الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو شراكة خليجية – يابانية شاملة

عبدالله المدني

2006 / 12 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


بحسب ما تردد على ألسنة مسئولين خليجيين و يابانيين ممن شاركوا مؤخرا في ندوة عقدت في دبي تحت عنوان "نحو شراكة أعمال جديدة بين اليابان و دول مجلس التعاون الخليجي"، فانه من المتوقع أن يشهد العام القادم الإعلان عن قيام منطقة التجارة الحرة بين الطرفين.

و تستند هذه التوقعات بطبيعة الحال إلى جملة من الحقائق و المؤشرات، منها أن الطرفين دشنا بالفعل جولة أولى من المفاوضات حول الموضوع في طوكيو في أواخر سبتمبر الماضي، و أنهما على أعتاب جولة ثانية في الرياض قبل نهاية العام الجاري. و منها انه لا توجد مصاعب كبيرة أمام الاتفاق على ما تبقى من مسائل لم يبت فيها إلى الآن، و معظمها ذات طابع فني، أي لا علاقة لها بالمسائل التي عادة ما يتحسس منها المفاوض الياباني مثل مسألة إزالة التعرفة الجمركية على الواردات الزراعية، و التي يخشى معها إغراق السوق الياباني بالمنتجات الزراعية الرخيصة وبالتالي مزاحمة المزارع الياباني غير القادر على المنافسة.

على أن الأهم من كل هذا هو حماس اليابانيين الكبير للدفع باتجاه توقيع اتفاقية بهذا الشأن في أسرع وقت ممكن لأسباب كثيرة، لعل أهمها خشيتهم من منافسة الصينيين الذين صار لهم حضور قوي و متزايد على الساحة الاقتصادية في الخليج في السنوات الأخيرة من بعد عقود من الغياب، بل الذين دخلوا أيضا منذ ابريل من العام الماضي في مفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي حول اتفاقية للتجارة الحرة.

ومن الواضح أن اليابان التي سارعت إلى توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع سنغافورة في 2002 ومع المكسيك في 2004 و مع ماليزيا و تايلاند و الفلبين في 2005 ، و تجري حاليا مفاوضات للتوصل إلى اتفاقيات مشابهة مع كل من اندونيسيا و فيتنام و كوريا الجنوبية و تشيلي، وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا في التحرك نحو دول الخليج العربية، و تريد الآن أن تنجز اتفاقية يمنحها الأفضلية في إمدادات النفط و الغاز المصدرة من المنطقة في أوقات الأزمات، هي التي تستورد حاليا أكثر من 70 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة من الخليج. و هذه النقطة التي قيل أن طوكيو ألحت عليها كثيرا في جولة المفاوضات الأولى، تمثل أهمية قصوى بالنسبة لليابانيين المتخوفين من احتمال أن تفرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب ملف الأخيرة النووي، فيضطرون بالتالي إلى وقف تعاونهم النفطي مع الإيرانيين، و الذي من ابرز تجلياته عقد الجانبين لصفقة بقيمة 3 بلايين دولار في أوائل عام 2004 من اجل تطوير و استغلال حقل "آزاديغان" الإيراني الضخم.

و مما لا شك فيه أن الاتفاقية المنتظرة بين اليابان و دول مجلس التعاون ستكون لها انعكاسات ايجابية كبيرة على مجمل الحراك الاقتصادي و التجاري و الاستثماري بين الطرفين. و يمكن معرفة هذه الانعكاسات من خلال تأمل حجم التجارة البينية الحالي و الذي وصل في العام الماضي إلى 90 بليون دولار تقريبا، فوضع منطقة الخليج في مرتبة رابع اكبر كتلة تجارية شريكة لليابان. ثم من خلال تأمل حجم الاستثمارات اليابانية في منطقة الخليج و الذي تجاوز 10 بلايين دولار، وحجم الاستثمارات الخليجية في اليابان الذي يقف اليوم عن 25 بليون دولار. حيث ينتظر أن تتضاعف هذه الأرقام مع انخفاض أو إلغاء التعرفة الجمركية على البضائع والخدمات، والسماح بالانتقال الحر لرؤوس الأموال، و إتاحة المجال أمام مؤسسات و شركات ومصارف كل جانب لافتتاح فروع لها في بلد الآخر.

على أن ما يعنينا أكثر هو انعكاسات الاتفاقية المنتظرة على المجالات غير التجارية و الاستثمارية، مثل التبادل الثقافي و الاجتماعي و التواصل الأكاديمي و العلمي و مساهمة اليابان في نقل وتوطين التكنولوجيا و تدريب الموارد البشرية و رفد الخطط التنموية المحلية بالمساعدات والبرامج الفنية. فاليابان التي سبق لها أن أعلنت في مطلع الألفية الثالثة اهتمامها بإقامة حوار حضاري وتعاون يتخطى روابطها الاقتصادية التقليدية مع دول و شعوب المنطقة، مدعوة على هامش قيام منطقة التجارة الحرة إلى ايلاء اهتمام منهجي حقيقي بهذه المسائل تعزيزا للأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في منطقة الخليج، هي التي لعبت و لا تزال تلعب دورا رائدا في هذه المجالات في مناطق اقل أهمية بالنسبة لها.

و مما يسهل من هذه العملية، أنها دشنت في أعقاب زيارة رئيس وزرائها السابق جونيتشيرو كويزومي التاريخية لمصر و المملكة العربية السعودية في عام 2003 ما سمي بمنتدى الحوار الياباني- العربي كإطار غير رسمي لتبادل الأفكار و تعزيز التعاون في مختلف المجالات. فعلى غرار هذا المنتدى الذي عقد حتى الآن ثلاثة اجتماعات في كل من طوكيو و الإسكندرية و الرياض، يمكن لليابان أن تطلق منتدى موازيا يكون خاصا بالحوار الياباني – الخليجي كي يتداول فيها مسئولوها و مثقفوها و ممثلو جمعياتها المدنية مع نظرائهم الخليجيين سبل الارتقاء بالعلاقات و الروابط بعيدا عن الأطر الرسمية التي كثيرا ما تحول دون المكاشفة الصريحة أو حتى دون التمثيل الصحيح للنخب و الجهات المؤثرة. أما ما يدعو حقيقة إلى قيام مثل هذا المنتدى فهو أن ظروف منطقة الخليج واحتياجاتها التنموية و نوعية المساعدات التي تلزمها و أنماط علاقاتها باليابان كما و كيفا تختلف عن تلك الخاصة ببقية الدول العربية، و بالتالي يفترض أن يكون للحوار بشأنها مع الطرف الياباني مسار خاص كيلا تختلط الأمور و يصعب الوصول إلى نتائج سريعة و واضحة.

الأمر الآخر المنتظر على هامش قيام منطقة التجارة الحرة هو أن تلعب طوكيو دورا أوسع و أكثر حيوية في الخليج من خلال برنامج المساعدات الإنمائية الرسمية الياباني. فالأخير منذ إدخاله دول الشرق الأوسط ضمن قائمة الأقطار المتلقية للمساعدات المالية و القروض و الهبات في عام 1972 أنفقت بلايين الدولارات من اجل استقرار و دعم اقتصاديات دول مثل مصر و سوريا والأردن و السودان و اليمن و تركيا، و لاسيما أثناء الأزمات و الحروب التي شهدتها المنطقة. وهو لئن استبعد دول الخليج العربية من مساعداته المالية بحجة أنها دول غنية، على الرغم من أن هذه الصفة لا تنطبق على كل هذه الدول، فانه لم يستثنها من المساعدات الفنية الهادفة إلى تمتين قاعدتها العلمية و التكنولوجية الضعيفة و تدريب كوادرها البشرية. غير انه حتى هذا النوع من الدعم لم يبدأ إلا في منتصف التسعينات و بحجم اقل بكثير مما قدم لدول أخرى، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر فيه.

الجهة الأخرى التي يمكن أن تلعب دورا مماثلا هي مصرف اليابان للتعاون الدولي الذي يعتبر اكبر مؤسسة مالية رسمية في العالم. فهذا المصرف الذي تعهد بدفع أكثر من 3 بلايين دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية و الاحتياجات الإنسانية في العراق حينما تستقر الأوضاع في الأخير، يفترض مع قيام منطقة التجارة الحرة أن يلعب دورا أوسع في رفد مشاريع البنية التحتية في بعض دول الخليج الأقل ثراء بالمساعدات الفنية و القروض طويلة الأجل، كتلك التي قدمت لسلطنة عمان منذ عام 1989 لتمويل عدد من مشاريع الطرق و الموانيء و الصناعات النفطية، وكان آخرها قرضا قدم هذا الشهر بقيمة 150 مليون دولار لإتمام المرحلة الثانية من ميناء صحار الصناعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية