الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية 2/2

سليم يونس الزريعي

2024 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


تمهيد ..
لكن التغيير الأكثر أهمية في الثقافة القانونية الإسرائيلية حصل في بداية التسعينيات. عندما تشكَّلت في كيان الاحتلال حركة احتجاجية طالبت بإصلاحات هيكلية. نتيجة الجمود السياسي أثناء الائتلاف الكبير بين حزبي العمل والليكود في أواخر الثمانينيات، وكان العديد من أساتذة القانون يسعون في ذلك الوقت من خلال مبادرتهم "دستور لإسرائيل" إلى إقرار مدوَّنة شاملة للحقوق الأساسية.
ومن أجل الحدِّ من سلطات المحكمة العليا، قدَّم في عام 2021 ياريف ليفين اقتراح قانون يُشكِّل الأساس لمقترحاته الإصلاحية الأخيرة - التي يُفترض الآن ربطها بمقترحات المتطرِّف اليميني سيمشا روثمان، الذي يسعى أيضًا منذ فترة طويلة إلى تحقيق أهداف مشابهة. ويمكن التسجيل أن الحملة اليمينية على المحكمة العليا في إسرائيل ليست جديدة على الإطلاق،(9)
لكن خطة الانقضاض على المحكمة توفرت بعد أن تشكَّلت حكومة الاحتلال الحالية بعد 5 انتخابات متتالية للكنيست خلال أقل من 4 سنوات. وهو الذي يعد أيضاً سابقةً في تاريخ الحياة السياسية للكيان، إذ شاب هذه السنوات الأربع عدم استقرار سياسي وانقسامات حادة بين أطراف التجمع الصهيوني وأحزابه. الذي تمثل في هذا الانقسام العمودي الذي يشهده شارع الاحتلال حالياً امتداداً لسنوات أربع من التناحر السياسي الداخلي المتواصل.(10)
ومع أن مظهر الاشتباك يوحي وكأنه يدور حول الإصلاح القضائي، لكن الهدف من التعديلات هو "منح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم العادية، المدنية، بكل ما في الكلمة من معنى وبكل ما يعنيه ذلك!". وتوسيع صلاحيات المحاكم الدينية لتشمل "قوانين الأموال" وقوانين الشراكة، والجيرة، والأضرار، والملكية وغيرها. أي بتغيير نظام التقاضي، والتمييز فيه ضد النساء والعلمانيين وغير المتدينين وغير اليهود.(11)
وتتضمن التعديلات القضائية "بند الاستثناء" الذي يتيح للكنيست، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا. وتطال التعديلات لجنة انتخاب قضاة المحكمة العليا، التي ستتألف من تسعة أعضاء، هم: رئيس الحكمة العليا، ووزير العدل، وثلاث نواب من الكنيست بينهم رئيس لجنة الدستور، وعضو من الائتلاف الحاكم، وعضو من المعارضة، واثنين من القضاة المتقاعدين يعينهم وزير العدل بموافقة رئيس المحكمة العليا. ويكون تعيين المستشارين القانونيين في الوزارات، مباشرة من قبل الحكومة، ويكونون خاضعين للوزراء، بدلاً من تبعيتهم للمستشارة القضائية للحكومة. وثمة تغييرات في قوانين تخص الانسحاب من مستوطنات في محيط غزة وغيرها.(12)
إن الجانب الأكبر من التعديلات القضائية والقانونية، هي جزء من الاتفاقات التي أسست للائتلاف الحكومي، وتلتزم حكومة نتنياهو بها، وترى أنها تملك الأغلبية في الكنسيت، التي تعبر بدورها عن أغلبية في اتجاهات الناخبين في كيان الاحتلال.
غير أن حالة الرفض الواسعة لهذه التعديلات جعلت الكيان يواجه تفككاً في الميثاق السياسي والاجتماعي، ولذلك حذّر المؤرخ اليهودي سيمون شاما، من أنّ "إسرائيل تواجه تفككاً في الميثاق السياسي والاجتماعي، بسبب تحركات لتغيير النظام القضائي بشكل جذري وتوسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة".
في حين أن المحتجين على التعديلات هم شريحة تبدو كبيرة في المجتمع وفواعل السياسة والأمن والمال والأعمال والقانون وغيرهم، وَصَّفوا تلك التعديلات على أنها انقلاب قضائي، فيما وصفها التحالف الحكومي بـ"برنامج إصلاح قضائي".(13)
ولذلك تقدر مراكز الأبحاث أن هذا التجمع الإسرائيلي -الذي دخل حالة صراع غير مسبوقة على هوية الدولة اليهودية والمشروع الصهيوني وملامحه المستقبلية- لن يعود إلى ما كان عليه. جراء الشرخ الحاصل في تجمع المستجلبين اليهود، الذي تمظهر في الاحتجاجات، والانقسام في الجيش والمؤسسات الأمنية، وتداعيات الانقسام على الاقتصاد والمؤسسات المصرفية والأكاديمية.(14)
ولذلك رأى تأمير باردو، رئيس سابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، أن خطة الإصلاح القضائي التي يقودها بنيامين نتنياهو وحكومته. تقرب بلاده من نهايتها، ونقلت عنه صحيفة "ماقور ريشون"، "أن بلاده فعَّلت آلية تدمير الذات، وتقترب من نهايتها".
وأوضح تامير باردو أن استنتاجه الخاص بتدمير "إسرائيل" لنفسها ربما يعود إلى ما قبل تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحالي، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أي قبيل وضع خطة الإصلاح القضائي لوزير العدل.(15) أي أن المسألة تعود إلى أن الكيان يعاني أزمة وجودية لها علاقة بعملية زرعه لهذا الخليط غير المتجانس لعشرات الإثنيات من شتى بقاع العالم في وجود أصحاب البلاد الأصليين في الميدان التي تنفي أكذوبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
ولذلك تسعي هذه الدراسة إلى البحث في أسباب أـزمة التعديلات القضائية، هل هي أزمة طارئة؟ أم هي أحد تجليات أزمة الكيان البنيوية التي نتجت عن زرعه قسرا كخليط بشري غير متجانس ضمن مشروع الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي في فلسطين.

----------
الهوامش
1. عقيل سعيد محفوض، أَزمَاتٌ كاشفة: ما الأسباب العميقة للاحتجاجات في "إسرائيل"؟ https://www.almayadeen.net//
2. تقرير:الأزمة البنيوية في جيش الكيان المؤقت والتأثيرات الإضافية للنزاع السياسي، 16/3/2023، https://alkhanadeq.com/
3. عمرو علان، تظاهرات الكيان: علامة على الحيوية أم تفكك داخلي؟ 5 /4/ 2023 ، https://www.almayadeen.net/
4. https://amadpress.com/ar/post/
5. جوزيف كرواتورو(ترجمة: رائد الباش)، إسرائيل: الإصلاح القضائي المثير للجدل، 2023، https://ar.qantara.de/
6. جوزيف كرواتورو(ترجمة: رائد الباش)،المصدر السابق.
7. جوزيف كرواتورو(ترجمة: رائد الباش)، المصدر السابق.
8. جوزيف كرواتورو(ترجمة: رائد الباش)، المصدر السابق.
9. عمرو علان، مصدر سبق ذكره.
10. عقيل سعيد محفوض، مصدر سبق ذكره.
11. عقيل سعيد محفوض، المصدر السابق.
12. عقيل سعيد محفوض، المصدر السابق.
13. عقيل سعيد محفوض، المصدر السابق.
14. محمد وتد، التعديلات القضائية بإسرائيل.. صراعات تعمق الشرخ المجتمعي وتقوض "جيش الشعب"، 28/3/2023، https://www.aljazeera.net/
15. ياريف ليفين. رئيس سابق لـ"الموساد": إسرائيل تقترب من نهايتها، 6/8/2023، https://sputnikarabic.ae/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي