الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات 110

آرام كربيت

2024 / 3 / 31
الادب والفن


الخصيتين
دخلت المسرح، رأيت الأضواء الخافتة تلقي بظلالها عليه، والناس في صمت ثقيل، يجوبونه، ويتابعون حركة الممثلين في غدوهم ورواحهم.
ما أوجع قلبي ورمى بثقله علي، عندما شاهدت كل ممثل وممثلة ينزع عن جسده خصيته بكل طيبة خاطر، ويحملها في يده بمحبة ونبل وكرم، وعن طيب خاطر، وفي حالة نكران غريب للذات.
لم أعرف لماذا هذا التسامي، هذه الرغبة في التخلص من أهم عضو في الجسد، ولماذا رفعوه في الهواء، وكأنها إشارة على أنه كائن رقيق ورفيع المستوى ومعطاء دون مقابل.
قلت لنفسي، في عالم الخصاء السعيد، عليك أن تنزع خصيتك وتستبدلها بأشياء أخرى غير منظورة من وجهة النظر الجسدية والنفسية، وأن تلوح بهما في الهواء الطلق لتصبح كائنًا، مسخًا، قبيحًا، مشوه الصورة، بعيدًا عن طبيعتك السابقة، أن لا ترجم، بل مرغوبًا به من الجميع.
صعدت على المسرح كما فعلوا، كانت الأصوات لا أصوات، كان مواء رخيصًا، كحفيف عربيد سام يبحث عن مضاجعة.
دخلت بينهم تائهًا، ومضيت أجوب الزمن، نزعت عن نفسي خصيتيّ، وحملتها في يدي، في إشارة إلى أنني مثل الجميع.
وبعد لحظات قليلة جدًا، أصبحت ذاتيًا، ودون شعور مني، أموء بمتعة شديدة.
أردت أن أصرخ، بيد أن صوتي ذهب مع تلك اللؤلؤتين إلى الفناء.

الخلود للصمت هو مملكة الحياة
أغلب الكائنات يخلدون إلى الصمت والنقاء الداخلي، إلا الإنسان.
ففي تحويله اللغة إلى دلالات ورموز وإشارات مختلفة، انفصل عن ذاته، وذات الطبيعة، امتلأ رأسه ودماغه وعقله بالضجيج الصاخب.
اليوم، وبعد انفصاله عن الصمت والخلود، مضى يبحث في ذات الضجيج عن ذاته الضائعة.

الحرية حمامة حرة
الحرية حمامة بيضاء تطوف فوق البحر والنهر والجبال والوديان، وفوق السماء والمحيطات.
كل الكائنات، بل جميع الكائنات جزء لا يتجرأ من هذه الحرية، يتفاعلون معها، بل يعشقونها، ويعيشون في فضائها الجميل.
إلا الإنسان وحده لا شريك له، يعشق العبودية، ويستمتع بها، ويسميها تطورًا أو تحضر.
اتساءل:
ألا يستطيع هذا الإنسان أن يصبح متطورًا أو متحضرًا إلا وقذارة العبودية تتلألئ كنار هائجة على رأسه؟

أمي المسافرة
كنت أنظر إلى عين أمي المغلقتين، ووجهها الهادئ وهي في سفرها العميق داخل الذات، كما كانت فيه دائمًا، قالت:
ـ إن السفر داخل الذات هو الأجمل يا ولدي، أنا ذاهبة إليه، إلى داخل الوعي، إلى غيبوبة الوجود وتوازنه.

الدولة عصابة أخرى
لا يمكن للعصابة أن تنتعش في دولة ما دون مباركة الدولة لها في الخفاء.
العيب الاول لخراب أي مجتمع هو الدولة.

خلال الزمن القادم
هناك قوميات وأديان ولغات ستنقرض في السنوات المقبلة.
الرأسمالية التي نعيش في كنفها، لا حضارة، لا حدود، لا حواجز، أنها نظام عالمي لا تقبل الضعيف أو النصف ضعيف.
إنها جبالة، بالوعة، معدة كبيرة هاضمة للضعيف علميًا اقتصاديًا اجتماعيًا عسكريًا وسياسيًا.
وستضمحل الدول وتذوب في دولة واحدة. ولن يهدأ بال الرأسمالية إلا بتحويل الدول إلى دولة رأسمالية واحدة، قطب واحد متعدد الوظائف، تدير العالم .
هل العرب والمسلمين واليهود والأرمن والأكراد والباكستانيين والهنود والصينيين أو غيرهم مستعدين للوقوف في وجه الريح، وتحديه؟
بالطبع لا.
الرأسمالية نظام مال وعلم وقوة وتنظم دقيق وفوضى، وتحكم عن بعد، وستسحق كل ضعيف لا يستعد للبقاء فيها قويًا.

عقدة الاضطهاد جزء من الرهان على الموت
في البيئة أو المنطقة التي نعيشها لدينا ظاهرة عقدة الاضطهاد مترافقة مع جلد الذات.
هذه الظاهرة معشعشة في داخل كل واحد منّا، تبقى في مكانها في حالة كمون أو سكون وتخرج في الأزمات.
عندما يتعرض أحدنا للخيانة، رجل أو امرأة، يغوص في ذاته ويجلس في داخله، ويبدأ بجلد ذاته.
ينسى ذاته ونفسه عندما يغوص أكثر فأكثر في جلد نفسه، ويتحول إلى مازوخي محترف، يتمتع بتعذيب ذاته.
إن تعذيب الذات وجلدها مرض خطير، ربما لا يعرف مساراته إلا الذي يعي أن هذا الأمر مؤذي للغاية وأن جذور المازوخية هو جزء من ثقافتنا وتكويننا النفسي والسلوكي.
يبدأ في معاتبة الخائن على خيانته، فبدلًا من رجمه وتحميله مسؤولية الخيانة، يبدأ في جلد نفسه وتعميق هذا الجلد إلى درجة تمزيق أناته وتدميرها.
ويدخل في الأماكن المعتمة ويغرق ويغرق وكأنه السبب في أذى الآخر له.
وعي الذات مهم للغاية.
إن جلد الذات أو تعذيب الآخر عبر الانتقام من تجربة خيانة ما هو مدخل للدمار الذاتي.
أغلبنا لدينا هذه الثنائية، المازوخية والسادية، يخرج من الأولى ليدخل في الثانية والعكس صحيح.
الخيانة لها أسباب كثيرة، ليس بالضرورة أنت المخطأ بحق الشريك، ربما الشريك ذاته مريض، مشوش الذهن، غير متوازن، لهذا لا تدمر نفسك من أجل الأخر الغير ناضج نفسيا وسلوكيا

في المملكة الحيوانية هناك نبل وشرف، أما الإنسان لا عهد له
في المملكة الحيوانية الاقتتال يكون بين أفراد من السلالة ذاتها، من أجل هيمنة ذكر واحد، يسمى الذكر المهيمن أو المسيطر.
في المملكة التحت حيوانية، الإنسان، الاقتتال يكون بين جماعة وجماعة لتأكيد هيمنة الجماعة المسيطرة أو المهيمنة.
والفارق كبير للغاية.
في المملكة التحت حيوانية، ممكن الاقتتال يؤدي إلى سحق المهزوم وجوديًا، أو إنهاء دوره السياسي والاجتماعي والثقافي بالكامل والجلوس مكانه.
ليس مهمًا من الأكفى أخلاقيًا أو ثقافيًا، القوة هي المحدد للأخلاق والقيم والعدالة.

مفهوم صراع الحضارات أو صِدام الحضارات كتبه صاموئيل هنتنغتون في مقال نشر في العام 1993.
طلبت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية، آنذاك، من ابو الصوم/ هنتنغتون/، أن يوسع المقال، ويطوره.
قالت له أثناء جلستنا المشتركة معًا:
ـ يا زلمة، يا بروفيسور، ترانا انتهينا من الحرب الباردة، داخل على الله وعليك يا أبو الصوم، أن تكتب لنا كتابًا توسع فيه مقالك عن صدام الحضارات.
في الحقيقة، ليس مناسبًا أن تبقى الحضارة فارغة، يجب أن نعمل شيئًا وإلا سينخر الدود في هذه الحضارة الميتة، وعلينا إشغال الرجل والنساء بالحروب، والقتال لتشتغل الحضارة والسلاح والموت.
الحروب الأيديولوجية الصلبة السابقة، كالنازية والفاشية قضينا عليها مع أخوتنا في النضال، السوفييت، ثم تخلصنا منهم.
صحيح كانت حربًا بين أيديولوجيتين متعاكستين متنافرتين، بيد أن أيديولوجيتنا انتصرت في الحرب اللاعنفية، أو بالنيابة، ويجب أن نبدأ حقبة جديدة، نسميها صدام الحضارات تيممًا بمقالك المذكور، ولتكن على الإسلام، شو رأيك؟
أردت أن اتدخل في الحديث وأبداء الرأي، بيد أن أولبرايت لم تقبل، وبإشارة من أصبعها صمتْ.
ثم أضافت:
ـ الكلام للبرفيسور، وليس لك يا آرام.
قال البروفيسور هنتنغتون:
ـ والله يا طويلة العمر، الرأي رأيك والشور شورك، ونحن سننطلق على بركة الله بعد موافقتك الكريمة. قالت أولبرايت:
ـ ترى يا هنتنغتون، نريد منك أن توسع لنا الكثير حول هذا الموضوع المهم، حتى نبقى الأقوى على مستوى العالم، وسنضع كتابك إلى جانب كتاب رقعة الشطرنج لأخونا في الدين والناموس بريجنسكي، لنخط استراتيجيية جديدة تكون منفعا لنا على طول المدى.
اكتب عن الهويات، عليك أن تركز على أن الحضارة هي الهوية القاتلة كما سيقول أمين معلوف افندي. صحيح نحن لا نشتري الهوية بجزة بقدونس أو فجل، لكنها، لهذه الشعوب المتخلفة ضرورية جدًا، وركز على الدين واللغة والتاريخ، والكثير من الشعور بالانتماء، والعادات والتقاليد، والأخوة في المصير المشترك.
هنا تدخلت بقوة، قلت لها:
ـ ترى يا أولبرايت، كلامك غير مقبول، لماذا الحضارة الإسلامية تحديدًا، لماذا نحن؟
قالت:
ـ طول بالك يا آرام، بصلتك، هذا جاء من البصل، محروقة كتير يا رجل، حضارتكم لها نصيب الأسد من القسمة، لأزم تفرح أننا صنفناكم في المقدمة، هناك سبع حضارات في مواجهتنا، سنمشي بالدور، سنتخلص منكم أولًا، ثم الواحدة تلو الأخرى، كل حضارة لها نصيب، لا تزعل، هناك الكونفوشية واليابانية، والارتذوكسية والسلافية والهندية والاسبانية والبرتغالية والأفريقية.
التفت إلى البروفيسور.
قلت له:
ـ ترى لديك شغل كتير.
تدخلت اولبرايت، وقالت:
ـ عجل شوي بشغلك، نحن اليوم حضارة سائدة، وهؤلاء ما زالوا مسودين، إذا تأخرت في نشر كتابك، ربما الصين ستأخذ مكاننا. عجل، عجل الله في عمرك.
نظر إليها نظرة الحبيب للحبيب، ثم قال والفرح يغمره:
ابشري يا ابنة العم، من هذه الدقيقة ساشتغل على الكتاب بشأن تتبنيه، ويصبح اسمي نار على علم، ونعمل له سياسة قاتلة، وأخلاق، وننثره في هذا العالم المفكك، وسنربطه بالحرب على الإرهاب.
بكيت بكاءًا مرًا حتى نزل الدمع على شنبي، وصدري، إلى أن وصل إلى الخصيتين.

نحتاج إلى الغطاء
لا يستطيع الإنسان أن يعيش دون غطاء، لهذا صنع لنفسه سماء، وفوق السماء سماء، وفوق السماء السماء إله على مقاس ليس مقاسه أنما تلبية للاشعوره في صدامه مع الشعور.
تمنى أن يكون عادلًا ولم يستطع، وتمنى أن يكون صادقًا ولم يستطع، وأن يكون قويًا ولم يستطع.
لهذا خلق الإله وأغدق عليه الصفات التي أرادها ويريدها ليحقق ذاته الغائبة في الغيب.
لديه في لا شعوره الجمعي إحساس بتأنيب الضمير، ومحاولة نكران الذات، بيد أن قسوة الواقع تعيده إلى الواقع، ولم ير أمامه إلا الإله العظيم، مالك السموات والأرض يعفو عنه خطاياه الوهمية والحقيقية وليعيده إلى جادة الصواب.
إن الرغبة في العودة إلى جادة الصواب يلبسه يوميًا، والإله الذي في ذهنه يستطيع أن يمنحه الغفران الذي يريده، ويسعد لا شعوره عبر التوبة، ليدخل إلى نفسه الراحة النفسية والجسدية، وإعادة الصفاء إلى نفسه المتعبة.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش بصفاء، بذهن خال من رؤية مسبقة.
الإله هو قلبك، ضميرك، وليس في مكان آخر.
حاول أن تطابق بين الشعور واللاشعور من أجل الخروج من النفق أو الظلمة الذي أنت فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس