الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاتم أمّي

محمد علي بن عامر الطوزي

2024 / 3 / 31
سيرة ذاتية


تذكرت قرط ام ألميداني بن صالح وانا ابحث عما ساقوله وارويه من ذكريات عن أمي في الذكرى الثالثة والعشرين لوفاتها وكنت قد نذرت ان أكتب في كل ذكرى عن جانب من شحصيتها وعن صورة من صور كفاحها وتضحيتها في الحياة من أجل تربية أطفالها الستة خمسة وابناء وبنت واسعادهم ومساعدة الوالد بما استطاعت اليه سبيلا في توفير مستلزمات العيش الكريم لهم رغم ضيق ذات اليدوهي التي لم تكن تشتغل سوى بشؤون المنزل.
والمشترك بين قرط الميداني بن صالح وخاتم أمي هو استعمال هذه القطعة او تلك من حلي المرأة التي لا تتردد في التفريط فيها وقتيا بالرّهن أو نهائيا بالبيع مقابل مبلغ مادي بحسب قيمتها ذهبا لصرفه في قضاء شأن من شؤون المنزل او اقتناء بضاعة او اسداء خدمة لفائدة فرد من افراد العائلة اجتماعية كانت او صحية او تعليمية.
والمشترك ايضا هو ما يحمله هذا التصرف الواعي والتلقائي من الأُمّ من معاني الكرم الذي لا ينضب والعطاء الذي لا يجف له معين والتضحية بالغالي والنفيس بلا حساب ودون انتظار مقابل.
وإن كان الميداني بن صالح يقول على لسان أمّه :
«ورنَتْ لي , ودموع العين تجري
خذه يابني
إنه ذخري الأخير
لك , يا كنزي الكبير»1
فقد ارتبط خاتم أمّي بإحدى الذكريات التي بقيت عالقة في مخيلتي والتي كلما استعرضت شريطها إلاّ وتطالعني صورة أمّي وقد تجمعت فيها معاني الأمان والحنان والحماية والتضحية وهي تنزع خاتمها من بنصرها لتسلّمني إيّاه قائلة بكل لطف : "إذهب وخذ لك به دواء من الصيدلية يقاوم ما تعانيه من إسهال"
كنت اصبت وقتها بإسهال شديد ولم يكن يتوفر في البيت ما يكفي لاقتناء دواء وكانت أمّي قد تعودت على رهن خاتمها لدى الصيدلية الوحيدة في بن عروس مدينة الضاحية الجنوبية التي كنا نسكن فيها كلما مرض احد من افراد العائلة على ان تسترجع خاتمها بعد سداد قيمة المقتنيات من الادوية نقدا.
كما كانت ترهن ان لزم الامر كل ما تملك من حلي على قلّته لدى القباضة المالية كلما كان المبلغ الذي كانت تحتاجه أكبر, وهذا الإجراء كان شائعا في زمن مضى وتلجأ اليه العديد من ربات البيوت كلّما انعدمت السيولة النقدية لديها وهو يضاهي الاقتراض البنكي الذي نعرفه اليوم. كنت زمانها طفلا في الثامنة او التاسعة من عمري لا اافقه من أمور الدنيا شيئا أخذت الخاتم من أمي وطرت به الى الصيدلية التي مازالت تراوح مكانها بجانب السوق البلدي في شارع الحبيب بورقيبة وكانت صاحبتها امرأة لطيفة لا ادري ان كانت فرنسية او إيطالية الجنسية وكانت تتكلم لغتنا الدارجة التونسية بلكنة خاصة بالاجانب الغربيين وما ان وصلت حتى قلت لها في لغة مترجمة على شاكلة ترجمة السملالي «  mon ventre court » ما معناه بالعربية عندي اسهال. بكل عفوية أردت ان اظهر معرفتي بالفرنسية للصيدلانية التي ضحكت من كلامي وفهمت ما اقصد. أخذت مني الخاتم ودسته في درج بعد ان مسكته بورقة صغيرة سجلت عليها اسم أمّي ثم سلمتني الدواء داعية لي بالشفاء.
خاتم أمي اقترن عندي بهذه الطرفة التي كلما اتذكرها اضحك من نفسي ومن جهلي. ولكن ليس على الطفل في ذلك العمر وذاك المستوى الدراسي حرج.أليس كذلك؟
محبوبتي،، لروحك السلام والسكينة والطمأنينة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث