو ما تفتقر إليه أغلب دول المنطقة. ولهذا السبب أعلن لوبيز أوبرادور أنه ينبغي إعلان الجزيرة "تراثًا تاريخيًا للإنسانية" واعتمد تدابير جديدة لتعزيز التضامن.

7. الخداع الاشتراكي الديمقراطي

إن الحزم الذي أظهره معظم اليسار في أمريكا اللاتينية في كوبا يتناقض مع التكيف مع المضايقات الإمبريالية السائدة بين الاشتراكيين الديمقراطيين. ولا يشارك تيارهم السياسي في أعمال التضامن وينضم إلى كل الانتقادات التي تروج لها المؤسسة الإقليمية ضد الثورة.

رسالة بعض المثقفين التي تنتقد المنظمات التي رفضت دعم الاحتجاجات هي مثال على هذا الاستسلام (Comité -dir-ectivo de CLACSO، 2021). لقد انتقدوا بشدة "الحكومة الاستبدادية" (Diario de Cuba, 2021)، متجاهلين الطريقة المدروسة التي ردت بها الحكومة الكوبية على الاحتجاجات (في تناقض حاد مع الطريقة التي اتبعتها، على سبيل المثال، فرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة في تعاملها مع المتظاهرين مؤخرًا)، والمضايقات الوحشية التي تعرضت لها الجزيرة، وما يترتب على ذلك من حق لها في الدفاع عن سيادتها.

ويفضل بعض مفكري الاشتراكية الديمقراطية اخذ مسافة متساوية من ميامي وهافانا، ويرجعون المشاكل التي تواجهها كوبا إلى التعصب الذي ينشره المتطرفون على الجانبين. ومع ذلك، فإنهم يضعون على نفس المستوى موقفين غير قابلين للمقارنة. إن المعتدي الإمبراطوري الأمريكي القوي لا يتسامح مع التحديات على بعد بضعة كيلومترات من حدوده.

كما أن هذه الأيديولوجيات السياسية نفسها تنظر إلى الحوار بين الحكومة والمعارضة باعتباره القناة الأساسية لحل الصعوبات التي تواجهها كوبا. ومع ذلك، فإنها لا توضح جدول الأعمال والإطار السياسي لهذه المحادثات. في الواقع، هي تعمل على تعزيز تفكيك البنية المؤسسية للبلاد.

وهم يخفون هذا الهدف بتمجيد طقوس "المجتمع المدني"، ولكنهم يدافعون عن نزع سلاح النظام الذي جعل من الممكن مقاومة الإمبريالية. وهم يتجنبون تسجيل وحشية مخططات اليمين، ويستبعدون الخطر الذي تشكله هجماتهم وكأن لا وجود لدليل على المؤامرات التي تم تنظيمها من ميامي. علاوة على ذلك، فإنهم يفترضون أن الحصار ليس سوى مشكلة واحدة من بين مشاكل أخرى كثيرة، متجاهلين العواقب المدمرة لهذا الحصار.

هذه النظرة الاشتراكية الديمقراطية المنفصلة تقلل من شدة التهديدات الإمبريالية. وتتجاهل أهمية التمويل الخارجي الذي تتلقاه المعارضة. إنها تفترض أن النضال المكثف من أجل الدفاع عن كوبا يمكن أن يتم بروح ودية من اللطف الجمهوري. إنهم يتجاهلون بروز جناح يميني متطرف جديد وتصميمه على هدم الثورة. وبما أن هذا السيناريو الفج لا يتفق مع رسائلهم المعسولة، فإنهم يلجأون إلى كل أنواع الغموض في تأملاتهم حول الجزيرة.

كما أن وجهة النظر الاشتراكية الديمقراطية تتفاعل أيضًا مع المسار البطولي للثورة. وأحياناً تسخر من "الرواية الكوبية التي بناها اليسار"، وتعتبر المواجهة مع الإمبريالية أمراً عفا عليه الزمن. وينسجم هذا الموقف مع عالم المنظمات غير الحكومية المريح، لكنه فقد الاتصال بواقع المنطقة (كوهان، 2021).

8. التشابكات و التناقضات

يميل الاشتراكيون الديمقراطيون إلى إلقاء اللوم على حكومة كوبا في الاضطرابات الاجتماعية واعتبارها مهندس (أو شريك) التغيير الذي يدعم استعادة الرأسمالية.

ويعتقدون أن إعادة الراسمالية هذه قد اكتملت بالفعل وأن الاحتجاجات المسجلة في الجزيرة تشبه أي انتفاضة شعبية أخرى في أمريكا اللاتينية (سورانز، 2001). ويعلن البعض حماسه لهذه الأعمال، ويلاحظ في تطورها الجرثومة المحتملة لحركية اشتراكية. إنهم يلمحون هذا الامر في الاشمئزاز ضد الرأسمالية المعبر عنها في التساؤلات حول “المتاجر الخاصة” (Altamira، 2021).

ومع ذلك، لم يوضحوا في أي وقت ما هي العلاقة بين هذه الأحداث و التطور المناهض للرأسمالية. كما لم يعطوا [امثلة] سوابق لعمليات من هذا النوع في أي بلد في العقود الماضية. وتوضح تجربة تلك الفترة نتائج معاكسة لتلك التي تصورها هؤلاء المؤلفون. ويكفي أن ننظر إلى ما حدث في روسيا أو أوروبا الشرقية لكي نقيم ما حدث بشكل أكثر منطقية. لم يؤد أي احتجاج في تلك المنطقة إلى تجديد الاشتراكية. بل على العكس من ذلك، فقد استبقوا جميعا عودة الرأسمالية ودفن المشروع الاشتراكي لفترة طويلة من الزمن.

إن خطر تكرار تلك التجارب المريرة في كوبا واضح، والقوى الداعمة لمثل هذا التكرار تحت رعاية الولايات المتحدة نشطة للغاية. إنهم يروجون لتمجيد "المجتمع المدني" بنفس اللغة الإنسانوية التي استبقت في تلك البلدان موجة الليبرالية الجديدة . وخرجت حكومات اليمين المتطرف الحالية في أوروبا الشرقية من تلك الموجة.

تدرك بعض الرؤى الأكثر واقعية هذا الاتجاه التراجعي المحتمل وتدعو إلى مواجهته دون اقتراح كيفية تطوير مثل هذا الترياق. وبدلاً من ذلك، فإنهم يعتبرون أن انتصار الثورة المضادة أمر لا مفر منه نسبيًا في السياق الحالي للاوضاع المعادية الدولية (ساينز، 2021). ويطالبون بمحاربة هذا النفوذ دون الإشارة إلى أي مسار فعال لذلك. في الواقع، يقترحون أنه سيتعين على الجماهير أن تمر بتجربة مروعة لقيادة يمينية لإعادة اكتشاف مزايا الاشتراكية لاحقًا.

بمراجعة ما حدث في العقود الأخيرة، فإن اقتراح السير مع اليمين على طريق مشترك ما مؤدي في النهاية إلى الاشتراكية ،ليس له مصداقية. ولا يصر أنصاره كثيرًا على ترويجه، ويقتصرون في شروحاتهم على وصف الحقائق، معترفين بالإدارة الإمبريالية للمعارضة. ومع ذلك، فإنهم لا يقبلون أن يكون الدفاع عن كوبا أولوية في مواجهة المضايقات الأمريكية. لا يمكن تطوير هذا الدعم إلا في معسكر الثورة نفسه، وليس على الجانب الآخر أبدًا (كاتز، 2021).

9. البدائل والحالات الذهنية

وتفترض مجموعات يسارية أخرى توجهات أكثر توازنا، ولكنها تنتقد الحكومة الكوبية بنفس القدر. وهم يعتبرون أن كوبا واجهت الحصار ببطولة غير عادية، متجنبة استعادة الرأسمالية التي يفهمون أنها ستكتمل في بقية أنحاء الكوكب. ويعتبرون أنه قد سادت في كوبا إدارة بيروقراطية لا تزال بعيدة عن الرأسمالية (الأمانة الموحدة 2021).

ومع ذلك، فإن هذا التوصيف يحتوي على طلاق صارخ بين العبارات والاستنتاجات. إذا تمكنت منطقة صغيرة في منطقة البحر الكاريبي من الحفاظ على المشروع التاريخي للاشتراكيين (الذي تخلى عنه آخرون من اماكن اخرى)، فسيكون من المناسب فقط تهنئة المهندسين المعماريين على هذا العمل الفذ. وكان بإمكانهم مقاومة موجة الاستعادة بموارد ضئيلة وفي عزلة دولية كبيرة. مثل هذا العمل الفذ يستحق رسالة إعجاب، لأنه ما قيمة أي انتقاد في مواجهة مثل هذا الإنجاز العملاق؟ إن التضامن السائد في اليسار في أميركا اللاتينية يخضع في واقع الأمر لحدس من هذا النوع.

على العكس من ذلك، فإن الرؤية النقدية الحذرة تظهر نفاد صبر كبير في ظل غياب مسار أكثر سرعة للتطور الاشتراكي. لكن مثل هذا المسار ينطوي على رحلة طويلة لا تستطيع كوبا اجتيازها بمفردها. إن أولئك الذين أكدوا مراراً وتكراراً على "استحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد" يفترضون أحياناً أن هذا الهدف يمكن تحقيقه في زاوية صغيرة من منطقة البحر الكاريبي.

لقد تم التأكيد بشكل كبير على الطبيعة المطولة والمعقدة للانتقال الاشتراكي في المناقشات الداخلية في البلاد. إن استخدام مصطلح الثورة بأحرف كبيرة يشير في حد ذاته إلى هذه المسيرة الطويلة ، على عكس التفسير الحالي لهذا المفهوم باعتباره حدثًا بغيضًا ، وقتيًا ومحدودًا بتغيير النظام الاجتماعي.

وتهدف الانتقادات أيضًا إلى وضع مشاكل كوبا على مسألة غياب ديمقراطية اشتراكية حقيقية. ويعزى سوء الإدارة الخطير للاقتصاد إلى هذا النقص. ومع ذلك، ظلت الاعتراضات من هذا النوع مستمرة في التاريخ الداخلي للثورة، حيث لا أحد يجهل العواقب السلبية للبيروقراطية، وعدم الإنتاجية، وعدم الفعالية في قطاعات لا حصر لها من الحياة الاقتصادية.

لكن التجربة أثبتت أيضاً عدم وجود حلول فورية لهذه السلبيات. إن مجرد توسيع أو تعميق الديمقراطية لا ينتج حلولاً للمعضلات الاقتصادية. إن نموذج "الاشتراكية مع الديمقراطية" يصبح عبارة فارغة عندما يتهرب من المقترحات الملموسة لحل الصعوبات. ولا ترتبط هذه العلاجات ببساطة بتوسيع السيادة الشعبية.

تواجه كوبا، على سبيل المثال، حاجة ملحة إلى النقد الأجنبي، ويؤدي امتلاكه إلى توليد التفاوت الاجتماعي المصاحب للتحويلات المالية، والسياحة، والاستثمار الأجنبي. فكيف يمكن لتوسع الديمقراطية أن يحل هذه المعضلة؟ لا يقدم مؤيدو هذا الحل إجابات على هذا السؤال.

في بعض الأحيان، يلمحون إلى سيطرة العمال على الإدارة باعتبارها الإجراء التصحيحي العظيم، لكنهم لا يوضحون كيف ستعمل هذه الآلية. فكيف سيكون الأمر، على سبيل المثال، في قطاع السياحة الذي يوفر الدولارات؟ هل ستحدد كل شركة كيفية إدارة العملة الأجنبية التي تحتاجها الدولة بأكملها؟ فهل هناك أي سابقة دولية لتقييم مثل هذا المخطط؟

من مزايا هذا الرأي هو التأكيد على أهمية التعاونيات. ومع ذلك، لا يوجد نموذج اقتصادي في أي بلد يتطور حول هذه الجمعيات . وهي تعمل دائمًا كنماذج تكميلية لهياكل اقتصادية أكثر أهمية ، وتتم معالجة القرارات الإستراتيجية في هذا المستوى الثاني.

من خلال تجنب تقييم النماذج الوطنية الملموسة للتنمية المعاصرة، تفتقر هذه النظرة النقدية الضعيفة إلى مراجع حقيقية للتعديلات التي تتصورها لكوبا. وبهذا الإغفال، توضع كل المناقشات في عالم التجريد والنوايا الطيبة. وإذا لم يكن هناك ما يمكن تعلمه من أي دولة (الصين؟ بوليفيا؟ فيتنام؟)، فمن المستحيل أن نتصور حلولاً لمفترق الطرق الذي يواجه الجزيرة.

من المؤكد أن كوبا لم تنجح في صياغة نموذج يجمع بين السوق والاستثمار الرأسمالي والتخطيط الاشتراكي. لكنها على الأقل تختبر ذلك المسار، مسجلة استحالة تجاوز الأزمة الحالية بمسار آخر يحافظ على أفق مجتمع المساواة. لا شك أن هذا المسار مثير للإشكاليات، لكنه يوفر على الأقل طريقًا يجب اتباعه.

على العكس من ذلك، فإن عدم وجود إجابات وبدائل يثير التشاؤم واليأس، وهو ما يظهر بوضوح في بعض سجلات أو تجارب الجزيرة. لكن الثورة لم تقر قط الاستسلام في مواجهة الصعوبات. لقد كانت دائما ركيزة للقناعات والآمال المميزة للمناضلين من أجل الاشتراكية.

من الممكن إثراء هذا التقليد من خلال المساهمات في البدائل التي تعمل كوبا على تطويرها في ظل السيناريو المتشنج الذي تشهده أمريكا اللاتينية. وبما أن هذا السياق لا يزال مشروطًا بالسياسة الإمبراطورية، فإن هناك حاجة إلى مزيد من التحليل للأسس الأيديولوجية لهذه السياسة. وهناك حاجة أيضًا إلى تحليل خاص، وهو مدى قدرة السياق الجيوسياسي الحالي في أمريكا اللاتينية، مع المد اليساري الجديد الذي يتحد مع التحديات التي يواجهها "النظام القائم على القواعد" الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ، من قبل روسيا والصين، على فتح فرص جديدة لكوبا.

معهد دراسات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للعلوم الاجتماعية IEALC
الأرجنتين
[email protected]

مراجع

Altamira, Jorge. 2021. “Cuba en la encrucijada.” July 13. https://politicaobrera.com /5194-cuba-en-la-encrucijada

Comité -dir-ectivo de CLACSO. 2021. “Carta a entidades donantes y contrapartes de CLACSO por declaración sobre CUBA.” https://www.change.org/p/instituciones -donantes-y-contrapartes-de-clacso-carta-a-entidades-donantes-y-contrapartes-de -clacso-por-declaraci%C3%B3n-sobre-cuba

Diario de Cuba. 2021. “Intelectuales critican la declaración de CLACSO sobre las protestas en Cuba: ‘maquilla a un Gobierno autoritario’.” https://www.facebook .com/DIARIODECUBA/posts/diariodecuba-clacso-y-otras-organizaciones-se -solidarizaron-no-con-el-pueblo-rep/10161341585067796/

Katz, Claudio. 2021. “Cuba inclina la balanza de América Latina.” Jacobin. https:// jacobinlat.com/2021/07/19/cuba-inclina-la-balanza-de-america-latina/

Kohan, Néstor. 2021. “¿Cuáles son las instituciones contrainsurgentes que operan en la cooptación de intelectuales?” http://www.cubadebate.cu/especiales/2021 /11/12/nestor-kohan-cuales-son-las-instituciones-contrainsurgentes-que-operan -en-la-cooptacion-de-intelectuales/

La Tizza. 2021. “La respuesta debe ser ampliar y fortalecer el poder popular.” https:// medium.com/la-tiza/la-respuesta-debe-ser-ampliar-y-fortalecer-el-poder-popular -1f3ad7101381

Ortiz Betancourt, Leyner Javier. 2022. “Las masas en julio.” https://medium.com/ la-tiza/las-masas-en-julio-2902cc3af2d1

Regalado, Roberto. 2021. “Doble filo del bloqueo (I).” La Tizza. April 20. https:// medium.com/la-tiza/doble-filo-del-bloqueo-i-cc941c630d7e

Rodríguez, José Luis. 2021. Evolución de la economía mundial y su impacto en Cuba. Ha- vana, Cuba: CIEM. http://obela.org/system/files/CIEM%20Resumen%20sobre %20la%20evoluci%202021%29%20%20%20AGOSTO%202021.pdf

Sáenz, Roberto. 2021. “Cuba, un debate estratégico en la izquierda.” https:// izquierdaweb.com/cuba-un-debate-estrategico-en-la-izquierda/

Secretariado Unificado de la IV Internacional. 2021. “El 11 de Julio y la crítica de la izquierda marxista internacional (1ra parte).” July 22. https://www.comunistascuba .org/2021/07/el-11-de-julio-y-la-critica-de-la.html

Sorans, Miguel. 2001. “Por qué protesta el pueblo cubano?” https://uit-ci.org/index. php/2021/07/21/por-que-protesta-el-pueblo-cubano/

Valdés Paz, Juan. 2022a. “Lo que nos queda es la política social de la Revolución.” La Tizza.

October 2. https://medium.com/la-tiza/lo-que-nos-queda-es-la-pol%C3%ADtica- social-de-la-revoluci%C3%B3n-9612fd607d5f

Valdés Paz, Juan. 2022b. La política tiene horror al vacío, 10-1-2022, https://medium .com/la-tiza/la-pol%C3%ADtica-tiene-horror-al-vac%C3%ADo-448746d452aa

Veiga, Gustavo. 2022 “¿La campaña 2.0 por el 11 de julio llegará a las calles de Cuba?” https://www.pagina12.com.ar/435986-la-campana-2-0-por-el-11-de-julio-llegara
-a-las-calles-de-cu








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف