الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة والموت... آراء وأفكار

ثائر البياتي

2024 / 3 / 31
الطب , والعلوم


تُعرَّف الحياة على انها الحالة التي تميز النباتات والحيوانات عن سواها من الكائنات، وتشمل المقدرة على: التنفس والتغذية والنمو والحركة والتكيف والتكاثر والتطور وأخيراً الموت. ويُعَّرفْ الموت على أنَّه توقف الكائن الحي، ومنها الإنسان عن أداء وظائفه الحياتية، كتوقف القلب عن ضخ الدم في الأوعية الدموية التي تغذي أعضاء الجسم، وتوقف الدماغ عن نشاطاته، وبالتالي لا يُحتمل عودة الحياة للجسد الميت.
شغلتني مسألتي الموت والحياة الثانية، منذ مرحلة الشباب، وزاد إنشغالي بهما بعد رحيل والدي، قبل أربعين سنة. ولا أدعي أنني الوحيد الذي انشغلتُ بهذه المسائل التي حَيَّرتْ الإنسان منذ القدم، فتناولتها الأساطير عبر العصور وكتبَ عنها المفكرون في مختلف الأزمان واخذتها الأديان في كل الحقب، وتبعاً لذلك تباينتْ المعتقدات والمذاهب. وأصبحَ البعض يعتقدون من خلال أديانهم بوجود إله (خالق الكون) وحياة ثانية، والبعض الأخر لا يعتقد بوجود خالق ولا بحياة ثانية، والغير لا يعتقد بوجود خالق، ولكن يعتقد بحياة ثانية.
وينبغي أن أؤكد الفصل بين خالق الكون وإله الأديان الذي سيظهر في المقال. والمقصود بخالق الكون، معتقد الفلاسفة وغير المتدينين بوجود قوة خفية وراء اسرار الكون وتكوينه. وأما إله الأديان، فإنه يظهر في دعوات الرسل والأنبياء، وربما يختلف من دين الى آخر. وقد يتطابق مفهوم خالق الكون مع إله الأديان في بعض الأديان. وليس هناك دليل علمي أو فلسفي قاطع على مسألتي وجود إله (خالق) الكون أو إله الأديان، والأمر متروك لمعتقدات الناس وليس موضوع مقالي الذي سأذكر فيه عن معتقدات تخص الحياة الثانية، وهي موجودة في ثقافات مختلفة. وفي الخلاصة أرى أنَّ الإعتقاد بحياة ثانية وهم، لا يسنده منطق، وإحتمال نجاة وعي أو حياة بعد الموت خرافة، لا يدعمها علم.
تجلى الصراع بين الحياة والموت في أقدم أساطيرالإنسان، كملحمة كلكامش التي فشل بطلها في الحصول على عشبة الخلود، وأستسلم في النهاية الى حقيقة الموت. وتُعتبرالملحمة، من أكثر الأساطير التي اثرتْ في ثقافة الشرق والغرب، ولكنها خلتْ من الإيمان بحياة ثانية. ومن المعتقدات الشرقية التي أمنتْ بوجود حياة ثانية وخالق للكون الأديان الأبراهيمية، ومنها: المندائية واليهودية والمسيحية والإسلام مثلاً، وكلها استوحتْ قصصها من أساطير حضارة بلاد ما بين النهرين والبلاد المجاورة. وفي بلاد فارس مثلاً، أنتشرتْ الديانة الزرادشتية، ومن معتقداتها الإيمان بحياة ثانية وجنة ونار. وفي مصر أعتقد الناس بحياة ثانية أيضاً، وهذا ما دفعهم لبناء الأهرامات قبوراً لملوكهم، وابتكروا التحنيط حفاظاً على أجساد موتاهم، تحسباً للحياة الثانية. ولم تتحدد ظهور معتقدات الحياة والموت بدول الشرق فقط، بل ظهرتْ في مناطق آخرى من العالم.
ساد الإعتقاد عند اليونان والرومان، بآلهة متعددة وبوجود حياة ثانية، ودفنوا موتاهم مع كنوزهم على الطريقة المصرية. وفي الصين انتشر الدين الكونفوشوسي وتمحورتْ أفكاره حول الآخلاق العامة والآداب وادارة الحكم، ولا مكان في معتقداته لحياة ثانية أو لخالق الكون. وفي الجزر اليابانية، أنتشر الدين الشنتوي، وليس في معتقداته وجود حياة ثانية ولا خالق للكون، بل هناك آلهة متعددة، تتمثل في قوى الطبيعة كالريح والشجر والحجر وما شابه، وتندمج أرواح الناس بعد مماتهم بالروح الكلية للطبيعة. وفي الهند لم يعتقدْ الناس بوجود خالق للكون، ولكنهم أعتقدوا بوجود حياة ثانية كما في الهندوسية وعقيدة تناسخ الأرواح والبوذية التي ترى بأن الحياة الثانية، تأتي على شكل ولادات مكررة للإنسان حتى بلوغه النقاء النهائي (النيرفانا) في عالم الآلهة أو عالم الأرواح. وفي أفريقيا أعتقد الناس قديماً بحياة ثانية من خلال ولادات مكررة، ولاحقاً أنتشرتْ فيها الديانات الأبراهيمية. وهكذا تشترك الكثير من المعتقدات البشرية التي سادتْ في مختلف أنحاء العالم بالإيمان بوجود حياة ثانية، وبوجود ما يسمى: الروح.
ويمثل الروح عند المؤمنين، جزءاً من هوية الفرد وكيانه الذي ينفصل عن جسده بعد الموت، لينتقل إلى مستوى آخر من الوجود بشكل ما، أما بالولادات المتكررة كالبوذية أو بتناسخ الأرواح كالهندوسية، أو يحدده الخالق، بحسب أعمال الناس كما في الديانات الإبراهيمية. وتهدف جميع المعتقدات التي تنادي بالإيمان بوجود الروح والحياة الثانية بتوفير راحة نفسية لتابعيها.
ويتم توفير الراحة النفسية للمؤمنين بتجنب مواجهة حقيقة الموت، ويبدأ بأسلوب تلقين الأفرد مبكراً، بأنَّ الحياة الدنيا هي فترة عابرة والموت ليس النهاية وعلينا الا نقلق". فهناك بعد الموت، حياة لا نهائية رائعة، فيها: انهارٌ من الخمر والعسل واللبن وكل ما تشتهيه الأنفس من طعام وفاكهة وملذات، وفيها جوقة الملائكة! وسبعون حورية! والنيرفانا!، ولقاء الأحبة وافراد العائلة. ورغم أنَّ هذه الأمنيات سامية في نظر المؤمنين، ولكنها غير واقعية في نظر غير المؤمنين.
ويعتبر غير المؤمنين خلود الروح مسألة غير واقعية، بإعتبار الروح يموت بموت الجسد. إنَّ الروحَ عند غير المؤمنين، وعي مرتبط بنشاط الدماغ، يمثل جوهر كيان الفرد، يربط الطفل بالصبي الذي كان يوماً وبالرجل الذي هو عليه اليوم، وبالعجوز الذي سيكون عليه مستقبلاً، وبالجسم الذي سيموت ويموت الروح معه. ولا يتعدى مفهوم الروح بعد الموت عند غير المؤمنين، غير الذكريات التي كانت تمثل في حياته جانباً من أعماله، وحياته الثانية تتمثل في إنجازاته التي يتركها في فضاء الإنسانية، وهكذا عباقرة وفلاسفة أمثال سقراط وافلاطون وارسطو وابن سينا والفارابي وابن رشد ونيوتن وأديسون وآنشتاين خالدون في أعمالهم وما تركوه للإنسانية. وإنَّ غير المؤمنين يواجهون الموتَ بشجاعة ومن دون رعب، لأنهم لا يَحيرون بمسألة الروح، ولا يريدون الإستنجاد بحكايات وهمية، تُصورُ لهم مباهج غير واقعية في حياةٍ ثانية. وعموماً، أنَّ واقعية غير المؤمنين تخفف عنهم القلق من الموت وتجعلهم أن ينعموا بالحياة.
إنَّ مباهج الحياة الواقعية عند غير المؤمنين لا تتم الا بقبول ثنائيات متلازمة وعلى رأسها ثنائية الحياة والموت. وفي واقع الحياة ليس هناك تمتع بالنور من غير الظلام، ولا تذوق للسعادة من غير الحزن، ولا إحساس بالوجود من غير العدم وهكذا تفقد الحياة معناها من دون وجود الموت. ورغم أنَّ غير المؤمنين، يشعرون بأن الموت سيسلب منهم مباهج الحياة في أي لحظة، ولكنهم في ذات الوقت، يشعرون بالسعادة، لأن ذات الموت يجعلهم أن يفكروا بقيمةِ الحظة الحاضرة من حياتهم، وهذا يعطيهم إحساسًا جميلًا ورائعًا في الأن والحاضر، ويدفعهم ليقدموا أفضل ما يتمكنوا لأنفسهم وللإنسانية. ولأن المكافئة الحقيقية تكون في الحياة، فهم لا يريدون العيش إلى الأبد، ولأن في الأبدية تتلاشى الكثير من المعاني، ومنها معنى الحياة. فكيف نستذوق الحياة ونعطيها قيمة، من دون ان نعرف أنها محدودة، وما الذي يحددها غير الموت؟ ورغم أنًّ قبول ثنائيات الحياة، يجعل الموت مقبولاً عند غير المؤمنين، الا أن بعض القلق يستمر معهم، ولكن طبيعة القلق ليس الموت بعينه، بل طريقة الموت، وما قد يسبقها من تدهور صحي وتعويق جسدي قد يسبب المعاناة والألم، وكذلك ما يقلقهم، موت أحبتهم ولوعة فراقهم التي لا تنسى. ورغم أنًّ غير المؤمنين يتقبلون حقيقة الموت برضى ويعتبرونها النهاية الحتمية للحياة، لكنهم لا ينسون من توجيه أسئلة للمؤمنين بالحياة الثانية.
ومن الأسئلة: ما هي طبيعة الحياة الثانية التي يتلقنها المؤمن من رجال الدين؟ ومن غير شك، أنها طبيعة تتجاوز الفهم البشري، لدرجة بالنسبة لغير المؤمن، يكون من الأفضل إهمالها، وعدم الإنشغال بها، ولأنها تكون على حساب قيمة الحياة، وخاصة عندما يكون الكثير من المؤمنين، وخاصة البسطاء منهم، تابعين أو مقلدين لرجل دين. ويرتضي بعض الناس أن يكونوا تابعين لأخرين على أسس مختلفة، كالقومية والوطنية، ولكن الدين من أكثر الأسس وأكثرها تأثيراً في الناس، بما تجعلهم تابعين لرجال الدين، كشيوخ وأولياء أو كهنة وقساوسة ومطارنة ورسل أو أنبياء، بإعتبار أنَّ هؤلاء نَصَّبوا أنفسهم وكلاء على الناس، ينادون بوجود قوة غيبية تتحكم بحياة الناس، ويوعدون بحياة ثانية وجنة ونار، ويعملون على توجيه العباد، ليكونوا تابعين. ولا يكتفي هؤلاء السادة بإعطاء وعود وهمية، بل يهددون بعقوبات لمن يعارضهم، وخاصة لغير المؤمنين. وهنا يتساءل المؤمن متعجباً: وما هو هدف غير المؤمن من عدم الإيمان بالحياة الثانية؟
إنَّ سؤالَ المؤمنُ يكشف عن خلفية تفكيره. فقناعتهُ، بأنَّ عدم الإيمان، لا يمنح حياة أبدية، يُعتبر رهاناً خاسراً في الحياة الأولى والثانية. وذلك يَكشفُ، أنَّ دافعَ الكثير من المؤمنين، هو المكافأة بحياة ثانية. وإنَّه ربح ما يسمى: رهان باسكال، نسبة الى الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال. وخلاصة فكرة باسكال، لكي تكسبَ الرهان، عليك أن تؤمن بالله والحياة الثانية. فإذا كان الله موجوداً فأنتَ ستربح وتدخل الجنة، وإذا كان الله غير موجود فانتَ لا تخسر، وستكسب راحة البال في الدنيا. ولكن السؤال المهم بخصوص هذا الرهان:
هل أنَّ الله (إله الأديان) كلي المعرفة كما المعتقد، سوف لن يكون قادرًا على التمييز بين شخص يؤمن به حقاً، وشخص يؤمن به لأجل ربح رهان؟ والجواب، بالتأكيد إنَّ الله قادر على تميز المؤمن الحقيقي من المزيف. وبذلك ينبغي لإله عادل أن يعاقب الشخص المزيف الذي آمن به لأجل ربح الرهان. كما وأنَّ غير المؤمن يرى، أنَّ دافع إعتقاد المؤمن بحياة ثانية ليس فقط كسب الرهان، بل مخاوف قادمة بعد الموت.
إنَّ مخاوف المؤمن ترتبط بقوى غيبية متعشعشة في الأذهان، تأتي نتيجة تربية متأصلة عند الناس تبدأ منذ مرحلة الطفولة وتستمر حتى الكبر. وبغياب تلقين الناس بالأفكار الغيبية عن الحياة الثانية وبطبيعة الروح، يتلاشى الخوف والرعب لما بعد الموت، وتصبح الحالة كما في حالة الفكر الياباني والصيني والهندي وما شابه، حيث لا وجود لصور مخيفة ومرعبة عن الحياة الثانية. ولا داعي للخوف من الموت أو لما بعده، لأن الشخص الذي يموت سوف لن يكن موجوداً بعد لحظة الموت بأحاسيسه وبمشاعره التي كانت قبل مماته. وكما قال الفيلسوف اليوناني أبيقور: " إنَّ الإنسان لا يكون حيث يكون الموت موجوداً" ولكن الأمر، يبدو صعباً على الكثير من المؤمنين، أن يتقبلوا حالة الموت واللاوجود الذي يعقب الموت.
وبذلك يجعل التلقين المسبق المؤمن، في حالة إستعداد لأخذ الأفكار الخيالية وتقبل التصورات الوهمية لما سيحدث له بعد الموت، كوجود حياة ثانية ومباهج جنة وجحيم نار وما الى ذلك. وبينما يعيش المؤمن بين الترغيب والتهديد والوعود، عبَّر فلاسفة عقلانيون عن حال الإله والناس، وكيف ينبغي أن يكون، ومنهم الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس، الذي قال: " لو كان هناك إله عادل، فأنَّه لن يهتم بمدى ورعك. وإذا كانت حياتك فاضلة، فأنَّه سيرحب بك في الحياة الثانية إن وجدتْ، بناءً على الفضائل التي مارستها. وأما إذا كان هناك إله غير عادل، فلا يجب أن تعبده. وإذا لم يكن هناك إله، فستعيش حياة كريمة، دون أن يخدعك شيخ معمم أو يصادر حقك كاهن مقدس". وهذا هو الموقف الإنساني الصائب.
وفي الخلاصة، أرى أنَّ الحياة والموت وجهان لعملة واحدة يمثلان الوجود، فلا معنى للحياة بلا موت ولا موت بلا حياة. وفيما تستثني الأديان الإنسان عن الحيوانات، عندما تربط بينه وبين ما يسمى بالروح، نجد ذلك يتعارض مع الموقف العلمي الذي لا دليل لديه عن الروح. وعلينا الا ننخدع بأوهام أنخدع بها من سبقونا، كأن "سنذهب بعد الموت الى الجنة". تلك العبارة التي كانت ولا زالتْ أداة سيطرة سياسية على الناس، فأصبح بالإمكان حشد الناس وسوقهم الى الموت في حروب طاحنة بأسم الدين. وكذلك ما أسوأ العبارة: "ستتحقق العدالة في الحياة الثانية"، أليستْ هذه العبارة مُخدِّرة للمظلوم، ومنعشة للظالم، فالظالم سيستمرُ في ظلمه والمظلوم سيستمرُ في مظلوميته؟ وأخيراً أرى أنَّ الحياة بعد الموت، عدم وفناء، وكما الحياة قبل الولادة: "إذ لم يكن لدينا إحساس في الوجود والحياة قبل الولادة، فسوف لن يكون لدينا إحساس في الوجود والحياة بعد الموت". وبعبارة قصيرة: لا حياة بعد الموت. وكما قالها الشاعر أبو العلاء المعري قبل ألف عام:
يُحَطِّمُنا رَيبُ الزَمانِ كَأَنَّنا *** زُجاجٌ وَلَكِن لا يُعادُ لَهُ سَبكُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تخلي معهد العلوم السياسية في باريس من طلاب محتجين مؤي


.. مقتل الطبيب العراقي الشهير فيصل الحويزي بطريقة مروعة في منز




.. شركة الكهرباء بغزة: نسبة الدمار في الشبكات وخطوط الإمداد وال


.. مراسل العربية ينقل اللحظات الأولى لاقتحام الشرطة الفرنسية مع




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الصحة العالمية: استشهاد 25 طفلا ف